أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علي غدير - وَإِذَا (الفِكرَةُ) سُئِلَتْ؛ بِأَيِّ (تَأويلٍ) قُتِلَتْ؟














المزيد.....


وَإِذَا (الفِكرَةُ) سُئِلَتْ؛ بِأَيِّ (تَأويلٍ) قُتِلَتْ؟


علي غدير

الحوار المتمدن-العدد: 4081 - 2013 / 5 / 3 - 17:02
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


على مر الزمن، عانى الفكر الإنساني من وطأة المجتمع عليه، برغم أن الفكر ينحو صوب الارتقاء بالمجتمع، وتنظيم حياته، يظل المجتمع يبحث عن الركود الذي ينطوي على الراحة. فالفكر يحث على التجديد والخـَلق، وهما ثمرتان لا تنضجان إلى بثورة على القديم، وهذا ما يتقاطع مع أفكار المستفيدين من القديم.
حتى الفكر السماوي لم ينج من هذا التشويه، فهذا (علي بن أبي طالب)* يقول، حين احتج عليه (معاوية)* وأتباعه بنصوص قرآنية: "القرآن حمّال أوجه"، وهو يعني في قوله، أن الناس أوّلت كلام الله لمصلحتها.
لم يزل ضحايا التأويل يتساقطون على المستويين الاجتماعي والفردي، فصديقك يؤول كلماتك، وحبيبتك تؤول تصرفاتك، لكنك تتدارك تأويلاتهما، وتبين لهما وجهة نظرك، لأنهما يهمانك ويخصانك ويصدّقانك. أما المجتمع حين يؤول تصرفك أو قولك، فلن تجد الوقت ولا الجهد لتفسر له الحقيقة، ذاك أنه لا يهمك من جهة، ولن يصدقك – وهذا هو الأهم – من الجهة الأخرى.
(غسان سعدون) شاعر شاب التقيت به أول مرة مع زمرة من شعراء (قصيدة النثر)، الشباب عمراً والناضجين عطاءً، إبان العام 2005، أذكر منهم (سامي، سراج، ماهر وسعد). كانوا في غاية النشاط والاندفاع يصارعون من أجل وضع بصمة نظيفة في ساحة متلاطمة الأوساخ، حينها قرأت لغسان كلماته التي استوقفتني:
انتقل إلى رحمة (دول الجوار)
عراق الحضارة
والد كل من (بغداد والفقراء والصور)
إثر حادث سطو مسلح على البيت العراقي
بتأريخ: لا /تأريخ /بعدك
يقام العزاء على مساحة الجرح المدعو (إنسانية)
اعتباراً من : هنا/ حتى /صحوك
ولا حول ولا قوة إلا بالدولار
وإنّا للعراق وإنا إليهِ راجعون
أراد نشر النص في جريدة (العراق غداً)، التي كنت أعمل فيها (سكرتير تحرير) ويترأس تحريرها الشاعر الكبير (رعد مطشر)، لكن رعد تعامل مع النص كصحفي لا كشاعر، ومن أخلاق المهنية الصحفية مراعاة الظروف العامة التي تحيط بالنص، ومثل هكذا نص لا يمكن أن ينشر في العراق خلال تلك الأيام، وإلا جرّت كلماته ما لا تحمد عقباه على الجميع.
تألم غسان، لأنه يرى رعد الشاعر قدوته وأستاذه، لا رعد الصحفي المحايد. حاولت أن أوازن الأمور بحكم علاقتي المهني والشخصية برعد وغسان، فطلبت من غسان نصاً جديداً واعداً إياه أنني سأنشره له؛ شريطة أن يخفف من إيقاع الفكرة، خوفاً من المؤولين. ابتسم ابتسامته الجريحة وأومأ برأسه الثقيل، وجاءني بنصه:
((ملامح))
حين تحوم فراشة حول رأسي
في هذا الوطن الأجرد
أتوقع أني سأموت...
في هذا الوطن المالح
كل شيء لا طعم له حتى القبلة...
في هذا الوطن الجارح
حتى الرب له ملامح حادة
ليس من بقعة فيك
لا تصلح للبول عليها
لكنك ماتزال وطني
هنا، اعتذرت من غسان، ونصحته أن يتشرنق حتى يأتي الربيع، فما زالت فراشته غير قابلة للتحليق في أخرفة هذا الوطن.
استغل غسان إمكانياته الفنية، وعمل في مجال التصميم الطباعي، في صحيفتنا – العراق غداً – وبنى شرنقته المتينة، وراح يكتب نصوصه بحرص، على ذات الوتيرة التي خـُلق عليها، وتيرة الثورة التي تجري منه مجرى الدم. مرت سنواته برتابة ظاهرة عليه، بدأ الألم يأكله من الباطن ومن الظاهر، حتى فاجأنا بنبأ سفره إلى بغداد، ظناً منه أنه سيجد هناك بقعة حرية، تسمح له بشق كوّة في الشرنقة.
كانت صدفة جميلة، حين التقيته في مكتبة (الربيعي) وسط الكرادة، وهو منكب على حاسوب، يصمم أعمالاً طباعية خاصة بالمكتبة، وكنت حينها أرغب بطباعة بطاقة دعوة إلى حفل رسمي أشرف عليه. جلست قربه بعد تحية دافقة بالحنين، سألته عن حاله في بغداد، فردد:
((بغداد تودعكم، بغداد تستقبلكم))
بغداد ذاكرة ستتلاشى
مختنقة تحت كل ما هو مستورد
لم أعد أؤمن أن ثمة شيء أصيل هنا
فأهلي سكتوا عن قتلِ جيرانهم وأصدقائهم
فعن أي بغداد الثقافة والأصالة يتحدثون
وحذاؤهم وحكومتهم مستوردان
أدركت أنه ليس بخير، وصدق حدسي حين أخبرني أنه قلق من ضياع مسوّدات شعري كتبها مؤخراً؛ تتضمن توقيعه. سألته إن كانت "خطيرة"، لم يبد المبالاة، لكنه قرأ عليّ بعض ما يتذكره منها:
((حكمة))
السيد الوزير السارق المحترم
ليس عراقياً
فهو لديه مالٌ في الغربة
والمال في الغربة وطن
((سؤال))
إن كان في جباه المعممين نورٌ ما
فهل وجودهم الكثيف في الثورة
دليل على أن المدينة لا تحتاج لكهرباء؟
((إعراب))
كنتُ مسلماً
كنتُ فعل ماضي
أنتما مسلمان؛ هو شيعي وأنت سُني
ألا يمكن إعراب هذهِ الجملة دون قتال
((طائفية))
الطائفية إعلان سياسي انتخابي
مدفوع الثمن
الثمن: بالروح بالدم....
جديدة
لكن هذه المرة
أرواح حقيقة ودم حقيقي
هناك قتلة رصاصهم حروف
هناك جرحى سقطوا جراء كلمة
أنا لن أجرح إنساناً حتى بحرف
لكنك مستعدٌ لقتلي برصاصة
إن تفوهت بكلمة واحدة ضدك
كيف يمكن لي أن اربح هذي الحرب
أطرقت طويلاً بعد أن فرغ من قراءاته، حتى أنه قال لي لينبهني "هذا ما أذكره منها"، لم أزد على أن قلت له "أنا قلق عليك يا صديقي"، أومأ برأسه الثقيل مؤيداً، وابتسم. لم تبد ابتسامته جريحة كما عهدتها، كانت قتيلة.
قبل أيام وردتني رسالة نصية عبر هاتفي من رقم دولي، جاء فيها:
"صديقي علي، أنا غسان، أكتب لك من بلجيكا، أنا أتنفس الآن!".
اتصلت به فقال "لقد وقعت الأوراق في يد أحد رجال الدين من ذوي النفوذ، وأصدر (فتواه) بهدر دمي، وشاء لطف الله أن يبلغني أحد أتباع (رجل الدين) بضرورة الخروج من العراق خلال يومين، ويبدو أن هذه المدة (عطوة) كما يسميها العراقيون، للسماح للـ(مذنب) بالفرار، وإلصاق الجريمة به (حصرياً).
لم أزد أن قلت له "أنا مطمئن عليك الآن".

-----------------------------------------------------
* رضي الله على من رضي من عباده، وليس لنا إلا أن نتجنب الإطراء توخياً للحياد.



#علي_غدير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- ليبيا.. وزارة الداخلية بحكومة حماد تشدد الرقابة على أغاني ال ...
- الجهاد الاسلامي: ننعى قادة القسام الشهداء ونؤكد ثباتنا معا ب ...
- المغرب: إحباط مخطط إرهابي لتنظيم -الدولة الإسلامية- استهدف - ...
- حركة الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة في الميدان اعطى دفعا قو ...
- الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة بالميدان اجبر العدو على التر ...
- أختري للعالم: هدف الصهاينة والأميركان إقصاء المقاومة الإسلام ...
- اسعدي أطفالك بكل جديد.. ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي 2025 ع ...
- شاهد: لحظة إطلاق سراح الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود وتسليمه ...
- تسليم الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يو ...
- تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي النايل سات وال ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علي غدير - وَإِذَا (الفِكرَةُ) سُئِلَتْ؛ بِأَيِّ (تَأويلٍ) قُتِلَتْ؟