محمود القبطان
الحوار المتمدن-العدد: 4077 - 2013 / 4 / 29 - 01:28
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
البصرة..ثغر العراق ..الحزين
منذ كنت في الدراسة الابتدائية وأنا أزور البصرة الجميلة السمحة التي تسع للجميع.كان أخي يأخذني في كل عطلة صيفية معه أليها حتى عندما كان أعزب ويسكن فندق ستار في بداية سوق المغايز.كنت اذهب معه الى مكان عمله في الميناء في المعقل,وتعرفت على محلة أم الدجاج في الخندق.سبحت في شط الخندق مرة واحدة.كان لنا أصدقاء في تلك المحلة,نلعب ونمرح,كنت قد تعرفت على اغلب أطفال المحلة لأنني بغدادي زائر.كانت والدتي تأتي في بعض الأحيان الى البصرة وتنزل ضيفة عند ألعائلة التي ربطتنا معها وشائج صداقة متينة لعقود.درست عاما كاملا في ثانوية المعقل وبقيت زائرا دائما للمحلة ذاتها. وتخرجت وعملت طبيبا في البصرة ولم أنسى المحلة الجميلة هناك.منذ الخمسينيات ومحلة أم الدجاج تمتاز بشوارعها المبلطة وأن كانت ضيقة لكن ليس للنفايات من مكان حيث كان "الزبال"يأتي بالموعد يوميا لرفع النفايات. كنت أمر من سوق المغايز الى الخندق مرورا بسوق الخضار ولم تكن الشوارع مزدحمة, والتنظيف فيها مستمر.كان سوق الخضّارة محاط بسور بسيط ولم يجرأ احد الى البيع من خارجه.
بعد طول الإقامة خارج الوطن تبدل كل شيء ربما لاسباب ما بعد الحروب,انتشار الفساد,اللا مبالات, عدم وجود قوانين تلزم بتوفير الخدمات...في المرة الأخيرة قررت أن أزور محلة أم الدجاج ,.مرورا بسوق المغايز إليها لأقارن بين ما كانت عليه المنطقة وما هي عليها الآن.أولا انتشر المتسولون ومد اليد من على الجسر بين سوق المغايز وسوق حنا الشيخ.العمارة العالية,ربما تتكون من خمسة طوابق كراج لوقوف السيارات تخلصا من الازدحامات,هكذا كانت الهدف منها,أغلقت أبوابها لأنها بنيت بشكل غير موفق لان يصعب الاستدارة فيها نزولا أو صعودا.كيف ومن خطط لهذه البناية وكم من الأموال هدرت فيها؟بمناسبة موقف السيارات يبنى الآن بناء يتكون من طابقين في مستشفى الميناء لموظفي المستشفى والكثيرين يتخوفون من حدوث نفس الخطأ ,كما في عمارة العشار.في مدخل سوق المعايز وعلى يساره كان فندق ستار قد اختفى ويوجد في مكانه مطعم.تحول شارع السوق الى مكان لبيع البضائع.سابقا في الخمسينيات والى ما قبل انتهاء الفترة السبعينية من القرن الماضي كان بائعي السكاير"روثمن"وباقي السلع المهربة يقفون على جانب من السوق مرة للبيع ومرة لسرقة نظرة من جميلة عابرة.في منتصف السوق كان بائع البهارات الهندي.كل هذا اختفى وتحول الى بيع الأحذية والملابس في منتصف الطريق شمالا يذهب المرأ الى سوق الصياغ والأطباء ومن ثم سوق الخضّارة والذي تغير تغيرا جذريا,السوق الرئيسي أغلق وتحولت المحلات وبائعي ألطرشي والخضار الى الشارع وتحول الى مزبلة كل يبعد القمامة عن مكانه وليس هناك من يراقب.تسوقت بعض الأشياء متعمدا لأسأل بائع الكرزات عن السوق الأصلي للخضّارة فقال:عمي ياسوگ,مابقى شيئ من هذا,كل شيئ راح بوكته.عبرت السوق لاصل الى الخندق عبر جسور غُيرت بشكل ما قد تكون مقبولة لو اعتني بها ,لكنه أطواقها في البداية والنهاية أصبحت شبه مدمرة وليس عليها اية صيانة.دخلت الى "محلتي" العزيزة لاتذكر المرات الكثيرة التي مررت فيها ولعبت مع أطفال الحارة,ونمت في احدى بيوتها مرات ومرات وكأنه بيت أهلي.لقد مضى على آخر زيارة لهذا المحلة أكثر من أربعين عاما,ولكنى دخلت شوارعها وكأني لم افارقها أبدا.ماذا وجدت؟الروائح الكريهة من المجاري,أكوام القمامة في كل زاوية,المجاري العامة شبه معطلة,فتحت شوارع لم تكن موجودة من قبل بحيث يمكن المرور اليها من أكثر من منفذ حيث هدمت بعض الدور.وصلت الى البيت الذي كنت اتمنى أن اراه قائما.نجحت في ذلك نفس الواجهة,ولكن أهلها قد تركوه منذ فترة طويلة بين من ترك المحلة الى مكان آخر أو محافظة اخرى وبين متوفي.حزنت لما رأيته.في كل زاوية اكوام القمامة,لقد فتحت من بعض الدور دكاكين,بعض الدور القديمة مازالت كما هي.مازات الأزقة الصغيرة مبلطة وأغلب الظن نفس التبليط القديم ولم يطرأ عليه شيئ,مقارنة بالتبليط الجديد والذي لا يدوم بضعة أشهر لتبدأ الخفر في كل مكان.خرجت من الحي لامشي تحت شمس نيسان لاصل الى شارع دينار وتأتي الكية والسائق يؤشر بيده وخمسة أصابع حيث يدل خط سيره الى محلة خمسة ميل.
وصلت الى محلة خمسة ميل ومنه الى حي الأبلة والألم يعصر قلبي على الفوضى في السير ,الأتربة ,الغبار,النفايات,الانهر الصغيرة والتي تحولت الى مجاري البيوت البناء الغير منسق,البناء العشوائي مع يافطة:"الدار للبيع" .العوائل تشتري وتبيع بدون سندات طابو.شباب بعمر ال15 عام يسوقون السيارات وطبعا بدون اجازات سوق.ماذا يحدث لو حدث اصطدام ويجرح أو يموت راكبا أو عابرا لشارع؟ المجسرات لم تكتمل بعد,ومن المؤمل أن تقلل من حدة الأزدحامات ,لكن لماذا تركت الشوارع الكبيرة بدون تنظيف.سابقا كانت شركة تركية تقوم بتنظيف الشوارع,لكن فسخ عقدها ليبقى التنظيف بالفرشاة وعدة عمال يدفعون بالتراب حيث نصفه يتطاير للخلف وعلى الناس والنصف الباقي يحاول العامل أن يدخله في اقرب فتحة للمجاري.هل من الصعب على المحافظة أن تشتري بضعة سيارات للتنظيف وتقوم بأكثر من عملية مرة واحدة ؟هل بناء المدينة الرياضية كان أهم من إعمار البصرة وبناء العمارات السكنية ؟هل التسابق لمجلس المحافظة كان أهم من تنظيف الاحياء السكنية جميعا,إبتداء من العشار ومرورا بالخندق وشارع دينار والجنينة التي تشبه العصور الوسطى في عشوائيتها ووساختها,الى حي الأندلس والذي لا يمكن أن يشاهد "الزائر"شارعا واحدا يخلو من أتلال القمامة وأرصفة مدمرة بعد أن بدلت بلاطاتها بنوعية رديئة جدا مستوردة.أما مقر القيادة البحرية السابقة فقد تحولت بعد سقوط النظام الى بناء عشوائي تكثر فيه الأبقار والحمير والغنام والكلاب السائبة.ولفت انتباهي يافطة كبيرة وعريضة تحذر من الكلاب والحيوانات السائبة لانها تشوه منظر المدينة!!!
الحادثة التي يتكلم البصريون عنها في كل مكان هي إضراب طلبة كلية الهندسة عن الدوام بسبب قرار عميد الجامعة بمنع اقامة حفل تخرج للطلبة.طبيعي لان منظمات المجتمع المدني كانت مؤيدة للطلبة فقد سحبت كل هذه"القلاقل"على حزب معين,وليس غر يبا في هذا لان الحملة الانتخابية كانت على أوجها.
عرضت على الفضئيات بعض احتجاجات الطلبة هناك والأمر المضحك والمحزن أن يتعمد عميد الكلية الى قطع الأشجار لمنع الطلبة الجلوس من الجنسين حتى لا يختلوا بأنفسهم تحت ظل الأشجار والانكى من هذا هو وجود يافطة كتب عليها:ازرع ولا تقطع!!والسؤال هل سوف يذهب العميد المتأسلم ليراقب الطلبة حتى في الباصات والشوارع الفرعية ويمنع اللقاءات ؟وما يدور في راسي هو سؤال بسيط ألا وهو:أين كان العميد الدكتور قبل السقوط؟هل كان في اوروبا؟اذا كان هناك ورجع للوطن لخدمته فأنه يعلم من يقطع شجرة يحاسبه القانون.وإذا كان في العراق فأنه كان يلبس الزيتوني على أغلب الظن وشهادة الدكتوراه اخذها بسبب انتمائه الى حزب الدولة وعلى أغلب الظن,ولو لكل قاعدة شواذ,و بعد قطع الشجر يريد أن يمنع اللقاء بين الطلبة فأمر بغلق النادي.لكنه لم يعلن أمره "الاسلا-سياسي,بعزل الطالبات عن الطلاب الى الآن في القاعات الدراسية حيث اصدر وزيره تعليمات بتأسيس جامعة خاصة للبنات حفاظا على التقاليد والشرف والغيرة والعلم بنفس الوقت حتى لا يشغل الطلبة اوقاتهم بأمور تافهة وانما فقط في العلم وللعلم.لكن لماذا لم يعزلوا الفاسدين وسراق المال العام في سجن خاص ليقضوا بقية حياتهم بدون شجر وتحت الشمس وبدون نادي للراحة ؟
وأخيرا ,عودة سريعة للانتخابات.فالجهل والتجهيل منتشر بشكل يفوق التصور لابل حتى بين المتعلمين تعليما جامعيا.سألت سيدة مهندسة لمن سوف تصوتين؟قالت وبهدوء لا أعلم,لكن للمحافظ.قلت ماذا قدم السيد المحافظ وانت تعيشين المنطقة التي جزعت منها لقذارتها والاهمال التي تعاني منها؟قالت لمن اعطي صوتي؟قلت هل اطلعت على برامج الآخرين,مهما تكن القائمة؟قالت:طبعا لا!وطبيبة تقول :هي مو ديمقراطية..قلت نعم.قالت:دعوني انتخب لاول مرة كتلة المالكي.قلت لها هل اطلعت على برنامج هذه الكتلة.قالت طبعا لا.الصور واللافتات وبرامج الفضئيات "الخاصة" لعبت دورا كبيرا في سحب اصوات الكثيرين مما يجهلون ماذا يدور في المحافظة أو البلد.طبيب صديق وعزيز كان قد صمم انتخاب ما تمنيت منه ,لكنه قال انظر ماذا يعمل المحافظ من تبليط الشوارع؟قلت فقط رأيت الشارع الذي فيه بيتك العامر وربما شوارع اخرى لكن هل بلطت الشارع حيث عيادتك وما حولها من منطقة واسعة؟ام هذا فقط للدعاية الانتخابية؟التقيت بعض العوائل وتحريت عن نيتها بالانتخابات والجميع كانوا في وضع سلبي لانهم لا يريدون الذهاب الى صناديق الانتخابات,لكن في الآخير توصلت الى اقناع كل من ذكرتهم مع عوائلهم وآخرين كثر لانتخاب الانزه والافضل,وهذا كل ما حققته في فترة تواجدي في المدينة.
كنت قد عشقت البصرة منذ طفولتي,وردست فيها في الثانوية عاما واحدا وعملت فيها اكثر من عام بقليل واقترنت من اهلها وزاد عشقي لها وسوف ابقى وفيا لها وانتقلت اليها.
كانت البصرة تسمى ثغر العراق الباسم لكنها ألآن حزينة مهملة بالرغم من ثراواتها وموقعها ,شارع الوطني قد تبدل,الغناء فيها غير مرخص , كل الممنوعات "الشرعية"فيها,الفقر والجهل والدجل والفساد والبطالة في انتشار كبير.لابد وأن يأتي الفجر يوما ما وربما قريبا وتستعيد البصرة اسمها الجميل ثغر العراق الباسم من جديد.
د.محمود القبطان
20130428
#محمود_القبطان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟