عبد القادر مزوار ومصطفى امزيان
الحوار المتمدن-العدد: 4079 - 2013 / 5 / 1 - 02:13
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
لقد أثار مشروع القرار الذي كان من المفترض أن تتقدم به الولايات المتحدة الأمريكية لمجلس الأمن قصد توسيع صلاحيات بعثة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في أقاليمنا الصحراوية بالإضافة إلى مخيمات تندوف ردود أفعال دولية وإقليمية ووطنية تراوحت بين مؤيد للمشروع ورافض له ومتحفظ عليه.
فوطنيا وباستثناء موقف الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والموقف التقليدي للنهج الديمقراطي اللذان أيدا المشروع فإن غالبية القوى الفاعلين السياسيين رفضت المشروع واستنفرت قواها للتصدي له. وبعد سحب المشروع تراوحت التقييمات بين من اعتبر تراجع الولايات المتحدة عن مشروع قرارها نصرا للدبلوماسية المغربية ومن اعتبره نصرا للدبلوماسية الملكية وفشلا للحكومة ومن اعتبره محنة انتهت إلى نهاية سعيدة.
ويبدو أن معظم التحليلات التي واكبت هذه الأزمة ركزت على الأبعاد السياسية أو الحقوقية أو الأخلاقية للمشروع،فهناك من اعتبره اعتداء صارخ على السيادة المغربية ومحاولة لاستغلال ملف حقوق الإنسان لتشجيع القوى الانفصالية على التمرد وهذه المرة تحت حماية الأمم المتحدة أو بصفته مشروع جاء لحماية الحقوق المنتهكة من الطرفين في الأقاليم المغربية الجنوبية وتندوف وهناك من التحليلات من اعتمد المقاربة الأخلاقية فاعتبر القرار طعنا من الظهر ونكرانا للجميل ولقيم الوفاء والصداقة، ولم تفلح هذه التحليلات – ربما تحت ضغط الصدمة – في قراءة المشروع في ضوء التحولات الاستراتيجية التي عرفتها المنطقة والعالم بعد أحداث 11 شتنبر وأحداث ما يسمى " الربيع العربي ".
وعليه فما مضمون مشروع القرار الأمريكي؟ وماهي خلفياته وأبعاده السياسية والاستراتيجية؟ للإجابة عن هذه الأسئلة نقترح عنوانين:
1- مضمون وخلفيات مشروع القرار.
2- الأبعاد السياسية والاستراتيجية للمشروع.
أ)- مضمون مشروع القرار:
مسودة مشروع القرار الموزعة على أعضاء مجلس الأمن الدائمين وعلى أصدقاء الصحراء يدعو إلى توسيع اختصاصات البعثة الأممية المكلفة بمراقبة الاستفتاء ووقف إطلاق النار "المينورسو" لتشمل مراقبة حقوق الإنسان،حيث يشمل النص فقرة تتعلق بوضع حقوق الإنسان في المنطقة تحت المراقبة الدولية.وقد أعدت الولايات المتحدة الأمريكية هذا المشروع استعدادا لاجتماع مجلس الأمن نهاية شهر أبريل 2013 لمناقشة تجديد تفويض المينورسو.
في هذا المشروع أمر صريح بتغيير وظيفة المينورسو وليس بتوسيعها،من وظيفة تقنية إلى وظيفة سياسية لتحويلها إلى أداة في يد الولايات المتحدة الأمريكية، فالمدخل الحقوقي طالما شكل ضمن الممارسات الدولية للولايات المتحدة الأمريكية في العقود الأخيرة مدخلا لتجاوز سيادة الدول باسم سيادة حقوق الإنسان وبالتالي التدخل المباشر لحماية هذه الحقوق وهو ما تم في العراق مثلا في التسعينيات من القرن الماضي.
ب)- مشروع القرار في ضوء المتغيرات الدولية والإقليمية:
• المتغير الدولي:
عقب سقوط الاتحاد السوفياتي وانهيار جدار برلين والأوضاع العالمية التي ميزت الفترة بين 1987 و1989، برزت الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عالمية أحادية تتحكم في صناعة العلاقات الدولية بشكل منفرد. فطرحت في البداية مشروع الشرق الأوسط الكبير تحت عنوان إعادة ترسيم الخرائط السياسية للدول فغزت العراق واحتلته عام 2003. لكن هذا المشروع فشل بفضل المقاومة الشديدة من طرف محور الممانعة في المنطقة،بعد حرب 33 يوما، لتتراجع الولايات المتحدة عنه وتدعو إلى تأسيس شرق أوسط وشمال إفريقيا جديد يقوم على مرتكز أساسي وخطير عنوانه البارز هو فرض الصراع المذهبي والاثني كوسيلة أساسية لإضعاف دول هذه المنطقة وبالتالي البدء في رسم هندسة جديدة للنظام الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا معتمدة في نفس الوقت خطة بنون 1996 التي تهدف مساعدة القادة الفاسدين لإعادة هيكلة إفريقيا والعالم العربي وكذا خطة بايدن في تقسيم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
والمقصود بهذه الهندسة الجديدة هو فرض معادلة توازن قوى جديدة لصالح أطراف معينة ورسم خرائط وصراعات جديدة في الإقليم بما يحمي المصالح الأمريكية الإسرائيلية وبما ينسجم مع الاستراتيجية الأمريكية العالمية الجديدة المتجهة إلى نقل الصراع العالمي من أوربا والشرق الأوسط إلى الشرق الأدنى وشمال إفريقيا لمواجهة خطر بروز الصين بالإضافة إلى روسيا ومجموعة دول بريكس كقوى عالمية منافسة خاصة بعد التأثر الشديد لاقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية بسبب أزمة 2008 المالية، وكذا خطر احتمال تكوين محور عالمي جديد مناهض للسياسة الأمريكية الدولية وفي هذا السياق تنخرط التغييرات التكتيكية في السياسة الخارجية الأمريكية في عهد أوباما الذي اعتمد مقاربة القوة الناعمة بدل القوة الصلبة (الحرب الاستباقية...).
• المتغير الإقليمي:
اندلعت في الوطن العربي موجة من الحراك أو مايسمى بثورات الربيع العربي التي أسقطت عدة أنظمة سياسية وفرضت عدة تطورات إقليمية وعالمية. وانطلاقا من التداعيات المحتملة لهذه الموجة ،احتوت القوى العظمى هذا الحراك ووجهته وفق ما يخدم مصلحتها ومشروعها وذلك عبر التدخل المباشر لتغيير الأنظمة ورسم خرائط جديدة للمنطقة العربية على أساس إثني أو مذهبي أو لغوي وتكوين دويلات ضعيفة تابعة، وفي هذا الإطار تندرج خرائط تقسيم العالم العربي أو خريطة "برنارد لويس" التي تبنتها وزارة الدفاع الأمريكي.
وفي خضم الفوضى التي تعرفها منطقة الساحل وجنوب الصحراء خاصة بعد انهيار الدولة في الصومال وانهيار النظام في ليبيا وفشل الدولة في مالي، انتشر تنظيم القاعدة في المنطقة وأصبحت بذلك المنطقة غير مستقرة وبهذا نقرأ الرفض القاطع لكل من فرنسا وإسبانيا لمشروع الولايات المتحدة الأمريكية لأنهما يعتبران منطقة الصحراء الغربية أكثر استقرارا في وقت تتزايد فيه المخاطر الأمنية في منطقة الساحل والصحراء.أصبح خطر السلفية الجهادية يهدد جيواستراتيجيا المصالح الروسية في الجزائر والأوربية في الضفة الجنوبية من الحوض الأبيض المتوسط، وهذا ما يفسر الانقسام الحاد في صفوف أصدقاء الصحراء حيث وجدت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها معزولة في مواجهة روسيا وفرنسا وبريطانيا وإسبانيا ونظهر للرأي العام الدولي على أنها مصدر التوترات الدولية..
ج)- أبعاد مشروع القرار:
* الأبعاد السياسية:
يهدف مشروع القرار الأمريكي إلى توظيف ورقة حقوق الإنسان الديموقراطية لتشجيع الحركة الانفصالية "البوليزاريو" على التمرد، وتغيير ميزان القوى السياسي لصالحها حتى يسهل إقامة دويلة قزمية على أساس إثني تابعة وفي المقابل إضعاف الدولة المغربية.
• الأبعاد الاستراتيجية:
في هذا الصدد نسجل الأبعاد الآتية :
- تنافس بين القوى الكبرى على التواجد بإفريقيا وخاصة بمناطق كانت تعتبر تقليديا مناطق نفوذ فرنسية أو إسبانية أو روسية وسوق لاقتصاديات هذه الدول.
- تناقض بين المصالح الأوربية التي تعتبر جنوب حوض البحر الأبيض المتوسط مجالا حيويا لها وأمنا قوميا واستراتيجيا، وأن أي اختلال في هذه المعادلة الأمنية بالمنطقة يهدد مصالحا الاستراتيجية وتواجدها.
- إقامة كيان فاشل وليس له قابلية للحياة يهدد بالفوضى وبالتالي يتيح لتنظيم القاعدة الناشطة في الجنوب بالتجذر في المنطقة والاطلال على منفذ المحيط الأطلسي.
خلاصة القول:
إن تراجع الولايات المتحدة الأمريكية عن مشروع قرارها الرامي إلى جعل مراقبة حقوق الإنسان ضمن اختصاصات المينورسو وقبول التعديل التوافقي الذي مفاده التنصيص على " تشجيع الأطراف المعنية على أن يواصل كل منها جهوده الرامية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان في الصحراء الغربية...ومخيمات تندوف.." لا يمكن أن يفهم إلا في ضوء المتغيرات الآنفة الذكر وفي ضوء التناقض الحاد بين المصالح الاستراتيجية للقوى العظمى المتنافسة على المنطقة.وليس كما يحاول بعض الإعلام وخاصة الرسمي منه أن يوهمنا بأنه انتصار للدبلوماسية المغربية المعطوبة والتي لا زالت أسيرة مفاهيم ومنظورات متجاوزة في العصر الحالي وأن الرهان على الموقف الأمريكي التقليدي الذي ارتبط بالصراع بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي رهان يؤشر على إفلاس العقل الاستراتيجي الدبلوماسي المغربي الذي يضع بيضه في سلة واحدة،ذلك أن الولايات الأمريكية اختزلت سياستها الخارجية في عبارة " كيسنجر " ( ليس لدينا أعداء دائمون وليس لدينا أصدقاء دائمون ولكن لدينا مصالح دائمة..). ويبدو أن المغرب لم يقرأ جيدا المتغيرات الإقليمية والدولية ( أحداث 11 شتنبر ، الربيع العربي...)ومازال ملف الصحراء القضية الأولى للبلاد ملف مجال محفوظ يلفه الكثير من الغموض إن على مستو صياغة القرار أو على مستوى أوراق تسويقه داخليا وخارجيا.
#عبد_القادر_مزوار_ومصطفى_امزيان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟