أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - عبد العزيز وطبان - الحركة النقابية العمالية في العراق ماضيها وحاضرها 1914 2000 - الفصل الأول















المزيد.....


الحركة النقابية العمالية في العراق ماضيها وحاضرها 1914 2000 - الفصل الأول


عبد العزيز وطبان

الحوار المتمدن-العدد: 4091 - 2013 / 5 / 13 - 16:35
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    


نشوء الطبقة العاملة في العراق وتطورها حتى الحرب العالمية الأولى 1914


المبحث الأول

نشوء العلاقات الرأسمالية وتغلغل رؤوس الأموال الأجنبية



منذ منتصف القرن التاسع عشر ، احتل ارض العراق عدد من الغزاة دفعوا به الى الوراء من حيث التطور لسنين عديدة، ففي عام 1258 غزت جيوش هولاكو بغداد ودمرت اركان الحضارة التي بنيت في مئات السنين، وفي عام 1534 تمكن العثمانيون في عهد السلطان سليمان القانوني من الاستيلاء على بغداد وبقي العراق تحت سيطرتهم زهاء اربعة قرون عدا الفترة الواقعة بين عام 1623- 1638 حيث ضم الفرس بغداد الى املالكهم بعد أن استولوا عليها. لقد تميز عهد الاحتلال العثماني في العراق بالحروب المستمرة بين العثمانيين والفرس من ناحية أو بين السلاطين العثمانيين والولاة الذين كانوا يتولون مقاليد الحكم في العراق وينزعون الى الاستقلال بحكمه من ناحية اخرى، مما كان يدفع السلاطين العثمانيين الى تسيير الجيوش والحملات العسكرية لرد هؤلاء الولاة واخضاعهم لارادة الاستانة 1.

لقد اخذت الدولة العثمانية توجه الايالات والسناجق الى كل من يعدها بتقديم اكبر حصة من الأموال مما أدى الى أن تكون مسألة اسناد وجباية الأموال الميرية مقترنة بالمزايدة المالية . وبطبيعة الحال ان الملتزمين لا يتمكنون من الايفاء بوعودهم للدولة دون اللجوء الى ابتكار ابشع وسائل التسلط والاستغلال لغرض الحصول على الثروات التي يحلمون بها، وهذا بطبيعة الحال ساعد كثيراً على تدهور الاوضاع . عمّ الفساد والتحلل في اجهزة الدولة من جهة، وخلق بنفس الوقت امكانات محدودة لظهور محاولات للاصلاح والتجديد في اواسط القرن التاسع عشر لتخلص من الاوضاع المزرية القائمة من جهة أولا ولاقتباس نظم الحياة الاوربية التي اخذت تتطور في تلك المرحلة 2 من جهة اخرى، غير ان محاولات الاصلاح هذه لم تصل الى نتيجة ايجابية.

ان هذه الاوضاع المتردية حولت السلطة العثمانية كما هو معلوم ، إلى " الرجل المريض" مما ادى الى تكالب القوى الامبريالية على تقسيم اراضيها فيما بينها وكان العراق لأهميته الاقتصادية والسياسية والستراتيجية واحداً من اهم اجزاء السلطنة التي كانت هدف العديد من تلك القوى، وخاصة بريطانيا والمانيا حيث بدأت هذه الأخيرة، تنافس بريطانيا في الصراع الذي كان يتركز في الحصول على امتياز التنقيب عن النفط اولاً، وامتياز اقامة خط سكة حديد بغداد ـ برلين ثانياً ، وقد اتخذت كما هو معلوم هذه المنافسة شكلاً سافراً، استطاعت المانيا على اثره ان تحقق بعض النصر في مطلع هذا القرن، فقد كانت96% من السفن التجارية التي دخلت البصرة عام 1900 تحمل العلم البريطاني. في حين لم تدخلها سفينة واحدة تحمل العلم الالماني، واما في عام 1921 فبلغت نسبة السفن الالمانية التي دخلت البصرة 10,2% في الوقت الذي انخفضت فيه نسبة السفن البريطانية الى 84,6% 3 ومع ذلك يمكن القول ان العراق ظل حتى نهاية القرن التاسع عشر غير محتك بالسوق الرأسمالية العالمية الا احتكاكا بسيطاً وبالإضافة الى ذلك كان محادداً للامبراطورية العثمانية التي سيطرت على اراضيه لعدة عقود من السنين ولم ينفتح على العالم الخارجي الا بعد افتتاح قناة السويس وتطور النقل النهري الميكانيكي واصبح نهري دجلة والفرات منفتحين على العالم الخارجي مما أثر بشكل واضح على الاقتصاد الطبيعي السابق حيث اصبح للفائض الزراعي المنتج منافذ لتصريفه سواء بواسطة الوسطاء او السماسرة داخل المدن او يصدر الى الخارج الى الخليج أو الهند.

لقد احتلت القوات البريطانية جزءاً من اراضي العراق خلال الحرب العالمية الاولى وقد ادت العمليات الحربية المدمرة بالاضافة الى سياسة النهب التي مارستها السلطات العثمانية الى تدمير الاقتصاد الوطني وادت الى تعطيل العديد من مشاريع الري واقتلعت اشجار الفاكهة من البساتين وعانى السكان من نقص في المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية ، وارتفعت اسعار البضائع الى ثلاثة وحتى خمسة اضعاف واتسع نطاق التهريب والمضاربة وان المسؤولين العثمانيين والبريطانيين لم يهتموا بحاجيات السكان فاستولوا على الاغذية والعلف والبضائع الهامة والاساسية المختلفة لغرض تطمين تجهيزات جيوشهم وارتفعت الظرائب في مناطق الاحتلال البريطاني خلال الحرب بحوالي المرتين والنصف بالمقارنة مع عامي 1911 و 1912 . 4.

ونتيجة كذلك تفشي الجوع وعمت البطالة بنطاق لم يعرف العراق له مثيلا فخلال شتاء عامي 1917- 1918 اودى الجوع في الموصل وحدها بحياة عشرة الاف شخص وأودت اوبئة الكوليرا والطاعون والتيفوئيد والملاريا والامراض الاخرى بحياة عشرات الالاف من السكان، وعند نهاية الحرب اقفرت مناطق بكاملها من الناس.

ان اقتصاد العراق سواء في عهد الاحتلال العثماني او البريطاني الذي خلفه كان متخلفاً فقد خضعت الصناعة منذ نشوئها للمصالح الاستعمارية بشكل مباشر وباعتبارات ان العراق كان يعد مصدراً للمواد الخام فقد نشأت فيه اولاً وقبل كل شيء صناعة اعداد الصادرات، خاصة بعد ان تطورت تجارة التصدير وبالدرجة الاولى بتصدير التمور والحبوب والشعير والمنتجات الحيوانية كالصوف والجلود فبالنسبة لصادرات التمور فقد ارتفعت على النحو التالي.5.

الجدول رقم 1

الجدول يبين صادرات التمور العراقية من 1860-1913 ( بالاف الأطنان)





السنة الأنتاج السنوي بآلاف الأطنان التصدير بآلاف الأطنان



1860-1870 30 10

1887 60 40

1909-1913 91,5 65






إن هذه الزيادة الملحوضة في صادرات التمور وان لم تكن كبيرة جداً الا انه يمكن القول انها كونت 18% من مجموع صادرات البلاد في الاعوام 1912- 1913 .

إن هذا التوسع في التصدير اوجد ضرورة اعدادها بشكل جيد مما يسهل شحنها الى الخارج، وهذا ما ساعد على بناء مكابس للتمور، كما ساعدت هذه الصناعة على قيام بعض الصناعات الصغيرة المرتبطة بها، وجدير بالذكر كانت الصناديق الخشبية التي تستخدم لتصدير التمور تستورد من الخارج لأن الصناديق التي كانت تصنع محلياً لم تكن في وضع يمكنها منافسة الصناديق الأجنبية وخاصة من حيث السعر.

أما تصدير الأصداف فقد ساعد على نشوء صناعة لأعدادها بشكل بالات 5 للتصدير وقد تولت ذلك شركات بريطانية اهمهما شركة لنج وشركة دارب اندروز وبلغ الانتاج السنوي لكل من هاتين الشركتين حوالي 15 ألف بالة في السنة.

كما تولت مسألة جمع جذور عرق السوس وحزمها وتصديرها شركة امريكية هي شركة ماك أندروز فوريس.

ولوجود قوات الاحتلال العسكري الاجنبي تم انشاء أول معمل آلي لإنتاج الألبسة العسكرية لتلبية حاجة الجيش العثماني، وقد تم هذا في عهد الوالي العثماني مدحت باشا ( 1869- 1872) بالاضافة الى ذلك قامت قوات الاحتلال البريطاني بتنفيذ عدد من المشروعات الزراعية والصناعية بقصد تطمين احتياجاتها الى الغذاء والسلع الاستهلاكية الاخرى فأنشأت دائرة الزراعة العسكرية واناطت بها مهمة للاشراف على مشروع الاستثمار الزراعي الذي نفذته لغرض تطمين حاجة القوات المسلحة من الغذاء 6 .

أن نظرة سريعة على صادرات العراق للفترة 1864-1913 تعطينا صورة واضحة على أن السوق العراقي كان مقتصراً على اعداد الصادرات واستيراد السلع الأجنبية التي كان من الممكن تصنيفها في داخل البلاد.

الجدول رقم (2)

تجارة العراق الخارجية 1864- 1913 7

القيمة والنسب المئوية للصادرات ( ألف باون استرليني)

(الاحصائية التجارية لولايات بغداد والبصرة والموصل)

المادة السنوات 1864ـ1871 1889ـ1895 1912ـ 1913



القيمة النسبة المئوية القيمة النسبة المئوية القيمة النسبة المئوية

التمور 71 48% 306 24% 532 18%

الشعير 1 1% 72 5% 740 24%

الحنطة 9 6% 143 111% 171 5%

مواد الخام 11 7% 252 20 % 271 9%

الحيوانات الحية 3 2% 53 4% 52 2%

الجلود ـ ـ 13 1% 55 2%



المجموع 147 1,272 2,960










يلاحظ من الجدول ان مجموع الصادرات ازدادت بدرجة محسوسة وخاصة صادرات التمور والشعير والحنطة وغيرها من مواد الخام ، فقد قفزت قيمة التمور من 71 ألف باون استرليني للاعوام 1864- 1871 الى 532 ألف باون سترليني للاعوام 1912- 1913 أي قفزت الى حوالي 8 مرات ، وكذلك بالنسبة للشعير والحنطة ومواد الخام وغيرها ، وهذا يدلك بلاشك على انفتاح السوق العراقي للاسواق الاستعمارية العالمية وخاصة في مطلع القرن العشرين، ولو القينا بنفس الوقت نظرة على قيمة الواردات ونوعيتها لنفس الفترة لرأينا ان اكثر بل وجميع السلع المستوردة في تلك الفترة كان من الممكن تصنيعها داخل البلاد، إلا ان السيطرة الاستعمارية كانت تحول دون ذلك وحولت البلاد الى سوق لتصريف السلع الاجنبية وبنفس الوقت لاستنزاف ثرواته الزراعية والمعدنيى واستغلال قواه البشرية.





الجدول رقم (3)

تجارة العراق الخارجية للسنوات 1864- 1913

القيمة والنسب المئوية للواردات الرئيسية 8 (تشمل تجارة الترانسيت لإيران) بالاف الباونات الاسترلينية .

السنوات

المواد 1864ـ1871 1888ـ 1895 1912ـ 1913

القيمة النسبة القيمة النسبة القيمة النسبة



المشروبات والالبسة 94 30% 520 45% 999 29%

الطعام والمشروبات 91 28% 255 22% 802 23%

الادوات المنزلية 16 5% 31 31% 127 4%

المواد الخام 79 25% 305 21% 1,073 31%

المجموع الواردات 319 1,161 3,468






يلاحظ من الجدول السابق رقم (3) أن نسبة الاستيراد ارتفعت عموماً وبشكل قفزة للسنوات 1912/ 1913 أي السنة التي سبقت الحرب العالمية الأولى وان كانت النسبة المئوية انخفضت بالنسبة للمشروبات والألبسة الى 29% الا ان القيمة ارتفعت الى الضعف تقريباً قياساً الى عام 1895 ، ومع أن النسبة ظلت على ماهي عليه في استيراد الاطعمة والمشروبات والتبغ لنفس الفترة 1895 و 1913 الا ان القيمة لحجم الاستيراد من تلك المواد ازدادت بحدود ثلاث مرات ونصف المرة ونفس الشيء بالنسبة للمواد الاخرى ولا سيما مواد الخام والمواد شبه المصنعة وهذا ما يشير الى نشوء بعض الصناعات الوطنية الاستهلاكية الصغيرة والتي لا تتعدى بعض الصناعات الميكانيكية كورش التصليح المختلفة وبعض مكائن النسيج وصناعة الحلويات والمياه الغازية وغيرها من الصناعات الأولية ، الى جانب ذلك نرى من بين السلع المستوردة المشروبات والتبوغ وبعض الاطعمة مثل المربيات والعنبة الهندية والتوابل وجوز الهند وغيرها. إن غالبية المواد المستوردة يمكن تصنيعها محلياً والاستفادة من العملة الصعبة في استيراد السلع التي تساعد على التطور الاقتصادي للبلاد، الا ان هذا كان يصطدم بالسياسات التي خططتها الاجهزة الحاكمة والمشرفة على تسيير شؤون البلاد، وهي بهذه السياسة حولت البلاد الى سوق لتصريف البضائع الاجنبية .

وخلاصة القول ان الصناعات التي كانت سائدة في تلك الفترة بسبب غزو البضائع الاجنبية وسيطرتها على السوق الداخلي للقطر كانت تتسم بالطابع الحرفي بوجه عام عدا بعض الصناعات الاستهلاكية التي لم يكن بالامكان استيرادها لعدم اهميتها، الا ان من يقرأ ما كتبه الباحث حنا بطاطو وخاصة البحث المعنون " التحليل الطبقي والمجتمع العراقي" يجد ان هناك بعض الصناعات في الريف العراقي والتي هي حرفية ايضاً، يجد في هامش البحث 9" كان تقسيم العمل ضمن الحلف العشائري، أشد تعقيداً مما يشير اليه هذا الموجز ، ضمن حلف المنتفك على سبيل المثال كان الحساوية زراعاً والجوابر صيادي سمك ومنتجين للرز والمشايلة رعاة والحسينات حياكاً وبني سفيد بقالين والنواش المعدان صناع زوارق وحمالين نهريين " الخ . ان هذه الحرف الى جانب صناعة البواري التي تحاك من القصب والحصران وغيرها تعطينا لوحة عن شكل وطبيعة الوضع الاقتصادي الصناعي في الريف والتي تعكس اثارها على المدن وبالتالي على الاقتصاد العراقي في تلك الفترة والتي تميزت بالصناعات الحرفية واغلبها وخاصة في الريف كانت صناعات بدائية سادت وفرضت وجودها لمئات السنين .









المبحث الثاني:

نشوء وتطور النواتات العمالية حتى الحرب العالمية الاولى



إن التطور الصناعي البطئ ونشوء صناعة اعداد الصادرات واعتماد السوق المحلي على السلع الاجنبية المستوردة وتركز تجارة التصدير بيد الاجانب وخاصة الانجليز بالدرجة الاولى وسيادة الصناعات الحرفية في المدينة والريف العراقي خلق وضعاً غير مناسب للتطور الاقتصادي، فقد اخذت عملية تكوين وتطوير البرجوازية الوطنية تسير ببطء واصطدم تطورها منذ البداية بعوائق كبيرة واهمها ضغط رأسمال الاجنبي الذي تضاعف مع الاحتلال البريطاني ، هذا من جهة، ومن جهة اخرى حتى الصناعات الحرفية الوطنية لم تسلم فقد ضربتها السلع الاجنبية المستوردة لعدم قدرة انتاجها على منافسة تلك السلع الأقل ثمناً والاحسن جودة، فتردى نتيجة ذلك الوضع المعاشي بشكل كبير الى درجة انه حال دون نمو العلاقات الاقتصادية في البلاد الا بدرجة بطيئة جداً : فعلى سبيل المثال نذكر هنا ان الفرد العراقي ظل الى ما قبل الحرب العالمية الاولى يشتري من البضائع المستوردة وفي احسن الاحوال 18 مرة أقل من الفرد الايطالي و11 مرة اقل من الفرد المصري و7 مرات اقل حتى من المعدل العام في الامبراطورية العثمانية نفسها ، وقد حال الاندماج بالسوق الرأسمالية دون استمرار التطور الطبيعي للانتاج الحرفي في المدينة بشكل يقضي على ظهور فئات اجتماعية متنفذة من نوع جديد. فقد تقلص عدد انوال النسيج العاملة في مدينة بغداد وحدها من 12 ألف نول في النصف الأول من القرن التاسع عشر الى مئات قليلة فقط في النصف الأول من القرن العشرين 10 وبنفس الوقت كان مجال التطور امام الصناعة الوطنية ضيقاً الى حد كبير كما اسلفنا بحيث ان استيراد آلة نسيج يدوية واحدة من الخارج الى بغداد كان يعد " مادة تستحق اهتماماً خاصاً حسب تعبير القنصل البريطاني " 11.

ولهذا فأن التغيير في التركيب الاجتماعي لا يمكن أن ينفصل عن التغييرات التي طرأت على العلاقات الانتاجية والاقتصادية في القطر ولا سيما التغييرات التي حصلت في القطاع الزراعي سيما وأن اعداد كبيرة من سكان البدو انتقلوا الى الزراعة. فمن عام 1867 حتى عام 1905 أي في غضون 40 سنة تقريباً انخفضت نسبة العنصر البدوي والذين انتقلوا الى الزراعة من 35% من مجموع السكان الى 17% أي ما يعادل نصف سكان البدو انتقلوا الى العمل الزراعي كما ازدادت نسبة سكان الارياف من 41% من مجموع السكان الى 59% لنفس الفترة وهذه الزيارة على حساب السكان البدو. وبنفس الوقت لم تتأثر نسبة سكان الحضر في تلك الفترة الا قليللاً ، أي ان من 24% عام1867 الى 25% في عام 1905 12 ، وهذا يفسر بسياسة تحجيم الصناعة ومحاربة كل محاولة انماء للقطاع الصناعي لأنه لا ينسجم ومصالح الاحتكارات الإمبريالية التي وجدت في العراق سوقاً رائجة سواء من حيث توفر مواد الخام والمواد الأولية والمواد الزراعية، أو من حيث تصريف السلع الاستهلاكية المصنوعة في الخارج . وبنفس الوقت ملاحظة ان التطور الذي حصل في تلك الفترة في مجال الزراعة انسحب للسنين التالية ليس للفترة موضوعة البحث بل امتد للسنين اللاحقة بشكل واضح وهذا ما سنتطرق اليه.

إنّ التطور الذي حصل في مجال الزراعة اثر على توسع الصادرات وبالتالي ساعد على نشوء صناعة اعداد الصادرات كما اسلفنا ، وهذا حفز بهذا القدر أو ذاك على نشوء طبقة عاملة وان كانت غير مرتبطة بصناعة متطورة بل بالصناعات ذات الطابع الحرفي بوجه عام، ومع ذلك يمكن اعتبار ما حصل خطوة هامة في طريق نشوء نواتات عمالية حيث لم تتبلور بنية الطبقة العاملة في تلك الفترة، إذ كان معظم عمال البلاد في تلك الفترة من الحرفيين الذين يتراوح عددهم آنذاك بين 100 ألف و 150 ألف شخص وكانت اجورهم واطئة الى درجة كبيرة، حيث كانت تتراوح بين 3-4,5 قرش في اليوم للرجل وهذه اعلى نسبة قياساً الى الآخرين، وخاصة بالنسبة الى المرأة العاملة، حيث كانت اجورها لا تتجاوز 3 قروش في اليوم بأية حالة 13. وحتى نهاية الحرب العالمية الأولى كان يعمل حسب الاحصاءات الرسمية في العراق بحدود : 11829 موظفاً مدنياً منهم 8566 عراقياً و2216 هندياً ولم يتجاوز عدد الموظفين الانجليز (من ذلك الرقم) الألف فقط، هذا ما جاء في " الكتاب الأبيض" الذي اصدره مؤلفوه لاثبات ان حكومة لويد جورج لا تنوي تحويل العراق الى امتداد للهند في الشرق الاوسط ولا تعتمد الا على الاصليين من السكان" ومع ذلك نرى أن "الكتاب الابيض " يتجاهل عن قصد مسألة " أن العراقين يشغلون بالأساس الوظائف الادارية والكتابية والتنفيذية الصغيرة فقط وان الانجليز الألف هم حكام البلاد الفعليون وان 105 فقط من مجموع 2500 شخص من العاملين في مشاريع السكك عام 1918/1919 كانوا من السكان الاصلين، فيما كان80% منهم من الهنود والبقية كانوا من الاوربيين ، وقد كان هذا سبباً في ان يكون شعار استفتي العراقيين في المؤسسات الحكومية واحداً من الشعارات الرئيسية للحركة العمالية منذ نشوئها في العشرينات 14.

ان وضع العمال في الفترة حتى عام 1981 أي حتى نهاية الحرب العالمية الاولى يتلخص في سيادة الطابع الحرفي على غالبية الاعمال حيث كان الانتاج البضاعي البسيط المتمثل في الحياكة والنجارة وصنع الفخاريات وقص اللبن والطابوق النيء وصناعة البواري والحصران وغيرها من الصناعات اليدوية والتي لا تتجاوز عدد الاصابع وان كان الريف يتمثل في أن "البنية العشائرية التي كانت بالأساس تدور حول الدور العسكري، وقد تحكم ذلك الواقع بالهرمية العشائرية التي كانت قائمة " 15 . ومع ذلك فأن الصناعات الحرفية لعبت دوراً لا يستهان به في الانتاج السلعي، وكانت اجور العمال متدنية بشكل واضح بالاضافة الى ان ساعات العمل اليومي كانت تمتد من شروق الشمس حتى غروبها، أي أن يوم العمل كان يمتد أحياناً الى ما يزيد على 12 ساعة عمل يومياً، وهذا طبيعي عندما لا توجد حماية للعمال ولا قوانين عمل يجد فيها العامل ما يشير الى تحديد حقوقه، ماله وما عليه، وهذا ما جعل العمال بالرغم من عدم وجود تنظيم، مهما كان بسيطاً ينظمهم سواءً كان نقابياً أو سياسياً، يقفون ضد هذه الحالة غير الطبيعية والاانسانية، ففي عام1916 تحرك العمال في شركة بيت لينج الانجليزية مطالبين بانصاف حقوقهم إذ قدم عمال الدوكيار في البصرة بعريضة الى الشركة يطالبون برفع الحيف عنهم وذلك بمساواتهم بالعمال الاجانب من ناحية الاجور والاجازات 16 الا أن الشركة رفضت مطاليب العمال إذ كانت مسندة من قبل قوات الاحتلال، ومع ذلك كان رد العمال القيام بالاضراب ، فكان اضراباُ عفوياً يدل على اصرار العمال على تحقيق مطاليبهم البسيطة هذه، وقد جوبه هذا الاضراب بالعنف وكسر بقوة السلاح، الا ان العمال رغم هذه النتيجة حققوا اهدافاً نوعية، إذ كان حدوثه في وقت كانت الطبقة العاملة غير منظمة وغير واعية لأهدافها، جعل العمال يشعرون بقوتهم وشخصوا النقص في خطوتهم هذه وازدادوا حقداً على مستغليهم وشخصوا عدوهم الطبقي الذي لا يرحم وميزوا اصدقاءهم الذين يمكن أن يتعاونوا منهم مستقبلا، إن هذا الضراب لم يكن الوحيد في تلك الفترة الا انه كان مثالاً جيداً لانه اصطدم مع شركة اجنبية من جانب وكان تأثيره على العمال عموماً وعلى الحركات العمالية العفوية مثل التي قام بها العمال في بغداد والنجف والبصرة وغيرها خصوصاً وجميعها كانت صغيرة وضيقة.

من كل ذلك يمكن الاستدلال بأن الطبقة العاملة في السنين الأخيرة التي سبقت الحرب العالمية الأولى بدأت تظهر كنواتات لها شأن برز بشكل واضح في سني ما بعد الحرب.



#عبد_العزيز_وطبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحركة النقابية العمالية في العراق ماضيها وحاضرها


المزيد.....




- “الآن وبسهولة” .. التسجيل في منحة البطالة بالجزائر 2024 بالخ ...
- WFTU in solidarity with threatened Auchan workers and the st ...
- “وزارة المالية تجيب” ما هي حقيقة زيادة رواتب المتقاعدين في ا ...
- وزارة المالية العراقية تكشف عن تفاصيل رواتب المتقاعدين لشهر ...
- “الحكومة الجزائرية” تكشف زيادة رواتب المتقاعدين وموعد صب الر ...
- زيادة رواتب المتقاعدين في العراق+ رابط الاستعلام الجديد.. وز ...
- مركز الفينيق ومعهد غرب آسيا وشمال إفريقيا (WANA) يوقّعان مذك ...
- رئيس عمال مصر يتوجه بالتهنئة إلى «سامى سعدون» بمناسبة ترشيحه ...
- مركز الفينيق ومعهد غرب آسيا وشمال إفريقيا (WANA) يوقّعان مذك ...
- أوضاع اجتماعية واقتصادية رديئة لأعوان الوكالة الوطنية لحماية ...


المزيد.....

- الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح ... / ماري سيغارا
- التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت ( ... / روسانا توفارو
- تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات / جيلاني الهمامي
- دليل العمل النقابي / مارية شرف
- الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا ... / خميس بن محمد عرفاوي
- مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها / جهاد عقل
- نظرية الطبقة في عصرنا / دلير زنكنة
- ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟ / محمد الحنفي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - عبد العزيز وطبان - الحركة النقابية العمالية في العراق ماضيها وحاضرها 1914 2000 - الفصل الأول