|
القطيعة الابستمولوجية :نحو فهم جديد -3-
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 4084 - 2013 / 5 / 6 - 05:37
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
معلوم اذن أن باشلار جاء في زمن مفصلي ، شهد تحولات جذرية على مستويات عدة ، كما هو شأن مرحلة ابن خلدون مع مراعاة الفارق والاختلاف ، حيث استطاع هذا المعي من بناء نظرية سقوط الدول وأفولها ، وهو يلاحظ انهيار وأفول مجموعة من الدويلات التي حط بها رحاله . وهو نفس ما حصل مع باشلار الذي ركز انتباهه على سمات الاختلاف التي طبعت عصره في مجالات عدة كان أبرزها المجال العلمي . وبدافع اهتمامه الفلسفي فقد " أراد أن يزحزح الاشكال الفلسفي قليلاً إلى رحاب يغادر فيها حتمية الوقوف مع الاتجاه المثالي أو المادي. وقد كان سلاح باشلار في ذلك هو الاعتماد أكثر فأكثر على العلم الذي بات متجاوزا في طروحاته اجترارات الفلسفة المتثائبة من وجهة نظر باشلار. وهكذا كان على باشلار أن يصب جم انتقاداته على جبهتين لكل منهما أنصارها وجنودها الجبهة المثالية والجبهة المادية-6-. كما أنه جاء في وقت عرفت فيه مجموعة من الحقول ثورات متعددة هي امتداد لثورات أوربا القرن السادس عشر على الصعيد المعرفي والاجتماعي والسياسي ، ولعل هذا ما دفع باشلار الى اعتماد مصطلح آخر لا نجد المثقفين العرب قد التفتوا اليه ،وهو مصطلح" فوق العقلانية " Surrationamisme" ولعله مستوحى من مصطلح "السوريالية " كحركة ثقافية عملت على خلخلة مفهوم الأدب باعتماد منطلقات جديدة والامتياح من منابع لم يلتفت اليها الأدب قبلا ،مستقصية أصول الفكر ومحركاته الأولية "فهي تسعى للكشف عن العمل الحقيقي لهذا الفكر " -7 -اذ يرى "غي-رينيه دوميرو" أن السوريالية تهتم عمقيا باللامعقولL irrationne"- 8l" -- ، فمجالات الاهتمام كما نلاحظ متقاربة بين حقلي تطور العلم وثورات الفن والأدب ، وقد كان باشلار مهتما بالجانبين ، مما مكنه ملاحظة الفرق بين طبيعة التطور العلمي ، وطبيعة التطور الفني والأدبي .من هنا نلاحظ ان باشلار لم يكن مهتما بمواجهة جبهتين ايديولوجيتين فقط كما يذهب الأستاذ محمد البنكي ، بل كان يعمل على رج وخلخلة كل النظريات المحافظة ، سواء كانت مادية أو مثالية أو توفيقية . "فكما أن السورياليين اهتموا بقطع الصلة مع الجمالية التقليدية واللامؤسساتية . الفوقعقلانية قطعت أيضا مع العقل المحافظ " -9- ، فلا يمكن استيعاب التدفقات العلمية الهائلة داخل المنظومة العقلية القديمة ، لأن مجمل الاكتشافات التي استطاع الانسان الغربي التوصل اليها في ظرف زمني قياسي تعجز الآليات التفسيرية والتحليلية القديمة استيعابها ، لأنها لا تعبر عن ماهيتها القارة والثابتة ، بقدر ما تعبر عن ماهية جديدة لاتعترف بالثبات والسكون ، وتنتقل بسرعات هائلة ، لايمكن للمحتويات المنهجية القديمة احتواءها . وقد كان لزاما البحث عن منهج يتسع وينفتح على مختلف ابداعات واكتشافات العصر . فلايمكن مثلا الحديث عن مفهوم النسبية بمنظور أقليدي أو نيوتوني ، وان كانت النظرية وليدة الاشتغال على هاتين النظريتن ونظريات أخرى . فمنطق التجاوز يفترض ابداع مصطلح يعبر عن مرحلته ، ويفتح الآفاق واسعة أمام المستقبل . هل يمكن اذن الحديث عن تجاوز نظريات أرخيمدس في الكتلة كما هو حال نظريات أقليدس في الهندسة ؟ فهما نظريتان متجاورتان زمنيا ، ومنبثقيتن من نفس المجال المعرفي ، وهو الزمن اليوناني المهتم بعلم الهندسة . انه نفس ما يحدث في الأزمة المالية الأوربية ، اذ هناك دول عصفت باقتصادها الأزمة ، وهناك أخرى تحملت تكلفة الدول المأزومة ، وهذا يعود الى بنية اقتصاد كل دولة على حدة ، بل ان جزيرة قبرص المقسمة بين اليونانيين والأتراك ، تعرف انشقاقا حادا في انعكاس الأزمة ، فبينما انهار اقتصاد قبرص الشمالية ،نجد ان اقتصاد قبرص الجنوبية بقي معافى ، لالشيئ الا لأن اقتصاد الأولى مرتبط بضعف وهشاشة الاقتصاد اليوناني الذي كان أول اقتصاد أوروبي ينهار ، واقتصاد الثانية ظل على حاله ولم يمسسه أي ضعف لكونه أولا اقتصاد واقعي لايعتمد على تراكمات وتعاملات مالية ضخمة طارئة على بنيته الاقتصادية ، وثانيا لأنه ظل مرتبطا بالشريان الطبيعي الذي يضمن له عافيته بتعافي الشريان الأم . الأمر لا يتعلق بترحيل المفاهيم وأنظمة المعرفة ، بقدر ما يرتبط باشتغالات الفكر الواسعة واللامحدودة ومقاربة النشاط الانساني الكلي ، ومحاولة تقريب ليس الفكر البشري فقط ، بل أيضا ثوابت الممارسة البشرية . انه مثال بسيط لثبوت نظريات أرخميدس ، وتجاوز نظريات أقليدس ، وهنا يتوضح أن القطيعة الابستمولوجية لم تكن قطيعة حادة بالمعنى الذي سوقه محمد عابد الجابري ، وأكده الدكتور عبد السلام بنعبد العالي في المداخلة المومأ اليها أعلاه . وهنا نخلص الى القول ان المفهوم يكتسب في حقل معرفي ما ، بعدا ذاتيا خالصا ، ويمتلك شحنته الشخصية دون امتداد جانبي ، وبعدا آخر يتجاوز ذاتيته الى مشارف علمية ومعرفية أخرى متاخمة أو مفارقة حسب قدرة التوظيف العلمي الترابطي ، بحيث تصبح استعارة مفهوم ينتمي الى حقل من حقول المعرفة الى أخرى استعارة ترحب بها بلاغة التعبير العلمي المنفتح بحذر دقيق ، مستفيدا من ممكنات المرونة التي تمنحها انسكلوبيديا المعرفة ،باعتبارها انفتاحا للاغناء والاثراء ،بحكم التطور الابستمولوجي التاريخي الذي تشهده البشرية ، وخاصة في عصرنا هذا ، الذي يعرف ثورات معرفية لم يشهدها عصر باشلار نفسه ، وهو منظور تناسلي وتلاقحي يعترف بمنطق وحالة الطفرة ،كممكن تعددي يشهد على طبيعة التطور والتنوع . الهومش والمراجع ************* 6-باشلار ...فوكو وألتوسير والقطيعة الابستمولوجية-2- ...محمد أحمد البنكي ...جوجل 7- Revue : Sciences Humaines 8- الصوفية والسوريالية ....أدونيس ..دار الساقي ط-1-1996 ص :13 9- Revue : Sciences Humaines
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البحث عن الغائب الحاضر-7-رواية
-
لن يحترموننا
-
التهافت الاعلامي والاسترزاق الثقافي
-
البحث عن الغائب الحاضر-6-رواية
-
مملكة المعنى الغامضة
-
حاولت مرارا أن أصيح
-
القطيعة الابستمولوجية :نحو فهم جديد -2-
-
تأويل الأولين
-
للغياب رائحة الموت
-
القطيعة الابستمولوجية : نحو فهم جديد-1
-
البحث عن الغائب الحاضر -4-رواية
-
لعنة البترول
-
ساكسونيا المغرب **
-
النظام البرلماني بالمغرب
-
المغرب ومنهجية الأزمة
-
المقصلة لمن قال لا
-
نحو اعادة دور المثقف
-
وطن لا ككل الأوطان
-
ما الذي يجري في العالم ؟
-
قراءة في كذبة أبريل المغربية
المزيد.....
-
بعد وصفه بـ-عابر للقارات-.. أمريكا تكشف نوع الصاروخ الذي أُط
...
-
بوتين يُعلن نوع الصاروخ الذي أطلقته روسيا على دنيبرو الأوكرا
...
-
مستشار رئيس غينيا بيساو أم محتال.. هل تعرضت حكومة شرق ليبيا
...
-
كارثة في فلاديفوستوك: حافلة تسقط من من ارتفاع 12 متراً وتخلف
...
-
ماذا تعرف عن الصاروخ الباليستي العابر للقارات؟ كييف تقول إن
...
-
معظمها ليست عربية.. ما الدول الـ 124 التي تضع نتنياهو وغالان
...
-
المؤتمر الأربعون لجمعية الصيارفة الآسيويين يلتئم في تايوان..
...
-
إطلاق نبيذ -بوجوليه نوفو- وسط احتفالات كبيرة في فرنسا وخارجه
...
-
في ظل تزايد العنف في هاييتي.. روسيا والصين تعارضان تحويل جنو
...
-
السعودية.. سقوط سيارة من أعلى جسر في الرياض و-المرور- يصدر ب
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|