|
جريمة الختان 139: الإباحة الطبية
سامي الذيب
(Sami Aldeeb)
الحوار المتمدن-العدد: 4088 - 2013 / 5 / 10 - 02:37
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
حتّى تعتبر العمليّات الجراحيّة ضروريّة، ومن ثم مباحة، يجب - أن يكون هناك حاجة لهذه العمليّة، إمّا وقائيّة أو علاجيّة. فإذا إنتفت الحاجة، كانت الجراحة الطبّية غير جائزة عملاً بالقاعدة الفقهيّة «ما جاز لعذر بطل بزواله». - أن تكون فائدتها تربو على ضررها، عملاً بالقاعدة الفقهيّة: «إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما بارتكاب أخفهما». - أن لا يكون هناك بديل أخف من العمليّة الجراحيّة. - أن يكون الهدف من العمليّة علاج المرض أو الوقاية منه. فلا يحق للطبيب التدخّل بهدف إنتهاك عرض المريض.
وحقيقة الأمر أن الأكثريّة الساحقة من عمليّات ختان الذكور والإناث تجرى لأسباب دينيّة وثقافيّة، دون سبب طبّي. فهي تتم على عضو سليم، وليس فيها أيّة فائدة علاجيّة أو وقائيّة، وحتّى في حالات الإصابة بمرض ما، مثل ضيق الغلفة، فإنه يمكن علاج هذا الداء بدواء أخف من العمليّة. ولهذه العمليّة مخاطر تعلوا على فوائدها التي يتذرّع بها كثير من رجال الطب لتبرير تدخّلهم.
هذا وقد رأينا أن مؤيّدي ختان الذكور والإناث يحاولون التتفيه من العمليّة ويرفضون إعتبارها عمليّة بتر. كما أن هناك من ينكر أن الختان عمليّة مؤلمة. والأغرب من كل ذلك أن البعض يتصرّف معها وكأنها ليست عمليّة جراحيّة. فجمعيّة الجرّاحين الأمريكيّين تعطي قائمة بأكثر العمليّات إجراءاً في الولايات المتّحدة، ولكنّها لا تذكر بينها عمليّة ختان الذكور رغم أنها العمليّة الأكثر إجراء على الإطلاق في ذاك البلد.
أضف إلى ذلك أن شركات التأمين لا تطلب رأياً طبّياً ثانياً قَبل إجراء تلك العمليّة. وإن كانت الجمعيّات التي تهتم بالطفل تنصح بمعاملة الطفل بلطف وتخفيف الأضواء والضوضاء من حوله، فإنها لا تستغرب من تعريض هذا الطفل إلى عمليّة الختان القاسيّة. وهناك لجان في المستشفيات يطلق عليها «لجنة الأنسجة» تقوم بفحص الأنسجة التي تزال في العمليّات لمعرفة مدى ضرورة إزالتها. فإذا ما تم إكتشاف وجود زيادة في معدّل عمليّات إزالة الرحم أو المصير الزائد أو المثانة، يُخضع الطبيب للرقابة أو يفصل عن عمله. أمّا فيما يخص إزالة الغلفة سنة بعد سنة، التي هي عضو سليم في الأكثريّة الساحقة، فإن تلك اللجنة لا تعترض عليها ولا بكلمة واحدة.
ويعتمد معارضو ختان الإناث على عدم ضرورة الختان طبّياً لإخراجه من دائرة الإباحة. يقول الدكتور محمّد فيّاض: «إن للطب أخلاقاً، أبرزها عدم إجراء عمليّة طبّية إلاّ إذا كانت لها فائدة صحّية وخالية من الضرر الجسماني. وبالمنطق نفسه فإنه إذا ثبت أن أيّة عمليّة ليست لها فائدة طبّية أو تؤدّي إلى مخاطر، فإن من الأخلاقيّات عدم إجرائها، بل - وهذا ما أصر عليه - تجريم الطبيب الذي يجريها. ورأيي أن الطبيب الذي يوافق على إجراء عمليّة ختان الإناث يتساوى مع الذي يوافق على عمليّات الإجهاض المفتعل، وأن تجريم الثاني يستوجب تجريم الأوّل».
والغريب في الأمر أن معارضي ختان الإناث يرفضون مد منطقهم هذا إلى ختان الذكور. يقول كتاب الممارسات التقليديّة: «الختان بالنسبة للذكر أمر متّفق عليه دينيّاً وطبّياً واجتماعيّاً حيث يأمر به الدين وتوجبه الأصول الطبّية، ويلزم به العرف الإجتماعي. ومن ثم فإذا قام به طبيب توافر بالنسبة له سبب من أسباب الإباحة، لا يجوز عقابه لأن الفعل أصبح مباحاً وخارج عن دائرة التحريم. أمّا بالنسبة للأنثى فإن الأمر مختلف. ذلك أنه لا يوجد نص في الشريعة الإسلاميّة أو المسيحيّة أو اليهوديّة يوجبه على سبيل الفرض المجمع عليه، كما أنه لا يوجد عرف ملزم يفرض إتيان هذا الفعل. ولا يوجد إجماع طبّي علمي على ضرورة ختان الأنثى. ومؤدّى ذلك أنه لا يقوم سبب الإباحة الذي توافر بالنسبة لختان الذكور. ونتيجة ذلك أن إنتهاك جسد الأنثى، وذلك باستئصال جزء من أعضائها التناسليّة بصورة كلّية أو جزئيّة يعد في التطبيق القانوني الصحيح جرماً عمديّاً تنشأ عنه المسؤوليّة الجنائيّة والمسؤوليّة المدنيّة».
ونشير هنا إلى أن مؤيّدي الختان يتذرّعون بأن الختان عامل وقاية، مثله مثل التلقيح ضد الجدري أو الأمراض الأخرى. وحقيقة الأمر أن هذه الأمراض التي يتم التلقيح ضدّها تعتبر أمراضاً وبائيّة، أي سريعة الإنتشار. وعدم الختان لا يسبّب مثل هذه الأوبئة. ولذا يجب قَبل إجراء الختان الموازنة بين مخاطره ومنافعه على المستوى الفردي والجماعي. فلا يحق تعريض شخص لعمليّة ينتج عن إجرائها ضرراً أكبر من عدم إجرائها. ومن جهة أخرى لا يحق تعريض عدد كبير من الأشخاص السليمين لعمليّة مؤلمة لوقاية عدد من الأطفال حتّى من الموت مثلاً إذا كان إجراء العمليّة يؤدّي إلى عدد حالات موت أكبر. فحسب «جيرتنير» هناك 17 وفاة بين كل 100.000 ختان. وحتّى إن كان مثبتاً علميّاً بأن الختان يحمي من سرطان القضيب، فإنه منافي للأخلاق أن نعرّض 17 طفلاً للموت لكي ننجي بالغ واحد من سرطان القضيب.
-------------------------------------- كتبي: http://www.sami-aldeeb.com/sections/view.php?id=14 كتابي عن الختان http://www.sami-aldeeb.com/articles/view.php?id=131 طبعتي العربية للقرآن بالتسلسل التاريخي http://www.sami-aldeeb.com/articles/view.php?id=315 موقعي http://www.sami-aldeeb.com مدونتي http://www.blog.sami-aldeeb.com عنواني [email protected]
#سامي_الذيب (هاشتاغ)
Sami_Aldeeb#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جريمة الختان 138: الحق في العرض
-
لماذا يجب الحفاظ على القرآن والاهتمام به؟
-
جريمة الختان 137: الحق في عدم التعذيب
-
جريمة الختان 136: الحق في سلامة الجسد والحياة
-
جريمة الختان 135: أولوية الحقوق الفردية على الحقوق الجماعية
-
جريمة الختان 134: عقدة أُوديب... وعقدة سامي الذيب
-
جريمة الختان 133: الختان والحقوق الدينيّة والثقافيّة الجماعي
...
-
احمر يا بطيخ: خرافات الدين
-
الله يعلن استقالته
-
الإسلام لا وجود له، هناك الف اسلام واسلام
-
هل سامي يتطاول على الله ويسب ابراهيم؟
-
جريمة الختان 132: عدم وجود سبب للتمييز بين ختان الذكور والإن
...
-
جماعة الإخوان الحمير
-
لا تزعجونا بصلاتكم وصيامكم
-
جريمة الختان 131: التمييز بين ختان الذكور وختان الإناث جريمة
-
جريمة الختان 130: سكوت المشرّع عن ختان الذكور
-
جريمة الختان 129: منع المشرع الدولي ختان الإناث
-
علماء دين مغاربة اغبياء يرأسهم ملك المغرب
-
جريمة الختان 128: منع ختان الذكور في العصور الحديثة
-
جريمة الختان 127: منع ختان الذكور في العصور القديمة
المزيد.....
-
لوبان لا تستبعد استقالة ماكرون
-
ترامب يوقع أول قانون بعد عودته إلى المنصب
-
10 شهداء في مجزرة ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي ببلدة طمون بال
...
-
إسرائيل تعترف باستهداف فلسطينيين في غزة رغم اتفاق وقف إطلاق
...
-
تحول تاريخي في سوريا.. تشكيل إدارة جديدة وإنهاء ستة عقود من
...
-
كيف يستعد الجنود من المتحولين جنسيًا لمواجهة ترامب بإعادة تش
...
-
الصين تحتفل ببداية عام الأفعى وسط طقوس تقليدية وأجواء احتفال
...
-
توجيه إسرائيلي لمعلمي التاريخ بشأن حرب أكتوبر مع مصر
-
الجزائر تسلم الرباط 29 شابا مغربيا كانوا محتجزين لديها
-
تنصيب أحمد الشرع رئيسا انتقاليا لسـوريا
المزيد.....
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج
/ توفيق أبو شومر
-
كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
كأس من عصير الأيام الجزء الثاني
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية
/ سعيد العليمى
-
الشجرة الارجوانيّة
/ بتول الفارس
المزيد.....
|