|
البديل المطرقة
رضا كارم
باحث
الحوار المتمدن-العدد: 4078 - 2013 / 4 / 30 - 16:18
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
و غدا الأول من ماي. اصطحبني "أبي " الى مغازات كثيرة، لأوفر لي أدوات الاحتفال بالعيد الجديد. تبادلنا الحديث قبل تبادل النقد و قبل إعلان الخصام...و عدنا متفرقين إلى بيت واحد من غرفة يتيمة...مازال أبي يبحث عن غنيمة جديدة بعد غزوة أخرى، مازال يسبي نساء الخاسرين و يركبهن دون خجل. و ظللت مصرا على رفض خيانة أمي الراحلة. ماتزال تلك الحنون أحق بابي ذاك. لكنه في غفلة من وعيه و بأسه، يركب السهل و يركن إليه. "لا تشتر ورقا أو قماشا لتكتب عليه شعارك الفارس". صحت غاضبا ...لكنه واصل الهروب... أبي رافضا النظر الى داخله، حاجبا عن عقله الحقيقة ، صادا الضياء عن التسلل إلى ظلمة قلبه و عتمة روحه...لا شيء يجعل هذا الكائن اليائس يفهم. نبت على ضميره تكلس الذات المعلاة حتى التعالي. يستطيع أن يؤسس حماقة الفعل و رداءة السلوك ، أن يناقض كل تصوراته ، و أن يكون هوًا و آخر ، مسلكا و ضديده. بتنا ليلتنا على تنافر، و أفقنا باكرا كل لدور يؤديه. مسرح الفرح يرتدي ابتسامة مهرج، يمتطي بعيرا يبول و يمضي لا يلوي على شيء...شعارات الآباء ، شعار أبي ، شغل و حرية و كرامة، تعالت صيحات الجموع. تبادلوا أصناف التعيير ، تكفير مقابل تخوين، و مسرح العرائس التأسيسي يشهد عليهما. اللحية المهذبة و اللحية المرسلة ، القميص و العلم الأسود، و الأحمر يغرد يرفضه، و يغني إمام ، يرميه على السواد فيزداد اسودادا. أبي يتسلق شعاره، يعلوه و يطربهم: يا حشاد يا حشاد...يرددون بعنف و إيمان صلاة حشاد. يتلون أدعية المهمشين، يدورون بالشارع الكبير، يعودون للتخوين، يرجمون مسرح الفرح بحجارة الغضب، و بعض العرق المتناثر...و حمامة زرقاء على علم أبيض ، تتأبط نصوصا تتقاطر كراهية و حقدًا و موتا قادما بعد تكفير ملحّ. منتصف النهار، و العرق يغزو الجبهة حتى أخمص قدميها، و الملح يعلو محيا جبهة طبع عليها دليل التقوى. منتصف النهار و الصيحات تغطي الصيحات، و المسرح البلدي يكاد ينفجر نشازا، و الممثلون يكررون فقرة السباب ، قبل المغادرة... الشعب يريد و شعب آخر يريد.و لا أحد استمع الى الشعب. يزورونه خفية يرمونه اكياسا متعددة الاستعمالات، بعضها يصلح لجمع الفضلات، و بعضها يحتوي مقرونة و دقيقا و وعدا انتخابيا...كل الجمعيات التي تدعي الخيرية، تبيع نفس المنتوج الخادع. و أبي يرفع شعاره أيضا. ينام شعبا يفيق شعبا يسكر شعبا و يصحو شعبا ، و لم يزر الشعب يوما و مازال يصر على الشعب... موعد الانتخاب،و موعد صناعة موكبه و زينة قافلته و رمي الأكياس على الشعب و إشباعه أدباشا مستعملة و وعودا... موعد الانتخاب، و موعد في التلفزة. الصرخة تتلو الصرخة، الدواخل مهمشة و حتى السواحل، الفقراء مهمشون و حتى الأغنياء. الشرطة تقمع المتظاهرين و الشرطة مظلوم أبوها. هذا و ذاك، خليط الأضداد، و نهم على التموقع السلطوي. و أبي ينتقل كفراشة بريئة بين أزهار مسمومة. يمتص كل الرحيق و يرتوي لينتحر. يمر الانتخاب، و أبي مهزوما و مأزوما، ينتصر المهيؤون للنصر ، و التلفزة من أجل مسرح التراجيديا تستضيف أبي ، فيعزف موسيقى الشعب المفقر، و الشعب المغدور باسم الدين، و الشعب المهمش إعلاميا، و المقصي وجوديا...قبل أن يسحب التلفزيوني ميكروفونا يئن من صراخ أبي، و ينهي الحصة على موعد جديد مع حكايات " أبي و الشعب". غدا الأول من ماي، موعد جديد تصوره التلفزة، صورة أبي رافعا شعار النصر، متأبطا عشيقته و بعض الشواذ سياسيا، و خلفه لافتات التأريخ لزعامته. الأول من ماي و شيكاغو الكادحة حافية من عيش كريم، تفرض 8ساعات عملا . و ماينا في يومه الأول، كادحون في بيوتهم و خطابات الآباء حول موعد انتخابهم ، يعود ليملأ الشارع الكبير صخبا و سخرية. ماي في يومه الأول و المكناسي تدلّ على الطريق، و أبي يشدّ الرحال الى شعاره القديم، و موكبه المتجدد، و موعده السنوي مع خطاب الضرورة. هل تستطيع المكناسي أن تنتقل الى العاصمة "احتفالا" بعيد العمال، أو حتى إحياء لذكرى شهداء القضية العمالية و الحرب الطبقية؟ هل تعي المكناسي قيمة 1ماي؟ بل أ ليس للمكناسي أيامها و مقاومتها؟ و إلا كيف انسحبت اللعينة فرنسا؟ أو كيف خاف النظام فانقلب على ممثليه التقليديين و عين بعض القردة ليلة 14جانفي؟ لماذا لا يكون 1 ماي مكناسيا؟ أي ثوريا بين الناس، متواصلا مع تاريخه النضالي الكبير، ممتدا جغرافيا بمساحة الإنسان و مساحة المقاومين. أبي مازال يرفع شعارا جميلا، و الشعب مازال يجوع و يختار الأوضح الذي كان على مر التاريخ أقوى و أغنى. المرتبطون بالاستعمار سيفوزون مرة بعد مرة بانتخابات ينظمونها وفق شروطهم و أجنداتهم. الشعب مازال يصر على الذهاب الى الصناديق، و التلفزة التي أسسها الرأسمالي لا يمكن أن تحمله على غير الانتخاب.لا مكان للثورة و المقاومة هناك. الشعب يستحق أن يسمع و يعي. و أبي فاقدا سمعه مغيبا عن الإدراك يعاقر آخر خطاب و يبلّل ثيابه مرة أخرى. لن نترك الميادين أيها الاستبداديون جميعا. قلة نحن، واحد اثنان خمسون، واحدا نحن جسد التغيير و سلاح الثورة. لا شيء يجعلنا نتراجع، نعلم عن معركتنا تفاصيل طويلة، و نعلم أننا صامدون اضطرارا و اختيارا. نصمد لنكون المقاومين الذين نريد، و نصمد ليكون الإنسان سيد الوجود. و المعركة مستمرة في قلوبنا و عقولنا و سواعدنا و مياديننا التي سرقتم. أبي و شعاره سيكونان أول ضحايانا ، و سيسقطان قريبا ، و سنتعب قبل أن نرسّخ البديل بالقوة الكامنة فينا، بالمطرقة و الفأس ، بالحجر و العقل ، بالقلم و الرصاص ، بالورقة و القنبلة. لن نلين . لن نتوقف . رضا كارم.
#رضا_كارم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الخبز ضد القمر
-
المطرقة النيتشوية
-
بمناسبة الثورة الكروية في بنزرت:شعب التكوير لا شعب التثوير
-
الصناديق تتحول إلى نعوش
-
الحقيقة-السيادة-التاريخ
-
شارع المُوازين و حرب الدلالات: تاريخ موضوعي للمقاومة
-
البغل و المقاومة
-
أبناء الخديعة
-
جزء من ذاكرة الثورة
المزيد.....
-
السوداني يوجه بحسم التحقيق: مخالفات سلف المتقاعدين وتزوير مع
...
-
فرنسا: بايرو يلجأ للمادة 49.3 من الدستور لتمرير مشروع قانوني
...
-
لسلبه -الحق- فيه.. نقابات مغربية ترفض مشروع قانون الإضراب
-
المغرب.. معدل البطالة يرتفع إلى 13.3% في 2024
-
في اجتماع إطارات القطاع الخاص بالمهدية : استعداد للنضال وال
...
-
في “هبيرا كونفكشن” التابعة لانديتاكس : زيارة ميدانية وتعزيز
...
-
كيف رد رئيس جنوب إفريقيا على ترامب بعد تهديده بقطع المساعدات
...
-
صـرف رواتب المتقاعدين في العراق بزيـادة 100 ألف دينار!! الما
...
-
شوفوا هتقبضوا امتى.. وزارة المالية تعلن عن موعد صرف مرتبات ش
...
-
وزارةة المالية توضح/ حقيقة زيادة رواتب المتقاعدين 100 ألف دي
...
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|