|
الكرة في الملعب السوري
مسعود عكو
الحوار المتمدن-العدد: 1172 - 2005 / 4 / 19 - 13:13
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
قد يكون طرق هكذا باب من الممنوعات الصحفية وخاصة في بلدان ما زالت فيها الحريات العامة مقيدة وإن لم تكن مقيدة فهي تتبع الأنظمة الحاكمة التي تترأس الهرم القيادي فيها من رئاسة الدولة وانتهاء بشرطة المرور فما بالك بالصحافة والآراء السياسية.
بعد مرور أكثر من نصف قرن على استقلال الدول العربية وبعد تعاقب العشرات من الحكومات على أرضها فشلت هذه الدول في قيادة أوطانها لا بل خلقت نوعاً من الفشل الثقافي والاقتصادي والاجتماعي ناهيك عن السياسي وذلك لكون الحكم المركزي المطلق لهذه الحكومات وترأسها على كل صغيرة وكبيرة من مفاصل الحياة اليومية للشعب مما أدى إلى خلق جيل أو أجيال فقدوا السيطرة على آرائهم لأنهم يعرفون عز المعرفة بأنها قد تؤدي إلى نهاية لا يحمد عقابها.
هذه الأنظمة الشمولية التي أتت إلى سدة الحكم لكي تبدأ مرحلة جديدة تأسيسية لبناء وطنٍ قويٍ وجديد خالي من الشوائب الاستعمارية التي خلفتها الأنظمة المستعمرة لهذه الدول بالفعل نجحت إلى حد ما في هذه النقطة ولكنها فشلت في بناء هذا الإنسان الذي يليق بالعيش على هذه الأرض ويرجع ذلك إلى الحكم المطلق لفئة حاكمة على مجمل الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية حيث بادرت هذه الحكومات هي المصدر الأوحد لخلق القيادات السياسية وكتم الآراء والأفكار الأخرى مما أدى بالشعب إلى دفع ضرائب باهظة في هذا الاتجاه.
لم تبتعد كثيراً تجربة العراق الذي تحرر من براثن الطاغية الصدامي لا بل ما زال المستنقع العراقي مليئاً بالميكروبات الجرائمية المنظمة من قبل الزرقاوي والتجمعات الإسلامية الإرهابية أو التي تدعي الإسلام لكي لا نظلم الإسلام الحنيف ناهيك عن بقايا ومخلفات البعث الفاشي في العراق.
فلولا بقاء صدام حسين على الحكم لما آلت الحالة العراقية إلى هذا الواقع المأساوي حيث عدم قدرة قوات التحالف من ضبط وكنترول العراق ولم تخلق أيضاً حكومة قادرة على قيادة دفة العراق الجديد إلى هذه اللحظة هذه في الحالة العراقية.
أما في الحالة السورية فأن الضغوطات الخارجية والداخلية على سورية آدت إلى خلق حالة اجتماعية تطالب بالتغيير الآن قبل أي لحظة أخرى لإنهاء أربعين عاماً من حكم البعث الواحد في سورية و امتلاكه كافة المناصب القيادية والسيادية في الدولة بالإضافة إلى الأغلبية الساحقة من استلام البعثيين لكافة تلك المقاليد حيث البعث هو كل ما في الوجود في هذا الوطن ويسحق من تحته كافة الآراء والأفكار الأخرى وتحجب الحياة السياسية عن المنظمات والأحزاب والقوى الوطنية الأخرى التي بدأت تنشط في الساحة السياسية السورية.
إن النظام السياسي في سورية خلق حالة من اليأس للداخل السوري حيث بات المواطن السوري يتمنى التغيير لحظة قبل لحظة ولا تهمه أياً كانت الجهة التغيير فالأمر بات يتوقف على كيفية التغيير بأقل خسائر ممكنة من هذا التغيير والنظام السوري أمام عدة خيارات لكي يحسم هذه المعركة وبالتالي تنتهي الضغوطات الأمريكية والأوروبية ودول أخرى التي باتت لطيفة مع التيار المعادي للسلطة السورية بغية تغيير النظام الحاكم فيها.
التغيير على الطريقة العراقية:
لقد أثبتت التجربة الأمريكية في العراق قدرة أميركا التقنية والتكنولوجية المتطورة بأنها قادرة على تغيير أعتى الأنظمة الحاكمة في أي بقعة من العالم ولم تكن جيوش صدام الجرارة إلا بيوت عناكب تمزقت بنسمة من نسمات التغيير الأمريكي ولم يكن هذا النظام بالأساس نداً لأمريكا ولقوتها العسكرية وما كان هذه الخيلاء الصدامية إلا جزء من مخطط أمريكي دفعها لدخول العراق واحتلاله إن صح التعبير وتحريره في نفس الوقت من هذا النظام الاستبدادي.
إلا أن الحالة السورية لا تشبه الحالة العراقية فالنظام السوري لم يدخل في معركة موازين القوى مع أمريكا وهذه نقطة جداً حساسة لأن الأنظمة العسكرية التي تضع قواعد صحيحة لقواتها الفنية والتقنية يجب عليها أن تأخذ الكثير من الاحتياطيات لمواجهة هكذا جيش جرار عدة وعتاد وأسلحة في غاية التقنية والدقة الفائقة.
سورية لم تخلق هذه الذريعة لدخول القوات الأمريكية بالإضافة إلى قناعة أمريكا بأن تدخلها في سورية على الطريقة العراقية سيغرقها في مستنقع جديد هي بغنى عنه لأن المستنقع العراقي لا زال متوتراً بما فيه الكفاية.
التغيير على الطريقة الليبية:
قد تكون طريقة ليبيا في التعامل مع أمريكا ومع النظام العالمي الجديد من أسهل الطرق وأكثرها عرضة للسلامة فهي تنتهج طريقة المثل الدارج ( اليد التي لا تستطيع كسرها بوسها وأدعي لها بالكسر ) حيث كان النظام الليبي وعلى مدى عدة عقود ينتج ثقافة لا تختلف عن ثقافة النظام العراقي على الرغم من عدم تشابه ليبيا مع العراق من حيث الممارسات اللا إنسانية من قبيل جرائم الإبادة والمقابر الجماعية على الأقل ليس بعلنية نظام صدام إلا أنها أدركت بأن ساعة التغيير آتية لا ريب فيها وأن نظامها مهدد بالزوال فاقتنعت وتنازلت.
أما سورية فلا تملك هذه الذرائع التي احتجت أمريكا بها على ليبيا من قبيل ضلوعها بشكل دلائلي بجرائم أو محاولات إجرامية كضلوعها في تحطم الطائرة على مدينة لوكربي ولا تمتلك قنبلة نووية أو حتى تفتقر إلى مخطط لهكذا قنبلة وحتى إدراج اسمها في قائمة الدول الداعمة للإرهاب بسبب دعمها لحركات التحرر الفلسطينية واللبنانية والتي تسمى في منحىً أخر قوى تحرر لا حركات إرهابية وحسب المفاهيم العربية على أقل تقدير إن لم تكن على المقاييس العالمية وليس لأنها تمارس الإرهاب كمهنة وكطبيعة حكم وفهم سياسي.
فالطريقة الليبية في التغيير ستحط من كرامة وقيمة سورية في العالم العربي لأنها الدولة العربية الوحيدة التي لا زالت تتمسك بشعارات الوحدة العربية والحرية ولن تتنازل أمام أي قوة بل ستقاتل حتى الشهادة أو النصر وتسعى لخلق عالم عربي قوي الأمر الذي يؤدي إلى كسر هيبتها في هذه المرحلة الدقيقة بالذات قد تكون مفيدة في وقت أخر ومرحلة مقبلة ولكن الآن يستحال هذه الأمر.
التغيير على الطريقة الداخلية:
بدون مقدمات على الحكومة السورية أن تقبل بالأمر الواقع أي أن أمريكا عازمة على التغيير فلماذا لا تبدأ هي بهذا التغيير فتكتسب القوة من الداخل وتسعى لخلق جبهة داخلية تشكل به سداً منيعاً لمحاربة أعتى الأنظمة العالمية وأكثرها قوة فتبدأ بخلق نظام ديمقراطي حقيقي وتفتح المجال أما القوى السياسية الأخرى للمشاركة في الحياة السياسية وإجراء انتخابات عامة في البلاد يكون فيها صندوق الاقتراع هو الفصل الوحيد بين كافة الأطياف السياسية من أجل تمثيل كل قومية وطائفة في الحكومة تنتهج صفة التعددية وقبول الأخر والتي هي الأسباب الرئيسة والأولى لتكوين الذرائع الأمريكية بالتدخل وتغلق ملف الاعتقال السياسي وتبيض السجون وإطلاق الحريات العامة.
قبل كل هذا,التحضير لعقد مؤتمر وطني شامل وعام يضم كافة القوميات والأقليات الدينية والطائفية المكونة للنسيج الاجتماعي والسياسي السوري بغية الوقوف بحزم تجاه هذا التغيير القادم من الخارج علماً بأن هذا التغيير سيكون حتمياً ما لم تنفذ الحكومة الحالية على الأقل البعض من تلك التسويات والاستحقاقات التي سيتم بموجبها خلق حالة من التلاحم الوطني بين كافة مكونات الشعب السوري الموجودة مما يؤدي بتلك القوى التي تطمح وتفكر في الاستعانة بالخارج إلى الرجوع عن رأيها والعدول عن أفكارها وسياساتها ولنبدأ خطوة جديدة يداً بيد لبناء نظام ديمقراطي تعددي حقيقي يشمل كافة الأوجه الإنسانية والسياسية والاجتماعية لسورية الحقيقية وهذه الخطوة بيد المؤتمر القطري المرتقب لأن الكرة أصبحت في الملعب السوري والشاطر يفهمها عالطاير.
#مسعود_عكو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انهض أيها البلبل الحزين - إلى محمد شيخو
-
هل المرأة الكوردية متحررة؟ أم لا؟
-
المجازر العراقية كالمجازر الأرمنية
-
ويقال عنهم بأنهم كفار
-
خفافيش الظلام
-
اغتيال الحريري... اغتيال المستقبل
-
الفائز الأول هو العراق والشعب العراقي
-
الانتخابات العراقية تحت الاحتلال
-
انتخابات العراق ... عرس العراق
-
يمين متطرف أم تطرف يميني
-
وداعاً أيتها الأغنية الأخيرة - إلى كره بيت خاجو
-
روزنامة نوروز
-
الحوار المتمدن مثال الصحافة الحرة
-
بوابة الديمقراطية الانتخابات العراقية
-
الخطاب السياسي الكوردي في سورية ثنائي الرؤى ... ازدواجي المو
...
-
ضريبة الإنسانية ... ضريبة الحرية
-
الأحزاب الكوردية في سورية وضرورة التغيير2
-
الأحزاب الكوردية في سورية وضرورة التغيير1
-
لماذا لا نرجمك أنت يا حسن الطائي؟
-
الظلم القانوني للمرأة في الدول العربية
المزيد.....
-
هوت من السماء وانفجرت.. كاميرا مراقبة ترصد لحظة تحطم طائرة ش
...
-
القوات الروسية تعتقل جنديا بريطانيا سابقا أثناء قتاله لصالح
...
-
للمحافظة على سلامة التلامذة والهيئات التعليمية.. لبنان يعلق
...
-
لبنان ـ تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت
...
-
مسؤول طبي: مستشفى -كمال عدوان- في غزة محاصر منذ 40 يوما وننا
...
-
رحالة روسي شهير يستعد لرحلة بحثية جديدة إلى الأنتاركتيكا
-
الإمارات تكشف هوية وصور قتلة الحاخام الإسرائيلي كوغان وتؤكد
...
-
بيسكوف تعليقا على القصف الإسرائيلي لجنوب لبنان: نطالب بوقف ق
...
-
فيديو مأسوي لطفل في مصر يثير ضجة واسعة
-
العثور على جثة حاخام إسرائيلي بالإمارات
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|