جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 4077 - 2013 / 4 / 29 - 16:04
المحور:
المجتمع المدني
لا أحد يعرف ما معنى أن يكون إنسانا إلا من جرب ذلك في نفسه وشعر بقيمته الحقيقية وهو يسمو بنفسه وبروحه إلى الآفاق العالية وكأنه في رحلة استشراق يكشف عن معاني الكون والوجود,والذين يعيشون في دول غير عربية إسلامية وحدهم من يعرف أو وحدهم من يشعر بكونه إنسان وماذا تعني له كلمة إنسان والاستثمار في الإنسان ليست لعبة أو مزحة أو هفوة أو طُرفة بل هي الأساس الأولي لبناء أي حضارة, فطالما استثمار الإنسان غائبٌ عن الدولة طالما الدولة تنتحر انتحارا عنيفا وقويا,فالمهارات والأفعال وترجمة الأقوال إلى أفعال على أرض الواقع كلها تقود أي دولة إلى النجاح وهذا موجود في إسرائيل وغير موجود في الدول العربية,فسر تخلفنا الكبير أننا كدول لا نولي اهتمامنا بالإنسان العصر التقني أي دور ونعتمد في حياتنا الغذائية على مصانع الغرب ونعتمد في أدواتنا الصناعية الكهربائية وما إلى غير ذلك أيضا إلى الغرب وبالتالي لا توجد عندنا لا مصانع ولا شركات قوية ولا مؤسسات تحكم وترسم وتخطط لنا ولكن هل تعلموا لماذا؟ أنا أقول لكم: لأن انتشار المصانع يؤدي إلى تشكيل طبقة من العمال والمستخدمين وهؤلاء تنبثق عنهم جمعيات ونقابات ومؤسسات هي ما نسميه بمؤسسات المجتمع المدني الحديث التي ترعى حقوق الفرد والجماعة,وهذه منها تنبثق عملية تكوين الوعي عند الجماهير وتنطلق منها فكرة الأحزاب السياسية وحق كل مواطن للتعبير عن نفسه,يصاحب ذلك النمو الطبيعي للطبقة الاجتماعية الوسطى التي تساهم أو التي تلعب دورين أساسيين مهمين وهما أكل ثمار مؤسسات المجتمع المدني وأيضا بناء تلك المؤسسات فهي التي تبني وهي التي تجني ثمار البناء, والحياة الكلاسيكية عندنا لا تلاءم طبيعة بناء المجتمع العربي الحديث بل المجتمع القبلي العشائري الديني ورغم أن بعض الدول العربية تدعي أنها ديموقراطية فإنها أيضا على الرغم من ذلك نجدها دولا عشائرية,وفي الحقيقة لا يمكن أن نكون ديموغراطيين وعشائريين أو ديمو غراطيين وغير علمانيين فالديمغراطية أولا وأخيرا علمانية بحتة وغير عشائرية قبلية, فهذه مؤسسات قديمة ومهترئة ما زالت إلى اليوم تحكم فينا وترسم السياسات وتخطط لمستقبل جامد لا يتحرك, وهذا ما تريده أنظمة الحكم من أجل المحافظة على نفسها باعتبارها مؤسسات قديمة قدم الإنسان الأول عشائرية وغير علمانية وفوق كل ذلك فاسدة المدة وانتهت صلاحياتها منذ عقودٍ خلت,وأي عبث بهذه الأنظمة القديمة يهدد أمن القائمين عليها وبالتالي هؤلاء يحتلون في الدولة مراكز صنع القرار لذلك هم من يقمع الحياة العصرية ولا يردون استثمار الإنسان ولا في أي شيء.,لكي لا تتغير المعسكرات القديمة.
لا أحد يستهزئ بالإنسان كما يفعل الزعماء العرب, فهم لا يعرفون ما معنى الاستثمار بالإنسان كما يعرف ذلك الشعب اليهودي وأيضا ما تجلبه عملية الاستثمار في الإنسان من ناحية :الخلق والإبداع والمهارات الفردية والاستكشاف والقدرة على المغامرة بالعقل وبالجسم معا ودعم أصحاب المواهب وتنمية قدرات كل أفراد المجتمع ودعم الفاشل من خلال تعزيز الثقة في نفسه وهذه الأشياء كلها مجتمعة نجدها عند الشعب اليهودي أو عند دولة إسرائيل التي تكشف لنا بصورة واضحة عن معنى نجاح الشعب اليهودي وعن المكانة العظمى التي وصل إليها اليهود وأخيرا سيفاجأ العرب بإسرائيل وهي تقف بقدمين ثابتتين فوق قمة الهرم.
إن سر نجاح الحكومات والدول والحضارات يرجع إلى القدرة على التسامح مع الجميع وإعطاء كل فرد في المجتمع حقه وحريته في التعبير عن نفسه وعن حقه بتشكيل المؤسسات والأحزاب والتيارات الفكرية المتعددة الاتجاهات,وثانيا(إرجاء الإشباع) وذلك لكي يدخر الفرد ما يدخره من أجل الإنفاق على نفسه وتطوير برامجه الثقافية أو التجارية,ويؤجل بشكل علني موضوع الإشباع إلى المستقبل لينال منه بعد أن يتقدم به العمر فيعمل ويجتهد الفرد وهو في قمة الشباب والعطاء وهذا بعكس ما يجري حولنا في الدول العربية حيث تقوم الدول العربية بتوزيع الشباب وهم في قمة العطاء على مراكز الرعاية الاجتماعية كوزارة الشئون الاجتماعية وصندوق المعونة الوطنية لكي لا يستفيد من مهاراته أحد ولا حتى هو نفسه وهنالك غرابة كبيرة إذ أنها تفتح المجال للعجزة الحقيقيين لكي يحاولوا الإبداع في خطوة خبيثة جدا وتافهة تفسر المرض النفسي الكبير الذي تعامي منه الدولة,فالدولة تعطي المعونة للإنسان وهو شاب وتمنعه من العمل وهو شاب في أي مكان ذلك أن شرط المعونة أن يثبت المتقدم لها أنه عاجز عن العمل,وبالتالي نحن أمام فئة من العجزة كلهم في أوج الشباب وقمة العطاء ,ولنلاحظ جميعنا أن الذين يستعجلون على إشباع روحهم وبطونهم كيف يفشلون اقتصاديا وفكريا واجتماعيا,وعلى العكس من ذلك تشير جميع الدراسات بأن نجاح اليهود عائدٌ بشكل مباشر إلى الاستثمار في الإنسان بدل إعلان الحرب عليه كما تفعل ذلك الدول العربية,ففي الدول العربية تسعى أجهزة الدولة وخصوصا المخابرات إلى ملاحقة المثقفين للقضاء عليهم وحرقهم دون أن يتركوا وراءهم أثرا يدل عليهم لتتضح بعد ذلك معالم الجريمة الكاملة التي ترتكبها كافة أجهزة المخابرات في كل الوطن العربي الكبير من المحيط إلى الخليج والجريمة الكبرى تكون عبارة عن نار كبيرة بدون دخان,فلا قيمة للإنسان ولا قيمة لمواهبه ولا معنى لوجوده ويتمتع المواطن العربي بقدرات هائلة على قمع بعضه البعض من خلال متابعة كافة الناجحين وإسقاطهم بتوجيه رسمي من أجهزتهم الأمنية.
إن الاستثمار في الإنسان ليست لعبة ورقية بل هي لعبة الحضارة فمتى كان الإنسان المبدع والمثقف قويا تكون الدولة قوية,وهنالك إشارة إلى أن جمهورية إسرائيل الديمقراطية تُسجل في كل عام أكثر من 300براءة اختراع عالمية بمقابل ذلك لا يسجل العرب إلا بول البعير وإرضاع الكبير ونكاح الوداع,وإطلاق الشائعات على المبدعين ورميهم بالجنون لكي يكونوا محرومين من المشاركة في بناء مؤسسات المجتمع المدنية الحديثة, فبناء مؤسسات المجتمع المدني الحديث تحتاج إلى الإنسان المثقف والمبدع ولأن مؤسسات المجتمع المدني الحديث تتعارض مع الأنظمة العشائرية القبلية والمعسكرات القديمة فإن الدول العربية تمرض وتهرم ويهدد مستقبلها وجود مثل تلك المؤسسات التي ينحصر دورها في بناء المجتمع المدني الحديث مثل: الجمعيات والنقابات والأحزاب السياسية,والمنتديات الثقافية وإصدار الكتب ونشر ثقافة حقوق الإنسان والتحريض على عدم المشاركة في صنع تلك المؤسسات وترجمتها على أرض الواقع.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟