|
عقلانية الدين علمانية حقيقية ج1
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4087 - 2013 / 5 / 9 - 21:06
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
العقلانية كمفهوم فلسفي انحدر من نطاقها الفلسفي التجريدي إلى الاستعمال اليومي كمقياس لمدى مصاحبة التصرفات السلوكية النظرية منها والعملية منسوبيتها إلى تحكيم العقل فيها وتوافقه مع معياريته التي تقوم على الصحية المفترضة أصلا وكمقدمة للتصديق نتيجة,وبذلك فهي ليست بمفهوم عقدي ولا نظرية فلسفية أو أجتماعية ولكنها وصف لحالة من الأستواء الفكري يراد من خلال الركون إلى خطوطه تلمس التوافق بين السلوكيات النفسيه ببواعثها القلبية وما تتفرع منها من مظاهر القوة النفسية وبين العقل الذي هو حاكم ومستكشف لهذه التصرفات السلوكية بشقيها النظري البحث والعملي المجسد. هي من حيث الأساس الفكري والمعرفي محدد صالح للعمل الإنساني الذي يكون هدفه الإنسان في حياته ويرافق خطواته مراقبا وموجها على ضوء قياسات العقل السليم مستمدا من ذاتية الإنسان التكوينية , فهي قيمة تتناسب مع الحال الحضوري والوجودي ولا أشكال عقدي في ذلك طالما كان العقل السليم هو الحكم وهو القائد,أما لو أريد بأن يكون العقل ومقدراته وقدراته حاكما في المدى الأوسع للمعرفة فلابد أن يكون هناك أشكال علمي قبل أن يكون عقلي ويقر به العقل بالنظر للمحددات التي تقوم وتقود العقل ومدى قدرة العقل بذاته من أدراك ما هو أكبر من طاقته وسعته المعرفية. ولو كان العقل بهذه المنزلة من القدرة التي تجعل منه قائدا للحياة بكل أبعادها الوجودية لما أستغرق الكون الوجودي هذا الكم والقدر الزمني ليتوصل تدريجيا إلى حقائق قد تبدو الأن من المسلمات في الفكر النقلي, ولا أخذ هذا الجدل المعرفي ليتوصل إلى ما توصل إليه وكل يوم يكتشف العقل الكثير من الحقائق التي سلم وصدق بها في وقت ما من مسيرة الإنسان الوجودية على الأرض على أنها وهم وخرافة, وهذا دليل يكشف عجز الإنسان كعقل من أن يكون حاكم على علم كامل ممتد من الغيب إلى الأشهاد, إلى المعرفة ببعدها الإنساني. العقلانية اقتراب فكري يعتبر العقلَ مركزيًّا في توليد المعرفة الصحيحة ،ويتحدد معنى "العقلانية" بحسب المجال الذي تنطلق منه،سواء أكان نظرية المعرفة،أم معرفة الدين،أم في دوائر علم الأخلاق،أم في حقائق علم المنطق،وحتى في مجال وحيز العلم الطبيعي والرياضي.ومع هذا يظل الاستخدامُ الأكثرُ شيوعًا للكلمة مرتبطا بنظرية المعرفة واقتراب التعامل مع الدين(وحيًا ونبوة) كمصدر للمعرفة. وتعني العقلانية في مجال نظرية المعرفة الفلسفية ذلك المذهب الذي يرى أن المعرفة اليقينية في ذاتها لابد وأن تكون كلية؛ بحيث تشمل القضية جميع الحالات الجزئية، وضرورية بحيث تنتج وتفصح النتائج عن المقدمات لزومًا ضروريًّا, فهي ترى أي (العقلانيةُ الفلسفيةُ)أن الكلية والضرورة،كصفتين منطقيتين للمعرفة الحقة,لا يمكن استنتاجهما من التجربة وحدها،وترى أيضا أن عمومية المعرفة الحقة تُستنتج من العقل نفسه وبقوانينه المستمده من تكوينه الأصلي خارج محدد أخر أي خارج نطاق العقل. وهذا يعني للقارئ والمتمعن بالمعنى أن العقل بذاته يحكم على الأشياء بما له من قدرة تكوينية فقط أي من ذاتيات العقل التي تكون منها وعليها,فالعقل بهذا المفهوم مفصول تمام عن الواقع المعاش بل هو فوق الواقع وفق التجربة وفوق ألية أكتساب المعرفة,فالعقل قالب مصاغ أصلا على الكمالية والتمام دون أن يكون لهذا التكوين مصدر يستنتج منه ويكون مقياسه عليه أو بالأقل يساعد في تكوين الخطوط القياسية عنده. أماعلى مستوى المعرفة الإنسانية الخاصة به والتي تتفرد من معطيات الحس والتجربة. وأما فيما يتعلق بالموقف من الدين؛فيشير وصف العقلانية إلى أصحاب رؤى متعددة وبالغة التفاوت بما يصعب معه كما ذكرنا اعتبارُ العقلانية مذهبا أو مدرسة فكرية متجانسة؛فمنهم القائل بأن المذاهب الدينية ينبغي أن تختبر بمحك عقلي،أو يشير الوصف أحيانًا للقائلين بأنه لا يمكن الإيمان بخوارق الطبيعة أو الغيب بالمفهوم الديني،وهذا المعنى الأخير لا ينطبق على كل العقلانيين؛لأن منهم من يقبل المعجزات والغيب ويسوغها عقلانيا على أعتبارات تنبع من معتقداتهم التي لا تتعارض مع الدين بل تجنح نحو الدين كونه مصدره العقل الكلي الكامل؛ مثل الفيلسوف ليبنتز،وأيضًا يطلق وصف العقلانية على الذين يقبلون المعتقدات الدينية لكن بعد اختبارها اختبارا عقليًّا ووفق نفس قوانين العقل،كما يطلق على المؤمنين الذين يفسرون الدين في ضوء العقل ويقبلون بنتائجه المتوافقة بين الأثنين، ويعتبرون أنهما لا ينفكان عن بعضهما البعض. العقلانية إذا ليست ضد الدين بالضرورة وإن كانت بعض المؤديات تقود لذلك وذلك حسب المقدمات التي تصوغ وتنتج وصف العقلانية،فهي تيار واسع ومتنوع المشارب ومتفاوت فيما ينطلق منه من مسلمات وينتهي إليه من نتائج قد تنتج أفكار متناقضة ومتضادة وإن كانت تأخذ بأساسيات مفهوم العقلانية وتنطلق من نفس الفهم الأولي ولكن سير الأستدلالات وتنوع المفردات المعرفية المستخدمة بالأستدلال تختلف وتتناقض بالأثباتات والنتائج. وعلى سبيل المثال اعتقد اثنان من الفلاسفة العقلانيين اعتقادات متناقضة تمامًا،وأخذ كل منهما موقفًا مختلفًا عن الآخر بالكلية بشأن علاقة الدين بالعقل، ففي حين رأى لوك الذي سبق كانط أن المبادئ الإلهية والأخلاقية قابلة لإقامة البرهان العقلي عليها فهو ينطلق من معتقد ديني يرجع إلى أن الدين الحقيقي إن كان مصدره العقل الكامل فهو منتج لما هو عقلاني بالضرورة وما على العقل إلا أن يختبر هذه المبادي بحيادية وأنحياز للوقائع الثابته ليتوصل إلى عقلانيتها وعدم تضاده معه ومع قوانينه،في حين نجد أن ديفيد هيوم أنكر ذلك وقال بأنها غير قابلة للبرهنة دون أن يقيم الدليل الذي أحتج به أصلا. هذا الجدل بين العقلانين وبين الدينيين ما كان ليقوم لولا التناقض الذي حدث في أوربا النصرانية وتخلف الفهم النصراني للكثير من القضايا التي يفهمها عن حقائق الدين والسبب ليس في المحتكمات التي سارت عليها الفلسفة الأوربية ولكن لحقيقة التحريف الذي لحق بالديانة النصرانية وتحلوها من المسيحية الحقة إلى كهنوتية نصرانية تتقاطع في كثير من الأحيان مع حقائق الدين والنقل الإلهي وبذلك خرجت من مسارها الذي يتفاعل مع العقل ويقوده لاحقا بالتسليم والتصديق العقلي إلى الموقف المناقض والمعادي للعقل والعلم بالمقياس الفلسفي. وجدير بالذكر أن مصطلح العقلانية كان يستخدم في الفلسفة الغربية الحديثة لوصف الاتجاه المعارض للكهنوت النصراني والدين الذي صيغ وفق رؤى كهنوتية منحرفة وخارجة عن دين المسيح عليه السلام،ولا يزال البعض يستخدم العقلانية خطأ فيعني بها التماثل مع العلمانية أو مع الإلحاد,لكن من وجهة نظر علمية بحتة،لا تعني العقلانية بالضرورة هذه المعاني المعادية للدين أبدا ولكن واجب الدين والمتدينين وفق المباديء الأصلية له أن ينبه على أن التناقض المزعوم هو تناقض مع الأنحرافات والتحريف والتبديل اللاحق،بل إن فقهاء المسلمين تحدثوا عن التوفيق بين العقل والنقل قبل ظهور العلمانية الغربية وأطروحاتها العقلانية التي كان هدفها التشكيك في المعرفة الدينية وتهميش دور الكنيسة المعرفي ودعم التفكير العلمي الطبيعي والوضعي إبان عصر النهضة. وعليه يجب عدم الخلط بين العقلانية والتجريبية واختزالِهما معًا باعتبارهما يمثلان المذهب الوضعي بالمعنى الذي يقابل الغيبي أو الديني؛إذ إن العقلانية تؤمن بأفكار عن الفطرة العقلية والرشد العام والمشترك في حده الأدنى بين الناس،وهي أفكار من قواعد وأسس التكليف في المنظور الشرعي، وعليها تنبني المسئولية الفردية عن التزام التوحيد. بل هي مناط العبودية والحساب ولو رجعنا إلى المصدر التكويني للدين الأسلامي نرى أن الإسلام أعطى للعقل منزلة تتحكم في أقرار أو نقض كل حقيقة تصل للإنسان أو لنقل كل وحدة معرفية تصادفه في حياته ولم يلزم العقل بأتباع نقله إلا من خلال التيقن والتصديق بالفروض التي ساقها وبما تدل عليه التجارب التي مر بها الإنسان ذاته وخزنها في العقل لتكون محددات معيارية في الحكم ومنها مثلا {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ السَّمَاءِ ...لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}البقرة164,هذا المثال المضروب في الآية من الحقائق التي يؤمن بها العقل ولا يتعداها فهو يخاطب بها العقل ولا يخاطب بها النفس البشرية. الإنسان عند الله مجموع من مكونات تتكامل فيما بينها وظائفيا لتنتج بالتالي الإنسان كقيمة قادرة أن تتحرك وجوديا فهو حقيقة متعددة الأركان لكل ركن أرتكاز يثبت عليه وظائف بينية مع بقية المرتكزات لنرى هذا العقل في النتيجة كسلطان يتحكم بالمسخرات والتسخيرات وبالأصل هو واحد من مجموع لا يمكن أن يكون بهذه الكيفية لولا تفاعل وتكامل الركائز الأخرى,الإنسان كعقل يفرض قوانينه ما هو بالأصل وأبتدءا إلا روح(طاقة مولدة للحركة وباعثة لها) تحرك بدن مادي لا يمكنه أن يكون فاعلا ومن ضمنه المستوعب المادي للعقل وهو الدماغ والمجموعة العصبية التي تشاركه في العمل سواء العمل البايولوجي أو المعرفي إلا من خلال وجود الروح,والعقل يعرف بوجود الروح ولا يفهم مكنونها ولا كينونتها.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الهروب من الفكر والتفكر تهرب من مواجهة الحقيقة
المزيد.....
-
استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
-
82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|