|
رواية .... الإنتظار لأحمد المشعطي .... بين الجرأة والاحساس الممزوج بالألم والأمل...
رائد ابو النصر
الحوار المتمدن-العدد: 1173 - 2005 / 4 / 20 - 10:32
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
بداية كم شعرت بالغبطه عندما تصل فيي احمد قائلا لقد سبقك في التعليق على الروايه الدكتور عادل الاسطه ووزادت سعادتي ان تكون البدايه عند الدكتور الاديب عادل والذي بدوره كان وما زال راعيا لكل الكتاب والطلبه واصحاب المواهب الادبيه وكان تعليق الدكتور عادل ... الى احمد في يومه ( يوم الاسير الفلسطيني 17/4) وفي الغلاف الاخير لصحيفة الايام الفلسطينيه ... استاذنا عادل احيطك علما ان احمد كان ضمن المجموعه الاخيره من الاسرى البواسل الذين تم الافراج عنهم وفق الاتفاقيات الاخيره ما بين السلطه وسلطات الاحتلال ... ومع ان تعليقك كان عابرا ومعبرا الا انني لمست انه لم يكن لديك الوقت الكافي للتعليق والتحليل ... أمل ان اغطيي ولو اليسر اليسير من مما حملته (( الانتظار )) من معاني واحزان وامال وتضحيات.....
للتعريف : احمد المشعطي اسير فلسطيني كتبت روايته الاولى الانتظار في معتقله وخلال سني الاسر ... بدأ كاتبنا روايته الرائعه ....ولا ابالغ ان قلت رائعه او حتى اكتر من رائعه وتشد القارىء من السطور الأولى ....بدأ أحمد روايته بسؤال.. او تساؤلات .... بدأ )) سؤال واحد كفيل لا أكثر كفيل بأن يغير حياتنا ويعكس مجراها، وإجابة واحده تفعل بنا نفس الشيء او تعيدنا لمكاننا )) كان السؤال : هل يستطيع الانسان ان يتحمل قهرآ كالجبال؟؟؟؟ وسؤال : أيحتمل أن يرى ويحس كل ما يحدث معه وحوله ، او حتى من خلاله ومع هذا يكون صمته كصمتها مليئا بالضجيج والغليان ؟؟ وعندما يثور هل من الممكن ان تكون ثورته كالربكان خاصة بعد مرور زمن لي بالقصير وانتظار طويل على الغليان الذي يحدث انصهارات داخله تذيب الصخر والحديد وتبخر الجليد ؟؟؟ وتكون اجابته لتساؤلاته من خلال صب جام غضبه على الارض مرات يشتمها ومرات يمدح عطائها متعاطف مع صبرها بعد ان تبتلع من عليها للديدان في بطنها تخرج بد ذلك شقائق النعمان والياسمين والورود والرياحين .... ومن قال ان الجبال تبقى صامته فهي ايضا تثور ، تغضب تحتج تلعن تغفر وتنتقم ......... كم هي عاهرة هذه الارض كم هي مغتصبه .... ويصف الارض بالمحتاره والمرتبكه وينهي خطابه للارض بمن اطلق على الارض هذا الاسم لينوهلنا ان هنا دائما علاقة بين الاسم والمسمى عليه ...
هذا ما كانت تفكر فيه ( هيفاء ) وهنا يدخلنا الرواي (أحمد) بالشخصيه الرئيسه لروايته مشبها اياها بالارض بتضاريسها وبفصولها بغضبها بعطائها بحرارتها وبرودتها ...وهنا اقف على جرأته وحريته وربما كان للاسر دور كبير لما يحس به الاسير من حريه وجرأه في التعبير وكأن الاسير يشعر بحريه نفسيه وحريه في المشاعر والاحاسيس اكتر من خارج الأسر وهذا الاحساس او الشعور لا يحس به الا من جرب الاعتقال او الاسر .... يشعر بحرية وجرأة يفتقرها من هم بالخارج المتمتعون بحريه مزيفه ... تسودها قوانين الحاكم او الدستور والنظام ان لم تخنقها الاعراف التقاليد ... يصف لنا هيفاء التي صحت من نومها في ربيعها الخامس عشر لتتحسس انوثتها ...يصف لنا وصف يجعانا نتخيل هيفاء اجمل النساء واكثرهن انوثه واغراء ...يصف لنا ادق التفاصيل وبجرأة وحرية لجسد غض سكنته روح ملائكيه وحتى اماكن نخجل ان نذكرها صريحا بل تلميحا خوفا من لوم الاباعد والاقارب ... وحتى لا يتم وصف جرأتنا بالوقاحه ....وانا هنا اتذكر اشهر الادباء كيف كانت لجرأتهم او وقاحتهم الدور الاكبر بل الاهم لشهرتهم ... وكم ابدع المؤلف (( احمد)) في وصف هذا الجسد الغض الرائع بالارض بسهولها وجبالها ووديانها .. كأننا امام لوحة فنيه تتمتع بفصول السنه كامله منسجمة في آن واحد...وعن علاقة الارض بالسماء والماء ... وحب جسد هيفاء للماء المتساقط كأن هناك سر الاهيا او علاقة خفيه لا يعلم خفايها أحد...وانقل هنا ما كتب حرفيا وكم ابدع برسم لوحته دون الوان او فرشاة: هي الارض بفصولها فبعد ان يقوم الصيف بإقناع الشتاء وإغرائه بمضاجعة الربيع يقوم الشتاء بذلك ،ويمارس معه الحب الأقرب للاغتصاب ، ليأتي الخريف فيما بعد ويتعامل معهما جميعا بسادية مدمرا كل اعمالهم الشهوانيه ولذتهم التي قضوا خلالها تسعة شهور ويمسح كل شيء فتبخر الصيف من شدة تعبه بإقناع الشتاء بمضاجعة الربيع ، بطريقة ملتويه ومشبوهة باستفزاز شهوة الربيع بأن يقوم بحمامه ليثبت له شرفه وعفته وكم هو غبي واحمق او شهواني وشبق هذا الربيع فبمقدار استحمامه من الشتاء يكون انجابه وخصوبته وبمتعته نسي اغتصابه فحلقت عليهم جميعا سادية الخريف .....
هنا يكتمل وصف هيفاء تلك الصبيه او البنوته العراقيه يتيمة الأم والتي تعيش مع خالتها ( زوجة ابيها) ام حاتم تلك المرأة التي جمعتها بهيفاء ووالدها العجوز تعاسة الظروف ومرارة الايام ومزيج من الاحزان والمأسي ... كأنه محتم على التعيس ان يزداد تعسا وحزنا ام حاتم فقدت ابنها الشاب في القصف الوحشي على بغداد عام الواحد وتسعين ليلتحق بوالده ولتعيش ام حاتم مرارة مزدوجة في فقدان الزوج والابن ... ليجمعها القدر بابي هيفاء بعد ان فقد زوجته في ظرف مشابه في التعاسه والالم .. ليمتزح حزنهم سويا في بيت كتب عليه الحزن الاسى والصبر .. ومعاناة ابو هيفاء اليوميه حيث يعمل بائع متجول في شوارع وحارات بغداد الفقيره ليبيع لاطفالها ما يفرحههم حتى لو كان بسيطا رخيصا ... حتى لو اعياه التنقل وعصفت به تقلبات الجو منتظرا عاصفة تنهي انتظاره . وهنا يصف لنا الكاتب .... ابو هيفاء بالشجره التي لعبت بها الرياح حتى تقصفت وتطايرت اوراقها واغصانها فكبرياؤها منعها من الانحناء وما عليها الا ان تحتضن هبة قوية لتقتلعها وتذهب بها لبلاد اخرى ومشبه ابو هيفاء يقبطان السفينه التي اغرقها القدر ...
تعكر مزاج ابي هيفاء عندما شاهد احد الاطفال لم يبلغ السادسة وهو يقوم بمسح حذاء احد المنتفعين المنتفخين المتكرشين , الذي كان واضعا حذاءه ليس على الخشبه المعده لهذا العمل بل على ركبة الطفل حتى لا يتسخ اسفل حذائه من بقايا الطلاء المترسبه والعالقه على الخشبه كان ينظر لهذا المشهد بحسرة والم ومن الداخل يحترق وما زاده احتراقا عندما شاهد الرجل يسحب حذائه عن ركبة الطفل بقوة واحتكاك ليمسح ما علق باسفله من اوساخ او طلاء. ففي بلادنا اليتيم نزيده يتما والفقير نزيده فقرا والعاهره نزيدها احتراما وعزة . كم ابدع في الوصف الفني الممتع والتشبيه ورسم اللوحات الجميله لكل شخوص روايته وسرد احداثها برويه وسلاسه .... لا يضاهيه فيها الا اعظم الادباء .... الانتظار... روايه شيقه ومعبره ...تربط بين بلدين توأمين بالأمل والحزن توأمين بالقهر والاحتلال توأمين بالتضحيه والعطاء توأمين بالجمال والقدسيه .... بالماضي والحاضر .... فلسطين والعراق ....
تدور الاحداث وبشكل رومانسي تبدأ بزيارة خالد الشاب الفلسطيني سائق التكسي المتزوج من عراقيه قدمت له الكثير وضحت بكل ما تملك وعاندت الاهل من اجل حب خالد ليلتقي في بيت زميله ليلتقى بتلك الفتاة البنوته الجميله (( هيفاء)) في الوقت الغير مناسب في المكان الغير مناسب في الظرف السيء والمناخ الاسوء .... لكن من قال ان الحب عندما يدق صمامات القلوب يعرف الوقت او الزمن او الظرف ....يقع خالد ومن النظرة الاولى كما وقعت وغرقت هيفاء دون ان يحس أي منهما بمحيطه او ظروفه ....
لتبدأ حرب المشاعر والاحاسيس الداخليه ... خالد يفكر بزوجته وابنه الصغير يوسف ومقدار حبهما ومقدار ما قدمته شيماء زوجته ووقفتها الى جنبه ,,, كما وقفت العراق ببغدادها الى جانب فلسطين ... ويفكر خالد وتشاركه تلك الليله في القلق والسرحان بالحلام والغيره بالحب وعذاباته تشاركه هيفاء من بيتها ومن فراشها لا تعرف النوم .... كل في تفكيره ولكن شيء واحد يربط كليهما هو المصير وماذا بعد الانتظار ... وهنا تبدأ شخصية الفلسطيني بالوضوح وبشرف وجرأة شرف بأن يوفي لمن احب وبأن يأتي البيوت من ابوابها وان يقرر الزواج من هيفاء في نفس اللحظه عليه ان يحافظ على حب شيماء وابنها يوسف لجانب حبه لهيفاء ... لحظات وما اصعبها من لحظات عندما يفكر الزوج بمصارة زوجته بزواجه من اخرى والاصب ان تسمع المرأة ومن زوجها ان هناك من ستشاركها سريرها ,,,, وبين المد والجزر توافق في نهاية المطاف وبناء على وعود خالد ان حبه لن يتغير ولن يبرد ... ويتزوج خالد من هيفاء .... والجنين ينمو في رحم هيفاء وكذلك الغيرة بصدر شيماء ... فالافضل للانسان ان يعيش فقيرا يفرح بكل شيء على أن يعيش غنيا لا ينتظر أي شيء ,..... وهنا يحن خالد لوطنه ويزداد حنينه لفلسطين ولقريته الصغيره ولنابلس اكتر عندما يعلمه الطبيب ان زوجته تحمل توأم ... ويعد العدة للعودة ويقسم القلب الى شقين قلب شق للعراق وشق لفلسطين .... ويعود عبر رحلة عذاب حدوديه بين الاردن والعراق ورحلة عذاب الحواجز داخل فلسطين ...وصل قريته فرحا بلقاء امه سعيدا بزوجته هيفاء ...وتعرف على الواقع المر الذي يعيشه شعبه تحت ظل الاحتلال وتذكر بغداد وما حل باهله ....ليشتاق لزوجته شيماء وابنه يوسف ...تتوالى االايام وتلد هيفاء توأمها "" حاتم وانتظار """ ويشد الرحال الى بغداد لشيماء ويوسف ... كأن من يشرب من الفرات ودجله لا بد وان يحن ويعود ... تاركا انتظار وحاتم للفقر والحرمان ... وهنا يصور لنا الكاتب اطفال حرموا من طفولتهم اطفال يلموا ما سقط من حبات خضار وفواكه في سوق الخضار ... وتكمل المآساة في وفاة الطفل حاتم تحت عجلات سيارة عسكريه اسرائيليه وهو يهم بالتقاط احدى تلك الحبات ... كالمجنونه اخذت الأم تركض وتصرخ بأتجاه السوق وما ان وصلت حتى رأت بقايا الدم على الشارع التى ازدادت باختلاطها بماء المطر .. وسمعت صوت سيارة الإسعاف يفجر أذنيها . أحتضنت إنتظار بكل قوتها ، وأخذت تبكي دما عليها تمرغت فيها لتشم رائحة حاتم الذي رحل بعيدا ولم يعد ... تذكرت امها واستشهاد حاتم أخوها في العراق وحاتم ابنها في فلسطين وأخذت تصرخ وتنادي على خالد بكل قوتها أن حاتم استشهد ايضا .... فالمأساة واحدة والعدو واحد .. لقد ذهب حاتم ولم يبق الا الإنتظار . هكذا انتهت رواية الانتظار ويبقى الانتظار ... كل التقدير لك اخي احمد ابو مرسيل على روايتك الانتظار ونحن.... بانتظار... بانتظار... بانتظار ...
#رائد_ابو_النصر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-كان بمقدوري وضع سلاح نووي عليه ولكن اخترت عدم ذلك-.. لسان ح
...
-
زيلينسكي يثور غضبا على البرلمان بعد إلغاء اجتماعه إثر ضربة -
...
-
قتلى وجرحى في قصف ببيروت وعمليات الإنقاذ مستمرة
-
مودي سيستقبل بوتين بغضّ النظر عن امتعاض واشنطن
-
كمسومولسكايا برافدا: روسيا حذّرت كييف والغرب.. ماذا يعني تصر
...
-
ألمانيا تكشف عن دورها في الخطة العملياتية لحرب -الناتو- مع ر
...
-
ترامب يعتزم إقالة مكتب المدعي الخاص جاك سميث بأكمله انتقاما
...
-
كوريا الشمالية تتهم واشنطن بمفاقمة الوضع في المنطقة
-
إسرائيل تفكر بتزويد أوكرانيا بالسلاح
-
هل تعاني من الأرق؟.. طريقة بسيطة تسحبك إلى نوم عميق
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|