|
الإنسان وفصول الطبيعة
راندا شوقى الحمامصى
الحوار المتمدن-العدد: 4090 - 2013 / 5 / 12 - 18:13
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الطبيعة هي كيفية أو حقيقة ينسب إليها بحسب الظاهر الحياة أو الموت أو بعبارة أخرى يرجع اليها تركيب جميع الأشياء وتحليلها، وهي خاضعة لنظم صحيحة وقوانين ثابتة وترتيبات كاملة وهندسة بالغة لا تتجاوزها أبداً الى درجة أنك لو تلاحظ بنظر دقيق وبصر حديد تجد أن الكائنات في عالم الوجود من الذرات غير المرئية الى أعظم الكرات الجسيمة ككرة الشمس وسائر النجوم العظيمة والأجسام النورانية في نهاية درجة من الانتظام سواء من حيث الترتيب أو التركيب أو من حيث الهيئة أو الحركة، وتراها جميعاً تحت قانون كلي واحد لا تتجاوزه أبداً، وإذا نظرت الى الطبيعة ذاتها، تجدها بلا شعور ولا إرادة، فمثلاً النار طبيعتها الإحراق وتحرق بلا إرادة ولا شعور، والماء طبيعته الجريان ويسيل بلا إرادة ولا شعور، والشمس طبيعتها الضياء وتضئ بلا إرادة ولا شعور، والبخار طبيعته الصعود ويصعد بلا إرادة ولا شعور، ويتضح من هذا ان الحركات الطبيعية لجميع الكائنات جبرية، ليست لكائن ما حركة إرادية سوى الحيوان ولا سيما الإنسان، فالإنسان يقدر على مخالفة الطبيعة ومقاومتها، لأنه كشف طبائع الأشياء، وبذلك يحكم على الطبيعة وأن ما وصل اليه من الاختراعات والصنائع كانت نتيجة كشفه النقاب عن طبائع الأشياء كاختراعه البرق (التلغراف) الذي اتصل به الشرق والغرب، ومن هذا نعلم ان للإنسان سلطاناً وحكماً على الطبيعة. فهل يمكن أن يقال ان تلك النظم والترتيبات والقوانين التي تشاهدها في الوجود هي من تأثيرات الطبيعة، مع أنها لا إدراك لها ولا شعور؟ إذاً فالطبيعة ليس لها إدراك ولا شعور وهي في قبضة الحق القدير، المدبر لعالم الطبيعة ويظهر منها ما يشاء. يقولون إن من جملة الأمور التي تحدث في عالم الوجود من مقتضيات الطبيعة هو وجود الإنسان، إن صح ذلك يكون الإنسان فرعاً والطبيعة أصلاً، وهل من الممكن أن توجد إرادة وشعور وكمالات في الفرع ولا وجود لها في الأصل؟ فتبين من هذا أن الطبيعة من حيث ذاتها في قبضة الحق الحي القدير الذي حكمها وأخضعها لقوانين ونظم ثابتة.
في هذا العالم المادي للزمان ادوار وللمكان اطوار وللفصول دوران وللنفوس رقي وانحطاط ونمو، فطورا فصل الربيع وتارة فصل الخريف وآونة موسم الصيف ومرة وقت الشتاء، فلموسم الربيع سحاب بدرّه المدرار وله نفحة مسكية ونسيم يحيي الأرواح وهواء في نهاية الاعتدال، فيه تهطل الامطار وتسطع الشمس وتهب الرياح اللواقح ويتجدد العالم وتظهر نفحات الحياة في النبات والحيوان، والانسان، وتنتقل الكائنات الأرضية من حالة الى حالة اخرى وتلبس جميع الأشياء ثوبا جديدا ويخضر سطح الغبراء وتكسو الجبال والصحارى حلة خضراء وتورق الأشجار وتزهر وتنبت الحدائق الورد والرياحين ويصير العالم عالما آخر، وتتجدد حياة من في الامكان وتدب في الأجساد الخامدة روح جديدة ويكتسب العالم لطافة وصباحة وملاحة غير متناهية، اذا فالربيع هو سبب الحياة الجديدة وواهب الروح البديعة، ثم يتلوه موسم الصيف، فتشتد الحرارة ويبلغ النمو والنشوء نهاية القوة فتصل قوة الحياة في عالم النبات الى درجة الكمال، ويأتي زمن الحصاد وتصبح الحبّة بيدرا، ويتهيأ القوت لفصلي الخريف والشتاء، ثم يأتي فصل الخريف المخيف وتهب الرياح العقيمة ويأتي دور السقم، ويذهب رونق جميع الأشياء ويتكدر الهواء اللطيف ويتبدل نسيم الربيع بريح الخريف وتذبل الأشجار المخضرّة ذات الطراوة وتتعرى، وترتدي الأزهار والرياحين رداء الحزن ويقفر البستان الجميل، وتزول نضارته، ثم يأتي فصل الشتاء ويكثر البرد والزوابع، وفيه ثلج وعواصف وبَرَد ومطر ورعد وبرق وجمود وخمود، وتصبح جميع الكائنات النباتية في حالة الموت، ويلحق الموجودات الحيوانية الذبول والخمول، وعندما تصل الحالة الى هذه الدرجة يأتي فصل الربيع الجديد المنعش للأرواح مرة أخرى، ويتجدد الدور ويرفع موسم الربيع سرادقه على الجبال والصحارى بكمال الحشمة والعظمة والطراوة واللطافة، ويتجدد هيكل الموجودات وخلقة الكائنات مرة أخرى، فتنمو وتنشأ الأجسام وتخضرّ الصحارى وتنضر السهول وتتبرعم الأشجار وهكذا يعود ربيع العام الفائت مرة أخرى بنهاية العظمة والجلال. واستمرار هذا الدور والتسلسل ضروري ومناسب لحياة الكائنات وعليه يكون مدار العالم الجسماني، وعلى هذا المنوال تكون أدوار الأنبياء الروحانية، يعني أن يوم ظهور المظاهر المقدسة هو الربيع الروحاني والتجلي الرحماني والفيض السماوي ونسيم الحياة واشراق شمس الحقيقة، فيه تحيا الأرواح وتهتز وتنتعش القلوب وتطيب النفوس ويتحرك الوجود وتستبشر الحقائق الأنسانية وتنمو وترتقي في المراتب والكمالات وتحصل الترقيات الكلية والحشر والنشر، لأنها أيام قيام وزمن حركة واشتعال وآونة فرح وسرور ووقت انجذاب موفور، ثم ينتهي ذلك الربيع المنعش للأرواح بالصيف المملوء بالثمار، فتعلو فيه كلمة الله وتروج شريعته وتصل جميع الأشياء الى درجة الكمال وتبسط المائدة السماوية وتعطر نفحات القدس الشرق والغرب، وتنتشر التعاليم الالهية في العالم، وتتربى النفوس وتحصل النتائج المشكورة وتتجلى الترقيات الكلية في العالم الإنساني، وتحيط الفيوضات الرحمانية وتشرق شمس الحقيقة من أفق الملكوت بنهاية القوة والحرارة، وعندما تصل الى دائرة نصف النهار تميل الى الغروب والزوال،، ويعقب ذلك الربيع الروحاني زمن الصيف فيقف النشوء والنمو، ويتبدل النسيم بالريح العقيم ويُذهب الموسم السقيم بنظارة البساتين والسهول ولطافة حدائق الأزهار، يعني تزول الانجذابات الوجدانية وتتبدل الأخلاق الرحمانية وتخبو نورانية القلوب وتتغير روحانية النفوس وتتحول الفضائل بالرذائل ولا يكون تقديس و لا تنزيه، و لا يبقى من شريعة الله الاّ الاسم ولا من تعاليمه الاّ الرسم، فيمحى وينعدم أساس دين الله وتوجد طقوس ورسوم ويحصل التفريق وتتبدل الاستقامة بالتزلزل، فتموت الأرواح وتنطمس القلوب وتخمد النفوس، ثم تأتي أيام الشتاء فتحيط برودة الجهل والعمى وتستولي ظلمة الضلالة النفسانية، وعندئذ يكون جمود وعصيان وسفاهة وكسل وسفالة وشؤون حيوانية وبرودة وخمود جمادي كما في فصل الشتاء الذي فيه تحرم كرة الأرض من تأثير حرارة الشمس وتصير مخمودة مغمومة، وعندما يصل عالم العقول والأفكار الى هذه الدرجة فذاك موت أبدي وفناء سرمدي، وبعد أن ينتهي موسم الشتاء وشؤوناته يأتي الربيع الروحاني مرة أخرى ويتجلى الدور الجديد ويهب النسيم الروحاني ويتنفس الصبح النوراني ويمطر السحاب الرحماني وتسطع أشعة شمس الحقيقة، فيحيا عالم الامكان حياة جديدة ويلبس خلعا بديعة، فتتجلى مرة أخرى في هذا الربيع الجديد جميع آثار الربيع الماضي ومواهبه وربما تكون بحالة أعظم وأبهج، وان الأدوار الروحانية لشمس الحقيقة كأدوار الشمس الظاهرة دائما في التجدد والدوران. فمثل شمس الحقيقة كمثل الشمس الظاهرة لها مشارق ومطالع متعددة، فيوما تطلع من برج السرطان ووقتا من برج الميزان وزمانا تشرق من برج الدلو وآونة تتشعشع انوارها من برج الحمل، ومع ذلك فالشمس شمس واحدة وحقيقة واحدة، وأولو العلم يعشقون الشمس ولا يفتنون بالمشارق والمطالع وأهل البصيرة يطلبون الحقيقة لا المظاهر والمصادر، لذا يسجدون للشمس من أي برج أشرقت وطلعت ويطلبون الحقيقة المقدسة من أي نفس ظهرت وبرزت، فهذه النفوس تهتدي دائما الى الحقيقة و لا تحتجب عن شمس العالم الألهي، فعاشق الشمس وطالب الأنوار يتوجه دائما الى الشمس سواء تشعشعت من برج الحمل أو افاضت من برج السرطان أو سطعت من برج الجوزاء، اما الجاهلون الغافلون فلا يعشقون سوى البروج و لا يهيمون بغير المشارق، فمثلا اذا كانت الشمس في برج السرطان توجهوا اليها و لا يغيرون اتجاههم هذا لحبهم في البروج لهذا يحتجبون عن الشمس وأنوارها اذا انتقلت الى برج الميزان، مثلا تشعشعت شمس الحقيقة وقتا ما من البرج الابراهيمي، ثم تنفس الصبح من البرج الموسوي وأضاء الافق، ثم طلعت من برج المسيح في نهاية القوة والحرارة والاشراق، فطلاب الحقيقة سجدوا لها اينما وجدت، وأما المتمسكون بالمطلع الابراهيمي فاحتجبوا عنها وقتما تجلت على الطور واضاءت الحقيقة الموسوية، وهؤلاء الذين تمسكوا بموسى احتجبوا عنها حينما تجلت من النقطة المسيحية في نهاية النورانية والجلوة الربانية، وقس على ذلك. اذا يجب على الانسان ان يطلب الحقيقة وأن يكون ولِهاً بها حيثما وجدها في أي ذات مقدسة، وأن يكون منجذبا للفيض الالهي، وأن يكون كالفراش عاشقا للنور في أي زجاجة أضاء وسطع، أو كالبلبل مفتونا بالورد في أي حديقة تفتح ونبت، فان طلعت الشمس من مغربها فهي هي فلا ينبغي الاحتجاب بالمشرق واعتبار المغرب محل الغروب والأفول، كذلك يجب تحري الفيوضات الالهية والبحث عن الأشراقات الرحمانية ويجب الَوَلَه والانجذاب لكل حقيقة بانت وظهرت، أنظروا اليهود لو لم يكونوا متمسكين بالافق الموسوي ونظروا الى شمس الحقيقة لشاهدوها البتة في المطلع الحقيقي المسيحي في نهاية الجلوة الرحمانية، ولكن ألف أسف تمسكوا بلفظ موسى فحرموا من ذلك الفيض الالهي والجلوة الربانية .(ع.ع)
#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأمم المتحدة تفحص اسباب العنف ضد المرأة والفتيات
-
موازين إدراك حقائق الأشياء
-
السلام أيها الإنسان في كل مكان
-
نحو الاتّحاد
-
لماذا تتعدد الأديان وما سبب الاختلاف بين أتباعها2-2
-
لماذا تتعدد الأديان وما سبب الاختلاف بين أتباعها1-2
-
تحزّب العالم تحت عباءة الدين 3-3
-
تحزّب العالم تحت عباءة الدين 2-3
-
تحزّب العالم تحت عباءة الدين 1-3
-
الدين واحد
-
الإنسانية وصراعها اليوم
-
وادي الفقر الحقيقي والفناء الاصلي- السفر السابع للسالكين إلى
...
-
وادي الحيرة السفر السادس للسالكين إلى الوطن الالهي من المسكن
...
-
وادي الإستغناء السفر الخامس للسالكين إلى الوطن الالهي من الم
...
-
وادي التوحيد السفر الرابع للسالكين إلى الوطن الالهي من المسك
...
-
وادي المعرفة السفر الثالث للسالكين إلى الوطن الالهي من المسك
...
-
وادي العشق السفر الثاني للسالكين إلى الوطن الالهي من المسكن
...
-
وديان سبعة للسالكين إلى الوطن الالهي من المسكن الترابي 1-7
-
أمانى السلام والوحدة العالمية
-
اسطورة آدم وحواء المعنى والمغزى-(4-4)
المزيد.....
-
استقبلها الان.. تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 2024 على ال
...
-
الكشف عن خفايا واقعة مقتل الحاخام اليهودي في الإمارات
-
الجهاد الاسلامي:الاتفاق أحبط مسعى ايجاد شرق اوسط حسب اوهام ا
...
-
الجهاد الاسلامي:نؤكد على وحدة الدماء وصلابة الارادة التي تجم
...
-
الجهاد الاسلامي:نثمن البطولات التي قدمتها المقاومة بلبنان اس
...
-
الجهاد الاسلامي:اتفاق وقف اطلاق النار انجاز مهم يكسر مسار عن
...
-
حماس تشيد بالدور المحوري للمقاومة الإسلامية في لبنان
-
دول عربية واسلامية ترحب بتوقف العدوان عن لبنان وتدعو الى توق
...
-
دول عربية واسلامية ترحب بتوقف العدوان على لبنان وتدعو لوقفه
...
-
مستوطنون يهود على حدود مصر يزعمون سماع أصوات تحت الأرض
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|