|
البارادوكس الصناعي في العراق الجديد/القسم الاول
سلام ابراهيم عطوف كبة
الحوار المتمدن-العدد: 4082 - 2013 / 5 / 4 - 21:25
المحور:
الادارة و الاقتصاد
• التصنيع وثورة 14 تموز • الصناعة في العراق 1963 – 2003 • الصناعة بعد عام 2003 • القطاعان الصناعيان الخاص والمختلط • القطاع التعاوني • الفساد في القطاع الصناعي • الصناعات الاستخراجية • الصناعات التكريرية اساس الصناعات التحويلية • الصناعات البتروكيمياوية والكيمياوية والبلاستيكية • الصناعات العسكرية • الصناعات الانشائية والاسمنت والزجاج والسيراميك • الصناعات الغذائية والزراعية • الصناعات الورقية • صناعات الغزل والنسيج والالبسة والجلود والسكائر والشخاط • الصناعات المعدنية (الهندسية والميكانيكية) • الصناعات الكهربائية • صناعات الاتصالات والبرامجيات • الصناعات الدوائية • المشاريع الصغيرة في العراق • تطور الطبقة العاملة العراقية • التلوث البيئي في القطاع الصناعي • ملاحظات تقييمية • المصادر
تعتبر الصناعة والتصنيع بتقاطعاتها ومفارقاتها المتعددة الاوجه اعقد واخطر واهم مهمة تواجه الحكام الجدد في العراق بعد عام 2003 وهي في مقدمة جبهة التقدم الاجتماعي الذي يصبو اليه الشعب العراقي في سبيل استقلاله الوطني الناجز وتطوره الاقتصادي!ومن هنا جاء عنوان دراستنا هذه حول "البارادوكس الصناعي في عراق اليوم" وحجم المشاكل والمعضلات الكامنة! لقد اعتمد البيت العراقي اوائل القرن العشرين على الصناعات اليدوية في احتياجاته المنزلية،ابتداءا من سرير النوم المصنوع من جريد سعف النخيل،والبساط من الحائك،والاواني من الصفار،وكوز الماء من الفخار،والفراش من النداف،فكان للعراق اكتفاء ذاتي في اغلب السلع والاحتياجات المنزلية.وكان التجار يستوردون الاقمشة والسكر والشاي وبعض المواد التي كان اغلبها من الهند. في النصف الاول من القرن العشرين ازداد عدد المشاريع الصناعية التي تعتمد على الآلة والايدي العاملة!لقد رسخ القطاع الاجنبي من تطوره وقوى من قاعدته التكنيكية في العهد الملكي المباد،بينما اتسم تطور القطاع العام بالنمو البطئ والتشوه لمعاناته من عجز الموارد المالية والخطط الاستثمارية المركزية المنقوصة التي وضعتها الدولة اعوام(27 – 1939)،وقد عرقلت السياسة الاقتصادية المعلنة تطور القطاع الخاص.ولوحظ اضطرار معظم الصناعات على توليد كهرباءها بسبب عدم انتظام و ضعف كفاءة التوليد العام،وهذا ما ميز عموم الصناعات المحلية في الحقبة المذكورة. مع تدهور الصناعات الحرفية ونشوء الصناعات الزراعية والغذائية والمشروبات ونمو الصناعات الوطنية الاستهلاكية ونشوء بعض الصناعات الانتاجية كالاسمنت،ظهر مجلس الاعمار الى الوجود بموجب قانون رقم 23 لسنة 1950 اثر ارتفاع حصة الحكومة العراقية من عائدات النفط،وقبل تأسيسه اتسم الاقتصاد العراقي بهزالة الموارد المالية للدولة وضعف امكانياتها المادية - التقنية وبالخضوع التام للسياسة الاقتصادية الكولونيالية وبقيت التخصيصات الاستثمارية تتسم بفوضى التخطيط.وعبر تأسيس مجلس الاعمار عن انتقال الدولة من دعم الصناعة الوطنية عن طريق المصرف الزراعي – الصناعي(تأسس عام 1935) الى تدخلها المباشر في تطور القطاع الصناعي،وتوفير مصادر التراكم الرأسمالي الصناعي في القطاع العام ومشاريع الكهرباء(اهتمت الحكومة بداية العهد الملكي بتشجيع الصناعة الوطنية واصدرت التشريعات اللازمة كقانون التعرفة الكمركية رقم 30 لسنة 1927 وقانون تشجيع المشاريع الصناعية رقم 14 لسنة 1929). اظهر الاحصاء الصناعي لعام 1954 ان من بين 4700 معمل وورشة صناعية في بغداد 4000 معمل في كل واحد منها اقل من 5 افراد،ومنها 1750 يديره ويقوم بالعمل فيه شخص واحد!كما استخدمت 220 ورشة لصناعة السكائر والتبغ 355 عامل،و231 ورشة للغزل والحياكة 403 عامل،و241 ورشة احذية 1052 عامل،و319 ورشة صابون 133 عامل!بعبارة اخرى واصلت الصناعات اليدوية حتى ذلك التاريخ تلعب دورا كبيرا في بغداد،وبقي اجر العامل في المعامل التي تستخدم اقل من 10 افراد يعادل 3/5 اجر العامل في المعامل الكبيرة. انتعش القطاع التجاري اثر تأسيس مجلس الاعمار،وازداد الطلب على السلع الكهربائية ومهن صيانة وتصليح المكائن والمعدات مع توسع انتاج الكهرباء وبعد نقل ملكية شركة كهرباء بغداد الى الحكومة العراقية 18/5/1955.وبلغت ربحية ورش الصيانة والتصليح حينها 15 مرة ربحية وحدات التوليد و20 مرة ربحية البلديات! كما باشر القطاع الخاص بانشاء شركات مساهمة محدودة لصناعات استهلاكية وانشائية في تلك المرحلة من بينها شركة بذور القطن وشركة الزيوت النباتية وشركات اسمنت في بغداد والسماوة وحمام العليل وبادوش...الى جانب شركات الكوكاكولا وصناعة السدادات والبيرة والكارتون والكبريت التي اسسها خدوري خدوري ومحمد حديد وآخرين،وشركات النسيج (فتاح باشا) و(صالح أفندي) وغيرها!
• التصنيع وثورة 14 تموز
بعد قيام ثورة 14 تموز 1958 الغيت وزارة الاعمار ومجلس الاعمار واستحدثت وزارة الصناعة بموجب القانون رقم 74 لسنة 1959 لتتولى القيام باعمال تصنيع البلاد وتشرف على الشؤون الصناعية الحكومية والاهلية،وضمت في تشكيلها عددا من الدوائر التي نقلت اليها من وزارة الاعمار الملغاة وعدد من الوزارات الاخرى.وفي عام 1960 صدر قانون جديد للتنمية الصناعية ليزداد عدد المؤسسات الصناعية من 150 وحدة فترة العهد الملكي الى 480 وحدة.وكانت الخطة الأقتصادية المؤقتة طموحة بحق اكدت على التصنيع حجر اساس في السياسة الاقتصادية وبدونه لايمكن البت بثمار الاستقلال الأقتصادي الناجز واكدت على الكهرباء قاعدة للتصنيع! قامت حكومة 14 تموز المجيدة باعادة تنظيم اجهزة مديرية الصناعة العامة واستحدثت فيها شعب للبحوث الاقتصادية وللتنمية الصناعية،كما وضعت عشرات الدراسات الفنية الصناعية تحت تصرف القطاع الخاص كصناعات عرق السوس والتعليب وخميرة الخبز والطباشير الملون والحبال من سعف النخيل والانابيب لمشروع المياه القذرة،وعشرات الدراسات الاقتصادية ايضا كدراسة المواد الاولية لمعامل السباكة وكفاءة معمل الجوت ومعامل السكائر ومشروع الاحذية الشعبية ودراسة استثمار النفايات في مصافي النفط،وعشرات التحاليل الفنية للمواد الخام الصناعية كالاسمنت والاتربة والاخشاب والفحم والاملاح والدهون والصابون والجلود ومعجون الشبابيك واللباد المانع للرطوبة والقصب والرخام والورق والكحول..الخ.وباشرت الحكومة العراقية باجراء مسح صناعي عام للمشاريع الكبرى والمتوسطة وفق اسس اقتصادية وفنية سليمة،واجرت دراسات موضعية كاملة للمشاريع المطلوب حمايتها بالاعفاء"الحماية الصناعية اقتصاديا وتكنيكيا". آنذاك،جرى اعتماد اشراف الدولة على توجيه القطاع الصناعي الخاص ومنع النمو الاحتكاري فيه والحيلولة دون تغلغل الرأسمال الاجنبي المقنع بأقنعة وطنية وتشديد شروط الحماية للمشاريع المختلطة"اشتراط حد ادنى من رأسمالها العراقي لا يقل عن 60% وحد ادنى من نسبة الكلفة لا تقل عن 25%".وجرت عملية تنويع اساليب الحماية الصناعية بانسيابية عالية"التوسع في مدى وآجال ومواد الاعفاءات الصناعية عبر قانون تشجيع المشاريع الصناعية،تشجيع استهلاك المنتجات الوطنية،وضع القطاع التجاري في خدمة القطاع الصناعي،الاهتمام بالجانب الدعائي في الحماية الصناعية،الحيلولة دون نمو الاحتكارية في التسويق الداخلي". بعيد ثورة 14 تموز تأسست وكالة حكومية لشراء المعامل الصناعية الصغيرة من بعض البلدان المشهورة بانتاجها على اسس الدفع المؤجل والمقايضة بالصادرات العراقية،وتأسست ايضا شركة كبرى مختلطة لابتياع المعامل المذكورة من الوكالة الحكومية بشروط مريحة وبضمانات المصرف الصناعي وبتوفير حد ادنى من الارباح..الا ان المعارضة الشديدة التي جوبه بها هذا المشروع التخطيطي الهام من اصحاب المصالح حال دون اتمامه بالكامل لينتهي الى مشروع شركة الصناعات الخفيفة. من أهم منجزات ثورة 14 تموز عقد اتفاقية التعاون الفني والاقتصادي مع الاتحاد السوفييتي التي نصت على القيام بالمسح الصناعي والنفطي الجيولوجي والمغناطيسي والسيميكي العام،التركيز على الصناعة في المشاريع بحيث احتلت 80% من مجموع قيمة مشاريع الاتفاقية،التركيز في القطاع الصناعي العام على الصناعات الثقيلة كمعامل الفولاذ والاسمدة الكيمياوية والكبريت وحامض الكبريتيك واللوازم والعدد الكهربائية،وعلى الصناعات الزراعية كمعامل المكائن والمعدات الزراعية والاسمدة النيتروجينية ومحطات الجرارات الزراعية ومعامل النسيج والتعليب،وعلى الصناعات التحويلية كمعامل النسيج القطني والصوفي والتريكو والخياطة والزجاج والمصابيح الكهربائية والتعليب والادوية.وتمخض عن الاتفاقية الانجاز السريع لعدد من المعامل اهمها:
مصنع المعدات الزراعية في الاسكندرية مصنع المعدات الكهربائية في الوزيرية ببغداد مصنع الزجاج في الرمادي مصنع الادوية في سامراء مصنع التعليب في كربلاء مصنع الالبسة الجاهزة في بغداد مصنع النسيج والحياكة في الكوت مصنع الاحذية الشعبية في الكوفة وقد تم تدريب كوادر هذه المصانع في الاتحاد السوفيتي. شجعت حكومة ثورة 14 تموز على تفكيك التحالف الطبقي السابق،والذي كانت البورجوازية الكومبرادورية احد مكوناته،وبناء تحالف جديد وخلق بورجوازية متوسطة تجارية عبر تقليص مبالغ الاستيراد للشركات وكبار التجار وتجزئتها خلال العام الواحد،وتسعير المواد الهامة المستوردة بالجملة والمفرد منعا للاحتكار والمضاربة والاستغلال،وتشجيع التجار الصغار والوسط على الاستيراد،وكذلك تشجيع الاقبال على تأسيس الشركات ذات المسؤولية المحدودة وخاصة الصناعية والانتاجية منها وذلك لصرف الرأسمال الوطني من ميدان التجارة الى الميدان الصناعي"امكن تأسيس 24 شركة من هذا القبيل برأسمال يزيد عن مليون دينار خلال العام الاول من الثورة".وبلغت نسبة القيمة المضافة في الصناعة التحويلية في القطاعين الخاص والعام عام 1960 84% و 16% على التوالي من مجموع القيمة المضافة في هذا القطاع!وتغيرت هذه النسب عام 1970 لتصبح 56.4% و 43.6% على التوالي!بحكم تقلص حجم القطاع الخاص اثر تأميمات 1964!
• الصناعة في العراق 1963 – 2003
مع صدور قرارات التأميم غير المدروسة للعديد من الصناعات الاهلية عام 1964 قامت الحكومة العراقية بانشاء المؤسسة العامة للصناعة التي ارتبطت فيما بعد بوزارة الصناعة بموجب القانون رقم 166 لسنة 1965.وتوسع العمل ليصدر قانون المؤسسات العامة التابعة لوزارة الصناعة رقم 90 لسنة 1970 الذي الغى المؤسسة العامة للصناعة وانشأ عددا من المؤسسات العامة في الوزارة.بعدها استبدل اسم وزارة الصناعة الى وزارة الصناعة والمعادن بموجب قرار مجلس قيادة الثورة الحاكم آنذاك وبرقم 1330 في 8/12/1974. استحوذ النشاط المؤسساتي الكبير في القطاع الصناعي على حصة الأسد في معدلات استهلاك الكهرباء حيث بلغت قرابة 80%،الا ان القطاع الصناعي عموما شكل 13% من حجم الناتج المحلي الاجمالي محتلا المركز الثالث بعد الزراعة والتجارة! شهدت مرحلة ما بعد تأميم النفط 1972 نهضة صناعية شاملة باتجاهين:الاول تنفيذ دراسة التوسعات والتحديث التي اقترحتها المؤسسات النوعية وبالتعاون مع المؤسسة العامة للتصميم والانشاء الصناعي،والثاني اقامة صناعات جديدة مستقبلية في ضوء الدراسات التي اعدتها المؤسسة العامة للتصميم والانشاء الصناعي. المشاريع الرئيسية الضخمة كالبتروكيمياويات والأسمدة الكيمياوية كانت تدار بكفاءة جيدة،ومنتوجاتها تصدر الى كل ارجاء المعمورة،وتحقق ارباح فعلية من خلال التصدير وليست ارباحاً صورية،وهذا هو حال صناعات تحويلية اخرى كالاسمنت!وعملت الصناعة النفطية بكفاءة عالية ابتداءاً من استلام مصفى الدورة من الامريكان بعد ثورة تموز1958!ورغم قدرة المعامل والمصانع المحلية في سبعينات القرن العشرين من تزويد السوق العراقية بسلعها المتنوعة بكفاءة متوسطة المستوى وبجودة عالية غذت قسم كبير من احتياجات ومتطلبات التنمية وحققت فائض للتصدير الا ان الحروب المتتالية والجهد العسكري اضعفت من القدرات الصناعية الوطنية.ولم يخلو السوق حينها من السلع الوطنية المنتجة محليا كالصناعات الغذائية والسكر والخفيفة والالكترونية والكيمياوية والاستخراجية والاصباغ والتغليف والدراجات والسيارات والباصات والمكائن الزراعية المجمعة والبطاريات والاسمدة الكيمياوية والكبريت والفوسفات والملح والنحاس والطابوق والغاز المسيل والزجاج والصناعات الصوفية والغزل والنسيج والاحذية والتبغ والتمور..الخ. العائدات النفطية اواسط السبعينات عجلت من تبختر الحكومة بعقودها السخية مع الاحتكارات الغربية!وفرغت السياسة الاقتصادية للدولة التخطيط المركزي والتنمية من المضامين التحررية وادمجت مصالح الطغمة الحاكمة بالمصالح الرأسمالية واحكمت من طوق التبعية للسوق الرأسمالية لتتفشى النزعة الاستهلاكية ويسود التبذير والنشاط الطفيلي!وتوزعت التوجهات الحكومية في السبعينيات على عناوين اساسية منها:التنكر للاصلاح الزراعي وقانون رقم 117 لعام 1970،قانون مشاريع التنمية الكبرى رقم 157 لسنة 1973،التنمية الانفجارية،مشاريع البناء الجاهز وتسليم المفتاح،التحول من المؤسساتية الحكومية الى الشركات وفق القانون،الخصخصة،تحجيم العمل التعاوني،تحجيم القوة التفاوضية لعمال العراق والتنكر لحقوقهم المشروعة..الخ.وقد ضربت التنمية الانفجارية عرض الحائط بالتخطيط وسياسة البرمجة وتقديم دراسات الجدوى الاقتصادية والاجتماعية للمشاريع كما تخلت عن التخطيط الاقليمي في توزيع المشاريع الاقتصادية،وخلقت فجوة كبيرة بين القدرة على التنفيذ وبين المشاريع الكثيرة المتعاقد على تنفيذها مما ادى الى رفع تكاليف تلك المشاريع اضعاف ما كان مقررا لها،اضافة الى سياسة البذخ المفرط في اقامة تلك المشاريع. لقد حاول صدام حسين معالجة التردي الحاصل في القطاع الصناعي بالاجراءات الترقيعية عبر تشريع جملة قوانين واصدار مجموع مراسيم من قبيل رقم 32 عام 1986 لتنظيم اجراءات بيع وايجار اموال الدولة،رقم 93 لسنة 1987 لتقليص نسبة مساهمة القطاع العام في الشركات المختلطة من 51%الى 25%،رقم 310 لسنة 1987 حول اطلاق الحدود العليا لرؤوس اموال الشركات،قرار رقم 483 لعام 1987 حول السماح لاصحاب مشاريع القطاع الخاص بتصدير منتوجاتهم الى خارج العراق،71/52/...150 لسنة 1987 والغاء الحقوق النقابية في قطاع الدولة،وقانون اعفاء الشركات المتكونة حديثاً ولاحقا من الضرائب لفترة عشر اعوام/صدر سنة 1989،رقم 100 عام 1995 والافضلية بالبيع لما هو فائض عن حاجة قطاع الدولة بالمزاد الى اصدقاء صدام والقطاع الاهلي والتجاري،قرار رقم 136 سنة 1996 حول حق المشروع الصناعي الخاص والمختلط في استيراد المواد الأولية ومستلزمات الانتاج والتشغيل،22 عام 1997 في نظم ادارة الشركات او التمويل الذاتي على اسس تجارية،20 لسنة 1998 حول اعفاء الاستثمار الصناعي من الضرائب وتقليص دور الدولة،قرار 105 عام 2000 لتأسيس صندوق التنمية لتمويل مشاريع القطاعين الخاص والمختلط برأسمال قدره 50 مليار دينار عراقي و50 مليون يورو،قرار 106 عام 2000 في اعفاء القطاع الخاص من ضريبة الدخل بنسبة (50-100)%. نعم،اقدمت الحكومة العراقية عام 1988 على برنامج ضخم للانفتاح الاقتصادي والخصخصة باتجاه اقتصاد السوق الا انها قادت الاقتصاد الى فوضى شمولية.ومع بداية التسعينات كانت 53% من الأراضي ملكية خاصة و46% منها مؤجرة من الدولة الى القطاع الخاص وظل 1% تحت سيطرة الدولة.وبيعت الى القطاع الخاص مؤسسات كبيرة للدواجن والألبان والأسماك ومؤسسات مساعدة كالمطاحن والمخابز .واحدثت استعادة القطاع الخاص للزراعة تغييرا في التنظيم الاجتماعي للريف في بلادنا بعد الغاء قوانين رقم 30 لسنة 1958 ورقم 117 لسنة 1970 ورقم 90 لسنة 1975 والتشريعات النقابية في القطاع الزراعي.ولم يكن ممثلوا القطاع الخاص الجدد من النخبة التقليدية بل كونوا ثرواتهم من المقاولات ومعظمهم كان على صلة وثقى بالنظام البائد،والهدف واضح للعيان هو ربط القطاع الخاص الجديد بالجهاز البيروقراطي.ورغم النجاحات المبكرة للطغمة الحاكمة فان سياسة الخصخصة الريفية والحضرية ولدتا مستويات عالية من التضخم والبطالة وشحة السلع الأساسية وظهور السوق السوداء! خلال سنة 1989 فقط باعت الحكومة 70 مصنع للمواد الانشائية والغذائية الى القطاع الخاص وجرى رفع سقف الاستثمار الصناعي الكبير تدريجيا خلال سني الثمانينات وتكونت مجمعات متكاملة ضخمة للقطاع الخاص في الصناعة والزراعة والتجارة!ويسر صدام حسين وفق القرار رقم 100 لسنة 1995،عملية بيع الدولة لمشروعاتها لمن يرغب من الافراد،وكانت الافضلية لاصدقاء صدام والقطاع الاهلي والتجاري،وبذلك نقلت الكثير من المشاريع الى افراد غير كفوئين،حيث جرت عملية البيع للمشاريع العامة دون مبررات مالية واقتصادية ولم تكن وفق احتياجات الاقتصاد العراقي،وجرت مسايرة الموجه الليبرالية على المستوى العالمي بشكل متخبط !الموجة التي تتخذ من محاولات تصفية القطاع العام ونقل ملكيته الى النشاط الخاص وتحت العديد من التسميات واعتباره المسؤول عن اخفاق التنمية الاقتصادية وتضخم المديونية.كان خصخصة هذه المنشآت مخالف لقانونيات الخصخصة التي تعني خصخصة المنشآت التي تحقق الارباح الاقتصادية الملموسة ولها القدرة التنافسية العالية في الاسواق المحلية والعالمية ومهيأ لها الظروف المالية والنقدية!لا العكس! بلغ حجم التخصيصات الاستثمارية للقطاع الصناعي بحدود 23 مليار دينار للمدة 1970 - 1990،وكان نصيب القطاع الصناعي العام بحدود 22 مليار دينار اي 96%،وحصل تطور في انتاج الصناعات الاستهلاكية وهبوط نسبة المحتوى الاستيرادي للعرض الذي انخفض بنسبة 38% مما عنى ان الانتاج المحلي في هذا النشاط غطى 62% من اجمالي الطلب المحلي.هذه النتائج لا تعكس حقيقة المكونات لان بعض فروع هذا النشاط كصناعة الاغذية وصناعة المنسوجات لم تشهد عملية تعويض كافية!وهذا ما يظهره ارتفاع الكميات المستوردة قياساً بالفروع الاخرى. تركزت الصناعات الصغيرة والمتوسطة في محافظات بغداد والموصل والبصرة،ارتباطا بالكثافة السكانية ومركز السوق التجاري.وزاد عدد العاملين في هذا القطاع الصناعي خلال الفترة 1988 ـ 2001 بمعدل قدره 3.2% بسبب التوسع الحاصل في المشاريع الصناعية الصغيرة وبمعدل 4.1% مما يشير الى فردية هذه الصناعات.واختلف الامر بالنسبة للصناعات المتوسطة حيث انخفض عدد العاملين لنفس الفترة بمعدل نمو سالب مقداره 5.1% بسبب انخفاض عدد المشاريع بمعدل 4.7%،في حين بلغت مساهمة هذا القطاع في التشغيل الاجمالي الاقتصادي نسبة 4.5% عام 1989 ثم انخفضت الى 4% عام 1990 الى ان وصلت 1.8% عام 1998 مما عنى انخفاضا عاليا في عدد العاملين في الصناعات الصغيرة والمتوسطة. توسعت الميول التضخمية وتعمق التفاوت في الدخل،واستمر الحال هكذا حتى سقوط النظام والاحتلال الاميركي!في هذه الفترة ظهرت الشركات الوهمية وتنامى الغش الصناعي والتجاري وعدد المعامل والورش غير المجازة التي لا تخضع لأية رقابة وتنتج سلعا لا تتوفر فيها المواصفات الفنية،وساد الركود الاقتصاد العراقي وتفشت البطالة وتوسعت العوامل الضاغطة باتجاه الفساد على تلاوينه! ازدادت مشاعر السخط تجاه القطاع العام مع مواصلة حكومة صدام حسين والشرائح الطفيلية والبيروقراطية سياسة ابتزاز الشعب بالأعباء المالية كالرسوم والأتاوات وتحميل العقوبات مسوؤلية ازمات انقطاع التيار الكهربائي،وتحميل كادر القطاع العام مسوؤلية الفساد باشاعة المحسوبية والمنسوبية والولاء الجهوي وتلقي الرشاوي والاختلاس والغش والتهرب الوظيفي والاستغلال السيء للمنصب الرسمي والوظيفة العامة!وواصل اعلام صدام حسين تضليل الرأي العام بالأسباب الفعلية للأزمة الاقتصادية العامة العاصفة!وعكس عمق التناقضات الأجتماعية وتوسع الأحياء المدينية الراقية دور كبار التجار والسماسرة والمنتفعين الذين شكلوا قوى ضغط طفيلية شبه مستقلة تعاظمت ارباحها مع افقار الشعب ونبذ غير القادرين على الصمود وزجهم في سوق العمل الرسمي!الحقيقة تؤكد ان سياسات النظام المباد ادت الى تدمير البنية الصناعية في بلادنا وتعطل الانتاج في المنشآت الصناعية بسبب عدم توفر المواد الاولية والوسيطة وصعوبة الحصول على المواد الاحتياطية وتخلف التقنيات المستخدمة الامر الذي قاد كل هذا الى هبوط في مستويات الانتاج وضعف في القدرة التنافسية للسلع العراقية. المراقب والمتتبع تاريخيا لاوضاع القطاع الصناعي في العراق يلاحظ السمات التالية:
1. لم تتطور الصناعة في العراق بولاياته الثلاث في العهد العثماني وقبل تأسيس الدولة الوطنية الحديثة لأن البورجوازية النامية المؤلفة من الفئات الزراعية والتجارية والربوية والعقارية والصناعية كانت تركيبة مختلطة غير متكاملة التجانس،بل ومتضاربة المصالح،مما عنى ان الشريحة التي كان بالامكان ان يكون لها اهم دور في عملية التحديث،كانت في الوقت نفسه اضعف شريحة اجتماعية. 2. التوسع في بناء الصناعات التكميلية التي تستخدم موارد ومنتجات وطنية زراعية او معدنية كمواد اولية،والتنوع في المنتجات طبقا لحاجة البلد والسوق!وشمل التنوع تدرجا في تعقيدات المكننة والتكنولوجيا المستخدمة.لكن معظم الصناعات الوطنية التي تطورت منذ مستهل القرن العشرين كانت استهلاكية الطابع كالصناعات الغذائية والمنسوجات والجلود والاحذية. 3. وفقا لتوجهات النظام الحاكم،قبل عام 2003،فان القطاع العام كان المسيطر على انشطة القطاع النفطي وقطاع الطاقة الكهربائية بشكل كامل،ولم يكن هناك اي دور يذكر للقطاع الخاص.في الصناعة التحويلية،كان للقطاع الصناعي الخاص دور واضح حيث وصلت مساهمته الى اكثر من 50% من القيمة المضافة لنشاط الصناعة التحويلية نهاية السبعينات،في حين تطورت الصناعة التحويلية في القطاع العام خلال عقدي السبعينات والثمانينات،واعطي للقطاع الخاص دورا في الصناعات الصغيرة والمتوسطة الحجم،وشرعت بعض القوانين الداعمة لنشاط القطاعين الخاص والمختلط والتي اعطت العديد من الحوافز والامتيازات في مختلف فروع الصناعة التحويلية..وآخرها قانون الاستثمار الصناعي للقطاعين الخاص والمختلط رقم 20 لسنة 1998 مما مكن القطاع الخاص من اقامة بحدود 40000 مشروع صناعي صغير ومتوسط. 4. ان اكثر من 99% من عدد المنشآت الصناعية عام 2001 هي صغيرة وتشغل اقل من 10 عمال في المنشأة الواحدة. 5. المشاريع الاساسية ذات الانتاج الكبير بقت محدودة للحاجة الى رؤوس الاموال الضخمة التي تتطلبها،ولم تزد نسبة المنشآت الصناعية الكبيرة عام 2002 والتي تستخدم 30 عامل فأكثر(وقيمة استثمارها في المكائن تزيد على 100 الف دينار)عن 0.6 من عدد المنشآت الصناعية في البلاد. 6. انتشار القطاع الصناعي في كل مناطق العراق دون استثناء مع مراعاة الموارد البشرية ومواقع المواد الخام والمنتجات المستخدمة كمواد اولية وعقد المواصلات الحاكمة.وبدأت الصناعات بعد عام 1950 تنتشر خارج مدينة بغداد لاعادة التوازن بين مناطق العراق المختلفة!وكان القطاع الخاص مسيطرا على المنشآت الصناعية حتى عام 1958،وبعد ذلك بدأ القطاع العام يساهم بمشاريع كبيرة من خلال خطط التنمية.وبلغت قيمة الانتاج الصناعي في القطاع العام 57% من مجموع قيمة الانتاج الصناعي في حين ساهم القطاع الخاص بنسبة 30% و13% للقطاع المختلط من اجمالي قيمة الانتاج الصناعي. 7. ضألة نسبة العاملين في مؤسسات الصناعة الوطنية التي يبلغ عدد العاملين فيها 10 عمال فأكثر،وهي لم تزد عن 40% من مجموع عدد العاملين فيها! 8. ادى دخول العراق في الحرب مع ايران الى تحويل عدد من المنشآت المدنية لخدمة النشاط الحربي وبخاصة الصناعات الهندسية واستحداث منشآت عديدة متخصصة بالانتاج الحربي.ففي عقدي الثمانينات والتسعينات توسعت الصناعات العسكرية والتي لها ارتباط مباشر اوغير مباشر بالجهد العسكري،وتكونت مجمعات ضخمة للصناعات العسكرية في عدد من المواقع في العراق بحيث وصلت التخصيصات الاستثمارية للقطاع الصناعي الى حوالي 50% من اجمالي تخصيصات بعض البرامج الاستثمارية في التسعينات مما اثر على محدودية الموارد المتاحة للاستخدامات الاخرى خاصة القطاع الزراعي والقطاعات الخدمية والبنى التحتية والاسكان الذي اوقفت البرامج الاستثمارية الحكومية تمويله بدءاً من عام 1984.لقد ركزت الدولة في مرحلة ما قبل اجتياح الكويت على قطاع التصنيع العسكري الذي اسهم في توطين تكنولوجيا تعد اساسا للصناعات الثقيلة في العراق. 9. ان نسبة المنشآت الصناعية المتوقفة عن العمل بلغت 90% عام 2003،وهي نسبة مرتفعة جدا بعد عجزها عن تشغيل خطوطها الانتاجية بسبب مجموعة من العوائق منها الفشل في منافسة اسعار المنتجات المستوردة حين عرضت غالبيتها في الاسواق بأقل من كلف مثيلاتها المحلية،ارهاق مداخيل اصحاب تلك المشاريع بالضرائب المختلفة مقابل الغاء الرسوم الكمركية عن المستوردات الاجنبية. 10. الاهتمام بالصناعة التحويلية وسياسة ضخ الاستثمارات الكبيرة للصناعات التحويلية في خطط التنمية المتعاقبة بلغت مساهمتها في الناتج المحلي الاجمالي 13.9% عام 1988. 11. شهدت حقبة 1991 - 2003 انخفاض حاد في القيمة الصناعية المضافة بسبب العقوبات الدولية وقرارات مجلس الأمن المتلاحقة!ولم ترجع المساعدات الانسانية الحرارة الى الدورة الاقتصادية السلمية حيث عانت جميع المشاريع التي في عهدة الأمم المتحدة من بطء الاداء والعمل كما لم تخضع وكالات الامم المتحدة نفسها وعموم التمويل الخارجي والاجنبي للرقابة.
رغم الانفتاح الاقتصادي الصدامي فان البورجوازيات البيروقراطية والكومبرادورية والطفيلية في بلادنا لازالت تمسك بزمام التطور الاقتصادي،وتعود لها اكبر القدرات الاقتصادية المؤثرة في وجهة تطور الطاقة عموما والطاقة الكهربائية والنفط خاصة.ومع السياسة المعلنة للدولة العراقية بعد عام 2003 تتصاعد الدعوات الضاغطة لبيع مؤسسات القطاع العام الى الاهلين وبعض المقاولين المحليين والقطاع الخاص!وعادة تكون ملكية المؤسسات المباعة هنا عالية التمركز،ويبقى العدد الكلي لأصحاب الاسهم والمتعاملين في سوق الاسهم صغيرا!
بغداد 31/3/2013
#سلام_ابراهيم_عطوف_كبة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قتلة كامل شياع وهادي المهدي وبقية الشهداء بلطجية القائد العا
...
-
الاحزاب الشيوعية في البلدان العربية والسقوط في شرك واحابيل ا
...
-
مع سقوط الباشا نوري المالكي سيسقط اقطاعه السياسي والاجتماعي
...
-
على رنة الاحذية طحين العملية السياسية اليوم ناعم
-
الانتخابات النزيهة لا تجري بالنوايا الطيبة!
-
تشكيلات ارهابية ام كلاب بوليسية تأديبية مدللة
-
النشاط المطلبي لشركة نفط الجنوب سعة افق يقابله ضيق الافق الح
...
-
ضياء الشكرجي .. تحية وسلاما!
-
-انا القانون-وقطع صيوان الأذن بين الفعل المباشر وغير المباشر
-
عزت اسطيفان والسباحة في لجة احلام الاسلام السياسي الحاكم!
-
مسجد الزوية نموذج حي للاستهتار بالقيم الحضارية
-
14 رمضان الاسود- حقوق الانسان والاتباع اللصوص
-
حكومة نوري المالكي والحكومة الاسرائيلية في المارثون الصهيوني
...
-
تعليق الانتربول اعماله في العراق بسبب القضاء العراقي المسيس
...
-
الاسلام السياسي الحاكم في عراق اليوم والبعث المقبور توأمان ل
...
-
بطل ام ابطال مجاري
-
صفعة للقطعات العسكرية الحكومية في كردستان
-
الحكام في بغداد يغلقون راديو المحبة ويعبثون بمحتوياته!
-
فخري كريم ... قامتك اعلى من سفاهاتهم وحماقاتهم!
-
عزت الشابندر بين الاشباح والمعلوم
المزيد.....
-
إقلاع أول طائرة مدنية من مطار دمشق بعد سقوط الأسد (صور + خري
...
-
ارتفاع أسعار النفط وسط ترقب الأسواق بيانات أمريكية
-
تسلسل زمني لأداء الليرة السورية من الثورة إلى سقوط نظام الأس
...
-
تحديث لحظي..سعر الذهب اليوم في مصر وأسعار سبائك BTC
-
بلومبيرغ: رسوم ترامب الجمركية ستحدث ألما كبيرا لشركات السيار
...
-
بوينغ تستأنف إنتاج الطائرات عريضة البدن 767 و777 بعد إضراب
-
تحقيق أوروبي يستهدف -تيك توك- بسبب انتخابات رومانيا
-
الكونغرس الأميركي يكشف عن تشريع مؤقت لتجنب الإغلاق الحكومي
-
رويترز: هوندا ونيسان تجريان محادثات لتأسيس شركة قابضة
-
بريطانيا تفرض عقوبات على 20 ناقلة نفط روسية
المزيد.....
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ دجاسم الفارس
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ د. جاسم الفارس
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ دجاسم الفارس
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|