أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - صناعة العبيد














المزيد.....

صناعة العبيد


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 4086 - 2013 / 5 / 8 - 16:23
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حين تقنع أحداً أن هو دون أحد آخر في كل شيء، أنت بذلك تكون قد صنعت من الأول عبداً ومن الآخر إلهاً. في الواقع أنا، على الأقل، لابد أن أكون الأقرب والأعلم بأحاسيسي ومشاعري الشخصية والأكفأ في إشباع احتياجاتي وغرائزي الذاتية الحيوانية من مأكل ومشرب ومغسل وتناسل والأصدق في التحدث عن نفسي من كافة البشر الآخرين أمثالي، وأيضاً من كافة الكيانات الاعتبارية غير البشرية الأخرى، سواء فعلية أو متصورة. العبيد هم جميع هؤلاء الذين لا يرون في أنفسهم أفاضل أو أكفاء أو أنداد أو متساوين في شيء واحد على الأقل مع آخرين غيرهم. وفي الغالب، يكون هؤلاء الآخرون هم في الأصل بشراً عاديين مثل العبيد في كل شيء لكن العبيد، بسبب غلبة الجهل والشعور بالنقص والدونية والعقلية السلبية الاتكالية، قد جبلوا على أن يصنعوا بأيديهم آلهتهم ثم يمكثوا لها عابدين.

على مر العصور، قد خدمت المفاهيم النظرية عن الآلهة في السماء كموديلات ونماذج وقوالب معيارية مجردة تتشكل منها وتصب فيها آلهة صغرى بشرية فعلية مقابلة على الأرض لكن تحت مسميات مختلفة. في صياغة أخرى، في الحقيقة ربما قد صنعت الآلهة في السماء لسد حاجة بشرية على الأرض؛ أو لولا عقلية النقص والعجز والإخفاق والرغبة في الإفلات من المسؤولية والعقاب على الأرض، ما كانت اختلقت أو تصورت آلهة تمرح وتلهى بمصائر البشر في السماء. في النهاية، هو الكمال مقابل النقصان. الكامل- منطقياً- لا يخطئ، ومن ثم ليس بحاجة إلى حساب، علاوة على أن لا أحد ناقص يستطيع أصلاً أن يحاسب أحداً كاملاً. لهذا السبب بالذات- الإفلات من الحساب والمساءلة- قد صنعت تلك الموديلات الإلهية المعيارية في السماء ويستمر الترويج لها على الأرض إلى الآن، حتى يلبسها الأقوياء والمستبدون لتقيهم من تبعات تحمل المسؤولية عن نتائج أفعالهم. النواقص-العبيد- هم الذين يخطئون ومن ثم يحاسبون ويعاقبون، بينما الكوامل-أشباه وأبناء وخلفاء ووكلاء ومندوبي الآلهة والمتحدثين باسمهم والناقلين والفاهمين عنهم والمتصلين بهم على الأرض- لا يخطئون ومن ثم لا يحاسبون.

كما أن لا عبد من دون "نقصان"، في المقابل لا إله من دون "كمال". هذا هو الشرط الأساسي الذي لا غنى عنه مطلقاً لتحقق الإلوهية في أي وكل شيء. كما لا يعقل مطلقاً أن تجتمع معاً المحاسبة والكامل في كيان أو شخص واحد؛ ببساطة شديدة، إذا كان الكامل لا يخطئ، على ماذا يحاسب إذاً! هكذا مهما تكن التسمية، في حال توفر شرط "الكمال"- ومن ثم انعدام المحاسبة والمساءلة- في أي شيء أو كيان أو شخص مهما كان، اعلم أن أنت واقف ساعتها في محراب إله حقيقي، بصرف النظر إذا كان يتخذ عرشه في السماء أو مقره في الأرض. مثل الآلهة، كافة أنبيائهم ورسلهم ومبعوثيهم إلى الأرض كاملين أيضاً. هم كذلك، رغم إقرار أغلبهم بطبائعهم الحيوانية البشرية، يعاملون من قبل العبيد معاملة الآلهة الكاملين ومن ثم لا يخطئون ولا تجوز محاسبتهم أو إعادة النظر في أحاديثهم وتصرفاتهم مثل بقية البشر الآخرين. هذه هي أولى طبقات الآلهة الأرضية: الأنبياء والمرسلين.

حتى الآلهة درجات. على سلم الإلوهية بعد الأنبياء مباشرة يأتي الحواريون والصحابة المقربين المتزامنين معهم والمتلقون والناقلون عنهم مباشرة من دون وسيط. هؤلاء أيضاً كوامل لا تحاسب ولا تساءل عن أي مما حدثت أو فعلت. ثم يأتي بعدهم في الإلوهية السلف الصالح، الأئمة، العلماء، الفقهاء، أهل الحل والعقد، هيئة كبار العلماء، دار الإفتاء، المرشد الأعلى، المرشد الأصغر، البابا، الملك، العاهل، الخادم، الأمير، الشيخ...الخ. في جميع الأحوال، الصفة المشتركة الأساسية بين كل هذه الآلهة والمناصب الإلهية الأرضية صغرت أو كبرت هي درجة من درجات "الكمال"، ومن ثم عدم إمكانية الوقوع في الخطأ أو التعرض لأي من أشكال المحاسبة وتحمل المسؤولية عن عواقب أفعالهم وتصرفاتهم. الآلهة لا تخطئ، حتى لو كانت تمشي على رجلين وسطنا تحت الشمس!

اعلم، عزيزي القارئ، أن أنت حين تنظر في أمر أو شيء أو شخص مهما يكن وتظنه في قرار نفسك صواب كامل أو حق كامل بينما أنت إزائه جاهل أو ناقص أو عاجز أو معدوم الرأي بالكامل، أنت حينئذ تكون قد صنعت من نفسك عبداً ومن هذا الأمر أو الشيء أو الشخص إلهاً. حين لا ترى في نفسك أن أنت أكفأ أو أعلم أو أفضل منه في شيء، ولو شيء واحد فقط يتصل بذاتك شخصياً ولا يمكن لأحد غيرك أن يطلع عليه أو يشعر أو يحس به مثلك، ساعتها تيقن أن أنت قد تحولت بالفعل إلى "عبد" له.

ليكن هذا الشيء ديناً مثل الإسلام أو المسيحية أو اليهودية أو البوذية، أو نظرية كبرى مثل الرأسمالية أو الشيوعية، أو نظام حكم مثل الملكية أو الجمهورية، أو مفاهيم وتصورات متنوعة أخرى حول الديمقراطية أو الاستبداد، التقدم أو التخلف، حقوق الإنسان والمساواة أو التفرقة على أساس العنصر أو الجنس والاضطهاد، القرآن أو الإنجيل أو التوراة، الدستور أو القانون أو حتى الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، أياً ما ترى فيه الكمال المطلق وترى في نفسك النقص الكامل إزائه تكون قد صنعت منه إلهاً، ومن نفسك عبداً له.

في سوق الحياة لا يبيع قراره لغيره-حتى لو كان إلهاً- إلا العبيد.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عودة عمرو
- صناعة الأديان
- السيسي بونابرت
- عبدة الشياطين
- في البحث عن صهيوني عربي
- أنا بكره إسرائيل وبحب الدولة الوطنية
- في حب إسرائيل
- إيران القنبلة النووية
- مصر تحت الاحتلال
- للزوجة نصف ثروة الرجل
- الإسلام السياسي في ميزان السياسة الدولية (4- تركيا)
- بين القانون والقرآن والسلطان
- الإسلام السياسي في ميزان السياسة الدولية (3- قطر)
- الإسلام السياسي في ميزان السياسة الدولية (2- طائر النار)
- الإسلام السياسي في ميزان السياسة الدولية
- الدولة العربية في خطر
- أفاعي إسلامية تبكي الدولة!
- السياسة بين الطائفية والعلمانية
- بين العري والنقاب
- لصوص لكن إسلاميين


المزيد.....




- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - صناعة العبيد