أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منذر خدام - مثقفون وسياسيون رعاع















المزيد.....

مثقفون وسياسيون رعاع


منذر خدام

الحوار المتمدن-العدد: 4091 - 2013 / 5 / 13 - 16:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



تستخدم كلمة " رعاع " للدلالة على القاع الاجتماعي، لتوصيف أولائك الذين تحركهم غرائزهم وليس عقولهم، ويتميزون بميل واضح نحو الفوضى والعنف. في الحقل السياسي كثيراً ما تستخدم كلمة " رعاع " من قبل القوى الاجتماعية المسيطرة وأيديولوجيها لتوصيف القوى المجتمعية المهمشة، التي تقع عند الحدود السفلى للطبقة العاملة، والتي جرى تعيينها في الأدب الماركسي بمصطلح "البروليتاريا الرثة". يبرز حضور ودور " الرعاع " بصورة خاصة في حالة الأزمات المجتمعية الحادة، وما ينجم عنها من انتفاضات واسعة، أو ثورات، وتكون في حالات كثيرة أدواتها غير الواعية. بهذا المعنى والاستخدام فإن كلمة "رعاع" تتجاوز حدود التعيين الطبقي الماركسي لتشمل فئات اجتماعية واسعة دفعت بها الصراعات الطبقية والاجتماعية، وإزاحة التكنولوجيا للعمل الحي من دوائر الإنتاج، بل الاستخدام، نحو القاع لتعيش فيه حالة من التهميش، تجعلها تتصرف بطريقة غرائزية محكومة بفكر يومي مبتذل.
في اللغة كلمة "رعاع " تعني "سفلة القوم "، أو أولائك الذين " لا عقل لهم ولا قلب". بهذا المعنى فإن كلمة "رعاع " لا تتعين من خلال من هم في القاع الاجتماعي طبقياً، بل من خلال من هم في مختلف المواضع المجتمعية. ويبدو لي، من خلال الحالة السورية، أن الرعاع هم الأكثر حضورا في الحقلين الثقافي والسياسي، وهم الأشد خطراً على الوطن والدولة والشعب والثورة، لأنهم يمارسون رعاعهم بوعي وهدف سافلين، أي بلا "عقل وقلب". فعندما ينتقل مثقف ماركسي عبر مختلف التنظيمات الماركسية المحلية ليصير طائفيا فجاً بامتياز يكون قد تتطور نحو وضعية الرعاع. وعندما يتحول فيلسوف لطالما أتحفنا بتنظيراته الناقدة للفكر الديني، إلى مجرد داع طائفي، يكون قد صار من الرعاع. هذه الحالة تشمل قائمة واسعة من المشتغلين في الحقل الثقافي في سورية، إذ بدلا من أن يستخدموا أدواتهم الثقافية في إنتاج فهم صحيح بما يجري في سورية، نجدهم قد تخلوا عن وظيفتهم ودورهم ومسؤوليتهم، وتحولوا إلى مروجين للعنف بصورة عامة، وخصوصاً العنف الطائفي منه على وجه الخصوص، سواء من خلال كتاباتهم، ومواقفهم، أو من خلال علاقاتهم العامة. فبدلا من أن تدفعهم مشاهد القتل والتنكيل بالسوريين، سواء من قبل قوات النظام وشبيحته، أو من قبل قوات المعارضة المسلحة، أو مشاهد التدمير للبلد، وبنيته التحتية، والاقتصادية، ومنشآته العمرانية، إلى الدعوة إلى وقف العنف، والقبول بالحلول السياسية، نجدهم يدعون وبحماس إلى استمرار الصراع حتى " أخر سوري" وآخر بيت. لقد صار العنف والترويج له عنوان الدور الجديد الذي يؤدونه، إنه عنوان تحولهم إلى رعاع بامتياز، خصوصا بعد أن صاروا في مأمن منه، مع عائلاتهم وأولادهم.
حالة الرعاع نجدها أكثر حضوراً عند السياسيين، والإعلاميين، وبعض المشتغلين في مجال حقوق الإنسان المعارضين، فعندما تخلى هؤلاء عن الدور والوظيفة المحددة لكل منهم بحسب طبيعة عمله الأساس، وصار مجرد ديماغوجي، وداع حربي، ومروج للعنف، يكون قد تخلى عن عقله وقلبه، وتحول إلى وضعية الرعاع. إن السمة البارزة على انتشار حالة "الرعاع" في أوساط السياسيين السوريين هو تخليهم عن أدوات التحليل السياسي للواقع الملموس، وبناء مواقفهم على حساباته،لصالح تأسيس السياسة على الرغبات والأمنيات، وخصوصاً على الكراهية والانتقام. ومن المبكي في هذا المجال أن يقوم تبريرهم لانحيازهم إلى جانب العنف على أساس القول بأن الثورة لا تكون بدون عنف، حتى ولو كان هذا العنف سوف يذهب بالبلد والناس إلى التدمير. إن الوضعية الصفرية، بل مادون الصفرية، التي روج لها أحد جهابذة المعارضة بالعلاقة مع اجتياح القوات الأمريكية للعراق، تسود اليوم في أوساط كثير من السياسيين المعارضين السوريين للأسف. بالنسبة لهؤلاء فهم لا يشعرون بأي حرج، من أجل تحقيق هذه الوضعية، الاستعانة بكل من يستطيع تغذية العنف، بغض النظر عن أهدافه الخاصة المباشرة أو البعيدة، بل وبغض النظر عن كل مطالب الشعب بالحرية والديمقراطية التي يزعمون أنهم من دعاتها والعاملين عليها.
تبدو حالة "الرعاع" التي تتخبط بها المعارضة السياسية والعسكرية السورية، أكثر بروزا من خلال الفوضى التي تتحكم بها وعدم قدرتها على التوحد، أو في الحد الأدنى التنسيق فيما بينها، رغم ما تدَّعيه من وحدة الهدف، وهو إسقاط النظام الاستبدادي، من أجل بناء نظام ديمقراطي بديل. من هذه الناحية تبدو المعارضة مبدعة في رعاعها، فهي ليس فقط تجيد الفرقة، بل تجيد أيضاً الانحطاط إلى مستوى تكويناتها الأهلية، وإعادة إبراز دورها في الحقل السياسي، وجعل حضورها حاسماً في الديمقراطية التي تدعو إليها. إن تحول بعض المعارضة السياسية الغالب إلى دكاكين تتاجر بدماء السوريين، وتعتمد سياسة تخوين بعضها لبعض الآخر، بل ورهن إرادتها السياسية لمن يدفع أكثر، أي العمل حسب الطلب، لهي من سمات الرعاع بامتياز. واليوم، مع الإعلان عن المبادرة الروسية الأمريكية المشتركة لعقد مؤتمر دولي يهيئ لحل سياسي تفاوضي ينهي الأزمة في سورية، ويحقق للشعب السوري مطالبه في الحرية والديمقراطية، بدأت طبيعة الرعاع المتحكمة بكثير من المعارضين مستنفرة لتفشيل هذا المسعى، تحت دعاوى من قبيل " لا يمكن الجلوس مع الجلاد"، أو " لا يمكن القبول بذلك قبل تنحي الأسد وأركان حكمه أولاً"، وغير ذلك من المطالب التعجيزية. تحضرني بهذه المناسبة نصائح السفير البولوني المستوحاة من تجربة بلده خلال عمليات التحول إلى النظام الديمقراطي، إذ قال ينبغي أن تدركوا أن النظام السابق ليس مجرد شخص هنا، وشخص هناك، إنه أجهزة الدولة بكاملها، ولكي نضمن عدم انهيار الدولة، عملنا إلى الاستفادة من السلطة القائمة للمساعدة في التحول إلى النظام الديمقراطي بأقل الخسائر، لذلك وافقنا على مشاركتها في المرحلة الانتقالية، ومنحناها الأغلبية في مجلس الوزراء. الشيء الذي لم نساوم عليه هو إعداد دستور ديمقراطي حقيقي، وجميع القوانين المكملة له، وإجراء انتخابات نزيهة وشفافة ومراقبة دولياً، وهذا ما حصل. وعندما جرت الانتخابات هزمنا السلطة السابقة وضمنا ولاء أجهزة الدولة إلى النظام الجديد. وفي "رسالة مانديلا " للثوار العرب يعرض فيها كاتبها دروسا بليغة في السياسة والحكمة، مستوحاة من تجربة جنوب أفريقا في الانتصار على نظام الفصل العنصري، وإعادة تكييف العنصريين السابقين بما ينسجم مع النظام الديمقراطي الجديد، وهذا ما حصل. عندنا لا يرضى كثير من مثقفينا وسياسيينا أقل من القضاء على النظام السابق، حتى ولو انهارت الدولة، حتى ولو تمزقت سورية إلى دويلات طائفية، أو إمارات حرب متصارعة، حتى ولو تحالفوا مع إسرائيل، حتى ولو طلبوا المساعدة منها في تحقيق ما يرغبون، لكنهم عاجزون عن تحقيقه، إنهم حقيقة بلا عقل وبلا قلب، ببساطة إنهم رعاع.



#منذر_خدام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عفوا مانديلا نحن غير
- للامنطق في - منطق الثورة والمعارضة-
- السوريون وخطة كوفي عنان
- روسيا والدم السوري المسفوح
- مبادرة كوفي عنان إنقاذ للنظام السوري
- عام على الثورة- الشعب يزداد تصميماً
- النظام السوري والمآل المحتوم
- حول دور القوى اليسارية في الربيع العربي
- رؤية هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الوطني الديمقراطي في ...
- عندما تأسرنا الكلمات
- النظام الذي نريد اسقاطه
- سأظل أقتلكم حتى ترفعو السلاح
- دلالات اجتياح حماة
- مجريات وثائق المؤتمر التشاوي لبعض المستقلين والمعارضين غير ا ...
- قراءة متانية في خطاب الرئيس بشار الأسد
- قراءة في رؤية لجان التنسيق المحلية لمستقبل سورية السياسي
- عبد الرزاق عيد وإعلانه في الخارج
- بمثابة مبادرة وطنية للانتقال السلمي المتدرج والآمن من النظام ...
- أفاق الزمن القادم
- الثورة في تونس وفي مصر بين القطع البنيوي والقطع التطوري


المزيد.....




- الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي ...
- -من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة ...
- اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
- تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد ...
- صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية ...
- الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد ...
- هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
- الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
- إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما ...
- كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منذر خدام - مثقفون وسياسيون رعاع