|
جريمة الختان 137: الحق في عدم التعذيب
سامي الذيب
(Sami Aldeeb)
الحوار المتمدن-العدد: 4084 - 2013 / 5 / 6 - 10:55
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
ندخل بهذا المقال في موضوع حساس، وهو موضوع التعذيب الذي يعاني منه عالمنا العربي والإسلامي. وتنقل لنا شاشات التلفزيون يوميا الممارسات الوحشية التي تمارس ضد المعارضين في مصر وسوريا والعراق وغيرها، ناهيك عن التقتيل والدمار.
ويحق لنا ان نتساءل كيف يمكننا أن نطلب من شخص لا يحترم ابنه أو ابنته أن يحترم الآخرين. فالعنف يبدأ في البيت. وأول صور العنف وأبشعها على الأطلاق وأكثرها انتشارا هو ما يتم على الأطفال من خلال عملية الختان التي يروح ضحيتها يوميا آلاف الأطفال وسط جو هستيري من الابتهاج. إنه رقص على جراح أطفال أبرياء، جريمة بكل معنى الكلمة، تتم بمباركة رجال الدين والأطباء والأهل والمجتمع. وإذا ما تعدينا على الأطفال فماذا ننتظر منهم عندما يكبرون؟ فمن المعروف ان ضحية اليوم سوف تصبح جلاد الغد. وإذا اردنا ان يكون عالمنا خاليا من هذه العاهات الهدامة يجب أن نبدأ بتربية سليمة لأطفالنا وتجنيبهم التعذيب. إن من يبني بيتا بلبنات مشققة ينهار عليه البيت عاجلا أو آجلا. تمنع نصوص دوليّة كثيرة التعذيب، وخاصّة تجاه الأطفال نذكر منها:
الوثيقة العالميّة لحقوق الإنسان المادّة 5: لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسيّة أو اللاإنسانيّة أو الحاطّة بالكرامة.
اتفاقية الأمم المتّحدة لحقوق الطفل المادّة 16: 1- لا يجوز أن يجري أي تعرّض تعسّفي أو غير قانوني للطفل في حياته الخاصّة أو أسرته أو منزله أو مراسلاته، ولا أي مساس غير قانوني بشرفه وسمعته. 2- للطفل الحق في أن يحميه القانون من مثل هذا التعرّض أو المساس. المادّة 37: تكفل الدول الأطراف: أ) ألاّ يتعرّض أي طفل للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسيّة أو اللاإنسانيّة أو المهينة [...]
اتفاقية مناهضة التعذيب المادّة 1: 1- لأغراض هذه الاتفاقية، يقصد «بالتعذيب» أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديّاً كان أو عقليّاً، يلحق بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على فعل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث - أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيّاً كان نوعه، أو يحرّض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظّف رسمي أو أي شخص آخر يتصرّف بصفته الرسميّة، ولا يتضمّن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونيّة أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضيّة لها. المادّة 2: 1- لا يجوز التذرّع بالأوامر الصادرة من موظّفين أعلى مرتّبة أو عن سلطة عامّة كمبرّر للتعذيب.
وهناك أيضاً مبادئ آداب مهنة الطب المتّصلة بدور الموظّفين الصحّيين، ولا سيما الأطبّاء، في حماية المسجونين والمحتجزين من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسيّة أو اللاإنسانيّة أو المهينة، والتي تم اعتمدتها الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة عام 1982. وهذه المبادئ تنطبق بصورة أولى على غير المسجونين، وخاصّة الأطفال.
بالإضافة إلى هذه القواعد الدوليّة، هناك قواعد أخلاقيّة سنت عليها الرابطة الطبّية العالميّة في قرارها المعرف بقرار طوكيو لعام 1975 والذي يقول بأن على الطبيب، حتّى تحت طائلة التهديد، رفض المشاركة في عمليّات التعذيب أو المعاملة السيّئة والغير إنسانيّة لمرضاه مهما كانت معتقدات هؤلاء المرضى وفي كل الأوضاع بما فيها الحروب. كما أنه عليه أن يرفض حضوره مثل هذه العمليّات والمعاملة السيّئة واللاإنسانيّة. ومُهمّة الطبيب تكمن في مساعدة أخيه الإنسان لتخفيف آلامه بكل استقلالية دون اعتبار شخصي أو جماعي أو سياسي.
ختان الذكور والإناث هو انتهاك لسلامة الجسد يصاحبه ألم ويتم خلاله استعمال العنف للسيطرة على المختون. ولو أن ذلك يتم على بالغ دون موافقته، فإنه لا شك يعتبر تعسّفاً وتعذيباً. أمّا ختان الأطفال، فإنه يتم يومياً دون أن يثير اهتمام المشرّع أو العامّة. والمشكلة مع ختان الذكور تكمن في أنه يتم على أيدي أشخاص يُظن فيهم أنهم يتصرّفون للصالح العام، وهم الأهل والأطبّاء ورجال الدين. فالتصدّي للختان واعتباره سوء معاملة وتعذيباً يعني اتهامهم بالشر بدلاً من الخير. وقد رأينا في الجدل الطبّي بأن مؤيّديه ينفون أن الختان يحدث ألماً ما، كما إنهم يحاولون تقديم أنفسهم بأنهم يفعلون ذلك لصالح الطفل.
يقول أستاذ قانون يهودي بأن ختان الذكور ليس سوء معاملة، فهو عمليّة بسيطة دون خطر أو ضرر، بينما سوء المعاملة تتضمّن إحداث ضرر هام. وما يعتبر سوء معاملة في محيط قد لا يكون كذلك في محيط آخر. والمحيط يتضمّن الثقافة. فمن غير المعقول أن ينتظر من اليهودي عدم ختان ابنه. لا بل إن رفض اليهودي والمسلم ختان ابنه هو سوء معاملة لأن الطفل سوف يتعرّض لضرر كبير بسبب عدم ختانه. وبدلاً من اعتبار الختان تعسّف ضد الطفل، يرى هذا الأستاذ أن للطفل المسلم واليهودي الحق في الختان. وأنه يجب النظر فيما قد يكون موقف الطفل عندما يكبر. وأكثر المسلمين واليهود راضين عن ختانهم وهم يعتبرون انتماءهم وثقافتهم أهم من الألم الذي تعرّضوا له في وقت لا يدرون عنه. والمادّة الثامنة من معاهدة حقوق الطفل تقول: «تتعهّد الدول الأطراف باحترام حق الطفل في الحفاظ على هويّته». ورفض الختان للطفل هو نسف للهويّة الدينيّة والثقافيّة للطفل.
ونفس هذا المنطق نجده عند مؤيّدي ختان الإناث، حتّى في أشد صوره. فهم يرون فيه عمليّة محبّة وتفاني نحو البنت. والمثل العربي العامّي يقول: «ضرب الحبيب إزبيب واحجارته قطين». فالأهل الذين يقومون بتلك العمليّة على فتياتهم يعرفون أن ذلك يؤلم، ولكن قصدهم ليس التأليم، بل تزويد الفتاة بوسائل تضمن نجاحها في الحياة، وخاصّة حتّى تتمكّن من الزواج. ونظرة الأهل هذه يشارك فيها المجتمع ككل. لا بل إن حرمان البنت من الختان يعتبر في نظر العائلة والمجتمع تفريطاً في مصلحتها وإهمالاً من قِبَل الأهل. فهنا العمليّة لا تأتي من فرد خارجي أو من حكومة بل من داخل البيت ومن داخل المجتمع.
والمشرّع الوطني في الدول الغربيّة أدان ختان الإناث. وقد اعتبره المشرّع البريطاني تعسّف ضد الأطفال. وعلى هذا الأساس تم منعه في ذاك البلد عام 1985. ونجد نفس الأمر في الولايات المتّحدة. وإذا انتقلنا إلى موقف المشرّع الدولي، فقد اعتبرت لجنة حقوق الإنسان في قرارها رقم 1996/49 ختان الإناث عنفاً واقعاً على النساء وطالبت الدول بما يلي: - إدانة العنف ضد النساء وعدم التذرّع بالعادات والتقاليد أو الممارسات باسم الدين لعدم الوفاء بالتزاماتها للقضاء على مثل هذا العنف. - سن القوانين وتطبيقها لحماية الفتيات من جميع أنواع العنف، بما في ذلك قتل الفتيات واختيار الجنس قَبل الولادة وختان الإناث والعلاقة الجنسيّة بين المحارم والانتهاك الجنسي والاستغلال الجنسي واستعمال الأطفال في الدعارة والخلاعة. ووضع الفقرة الأخيرة ختان الإناث سويّة مع استعمال الأطفال في الدعارة والخلاعة يعطي فكرة واضحة عن الإدانة القطعيّة لختان الإناث من قِبَل المشرّع الدولي.
ويسكت المشرّع الغربي والدولي تماماً عن ختان الذكور، ممّا يعني أنهما لا يعتبرانه تعسّفاً وتعذيباً كما هو الأمر مع ختان الإناث. وهذا ما يثير غضب معارضي ختان الذكور الذين يرون في سكوت المشرّع الدولي تمييزاً لا مبرّر له ضد الذكور. فهم يعتبرون ختان الذكور أيضاً عمليّة تعذيب.
ونشير هنا إلى أن الأطبّاء المؤيّدين لختان الذكور قد قاموا بدعاية لتلك العمليّة في الدول الأوروبيّة. فقد كتب الطبيب «شوين» مقالاً عام 1991 يدعو فيه دول شمال أوروبا بإدخال ختان الذكور. وقد رد عليه اثنان من كبار أطبّاء الأطفال السويديين اللذان اعتبرا الختان مخالفاً لحقوق الإنسان. وقد أوضحا بأن اللجنة الأخلاقيّة للتجارب على الحيوانات لن تسمح أبداً بمثل ذلك الإجراء على الحيوانات دون تخدير. ولذلك من الصعب للدول الأوروبيّة قبول ذلك الإجراء على الأطفال
-------------------------------------- كتبي: http://www.sami-aldeeb.com/sections/view.php?id=14 كتابي عن الختان http://www.sami-aldeeb.com/articles/view.php?id=131 طبعتي العربية للقرآن بالتسلسل التاريخي http://www.sami-aldeeb.com/articles/view.php?id=315 موقعي http://www.sami-aldeeb.com مدونتي http://www.blog.sami-aldeeb.com عنواني [email protected]
#سامي_الذيب (هاشتاغ)
Sami_Aldeeb#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جريمة الختان 136: الحق في سلامة الجسد والحياة
-
جريمة الختان 135: أولوية الحقوق الفردية على الحقوق الجماعية
-
جريمة الختان 134: عقدة أُوديب... وعقدة سامي الذيب
-
جريمة الختان 133: الختان والحقوق الدينيّة والثقافيّة الجماعي
...
-
احمر يا بطيخ: خرافات الدين
-
الله يعلن استقالته
-
الإسلام لا وجود له، هناك الف اسلام واسلام
-
هل سامي يتطاول على الله ويسب ابراهيم؟
-
جريمة الختان 132: عدم وجود سبب للتمييز بين ختان الذكور والإن
...
-
جماعة الإخوان الحمير
-
لا تزعجونا بصلاتكم وصيامكم
-
جريمة الختان 131: التمييز بين ختان الذكور وختان الإناث جريمة
-
جريمة الختان 130: سكوت المشرّع عن ختان الذكور
-
جريمة الختان 129: منع المشرع الدولي ختان الإناث
-
علماء دين مغاربة اغبياء يرأسهم ملك المغرب
-
جريمة الختان 128: منع ختان الذكور في العصور الحديثة
-
جريمة الختان 127: منع ختان الذكور في العصور القديمة
-
هل نمنع الكتب المقدسة؟
-
جريمة الختان 126: علاج الآثار النفسيّة للختان
-
دين تحت التجربة وبالمزاد العلني
المزيد.....
-
المافيا الإيطالية تثير رعبا برسالة رأس حصان مقطوع وبقرة حامل
...
-
مفاوضات -كوب 29- للمناخ في باكو تتواصل وسط احتجاجات لزيادة ت
...
-
إيران ـ -عيادة تجميل اجتماعية- لترهيب الرافضات لقواعد اللباس
...
-
-فص ملح وذاب-.. ازدياد ضحايا الاختفاء المفاجئ في العلاقات
-
موسكو تستنكر تجاهل -اليونيسكو- مقتل الصحفيين الروس والتضييق
...
-
وسائل إعلام أوكرانية: انفجارات في كييف ومقاطعة سومي
-
مباشر: قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في
...
-
كوب 29: اتفاق على تقديم 300 مليار دولار سنويا لتمويل العمل ا
...
-
مئات آلاف الإسرائيليين بالملاجئ والاحتلال ينذر بلدات لبنانية
...
-
انفجارات في كييف وفرنسا تتخذ قرارا يستفز روسيا
المزيد.....
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج
/ توفيق أبو شومر
-
كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
كأس من عصير الأيام الجزء الثاني
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية
/ سعيد العليمى
-
الشجرة الارجوانيّة
/ بتول الفارس
المزيد.....
|