أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - معتز أحمد كرم - كيف ألحدتُ -الباب الأول: هل يوجد إله؟ - الفصل الأول: مناقشة الاحتمالات















المزيد.....

كيف ألحدتُ -الباب الأول: هل يوجد إله؟ - الفصل الأول: مناقشة الاحتمالات


معتز أحمد كرم

الحوار المتمدن-العدد: 4086 - 2013 / 5 / 8 - 02:17
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الفصل الأول: مناقشة الاحتمالات

قبل البدء في مناقشة الاحتمالات الممكنة للإجابة على السؤال الذي يطرحه عنوان الباب، أجدني ملزما بتحديد "ماهية" الإله الذي أهدف إلى بحث وجوده أو عدم وجوده. فأنا في هذا الفصل، أعني بالإله: القدرة الخارقة التي يفترض أنها خلقت الكون كله، دون النظر إلى أكثر من "الخالقية" صفةً لهذا الإله. لذلك فلن أناقش صفات إله العهد القديم "الطاغية المتقلب")1( مثلا.. أو صفات إله القرآن "خير الماكرين")2( مثلا.. أو غيرها من الآلهة التي سوف أخصص لمناقشة صفاتها المتعددة والغريبة فصلا خاصا. وليس هذا الاقتصاد منهجيا فحسب، بل إن صراع الإيمان و الإلحاد منذ فجر الإنسانية الأول قام على محاولات إثبات أو نفي الخلق والخالق.
و بالنظر إلى السؤال الرئيسي الذي يدور حوله الكتاب: )هل يوجد إله؟(، نجد أنه يفترض جوابين لا ثالث لهما:
* نعم، يوجد إله.
* لا، لا يوجد إله.
و لكل منهما مقتضيات و لوازم يؤدي إليها و يستلزمها.
الاحتمال الأول:
الاحتمال الأول يفترض وجود خالق لهذا الكون أي: موجد له من العدم، و قد انتبه الكثيرون إلى ما يتضمنه هذا الافتراض من مستلزمات متناقضة أو خطيرة.
o تناقض العلم و القدرة المطلقين:
فعملية الخلق تقتضي امتلاك هذا الخالق لصفتين أساسيتين هما القدرة المطلقة و العلم المطلق، و هما صفتان متناقضتان، فإذا كان هذا الإله عالما علما مطلقا فهذا يقتضي أنه سواء لديه علم الماضي و الحاضر و المستقبل، فهل "يقدر" الإله تغيير رأيه بشأن ما كان يعلم أنه سيكون؟
الجواب بالنفي: يقتضي محدودية قدرته و الجواب بالإثبات يقتضي محدودية علمه، و كلاهما ينقض إلاهيته.


o نهاية علمية العالم:
يلجأ العقل المؤمن غالبا لفكرة خلق الإله للكون لإنهاء سلسلة البداية الكونية، بحيث يفترض أنه عند " نقطةٍ ما " عندما لم تكن القوانين الطبيعية موجودة بعدُ، تدخل كائن مطلق القدرة و خلق الكون من العدم المحض. و هذا اللجوء إلى قوة فوق-طبيعية، متعالية.. يحسم الجواب عن سؤال البداية بكيفية غيبية، غير علمية و غير قابلة للجدال، الله خلق الكون و انتهى الأمر.
أليس من حقنا أن نسأل إذن: إذا تدخل الإله أول مرة و خرق القاعدة: و خلق من العدم المحض الكون بكل تعقيده، فمن يضمن عدم تدخله مرة أخرى لخرق القوانين الطبيعية؟! ما الجدوى من البحث عن القوانين الكبرى )كقانون الجاذبية( إذا كان ثمة من يمكنه القفز عليها لأي سبب، بل و تغييرها في أي لحظة ؟ ) و سأناقش هذه الفكرة في الفصل الموالي بتفصيل أكثر(
o علاقة الإله بالكون بعد خلقه:
يتبادر إلى الذهن الآن سؤال أعم من السؤال المطروح في الفقرة السابقة، و هو: هل لا يزال الإله يتدخل - داخل حدود القوانين الطبيعية أو خارجها - في الكون، أم أنه اكتفى بخلقه ثم عاد إلى أبديته تاركا العالم يسير بمقتضى قوانينه الداخلية؟
الاحتمال الأول المتضمن في جسم هذا السؤال يفترض أن الإله لا يزال الفاعل الأول في الكون، أي المسؤول عن كل ما يجري فيه من خير وشر، و حجم الخير في هذا العالم - على حد علمنا اليوم على الأقل - لا يقارن بحجم الشر الذي يحكم
العالم، أليس هذا الإله الذي هو المسؤول عن شرور العالم شريرا؟ افتراض أنه غير موجود يبدو أحسن من افتراض وجود إله شرير!
هل كان الإله يعلم مقدار الشرور التي ستسيطر على العالم عند خلقه له، أم أنه كان يجهل؟ إذا كان يعلم: أفليس ذلك جوهر الشر؟ وإلا فجهله ينقض إلاهيته.
أما الاحتمال الثاني فيفترض أن الإله خلق هذا الكون ثم تركه و شأنه، فما الغاية من خلقه له إذن؟!
إذا كان الإله موجودا فلماذا كلّف نفسه عناء إخفاء نفسه بالطريقة المريبة التي هو عليها؟
إنك ترى معي في بساطة العبارة، ما تؤدي إليه التسلسلات المنطقية لفكرة تدخل قوة خارقة لخلق العالم من تناقضات و أخطار وبيلة.

الاحتمال الثاني:
الاحتمال الثاني يفترض عدم وجود خالق لهذا الكون. و هو أيضا له مستلزمات و نتائج:
o إذا لم يكن الإله هو ضاغط زر الانطلاق، فما أصل هذا الكون؟ ما البداية؟
يكمن جوهر العلم في الملاحظة والبحث والتنقيب، و التجربة و الخطأ.. و مراكمة الأبحاث و المقارنة بينها ضمن عملية تاريخية عامة هو ما يسمح للعلم بتصحيح مساره و تطوير أدائه و اكتشاف المزيد. و السؤال عن بداية الكون هو أحد أكبر الأسئلة التي لا يزال العلم يحاول الوصول إلى الإجابة عنها. و ليس هذا السؤال متعاليا عن الإجابة، بل هو ضمن لائحة العلم الكبرى التي أجاب عن أسئلة فيها و لا يزال يبحث عن أجوبة أسئلة أخرى. و ما الدهشة التي تصيبنا أمام هذا السؤال بأغرب من الدهشة التي كانت تصيب أجدادنا البدائيين أمام ظاهرة البرق مثلا، فـ " النوع البشري على مدى جل الزمان الذي عاشه على ظهر هذا الكوكب إنما كان يعيش في عالم الذي سماه كارل ساغان «عالم يسكنه الشيطان». بمعنى عالم تهيمن فيه على الفهم البشري قوى غامضة لا سبيل إلى التنبؤ بها، و غالبا ما كانت شريرة. و على الرغم من أن هذا العالم لم يتوار عن الأنظار تماما ) و يكفي أن نتأمل كيف ينظر الأغلبية من الناس إلى مرض السرطان (، فإن العالم الطبيعي يبدو اليوم عالما يمكن التنبؤ بأحداثه و يمكن التحكم فيه أكثر.. لذا فإن فهم العالم هو في النهاية هدف العلم.")3 ( و قد كتب أبقراط قديما: " يظن الناس أن الصرع شيء من عند الآلهة، و هذا فقط لعجزهم عن فهمه." )4( "فبدلا من أن نعترف بأننا جهلاء في كثير من المجالات، نميل إلى قول أشياء من قبيل أن الكون غاص بما يجل عن الوصف. فهناك إله الفجوات مكلف بالمسؤولية عن الأشياء التي لم نفهمها بعدُ." )5( هكذا يقف العلم بتواضع أمام كل سؤال لم يستطع بعدُ الإجابة عليه، لكنه لا يتوقف عن مواصلة البحث و التنقيب.
و قد طرح العلماء أكثر من نظرية للإجابة عن هذا السؤال أشهرها نظرية الانفجار العظيم التي سأعرضها في فصل خاص من هذا الكتاب.
خلاصة القول أن جهلنا لكيفية نشوء الكون غير أبديّ، إنه كجهل الناس في القرن التاسع عشر لعلاج السل. " في عام 1885 كتب أوغست كونت عن النجوم: لن نستطيع أبدا و باستعمال أي طريقة أن ندرس المواد الكيميائية التي تؤلف النجوم أو تركيبها الذري. و لكن و حتى قبل أن ينشر كونت كلامه كان فراونهوفر قد بدأ بتحليل كيماويات الشمس باستعمال المنظار الطيفي." )6 ( أما اليوم فإن العلم قد تجاوز ذلك بسنوات ضوئية. إننا اليوم على وشك اكتشاف سر الحياة، و قد خطا العلماء أهم خطوة في ذلك المسار باكتشافهم للخارطة الجينية للإنسان قبل نهاية القرن الماضي.


o و ما الغاية = ما المعنى = ما المغزى من الوجود بدون إله؟
لكن أهمّ الأسئلة و أكثرها إلحاحا هي تلك التي تدور حول الغاية من هذا الكون، و من الحياة.. إذا لم يكن هناك إله؟
إنها أسئلة الوجود الأصلية التي لطالما حاول الإنسان الإجابة عليها بالدين تارة و بالفلسفة طورا..
إذا لم يكن هناك إله، فما المغزى من الوجود ؟
إذا لم يكن هناك إله، فما الغاية من الحياة؟
إذا لم يكن هناك إله، فلماذا نكون أخيارا؟
و سأخصص فصلا في هذا الباب للإجابة على هته الأسئلة.
*****
إن طرحنا بدايةً للاحتمالين أعلاه، لا يعني أننا نقبل بمنطق أن على أصحاب كل احتمال تقديم أدلتهم لإثباته دون آخر، إذ إن المسؤول عن الإدلاء بالأدلة هو من يثبت وجود الإله، لا من ينفي وجوده، كما بيّن برتراند رسل قائلا:
"الكثير من الأرثودوكسيين يتكلمون و كأنه على المشككين أن ينفوا العقائد الشائعة بدلا من أن يبرهنها العقائديون. و هذا خطأ بالطبع. لو أنني قلت بأن هناك إبريق شاي صيني بين الأرض و المريخ يدور حول الشمس بمدار إهليلجي، فلن يستطيع أحد أن يبرهن أنني مخطئ. سآخذ بعين الاعتبار طبعا بأن أوضح بحرص أن إبريق الشاي هذا هو من الصغر بحيث لا يمكن رؤيته حتى باستعمال أقوى التلسكوبات. و لكن، لو قلتُ: بما أن زعمي لا يمكن نقضه، فإنني لا أقبل أن يشك أحد في صدقه. سيكون كلامي جزافا. و لكن لو كان وجود هذا الإبريق موثقا في الكتب القديمة، و يدرس بقدسية كل يوم أحد، و مغروس في رؤوس الأطفال في المدارس، فإن مجرد التردد في قبول وجوده من شخص ما سيضعه مع فئة غريبي الأطوار و يستحق اهتمام طبيب نفسي في العصر الحديث أو القاضي في أزمنة خلت." )7(

بعبارة أخرى إن المطالب بالإتيان بالأدلة منطقيا هو الذي يثبت وجود الإله، لذلك سوف نعرض في الفصل الموالي أدلة المثبتين و نناقشها دليلا دليلا.


و إنما طرحنا ذينك الاحتمالين لبحث المقتضيات المنطقية الناتجة عن كل منهما و مناقشتها، حتى نكون بعد مناقشة أدلة الإثبات في الفصل الموالي قد أحطنا بجهتي الاستدلال: الأدلة و المقتضيات، و هما طريقتان للاستدلال مختلفتان من حيث المنهج، لكنهما توصلان إلى النتائج نفسها.



هوامش الفصل الأول:
1- 23 عاما: دراسة في السيرة النبوية المحمدية - علي الدشتي - ترجمة: ثائر ديب- بترا للنشر و التوزيع - الطبعة الأولى: 2004، ص 190
2- الآية 54 من سورة آل عمران.
3- لماذا العلم؟ - جيمس تريفيل - ترجمة: شوقي جلال - عالم المعرفة - العدد: 372، ص: 17-18
4- عالم تسكنه الشياطين - كارل ساجان - نسخة إلكترونية، ص: 37.
5- نفس المرجع و نفس الصفحة.
6- وهم الإله - ستيفن دوكنز - ترجمة: بسام البغدادي - نسخة إلكترونية، ص:50.
7- نفسه، ص: 54.



#معتز_أحمد_كرم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف ألحدت (المقدمة)


المزيد.....




- أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202 ...
- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - معتز أحمد كرم - كيف ألحدتُ -الباب الأول: هل يوجد إله؟ - الفصل الأول: مناقشة الاحتمالات