|
شبابنا إذا حُرِموا -نِعْمَة- العمل!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 4085 - 2013 / 5 / 7 - 20:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
جواد البشيتي نِعْمَة "العمل" لا يعرفها على خير وجه، ويستطيع، من ثمَّ، أنْ يُحَدِّثكَ عنها، ويشرحها لكَ، إلاَّ الذي حَرَمَهُ "الله" إيَّاها؛ فإنَّ فاقِد الشيء (والذي لا يعطيه، من ثمَّ) هو خير من يُحدِّثكَ عن أهمية هذا الشيء. والعمل (وأعني به الآن عمل العامِل في نظام العمل الرأسمالي) نِعْمَة؛ لكنْ بمعناها "النِّسْبي"؛ فـ "كأس العمل" بعضه ممتلئ، وبعضه فارِغ؛ وإنِّي لأعني بـ "الفارِغ (منه)" أوجهه السَّلبية، وما أكثرها؛ و"الإنسان الحُر"، الذي يَلِده "المجتمع الحُر"، إنَّما هو الإنسان الذي تحرَّر من "عبودية العمل الرأسمالي". "مَنْ لا يَعْمَل لا يأكل"؛ فهل وقَفْتُم على معاني هذا "المبدأ (أو الشعار)"، وعلى ما يكتنفه من إيجابيِّ المعنى وسلبيِّه؟ مَنْ لا يَعْمَل لا يأكل؛ ومَنْ لا يأكل يموت جوعاً (ومرضاً، وتموت قَبْله كرامته الإنسانية). و"العمل" هو أنْ "تُعْطي" قَبْل أنْ تأخذ، وحتى تأخذ؛ فالعمل يشبه "الدَّيْن"، العامِل هو "الدائن"، ورَبُّ العمل هو "المدين"؛ وليس "الأجْر" الذي يتقاضاه العامِل على عمله إلاَّ دَيْنٍ له على رَبِّ العمل يُسدِّده هذا "المدين" في نهاية كل شهر (عَمَل). لكنَّ هذا "الدَّيْن" لا يشبهه "دَيْن"؛ فـ "المدين"، في "الدَّيْن العادي المألوف"، يَدْفَع "فائدة" أيضاً؛ أمَّا هذا "المَدين"، أيْ "رب العمل"، فلا يَدْفَع "فائدة"، ولا يَدْفَع "الدِّيْن كاملاً"؛ إنَّه يَدْفَع جزءاً فحسب من هذا "الدَّيْن"، مُسمِّياً هذه "المدفوع" أجراً عادلاً (وإنَّه لـ "عادِل" بحسب مبادئ العدالة الرأسمالية). إنَّني مع ذاك المبدأ (مَنْ لا يَعْمَل لا يأكل) إذا ما كان مبتغاه (في التطبيق) هو أنْ يُعاقِب المجتمع كل مَنْ لا يَعْمَل وهو قادِرٌ على العمل (وعلى عَمَلٍ متاح له). لكنَّ هذا المُراد عقابه (عَمَلاً بذاك المبدأ) ليس مُمِكناً عقابه؛ لأنَّه غير محتاجٍ إلى العمل؛ فهو غنيٌّ بما يجعله مُسْتَغْنٍ عن العمل؛ إنَّه من "الذَّوات (أو من أبنائهم)"؛ فلا تتوعَّدوه بهذا العقاب حتى لا يسخر منكم، ويهزأ؛ وهو أقوى منكم حتى في "المنطق"؛ فإذا حاولتم إقناعه بأنَّ مَنْ لا يَعْمَل لا يأكل، فهو سيأتيكم بدليل مُفْحَم على أنَّ مَنْ لا يَعْمَل (مِنَ الذَّوات، ومن "الطبقة" المفضَّلة على العالمين) يَمْلِك، وعلى أنَّ مَنْ يَعْمَل (من العمَّال) لا يَمْلِك. إنَّه يَمْلِك ما يُمكِّنه من أنْ يُرْغِم مَنْ لا يَمْلِك على العمل عنده، وما يُسْبِغ عليه نِعْمَة التحرُّر من عبودية العمل؛ أمَّا مأكله (وسائر أوجه عيشه الرغيد) فيحسده عليه "أهل الجنَّة". "مَنْ لا يَعْمَل لا يأكل" إنَّما هو مبدأ للجريمة، يرتكبها "سادة العمل"، مع دولهم وحكوماتهم، في حقِّ مَنْ لا يَعْمَل؛ لكونه لا يَجِد عملاً (وهو القادر على العمل، المؤهل له). إنَّهم يَنْظرون إلى كل مَنْ تضيق به سوق العمل الرأسمالية (التي بضيقها إنَّما تعكس مصالحهم الفئوية والطبقية الضَّيِّقة) على أنَّه مِنَ "الفائض السُّكَّاني"، ويستحق "عقاب مالتوس"، عقاب "الموت جوعاً (ومرضاً)"، ودَوِس كرامته. وفي جزءٍ من هذه الفئة الاجتماعية الواسعة المتَّسِعة، يَسْتَثْمِرون جهوداً هي لجهة غاياتها وثمارها "شَرٌّ اجتماعي وأخلاقي.."؛ فَمِن هذه الفئة (التي لا هَمَّ لأفرادها إلاَّ أنْ يدرأوا عن أنفسهم خطر الموت جوعاً) يُجنِّدون أُناساً لأعمال تترفَّع الوحوش عنها. وطالما رَأَيْنا جيش العاطلين عن العمل (وهو في بلادنا جيشٌ، أفراده مهدَّدون بالموت جوعاً) يُمارِس ضَغْطاً في اتِّجاه خَفْض منسوب الآدامية في أجور ورواتب العمال والموظَّفين الصغار، و"سوقاً" تزدهر فيه "حِرْفة النَّخاس"؛ وثمَّة نَخَّاسون كُثْر يحتاجون إلى هذه "البضائع البشرية الرَّخيصة" في تأدية أعمال (ومهمَّات) قَذِرَة، لا يَقْبَل تأديتها إلاَّ إنسان أَفْقَدَه افتقاده العيش الكريم، المتأتي من عَمَلٍ تَعَذَّر عليه الحصول عليه، البقية الباقية من آدميته، فأصبح أداة طيِّعة في يد وليِّ نعمته الذي هو من "الذَّوات"، المُحْكمين قبضاتهم الاقتصادية والسياسية .. على المجتمع والشعب. ولقد ابتلانا الله، نحن أهل الشرق، والشرق العربي على وجه الخصوص، بأسياد ورؤساء مؤسَّسات وأعمال لا يُميِّزون أبداً خِدْمَة العامل والموظَّف لهم (بصفتهم الوظيفية والمهنية) مِنْ جَعْلِه خادِماً (شخصياً) لهم، يؤدِّي أعمالاً لا تمتُّ بصلةٍ إلى عمله الحقيقي أو الرَّسمي؛ فإمَّا أنْ يستخذي ويَقْبَل (وهو ابن مجتمع تُهْضَم فيه الحقوق) وإمَّا أنْ يَجِد نفسه، مع عائلته، في الشارع، موسِّعاً جيش العاطلين عن العمل. ثمَّ (وشَرُّ البلية ما يُضْحِك) يتساءلون في دهشة واستغراب (وكأنَّهم "الفضيلة" تشكو ضعفها إلى أفلاطون) قائلين: لِمَ كلُّ هذا العنف في سلوك طُلاَّبنا وشبابنا؟! لقد زرعوا الشَّوْك متوهِّمين أنْ يحصدوا عنباً، وأنْ يجنوا ورداً! في شبابنا مات كل ما يُحِبُّون؛ فهل نلومهم إذا ما كرهوا حتى أنفسهم؟!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الظاهِر والمستتِر في الضربة الإسرائيلية
-
في الجواب عن سؤال -الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية-
-
-إنجاز- كيري!
-
طريقتنا البائسة في التفكير والفَهْم!
-
عيد -المحرومين في وطنهم-!
-
مهاتير يُحذِّرنا وينصحنا!
-
العراق على شفير الهاوية!
-
أُمَّة تحتضر!
-
عندما يتسَّلح العرب!
-
في -الحقيقة-.. مرَّة أخرى
-
كيري في جهوده -الحقيقية-!
-
حتى لا يصبح هذا -الرَّقَم- حقيقة واقعة
-
مصر التي تحتاج إلى استئناف ثورتها!
-
مواطِنة أردنية تصرخ وتستغيث.. و-الدولة- صَمَّاء!
-
أهو النسور أم فوكوياما؟!
-
أوهام جماعات -الإسلام هو الحل-!
-
-جلالة الإعلان- و-صاحبة الجلالة-!
-
كيري الذي يبني -الثقة- ب -التنمية-!
-
تجربة آينشتاين مع -الحقيقة-
-
اللاجئون السوريون.. مأساة -مهاجرين بلا أنصار-!
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|