أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - عزمي موسى - الصراعات الدولية واتجاه حركة التغير















المزيد.....


الصراعات الدولية واتجاه حركة التغير


عزمي موسى

الحوار المتمدن-العدد: 4084 - 2013 / 5 / 6 - 20:00
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


الصراعات الدولية واتجاه حركة التغير
عزمي موسى
لا أحد يستطيع أن ينكر بأن ألعالم أليوم يمر بمرحلة أنتقالية , ما بعد ألأحادية ألقطبية . ويشهد حالة من التحولات والتغيرات تتفاعل فيها فضاءات عديدة اقتصادية وثقافية ودينية . وبأن ما يحدد طول هذه المرحلة أو قصرها , هو سرعة حركة ألبلدان ألفاعلة في ألسياسة ألدولية في إطار هذه الفضاءات المتعددة . مرحلة أرادها قلب ألنظام ألرأسمالي ألعالمي , مليئة بالأضطرابات ألسياسية وألتناقضات ألاقتصادية , سواء بين دول قلب ألنظام ذاته , أو بين هذا ألنظام وأطرافه من جانب أخر (صراع ألشمال والجنوب ) . تمثلت بصورة أحتجاجات شعبية واسعة في بلدان المركز , ضد ألارتداد عن سياسات دولة الرعاية ألاجتماعية وتداعياتها السلبية الواسعة . ودموية وحشية في مناطق الإطراف ألرخوة من هذا ألعالم . تعكس وبشكل واضح لا لبس فيه فشل فلسفة أليبراليين ألجدد بأبعادها ألثلاث ( السياسية , ألاقتصادية والاجتماعية ) في تحقيق توازن عادل للبشرية , يضمن تنمية مستدامة بعيدا عن ألأزمات ألمتعددة ألإشكال . وفق ما صورها وروجها دعاتها بأعتبارها نهاية التاريخ , والنموذج الوحيد للحياة الإنسانية, وليس من بديل أمام البشرية سوى هذا النظام الرأسمالي ألمعولم .
قد تبدو للمراقب العادي حركة المشهد السياسي الدولي على السطح, وكأنها تسير في حالة من ألانسياب الطبيعي , والانسجام المتوازن , والتوافق التام على صعيد العلاقات السياسية والاقتصادية . لكن الواقع الحقيقي الملموس ينفي ذلك . فهذه الحركة يسودها تباين اقتصادي و ألتواءات سياسية إزاء القضايا الكبرى وأنتكاسات في مسيرة بعض الدول . ناتجة عن تعدد القوى الفاعلة واختلاف هياكلها البنيوية وتشابك دوائر المصالح المتناقضة في ذات الوقت . مما تؤدي إلى حالة من التحولات والتغيرات العميقة والمعقدة والى عدم استقرار في شبكة العلاقات السياسية الدولية .
هذا الواقع السياسي المتحول , لا يمكن ادراكة باعتباره حركة واحدة باتجاه واحد تسير فيه الإنسانية . ممر عالمي نهائي . بل هو في الجوهر وحدة حركتين متناقضتين متصارعتين . هما حركة المجتمعات الرأسمالية المسيطرة نحو الهيمنة والنهب(دول المركز ) وحركة المجتمعات التابعة نحو التحرر والاستقلال (الإطراف ) وفق تعبير الكاتب ناصر الجابر .وداخل كل حركة منهما , هناك حركات ذاتية متصارعة ولانهائية تقف وراء اختلاف مدى تطور وتقدم تشكيلة اجتماعية وأخرى . فالحركة وبغض النظر عن شكلها وسرعتها , أنما تعكس وحدة قوى متصارعة ومتزاحمة على ارض الواقع . تستهدف التحكم في مسارات التغير وتوجيهها . وهذا ما يؤكده الواقع الدولي المتحرك نحو مزيد من التكتل والاستقطاب العالمي
حيث قد بلغت الإحداث الدولية من التداخل العضوي إلى درجة التعقيد المركب ,و تتسارع بوتيرة عالية , يصعب إدراكها بذات السرعة التي تسير فيها . فحركة الواقع غالبا ما تسبق الوعي . لذا فان قانون الحركة الجدلي العلمي , يوفر الأرضية العلمية المناسبة لمتابعتها ولاستشراف اتجاهاتها . حيث إن ما يحدد سرعة واتجاه وطبيعة حركة القوى المادية , هي كمية ونوعية الطاقة الفاعلة المختزنة فيها , إضافة إلى قربها أو بعدها عن مركز الكتلة المتحركة والبيئة التي تتحرك فيها . وعلى هذا الأساس فان حركة قوى الإنتاج المتطورة هي التي تبقى تفرض سيطرتها على القوى الأخرى وتحد من سرعة حركتها وتطورها . وهنا يكمن الفارق العميق بين تحرك سريع يعكس حركة قوى إنتاج متقدمة ومتطورة وبين حركة بطيئة تعكس حركة قوى إنتاج تابعة ( المركز والإطراف ) نظرا لان العامل الاقتصادي هو العامل الحاسم لأي تطور أنساني .
وفي هذا إلا طار العلمي والمنطقي يمكن متابعة حركة النظام الرأسمالي ألمعولم . والقائمة على زواج المصالح والتفاعل المتزايد ما بين رأس المال المدني والعسكري ( التصنيع الحربي ) . فقد اخذ الأخير , صاحب الانتصار السياسي , على عاتقة ومنذ فترة الحرب الباردة , مسؤولية التصدي والمنافسة المفتوحة للاتحاد السوفيتي حتى أنهكه وتغلب عليه , ومن ثم فتح الطرق وتطويعها إمام رأس المال المدني . متكأ على مفهومين يتم الترويج لهما باستمرار . حماية الأمن القومي ومحاربة الإرهاب . مما تطلب تعزيزهما إلى شبكة من العلاقات المترابطة وعلى مختلف المستويات العسكرية والسياسية والاقتصادية مع الخارج . وذلك من خلال نشر العديد من القواعد العسكرية في كل قارات العالم , والسيطرة على محيطاته وممراته البحرية . و تمتين تحالفاته الدولية , مع ضمان إدامة تبعية بلدان أخرى له . عبر برامج تمويلية , تأخذ شكل منح أو قروض يتم تقديمها مباشرة أو من خلال مؤسسات دولية تقوم بذلك . مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي . أو عبر عقد العديد من صفقات الأسلحة معها كما هو الحال مع دول الخليج العربي . إضافة إلى تمكين بعض الدول عسكريا واقتصاديا كي تكون نقاط ارتكاز أساسية في منظومة مصالحة العالمية ( إسرائيل و كوريا الجنوبية ) . حيث أنها اقرب ما تكون إلى قواعد عسكرية واقتصادية من كونها دول .
لذلك فان حركة النظام الرأسمالي ألمعولم ,هي في جوهرها حركة الشركات الاحتكارية الضخمة بشقيها العسكري والمدني, نحو سوق الأموال , بمعزل عن مصالح الدول الفقيرة والمتوسطة , وتحت مظلة قوانين العمل المعولمة بين المركز والإطراف , بتعبيراتها الإيديولوجية الرجعية . لا رقابة على الأسواق , لا للحماية الجمركية , الأسواق تضبط ذاتها بالياتها الخاصة , العالم سوق واحدة والغاية تبرر الوسيلة . حركة تسعى إلى تضخيم الإرباح وتمركز رأس المال . مليارات من البشر على امتداد مساحة هذا العالم تم إفقارها , مئات من الملايين تعيش تحت ظل أنظمة ديكتاتورية مدعومة من هذا النظام , وعشرات الملايين في أسيا وإفريقيا وأمريكا ألاتينية قتلوا في حروب تم أدارتها عن بعد , دول قد تم سحقها على الطريق (الصومال , أفغانستان , العراق وليبيا .. ) , عدى عن التدمير المتواصل للطبيعة والبيئة .
في هذا السياق يمكن تتبع وإدراك اتجاه حركة التحولات والتغيرات في مجال العلاقات الدولية . في ظل مناخ النظام العالمي الجديد, الذي تشكل في إعقاب الحرب الباردة . حيث تعمقت وانتشرت النزعات الأصولية والسلوك المتطرف عند الشركات الاحتكارية المعولمة بداية , وامتدت إلى بعض القوى الاجتماعية الأخرى على المستوى العالمي ( في أمريكا ,أوروبا , أسيا و أفريقيا ) كردة فعل تاليا .
فيما اعتقدت الولايات المتحدة , التي ظهرت كقوة عظمى وحيدة, بأنها وحدها قادرة على قيادة هذا العالم , وعلى فرض إرادتها السياسية والاقتصادية علية . تحت شعار الديمقراطية وحقوق الإنسان وفق المفهوم الرأسمالي الطبقي . خاصة بعد إن توسع حلف الناتو والاتحاد الأوروبي في دول أوروبا الشرقية . التي مثلت مجال حيوي أضافي أخر للاستغلال للاحتكارات العالمية وخاصة الألمانية , بحكم العلاقات الغير متكافئة ,
إلا إن الواقع خالفها , وحد من قدرة اندفاعها , واحدث اختلالات وتصدعات عميقة في حركتها المأزومة بذاتها . فلم تدرك الولايات المتحدة , بان القمة التي تقف عليها , هي ذات أرضية رخوة غير مستقرة , وبان فلسفتها عاجزة عن فهم الواقع وتحليله وذات مضمون غير أنساني ولا أخلاقي . فهذه الفلسفة السياسية والاقتصادية القائمة على مركزة رأس المال , والمعرفة المعلوماتية والتكنولوجية العالية , والمقننة بقوانين عالمية , مسخرة في خدمة الاحتكارات الكبرى . لم تستطع تحقيق الأمن السياسي ولا الاجتماعي لشعوب هذه الدول الكبرى ولم توفر لهم الحماية من الهجمات الانتقامية المتنوعة ( إحداث 11/9 شاهدة على ذلك ) . كما أنها فشلت في معالجة الأزمات الاقتصادية المتكررة وتجنب تداعياتها على مختلف المستويات المحلية والدولية . فيما أثبتت الحقائق المادية العينية , بان من أهم أسباب الأزمة المالية العالمية الحالية . غياب الرقابة على الأسواق وضعف الآليات الاقتصادية المتبعة في تضخيم الإرباح نتيجة تصاعد نفوذ رأس المال الورقي ألمضاربي على حساب القوى الصناعية والتجارية , وما رافقه من إلغاء للدور الاقتصادي الاجتماعي , مما أدى إلى ضياع حقوق المستثمرين والعاملين معا .
وبالتالي بات السؤال الذي يطرح ذاته , هل النظام الرأسمالي ألمعولم , بوصفة القوه الوحيدة على سطح هذا العالم , في طريقه إلى الأفول عن صدر البشرية ؟ والى إي مدى يمكن إن تبقى مجموعة الدول الأوروبية متماسكة في إطار الاتحاد الأوروبي , بعد إن كشفت العديد من استطلاعات الرأي . إن ما يقارب من نصف المواطنين ألأوروبيين عموما باتوا غير مقتنعين وآبهين بجدوى الاتحاد الأوروبي , مفضلين العودة إلى الاهتمام بالمصالح الوطنية الخاصة بكل دولة ؟
صحيح إن الدول الرأسمالية الكبرى ترتبط فيما بينها , بشبكة مصالح سياسية واقتصادية واسعة ومعقدة أيضا . وبان التناقض البيني , يعيد توافقه بشكل ذاتي . إلى جانب التشابه في آليات السلطة وصنع القرار . لكن وبالرغم من إن مستوى التعاون والتنسيق البيني قد بلغ اعلي مستوياته . إلا انه لم يحل دون وجود تناقضات وصراعات سياسية واقتصادية . نظرا لتفاوت المصالح المادية الذاتية بين هذه الدول . تجلى ذلك من خلال المواقف المتباينة من الصراعات الدولية كتلك المتعلقة ب (العراق , فلسطين , إيران , كوريا الشمالية...الخ ) ومن الحرب على الإرهاب . ومن انقسام المواقف الأوروبية الواضح حول أزمة الديون في منطقة اليورو . التي أحدثت حالة من عدم الاستقرار السياسي والاضطرابات الأهلية أدت إلى اختلال في التوازنات الأوروبية القائمة . لا تهدد فقط الاستقرار المالي والاجتماعي في منطقة اليورو , بل أيضا قدرة الاتحاد على البقاء في ظل فشله في تطوير هوية سياسيه خاصة به . ذات مواقف واضحة وموحدة إزاء القضايا الاقتصادية والسياسية الكبرى
فقد كشفت حركة الاحتجاجات الشعبية الواسعة , والقوى الديمقراطية واليسارية المناهضة للعولمة . في شوارع وميادين عواصم ومدن بلدان النظام الرأسمالي . من ول ستريت إلى أثينا مرورا بمدريد وروما وقبرص والعديد من الدول الواقعة جنوب القارة الأوروبية ضد الفقر والبطالة . وسياسات التقشف التي فرضتها ألمانيا صاحبة اكبر اقتصاد . على دول منطقة اليورو المأزومة ( اليونان , البرتغال , اسبانيا , قبرص , ايطاليا ...) تحت ذريعة مساعدتها على الخروج من أزمتها الراهنة . عن حجم المأزق الاقتصادي الذي تعاني منه هذه الشعوب , وعن عمق الصراع البيني . الناجم عن تدفق رؤوس الأموال من الاقتصاديات الأضعف الواقعة على إطراف منطقة اليورو , إلى الاقتصاديات الأقوى في قلب المنطقة . نتيجة إلى اتساع فجوة القدرة التنافسية بين دول الشمال الأوروبي وجنوبه . وبالتالي تراجعت مجموعة هذه الدول عن مقدمة درجات السلم الاقتصادي العالمي , لتصبح بمثابة أطراف بالنسبة لدول مركز النظام الرأسمالي ألمعولم . صراع آخر ( شمال وجنوب ) في قلب المركز . فان تناقض المركز / الأطراف هو المحدد الأساس للصراع بين القوى المتناقضة , ولأي تحول في طبيعة العلاقات الرأسمالية . وبالتالي أصبح التقارب بين هذه الدول يعتريه الوهن , مما ينذر بحدوث انشقاقات داخل أسرة الدول الأوروبية وتوجه بعض الدول إلى الاستقلال عن سياسات الاتحاد الأوروبي المتعددة .
تزامن هذا مع نمو رأي عام عند شعوب منطقة المركز يسوده التذمر والتأفف والشعور المتزايد بعدم الرضي عن سياسات الاتحاد الأوروبي لحل الأزمة الاقتصادية المتكررة , التي تمر بها دول الأطراف معتقدا بأنها سوف تكون على حساب مصالحه ورفاهيته الحياتية . يقابله رأي عام شعبي واسع عند شعوب بلدان الإطراف الأوروبية , يشكك بسياسات الاتحاد الأوروبي ومتهمها بالانحيازية وعدم العدالة , ومحملا ما آلت أليه أوضاعهم الاقتصادية إلى هذه السياسات . والتدخلات الأمريكية بغرض إيجاد حلول لأزماتها السياسية والاقتصادية العالمية الراهنة , على حساب مصالح بلدانهم الدولية . وبالتالي بدئوا يتطلعون وبشكل متراكم إلى اتخاذ مواقف سياسية خارجية , بعيدة إلى حد ما عن المواقف الأمريكية . هذا بدا واضحا من خلال التباين في العلاقات الدولية إزاء المشكلات السياسية الدولية الكبرى في أسيا وأفريقيا وأمريكا ألاتينية , ومع مجموعة الدول الصناعية الناهضة , روسيا , الصين , الهند , البرازيل وجنوب أفريقيا وفنزويلا ( دول البركس ) .
ففي الوقت الذي شعرت فيه الولايات المتحدة بأنها القوة الوحيدة على سطح الأرض , وبأنها اكبر إمبراطورية في التاريخ الإنساني . قادرة على التحكم والسيطرة الأبدية على مجمل النشاط الإنساني العام , خاصة بعد الحرب الأولى على العراق في بدايات العقد التسعين من القرن الماضي , ومن ثم على صربيا في نهايات ذات العقد . تعززت وتعمقت اتجاهات عسكرة الاقتصاد الأمريكي وبشكل متزايد . منذ ولاية ريغان ووصول القوى اليمينية أليبرالية إلى مراكز القرار السياسي والاقتصادي . فقد شملت بالأضاقة إلى الانتشار الواسع , في العالم , لقواتها البرية والبحرية . تدخلها العسكري المباشر في العديد من الصراعات الدولية كما حصل ويحصل في العراق وأفغانستان واليمن , والغير مباشر من خلال التمويل العسكري والمالي للنزاعات المسلحة في العديد من نقاط التوتر العالمية ( السودان والصومال والفلبين ...أخ ) . علاوة على التمكين العسكري الإسرائيلي المتصاعد .
في ذات الوقت الذي كانت تنفق فيه الولايات المتحدة البلايين من الدولارات على قواتها وتسليحها , في حروبها العالمية على الإرهاب كما تدعي . وفي أدارتها للصراعات الدولية . وأمام هذه التحديات العالمية المتعددة , التي فرضتها نزعات عسكرة الاقتصاد اليمينية . ظهرت الهند وباكستان كقوى نووية على الساحة الدولية تسعى كل واحدة إلى تعزيز قدراتها العسكرية . وكذلك كوريا الشمالية كقوة عسكرية إقليمية , في طريقها لامتلاك السلاح النووي أمام التحديات ألاقتصاديه التي تواجهها من كوريا الجنوبية واليابان . وفي منطقة الشرق الأوسط ظهرت إيران كقوة إقليمية ذات نفوذ ممتد من أسيا الصغرى إلى بعض دول المنطقة العربية (العراق وسوريا ولبنان وفلسطين ) وهي الأخرى في طريقها إلى امتلاك السلاح النووي للمحافظة على مصالحها وتوسيع دائرة هذه المصالح . وفي منافسة المشروع الأمريكي الإسرائيلي المهيمن , والمشروع التركي الجديد الذي يسعى إلى الدخول في المنطقة بهدف تحسين شروط موقعة في حلف الأطلسي والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لاحقا . في ظل غياب مشروع عربي استراتيجي ناهض . وبالتالي ستبقى هذه المنطقة من العالم بؤرة توتر مشتعلة إلى حين ظهور مشروع عربي قادر على فرض ذاته ومصالحه على الساحة الدولية . وهذا ما نتطلع أليه من خلال الثورات العربية , وما استشعرته وتعمل على إحباطه القوى الرأسمالية الدولية المتصهينة , والإقليمية الأمريكية الإسرائيلية المتحالفة مع أنظمة التخلف العربية .
صحيح أن الولايات المتحدة كانت من أسرع الدول التي استطاعت أن تخفف من الآثار السلبية العامة للازمة المالية على المجتمع الأمريكي , بوصفها نواة مركز النظام الرأسمالي العالمي , مقارنة بباقي بلدان هذا النظام . ألا أن لم يكن بالقدر الكافي لها , كي ترمم قوة حضورها التي ترهلت في الساحة الدولية . رغم أن الرئيس باراك اوباما , اتخذ تدابير اقتصادية ذات طابع اشتراكي في معالجة الأزمة . سمحت للدولة بالتدخل في العملية الاقتصادية من خلال شراء حصص المساهمين , او بالمشاركة في رؤوس أموال بعض المؤسسات المنهارة . إضافة إلى فرض قوانين جديدة , تهدف إلى توسيع دائرة الضمان الاجتماعي والتامين الصحي .
في أثناء هذا كله , تمكنت قوى اليسار واليسار الوسط في دول أمريكا ألاتينية من الوصول إلى السلطة وانتهاج سياسات على المستوى الداخلي والخارجي مناهضة للولايات المتحدة , معتمدة على قدراتها الاقتصادية الذاتية وعلى تحالفاتها الدولية مع القوى الاقتصادية الكبرى الناهضة ( الصين وروسيا والهند ) . وتشير الدلائل إلى إن هذه الدول ماضية بهذا التوجه دون رجعة , نحو تعزيز استقلالها السياسي والاقتصادي بعيدا عن هيمنة الاحتكارات المعولمة , في مناطق كانت بمثابة حديقته الخلفية . مما يعني تقلص وتراجع النفوذ الأمريكي , والاحتكارات المعولمة خلال السنوات القادمة , أمام الاحتكارات الوطنية المحلية والدولية الصينية والروسية وبدرجة اقل الكوبية والفيتنامية .
كما شكل ظهور الصين كقوة اقتصادية عملاقة عالميا , تحدي أخر أمام النظام الرأسمالي , وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية . صاحبة النفوذ الأكبر عالميا والأكثر تراجعا , أمام تقدم النفوذ الصيني والروسي والبرازيلي . واتساع مساحة التعاون المشترك مع دول مركز الاتحاد الأوروبي . وازدياد نسبة الاستثمارات التي وصلت إلى معدلات عالية وغير مسبوقة في دول تخوم هذا الاتحاد . تفوق المعدلات الأمريكية وتنافس بقوة شديدة الألمانية . مما اقلق ألمانيا وأثار مخاوفها . وانعكس على العلاقة البينية وبشكل خاص مع روسيا . صاحبة الاستثمارات الأكبر في أوروبا , في مجالي الطاقة والغاز . هذا بدا واضحا في الأيام الأخيرة من خلال الضغط الألماني على قبرص بعدم بيع بعض بنوكها العاملة إلى روسيا , وحثها على اتخاذ تدابير اشتراكية في معالجتها للازمتها المالية . ألحقت خسائر بالاستثمارات الروسية تقدر بحوالي 5, 3 مليار دولار . مما دفع الرئيس الروسي ( بوتين ) قبل أسابيع قليلة إلى نشر قواته في البحر المتوسط . بدا ذلك وكأن الأمر متعلق بالصراع في سوريا , في حين كانت في الجوهر لفت نظر إلى قبرص .
أن اشتداد المنافسة الاقتصادية بين الاحتكارات الرأسمالية المعولمة ومجموعة الدول الناهضة ذات الاحتكارات الوطنية القائمة على المشاركة بين القطاع العام والخاص .هي في طريقها إلى التصعيد المتزايد . مما دفع هذه الدول إلى الإتلاف في أطار دولي قادر على حماية مصالحهم المشتركة , وعلى الصمود والمواجهة . خاصة وان بعض هذه الدول صاحبة حضور اقتصادي فقط على الساحة الدولية وليست بذات الحضور سياسيا وعسكريا مثل الصين , او روسيا صاحبة الحضور العسكري والسياسي واقل من الصين في المجال الاقتصادي . حيث قد تم ذلك تحت مسمى مجموعة دول البركس . ومن خلاله ظهرت هذه القوى أكثر ثباتا وحزما وذات مواقف موحدة اتجاه الأزمة السورية الراهنة , والصراع الإيراني الغربي .
وعليه نستطيع القول, بان ساحة العلاقات السياسية الدولية الراهنة . باتت منفتحة على ممكنات عديدة وعلى احتمالات متناقضة . في ظل ترهل الدور الأمريكي وتراجعه على المستوى الدولي , وفشل دول الاتحاد الأوروبي في تعزيز بنيته , وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في أفريقيا وفي منطقة الشرق الأوسط
واتساع دائرة النزعات المتطرفة الدينية والعرقية في القارات الخمسة . وتعدد وتنوع القوى السياسية الساعية إلى لعب ادوار إقليمية ودولية . يعتمد حجمها وفعاليتها على الإمكانيات الكامنة في كل قوى وعلى متانة برامجها وتحالفاتها . كل هذه تؤكد بان مسلسل الصراعات والنزعات سيستمر خلال السنوات القادمة وسوف يكون هناك ضمور لبعض القوى السياسية العالمية وصعود لقوى أخرى بديلة , لا يمكن التنبؤ بها . وان كانت الدلائل تشير إلى أن المستقبل سيكون لصاح الصين و روسيا والهند من جانب والى ألمانيا من جانب اخر , والى البرازيل وفنزويلا على صعيد القارة الأمريكية , والى نيجيريا وجنوب أفريقيا في القارة الأفريقية . كما وسيتعاظم الدور الإيراني في المنطقة .



#عزمي_موسى (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألهث بين الخبز والحياة


المزيد.....




- -ذكريات حلوة.. ومش حلوة-.. مايا دياب تأخذ متابعيها في جولة ل ...
- مادونا وإلتون جون: -دفنا الأحقاد أخيرا- بعد عقدين من الخلاف ...
- رأي.. بشار جرار يكتب عن قمة ترامب - نتنياهو الثانية في شهرين ...
- كتاب -من عسل وحليب-: رحلة في لبنان للتعرف على تراث مطبخه
- ماكرون والسيسي يصلان إلى العريش لتقديم “الدعم الإنساني” لسكا ...
- السعودية.. القبض على 3 مواطنين و9 من جنسيات أخرى لهذا السبب ...
- الدومينيكان: مصرع 15 شخصا على الأقل جراء سقوط سقف في ملهى لي ...
- إيران تكشف عن مدينتها الصاروخية
- الجنس: هل ينتهي بعد انقطاع الطمث؟
- الفلبين: بركان كانلاون يثور مجددا ويقذف رمادا بارتفاع 4000 م ...


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - عزمي موسى - الصراعات الدولية واتجاه حركة التغير