|
هل نحن مقبلون على كارثة أخلاقية؟
وليد الحلبي
الحوار المتمدن-العدد: 4089 - 2013 / 5 / 11 - 08:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بداية، لا يميز الحدث السياسي عن التاريخي سوى الفاصل الزمني، إذ ليس كل حدث سياسي، تاريخياً، (لأن الزمن لم ينضجه بعد)، بينما كل حدث تاريخي هو تاريخي وسياسي في نفس الوقت، لذا تم تصنيف الأحداث التاريخية حسب سنوات حدوثها فانقسمت إلى قديمة ووسيطة وحديثة، ثم تبعتها المعاصرة مجازاً. والمتابع لسيكولوجية الأحداث يعلم أن للحدث السياسي شخصية مراوغة مخاتلة، لا تكشف عن نتائجها إلا بعد حين، قد يطول أو يقصر، لكن هذه النتائج واقعة لا محالة، ولا غرو، فهي من أبرز مظاهر النشاط الفكري البشري، إن لم تكن أبرزها على الإطلاق. ووجه المراوغة والمخاتلة في الحدث يرجع إلى أن النتائج الناجمة عنه لا يشترط أن تكون بحجمه في جميع الحالات، إذ ربما يبدو الحدث عادياً، إلا أن نتائجه تكون مفزعة، فاغتيال ولي عهد النمسا وزوجته في سيراييفو عام 1914 حدث ربما يقع في أي زمان ومكان دون أن يؤدي إلى حرب عالمية تستمر ربع سنوات، تزهق فيها أرواح عشرات الملايين، واحتلال هتلر بولندا، والذي كان السبب المباشر للحرب العالمية الثانية، كان يمكن أن يمر بوساطة دولية، وتنتهي القضية، (وهنا يفرض دخول العراق إلى الكويت عام 1990 نفسه لكي يكون نموذجاً مشابهاً)، أو ربما يكون الحدث هائلاً لكن نتائجه تنزوي في زوايا النسيان، فإبادة عشرات الملايين من الهنود الحمر، سكان القارة الأمريكية الأصليين، أصبح حدثاً يذكره البعض، ولا يعلم البعض الآخر عنه شيئاً على الإطلاق، وتدمير هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين – رغم هوله – لم ينتج عنه سوى تحالف المنتصر مع المهزوم. والحدث بمجرد أن يقع، يصبح ميداناً رحباً للمحللين السياسيين والاقتصاديين والأدباء والمفكرين، كل يتناوله من زاوية تخصصه، وتبقى جميع الآراء معلقة إلى أن تظهر نتائج الحدث في العاجل أو الآجل من الزمن. والوطن العربي، في يومنا هذا، لا شك مهتز بعنف نتيجة ما يجري على الأرض السورية منذ حوالي العامين، هذا العنف الذي أحرق الأخضر واليابس، ودمر المدن والبلدات والقرى، وقتل عشرات الآلاف وشرد الملايين من السوريين، وطفح ماء الأزمة حتى أغرق دول الجوار، بل والمجتمع الدولي بأسره، ولو وقف الأمر عند الخسائر المادية والبشرية، لهان أمر إحصائها ومعرفة حجمها بل وتعويضها، إلا أن أثر هذا الحدث المرعب على الموقف الأخلاقي والنفسي يفوق أثر الحدث نفسه على البشر والحجر. فمنذ عام النكبة وضياع فلسطين، انصب الحقد العربي على الكيان الصهيوني، الذي شرد الفلسطينيين بعد مجازر بشعة وثقتها الوثائق الصهيونية قبل الوثائق الدولية، وضج الضمير العربي والإسلامي، بل والعالمي، نتيجة الأعمال العدوانية التي ارتكبتها إسرائيل بحق الفلسطينيين ودول الجوار، عن طريق شن حروب خاطفة أزهقت الأرواح وسرقت الأرض والمياه، وقبلها داست الكرامة، حتى اعتقدنا أن شر العالم كله قد تجسد في الكيان الصهيوني، وأن الإجرام بعينه يسكن في قلبه وحده، فهرولنا إلى المنظمات الأممية، والجمعيات الإنسانية، نشكو ونتوسل، ونكيل الاتهامات لإسرائيل بأنها عنصرية همجية، إلى أن جاءت أحداث الثورة السورية، فانكفأنا على أنفسنا، وضغطنا بأسناننا على جراحنا، ووارينا وجوهنا من العالم الذي صدّعنا رأسه بالشكوى من بطش إسرائيل بنا، لأننا فوجئنا بالعربي يقتل العربي بحقد لم يسبق له مثيل، وفوجئنا ببنادقنا ومدافعنا توجه إلى صدورنا، وطائراتنا تخرق الصوت فوق رؤوس أطفالنا، ولو اقتصر الأمر على الصوت لهان الأمر، لكنه ترافق مع الصواريخ والبراميل المتفجرة،،، نتمسمر أمام الشاشات التي كان ينبغي لها أن تجلب المرح والسعادة إلى قلوبنا، فإذا بنا تنفتح علينا منها شلالات من الدم والجثث والدمار،،، لا نعرف أين نواري وجوهنا خجلاً من أعدائنا، أولئك الذين لم ولا ينبغي أن نتوقع منهم الهدايا وباقات الورود، فطبيعة العداء هي الأذى، لكنك عندما ترغم نفسك وعاطفتك على قول الحقيقة المرة، ستصرخ قائلاً: كلا، وألف كلا، لم يكن العدو – حتى العدو – همجياً معنا إلى هذه الدرجة. قبل اغتصاب فلسطين، قامت العصابات الصهيونية بعدة مجازر لإخافة الفلسطينيين والضغط عليهم لإخلاء الأرض، أما في الحروب العربية الإسرائيلية، فلا نذكر أن قوات العدو قد دمرت قرية على رؤوس سكانها، أو ألقت قنابل النابالم على المدنيين. في حرب حزيران 1967، اكتفت إسرائيل بضرب الجيوش العربية في مصر وسوريا والأردن دون أن تقترب من المراكز المدنية، ففي دمشق حسب ما شاهدنا بالعيان، قصف الطيران الإسرائيلي مطار المزة العسكري، ومستودعات النفط في منطقة "عدرا" على الطريق إلى حمص، وفي حرب الاستنزاف عُرِف عن إسرائيل قصفها موقعين مدنيين هما مصنع "أبو زعبل" ومدرسة "بحر البقر"، وفي حرب أكتوبر 1973، لم يقصف طيران العدو أية أحياء سكنية في دمشق، بل قصف المطارات العسكرية وآمرية الطيران الواقعة بين ساحة الأمويين وحديقة المدفع في شارع أبو رمانة، وما عدا ذلك لم نسمع عن أية مجازر ارتكبت بحق المدنيين العرب. لا شك أن الكثير من القراء سينعتونني الآن بأنني أحاول بهذا تبييض صفحة إسرائيل، وأبرر لها ما فعلته بالفلسطينيين والعرب، لكنني أذكّر هؤلاء السادة بأن إسرائيل عدو، ولا يستغرب منها القيام بكل ما هو أذى وشر لأعدائها، أما أن يقوم جيش عربي بتدمير مدن وبلدات وقرى شعبه، ويسفك دماء الناس قاتلاً عشرات الآلاف منهم، فهذا ما لا يمكن للعقل تصوره. من هنا أعود إلى عنوان هذا المقال، فهل نحن بعد الذي يجري في سوريا مقبلون على كارثة أخلاقية ونفسية تؤدي بنا إلى تبرير الممارسات التي يقوم بها العدو الحقيقي ضدنا؟، بلغة أخرى: هل ستكون الجرائم التي يرتكبها الجيش السوري ضد شعبه، مبرراً للعدو للقيام بمثلها ضدنا؟، وهل سوف تقوم الأجيال التي عايشت هذه المأساة بعملية إعادة تقييم لعلاقة العداء مع إسرائيل؟، وهل سوف نمتلك الشجاعة والقدرة على التبجح في المستقبل بأننا سوف نقاضي مجرمي الحرب الصهاينة، ونأخذهم إلى محكمة جرائم الحرب في لاهاي؟، وكم سنة من الزمن سوف يسقط العالم على ظهره مغشياً عليه من الضحك علينا إن نحن فعلنا ذلك؟، وهل سنستمر في تقديم الشكاوى إلى مجلس الأمن الدولي احتجاجاً على تصرفات إسرائيل وعدوانها؟، بالله عليكم أليس مخجلاً حد الفضيحة أن تقابل يهودياً مغربياً اسمه "أمنون" يلطم خديه حسرة على عدم تدخل العرب لوقف قتل جيش حماة الديار ما متوسطه مئة وعشرون قتيلاً سورياً كل يوم؟، بالله عليكم هل تستطيعون النظر في عيني "أمنون" الدامعتين على القتلى السوريين؟، وهل أنا أحلم عندما يجلدني هذا الرجل بهذه الحقيقة المفزعة، ويبصق في وجهي بهذه الدموع، حتى وإن كانت مزيفة؟. نعم، لا شك نحن في مأزق أخلاقي ونفسي مرعب، هو مفترق طرق كئيب، وهو ليس نفقاً، حتى ولو كان مسدود النهاية، بل هو موضع نحن فيه محاصرون من جميع الجهات، لا نستطيع منه تحديد وجهتنا، لأننا بكل مرارة وبساطة: سقطنا في الهاوية. من عادتي أن أطنب عندما أكتب، لكن هذا الموضوع البائس، والذي يسحق الروح والعقل في آن معاً، لا يسمح للقلم سوى بالصمت المطبق حد الخرس. 5- ماي-2013
#وليد_الحلبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يتلاعبون حتى في أحكام الله
المزيد.....
-
سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي:
...
-
أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال
...
-
-أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
-
متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
-
الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
-
الصعود النووي للصين
-
الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف
...
-
-وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب
...
-
تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|