|
أخلاق فيلسوف وأخلاق داعية إسلامى
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 4084 - 2013 / 5 / 6 - 16:16
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كان من توابع زلزال يناير2011 أنْ سطا الإسلاميون على الحكم بمباركة وتواطؤ المجلس العسكرى والأمريكان، فانتشروا فى الفضائيات والأرضيات وتحوّلوا إلى نجوم ونجمات يبثون أفكارهم السامة المعادية للضمير الحى والعقل الحر، ولتاريخ شعبنا وتراثه المُستمد من حضارة جدودنا المصريين ، ومن بين هذا التراث إعلاء قيمة الفنون . لذا عندما هاجم أحد الدعاة الإسلاميين الفنانة إلهام شاهين وإتهمها بالفسق والفجور، وبكل الألفاظ التى يرفض عرفنا وثقافتنا المصرية التلفظ بها ، أقامتْ الفنانة دعوى قضائية وصدر الحكم لصالحها بحبس الداعية الإسلامى . اختبأ الداعية المذكور فى مكان ما حتى يهرب من تنفيذ الحكم . أى أنه يرفض الامتثال لحكم القضاء. ذكـّرنى موقفه بموقف الفيلسوف اليونانى سقراط (469- 399ق.م) الذى امتثل لحكم المحكمة التى قضتْ بإعدامه. الفروق والمفارقة بين الداعية الإسلامى والفيلسوف كثيرة ، منها : 1- الداعية الإسلامى يُكثر من الاستشهاد بالقرآن والأحاديث النبوية. أى أنه يعتمد فى هجومه على من يختلف معهم بسلاح المرجعية الدينية. فى حين أنّ سقراط لم يكن معه كتاب سماوى ولا كتاب أرضى وإنما كان يعتمد على عقله فقط . 2- الداعية الإسلامى استخدم أسلوب السب والتجريح المُعاقب عليه قانونـًا ، بينما سقراط لم يجرح مشاعر خصومة بكلمة واحدة خادشة للحياء. 3- الداعية الإسلامى (فى موضوع الدعوى القضائية) تدخل فى شأن شخصى بحت (هو عمل الفنانة) بينما سقراط كانت قضيته الأساسية هى (تنوير) عقول الشباب ، وذلك بتشجيعهم على استخدام عقولهم ، والتفكير فى كل ما يُقال لهم ، وفحصه ومراجعته ، وهل هو مع منطق الواقع ومصلحة الوطن والإنسان أم ضد الوطن والإنسان. واعتمدتْ فلسفته كما ذكرها تلميذه أفلاطون فى محاوراته على وجود ((حقائق عقلية ثابتة يُمكن استنباطها من الحالات الجزئية المُتغيرة. وأنّ الإنسان إذا أدرك بعقله فضيلة ما سلك بمقتضاها)) وأنّ العلم والفضيلة متلازمان . ولهما وجود رغم رفض البعض النظر إليهما. ولأنّ إنارة عقول الشباب أغضب الكهنوت الدينى وأصحاب النفوذ السياسى ، تواطؤوا ضد سقراط ، فكانت التهمة من شقيْن : الشق السياسى : إفساد عقول الشباب والشق الدينى ازدراء الآلهة اليونانية. والترويج لآلهة أجنبية. خصوصًا الآلهة المصرية. وأنّ الآلهة اليونانية تتمصر. أى أنّ الكهنوت الدينى والنفوذ السياسى مع الأحادية وضد التعددية. مع التحجر ضد الانفتاح على ثقافات الشعوب المختلفة. مع أنْ يكون الشباب اليونانى ضمن منظومة (القطيع) لترسيخ واحدة من آفات تراث التخلف ، أى الطاعة المطلقة ، التى رفضها سقراط وقاومها ، فأثار عليه أشرس عدوييْن على مدار التاريخ : ارهاب الكهنوت الدينى ، وبطش السلطة الحاكمة. 4- الداعية الإسلامى لم يحترم حكم القضاء واختار الهروب إلى أنْ إنقضّتْ عليه الشرطة فى مخبئه مذعورًا مثله مثل أى مجرم يُفضل الهروب من تنفيذ حكم القضاء ، بينما سقراط احترم الحكم من منطلق حكم القانون الذى كان سائدًا آنذاك . والمفارقة فى هذه الجزئية أنّ تلاميذ سقراط هيّأوا له هروبًا آمنـًا من السجن ، بعد أنْ دفعوا مبلغـًا ماليًا (جمعوه من كل محبى سقراط) للحراس (رشوة) ثم تكون المفاجأة رفض سقراط الهروب. ودافع عن احترام القانون (رغم عدم اقتناعه به) والذى سيتم إعدامه بموجبه. 5- الداعية الإسلامى تملكته غريزة (الضعف الإنسانى) فخاف من مجرد الحبس ، بينما عقوبة سقراط الإعدام ، ومع ذلك كان شجاعًا نبيلا ولم يرتعش وهو يشرب السم . 6- الداعية الإسلامى لن يتذكره أحد بعد سنوات قليلة. ولن يهتم المؤرخون بذكر اسمه ، وإنْ تذكروا أفعاله فإنهم يضعونها فى حزمة واحدة مع أفعال كل الأصوليين المُعادين للبشر، بينما سقراط الذى عاش قبل ميلاد السيد المسيح ، لا يزال اسمه يتردّد على ألسنة الأحرار فى كل جامعات العالم المتحضر، ويسطع اسمه بوهج التنوير العقلى فى كتب الفلاسفة ودراساتهم ومقالاتهم رغم مرور أكثر من ألفىْ عام على وفاته. 7- الداعية الإسلامى يعتمد على (بضاعة) لفظها التطور التاريخى للعلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية. وأنّ التقدم الإنسانى اعتمد على العمل المُنتج المُفيد للإنسان، من خلال الأبحاث العلمية وتطبيقاتها العملية ، وهذا لا يتحقق إذا انشغل الناس بالنميمة وهتك الأعراض والخوض فى خصوصيات كل إنسان ، بينما سقراط كان يمشى فى الأسواق والملاعب ، ويتحدث مع الشباب عن الفضيلة والعدل والتقوى . 8- الداعية الإسلامى رمز للغرور والتعالى على البشر، من خلال فرض الوصاية عليهم ، وأنهم يجب أنْ يكونوا متطابقين معه تطابق المثلثات ، وهذا إنْ صح فى الهندسة فلا ينطبق على البشر. بينما سقراط (وأغلب الفلاسفة) هو رمز التواضع ، فحتى عندما قالت له عرافة معبد (دلفى) أنه ((أحكم اليونان)) فإنه فكـّر فى كلامها ولم ينخدع به. بل قال إنه (جاهل) مثل غيره. ولكنه ((يعلم أنه جاهل وهم لا يعلمون)) 9- الداعية الإسلامية حرّض على الفتنة والعنف وإقصاء المختلف ، بينما سقراط كان مع السلام الاجتماعى . سقراط (وأغلب الفلاسفة) أناروا طريق البشرية من خلال سلطة العقل وبالتوازى مع رفض (النقل) كما أنّ الفلاسفة (على مر التاريخ) لم يصدر منهم أى تحريض على قتل المختلفين أو حتى إقصائهم ، بينما وقائع التاريخ أكدتْ على تحريضٍ بالقتل من بعض الفقهاء ، مثلما حدث مع السهروردى وابن المقفع وعبدالحميد الكاتب إلخ فى العصر الوسيط إلى العصر الحديث بإغتيال فضيلة د. محمد حسين الذهبى وزير الأوقاف الأسبق ، ومثلما حدث فى الشرق حدث فى أوروبا بإغتيال كثيرين ومن بينهم حرق الفيلسوف والعالم جوردانو برانو مع مطلع عام 1600بتحريض من القساوسة الرافضين لحق الاختلاف . إنّ المقارنة بين الداعية الإسلامى وسقراط (وبين الكهنوت فى كل الأديان والفلاسفة) أثبتتْ (على مدار التاريخ) أنّ الدين ليس هو المعيار الوحيد للأخلاق الحميدة والفضيلة والنبل الإنسانى ، وإنما المعيار هو عدم التدخل فى شئون الآخرين ، واحترام خصوصياتهم حتى يحترموا خصوصيتك . وتمنى الخير لكل البشر، بغض النظر عن دياناتهم ومذاهبهم ولون بشرتهم وجنسياتهم . لذا قال بوذا (الذى لم يدع النبوة) ((إذا قطفتَ ثمرة فاترك بعضها للإنسان العابر وللطير المهاجر)) أما كونفوشيوس فقال ((الإنسان الخيّر هو إنسان حكيم بطبعه. والحكيم هو إنسان خيّر بطبعه)) ***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النكتة المصرية ومقاومة الاستبداد
-
الدكتور سيد عويس والشخصية المصرية
-
فلسطين بين الصهاينة والعروبيين
-
المغزى الاجتماعى للأمثال المصرية
-
عتمة افتراضية - قصة قصيرة
-
سيناء وتوابع زلزال يناير2011
-
العلاقة بين الحضارة المصرية وأفريقيا
-
عقوبة الجلد وبداية سعودة المصريين
-
الفنان خالد حمزة وفن كتابة السيرة الذاتية
-
رد على آخر رسالة من الأستاذ طاهر النجار
-
هل تخرج الثورة من غرفة الإنعاش ؟
-
صفاء الليثى ناقدة من طراز نادر
-
هيكل الأستاذ المقدس وآفة الأيديولوجيا
-
تحية شكر وتقدير للأستاذ طاهر النجار
-
رد على الأستاذ محمد بن عبد الله عندما سأل : دنشواى أم كفر ال
...
-
جمال حمدان وتعريب مصر
-
محمد نجيب بين سجن الواقع ورحابة الخيال
-
تطور دراماتيكى فى نقابة الصحفيين
-
العلاقة العضوية بين الحداثة والديمقراطية
-
متعلمون محسوبون على الثقافة المصرية
المزيد.....
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|