أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ماجد العلوش - المشروع الإسلامي بين مطرقة الموروث وسندان الاندماج / قراءة نقدية















المزيد.....



المشروع الإسلامي بين مطرقة الموروث وسندان الاندماج / قراءة نقدية


ماجد العلوش

الحوار المتمدن-العدد: 1171 - 2005 / 4 / 18 - 09:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بادىء ذي بدء نقول اننا هنا لسنا في وارد المدح والتطبيل ولا الشتم ايضا وليس لنا موقف مسبق من احد من الفصائل السياسية في سورية- ايا كانت منطلقاتها الفكرية - ولكننا ايضا قرانا المشروع – وسنقرأ كل المشاريع الاخر التي ستطرح على الساحة السياسية السورية - بحذر شديد 0 سنقرؤها بعين الناقد الذي خبر ماآلت اليه الكثير من العبارات والشعارات الجميلة التي طرحت سابقا وكيف استخدمت لا حقا سيفا قطعت به رقاب الكثيرين من ابناء سورية ( والعرب ) 0 سنقرؤها وتجربة عقود في اذهاننا 0
ايضا لابد من لفت النظر الى حل قدمته الجماعة لمشكلة طالما عانينا منها ( مشكلة من يمثل الاسلام ؟ واين هو الاسلام الصحيح ؟ ) فقدمت الجماعة نفسها لا بوصفها (جماعة المسلمين , ولا اوصياء على الناس باسم الاسلام – المدخل ) وانما ( اصحاب مشروع نعرضه على الناس .... نتقدم بوصفنا شريحة من شرائح المجتمع السوري..- المدخل ) وهو فعل حسن ولا شك 0
يقع " المشروع " ( النسخة التي وصلت الينا ) في مئة وثمان وثلاثين صفحة من القطع الكبير وهو مشروع ضخم تفصيلي اكثر مما ينبغي واشبه بالبيان الوزاري منه بالبرنامج الحزبي ولهذه الاطالة في راينا ثلاث اسباب:
*1- فهي – الاطالة – رسالة ( تأكيد ثقة ) الى القوى السياسية في سورية والتي بقيت – مثلها مثل معظم القوى العربية – تشكك بمصداقية التوجه الديمقراطي لدى قوى " الاسلام السياسي " , فالسائد عن هذه " القوى " انها تستخدم الديمقراطية ( سلما ) تصعد عليه ثم ترفسه كي لا يصعد عليه احد من بعدها فجاء " المشروع " مليء بالشواهد النصية والتي تستخدم عادة في البحث النظري وليس في البرامج لتؤكد أصالة التوجه ومشروعيته معا
*2 - رسالة الى " الإخوة الخصوم " أي قوى " الاسلام السياسي " الاخر وهذا يبدو واضحا في الحرص على إظهار آراء ايجابية لإسلاميين معروفين وأيضا في قول " المشروع " : ( ونحن بصدد إخراج كتاب تأصيلي للقضايا المعاصرة المطروحة في المشروع 0 يخص كل من يبحث عن المرجعية الشرعية للأفكار الواردة فيه – المدخل )
*3- الاطالة سمحت بتمييع الحدود بين المفاهيم وتداخل الافكار مما يعني افتقاد " المشروع " الى الدقة النظرية وهي امر اكثر من هام في هكذا حالات
أولا- تأكيد الثقة:
حرص " المشروع " - فيما فهمنا - على توجيه رسالة " تأكيد الثقة " الى كل القوى السياسية والاجتماعية والثقافية في سورية من خلال:
# 1 – الاستناد الى نصوص " قرآنية " و " حديثية " و " سلوكية / تاريخية " وهو ما يوحي بصلابة الموقف النظري واستمرارية الممارسة عبر التاريخ أي إن الموقف ليس طارىء اقتضته الضرورة بل استمرار لمسار تاريخي وهو ما نعتقد إن " الجماعة " أخطأت الوسيلة, فالتاريخ ليس في صالحها والشواهد المضادة - اذا كانت المسألة ( حرب شواهد ) - اكثر من آن تحصى 0
تاريخ الحكم الإسلامي لا يبعث على الاطمئنان 0بل على العكس يثير الريبة والذعر 0 يكفي آن نقول هنا: إن هذا التاريخ ابتدأ بحاكم يحمل لقب " السفاح " (أبو العباس ) وانتهى بحاكم يحمل اللقب نفسه ( جمال باشا ) والتبرير السائد: إن هذه الممارسات الدموية ارتكبها حكام, فاقد لأي معنى, أو قيمة, فمن ترى كان له آن يرتكبها ؟ وهؤلاء لم يتعرضوا الى الإدانة من قبل فقهاء المسلمين بل على العكس من ذلك فبعضهم يذكر اسمه بالكثير من التقدير كي لا نقول ( التقديس ) وهل يكفي آن نذكر " هارون " الإمبراطور الذي اشتهر باسم "الرشيد " والمجازر التي ارتكبها تحت يافطة " محاربة الزندقة " ؟ و " هارون " هذا ليس استثناء بل انه: القاعدة, والاستطالات اللاحقة للنظام السياسي الإسلامي من " آل سعود " وحتى " ابن لادن " مع ملحقاتها ( الإيرانية والسودانية والجزائرية ) لا توحي بان الخير يمكن آن يلوح يوما في الأفق 0انطلاقا من ذاك الإرث 0 كما آن اؤلئك الحكام استندوا الى " فتاوى " شكلت في مجموعها جزء مهما من الفقه السياسي الإسلامي 0
# 2 – التذكير بالماضي السياسي" للجماعة" ومشاركتها الفاعلة في التاريخ السياسي المعاصر لسورية جنبا الى جنب مع القوى السياسية والثقافية الأخرى وإظهار الآراء السياسية (الايجابية ) " للجماعة " في حينها كدليل على أصالة التفكير الديمقراطي لديها 0
يقول " المشروع " : ( منذ تأسيسها عام 1945 كانت الجماعة وعبر مسيرتها وتاريخها فصيلا وطنيا يمثل تيارا شعبيا تعا يش مع كل الفصائل السياسية في سورية سواء من وافقها او خالفها وهي لا تقر اسلوب العنف , وما حصل في الثمانينات من مواجهة مسلحة كانت حالة استثنائية في تاريخ الاخوان ) الفصل الثاني – فقرة 10 - ويقول في موضع اخر ان " السباعي " تقدم بطلب اضافة مادة الى الدستور السوري ( 123 1950 ) تقول : ( المواطنون متساوون في الحقوق لايحال بين مواطن وبين الوصول الى اعلى مناصب الدولة بسبب الدين او الجنس , او اللغة - الفصل الثالث / ثانيا ) 0
#3 - حاولت " الجماعة " تبرير ماحدث في الثمانينات باعتباره ( رد فعل ) : ( ان الدولة القمعية لا تنتج الا معارضة قمعية عنيفة , فقد افرز عنف الدولة هذا عنفا مقابلا عند المعارضين ... الفصل الثاني / الفقرة العاشرة ) , واذا كنا نوافق على المبدأ في عموميته فاننا نسجل هنا تحفظنا اذ ان العنف المقابل لعنف السلطة يفترض ان يكون عنفا سلوكيا لا يؤصل له نظريا وهذا عكس ما حدث في الفترة المشؤومة 0
# 4 - مع حنيننا لتلك الفترة التي يتحدث عنها " المشروع " / وهي على أي حال لا نعرفها الا من خلال الروايات الشفهية وبعض الوثائق / فان الفترة المذكورة ( فترة الحكم البرلماني ) ليست مقياسا لا بالنسبة " للجماعة " ولا بالنسبة لاي فصيل سياسي سوري اخر فـ " الحزب الحاكم " نفسه يستطيع ان يقدم وثائق مماثلة تؤكد ان " الديمقراطية " الاصل في سلوكه ومعتقده السياسي كما يستطيع ان يبرر انقلابه على " الديمقراطية " بالكثير من الوقائع الصحيحة (بوصفها وقائعا ) 0
اذا كنا هنا لسنا في وارد الدراسة التقيمية لتلك المرحلة فاننا نقول - وعلى عجل - ان تلك المرحلة لم تكن تعبيرا عن صعود "الفكر الديمقراطي " لدى كافة القوى / بما فيها الجماعة / بقدر ما كانت تعبيرا عن توازنات اجتماعية واشتراطات تاريخية ( الحالة نشات كشكل للمقاومة السرية ضد العثمانيين واستمرت في ظل الاحتلال الفرنسي ) وجميع القوى غلبت " السياسي " على "الثقافي " ومن هنا بقيت قوى نخبوية تفتقد الحامل الاجتماعي والرؤية النظرية معا مما سهل انهيارها عند اول ضربة تتلقاها العام 1958 0
ثانيا - رسالة الى الاخوة الخصوم
ان ما يبرر / او يفسر / الاطالة في المشروع هو توقع واضعي المشروع لردة الفعل العنيفة /على الارجح / من قوى" الاسلام السياسي" الاخرى وهو ما يؤكد ماذهبنا اليه في الفقرة الاولى من ان " حرب الشواهد " ليست في جانب أي قراءة غير تقليدية للفقه الموروث 0
باعتقادنا ان الجماعة عندما ارتكزت الى " الموروث الثقافي " اخطأت الوسيلة ايضا فاذا كانت رسالتها الى " الاخر " يمكن ان تجرها الى " حرب شواهد " فان رسالتها الى " الاخوة الخصوم " ستجرها الى " حرب نصوص " وهذه ستكون اكثر ضراوة بالتاكيد والصمود فيها مستحيل , والهزيمة مؤكدة 0 ان الحرب الاولى ستخضع لمنطق " الصح " و " الخطأ " اما الحرب الثانية فالحكم ( بفتح الحاء ) فيها " الايمان " والخاسر فيها يخرج من الملة الى ( جهنم وبئس المصير ) وهي نهاية لن يرضاها بالتاكيد أي من الطرفين
المشكلة – هنا – لا تتعلق بالاسلام نفسه بقدر ما تتعلق بـ " التاريخ السياسي " لامبراطورية حكمت لمئات السنين ( من منتصف القرن الثامن الى عشرينات القرن العشرين ) بشكل متواصل واستنادا الى" الدين الاسلامي " بوصفه " الملاط " اللازم والضروري لتجميع شعوب الامبراطورية 0اضافة الى نقطة البدء التاريخي التي وحدت الشخصية الدينية والسياسية في الاسلام منذ ظهوره في شخص واحد : ( النبي ) 0
ان الفترة الاولى الممتدة من 622 م الى منتصف القرن الثامن / مع الاحتفاظ بكل التباينات بين المراحل المختلفة للفترة المذكورة / لم تعتمد " الاسلام " وسيلة للحكم بقدر ما هو" عقيدة " للناس 0 بالتاكيد هذا لاينفي صفة الاسلام عن الحاكمين في تلك الفترة ولا عن تحكيمه في المسائل العامة , ولكن الموضوعية السياسية هي القاعدة الاساسية في الحكم , والمؤسسة الدينية المتحالفة مع السلطة من موقع التبعية والاستزلام لم تكن قد ظهرت بعد 0 وتبدوا هنا حادثة دخول " النبي " الى " مكة " والتي فسرت عبر التاريخ الاسلامي بشكل سطحي جدا باعتبارها دليلا على سمو اخلاق " النبي " مما طمس الجانب السياسي فيها / وهو الاهم / دليل مهم على مانقول 0اضافة الى مايمكن قوله من ان الدولة كانت حتى منتصف القرن الثامن الميلادي اقرب الى التحالف العشائري منها الى الدولة بالصيغة السياسية 0
تصر " الجماعة على ان ( منهجية الاسلام لم تربط المسلمين قط بغير الكتاب والسنة - المدخل ) و ( ان الشريعة الاسلامية في مصدريها الخالدين : الكتاب والسنة هي مصدر رؤيتنا لصياغة مشروع حضاري – المدخل ) ونصوص اخرى كثيرة مشابهة 0 هي ما سيجر " الجماعة " الى " حرب النصوص " وقد فات واضعي " المشروع :
* 1 – العلاقة التاريخية بين الجانب السياسي/ والديني / والفقهي / التي قامت بين الاسلام والوضعية التاريخية المحددة والتي صبغت السياسي المرحلي بالطابع العقائدي الأبدي وهذه الصبغة شكلت " ألذات " بوصفها نقيض " الاخر " وجوديا ومعرفيا , (0 تؤكد الجماعة هذا التناقض في البند الاول من فقرة المشروع الوطني وتحدي العولمة , ب4 فص2 ) أو تقع فوقه, وحددت العلاقة معه ضمن احدى حالتين: أما قبوله بصيغة التبعية ( ذمي أو مماثل في القبلة ) أو عدو العلاقة معه علاقة حرب لا تنتهي إلا بإزالته من الوجود ( الصراع الإمبراطوري العباسي – العثماني / البيزنطي ) , وانعكاسه الفقهي : ( دار الإسلام ودار الحرب ) 0
* 2 – إن " المؤسسة الدينية " التي ترافق ظهورها مع بداية المرحلة الإمبراطورية ( مع اننا قد نلحظ لها اشكالا جنينية سابقة ) خلقت وطورت مفاهيم سياسية أصلا وأعطتها الطابع الديني وأوصلت أي محاولة لنقضها أو تعريتها إلى " الكفر " ووفرت وسائل الحماية السلطوية والمعنوية لها وهذه المفاهيم شكلت مع الزمن قواعد أساسية في الفقه السياسي الإسلامي بل وكونت البنية الاساسية لهذه الفقه وأصبح الخروج عليها خروجا على الملة في تصور العامة من المسلمين والخاصة الثقافية 0واندفعت هذه المؤسسة اكثر حين تمكنت من تأسيس " جامعات " تولت تخريج رجال الدين وكبار الموظفين معا من الموالين لها فكريا فسيطرت عبرهم على الدين والدنيا على حد سواء 0 ( تأسيس المدارس النظامية في القرن 11/ م/ ثم نماذجها المشابهة في الإمارات المستقلة كالأزهر مثلا ) 0
# أول هذه المفاهيم تتعلق بوسائل الوصول الى السلطة اذ أقرت ثلاث وسائل كلها مشروعة ( الشورى, والوصية, والغلبة / أي الانقلاب العسكري ) مما اكسب السلاطين والمغامرين المشروعية وجاء التاريخ الواقعي باعتبار أن الشكل الاخير ( الغلبة ) هو السائد واقعيا لدفن أي إمكانية مستقبلية للخروج عليه 0 لقد اكتسب المشروعية بفعل التأصيل النظري والممارسة الواقعية, فبدا شكلا شبه وحيد في نظر العامة مما أعاق أي محاولة لتعميم الفكر الديمقراطي انطلاقا من رؤية دينية
# ثاني هذه المفاهيم هو مفهوم " النسخ " الذي ألغى واقعيا كل النصوص القرآنية التي ارتكز إليها واضعو " المشروع " 0 انها في الفقه الإسلامي معطلة / منسوخة بموجب اية " السيف " وهذا ما يجعل كل الجهود التي بذلت من اجل استخراجها وإعادة قراءتها قبض الريح 0
يروي " البخاري " في صحيحة وأهل السنن إن "النبي " قال : " اومرت أن اقاتل الناس حتى يشهدوا : ان لا اله الا الله , وان محمدا رسول الله ..." كما روى "سفيان بن عيينة " عن "علي بن ابي طالب ": ان النبي / ص / بعث ( بضم الباء ) باربعة ا سياف : سيف في المشركين .... والسيف الثاني هو قتال اهل الكتاب 0 هذه الاحاديث وكثير غيرها تروى في سياق شروحات اية " السيف " 0
قد يثير رأينا في هذا المفهوم اعتراض الكثيرين بوصفه ( المفهوم ) قاعدة في الفقه والتشريع وليس في التعامل مع الاخر فقط أي انه ( رأينا ) يمس الشعور الديني لدى الغالبية الغالبة من المسلمين لذا نجد انفسنا ملزمين – ادبيا - بالتوضيح 0
ليس هنا بالتاكيد مجال الدراسة الفقهية لهذا المفهوم ولكن ماذا يعني النسخ ؟ ببساطة انه يعني ان هناك نصوصا في القرآن معطلة , لا عمل لها ,’ منسوخة و هناك خلافات حول أي منها نسخ الاخر واي منها منسوخ اصلا 0هذه النصوص اغلبها يتعلق بالعلاقة بين المسلمين والاخر يقول " ابن كثير " في تفسيره ( ثم اختلف المفسرون في اية السيف هذه فقال الضحاك والسدي هي منسوخة بقوله تعالى " منا بعد او فداء " وقال قتادة بالعكس 0 – ابن كثير تفسير التوبة / اية 5 0 ويقول في موضع اخر : ثم ادعى بعض العلماء ان هذه الاية – محمد / اية 4 – بين مفاداة الاسير او المن عليه منسوخة بقوله تعالى " فاذا انسلخ الاشهر الحرم – توبة / اية 5 – رواه العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما وقال قتادة والضحاك وابن جريج وقال الاخرون وهم الاكثرون ليست منسوخة ثم قال بعضهم ان الامام مخير بين المن على الاسير ومفاداته فقط ولا يجوز قتله وقال اخرون منهم بل له ان يقتله ان شاء لحديث قتل النبي / ص / النضر بن الحارث وعقبة بن ابي معيط من اسارى بدر ..... وزاد الشافعي رحمة الله عليه فقال : الامام مخير بين قتله او المن عليه او مفاداته او استرقاقه ايضا – ابن كثير / تفسير سورة محمد اية 4 )0 اذا وجود هذه النصوص يتعلق بـ ( تاريخ القرآن ) وليس بـ ( احكام القرآن ) وحتى لو حذفت الان فهذا لايغير في الاحكام شيئا 0 ماذا يقول " القرآن " نفسه عن هكذا حال : " افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض وما جزاء من يفعل ذلك منكم الا خزي في الحياة الدنيا , ويوم القيامة يرد الى اشد العذاب – بقرة / 85 " لا اعتقد ان هنا ك خزي اكثر من ان ندفع تكاليف جيوش الاحتلال ؟!
# ثالث هذه المفاهيم هو مفهوم " الحديث النبوي " الذي هو كتلة كبيرة من الاقوال منسوبة الى" النبي " مكونة من" تفسيرات" مقتضبة لبعض النصوص القرآنية و "خلاصات "بلاغية للتراث العربي تتصل بالحكمة الشعبية و " ميثيلوجية " يغلب عليها الطابع اليهودي او العربي القديم0 هذه الكتلة شديدة التناقض بينها من جهة وبينها وبين النصوص القرانية من جهة اخرى 0 اكسبت ( بضم الهمزة وكسر السين ) عبر تفسيرات مزاجية قسرية لاشارات قرانية ( اطيعوا الله واطيعوا الرسول ) صفة القداسة المطلقة , واذا كانت تحتل نظريا المرتبة الثانية في سلم مصادر التشريع بعد " الكتاب " فانها عمليا تحتل المرتبة الاولى دون منازع ولا مجال لمراجعتها او التشكيك بصحة نسبها 0 لقد اصبح امرا بالغ الشيوع عند عامة و " خاصة " المسلمين ان تقول له في حوارك معه ان الله سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم "......" فيجيبك على الفور : عن " ابي هريرة " / رض / ان "النبي " /ص / قال : " ......."0 , واي محاولة منك للاعتراض فان تهمة الكفر جاهزة وعلى مقاسك الشخصي 0
فيما يتعلق بما يسمى " الحديث النبوي " يجب التفريق بين اجزاء ثلاث رئيسة مكونة له : الاول يتعلق بالعبادات والعقيدة وهو يخص الفقهاء واخر يتعلق بقيم اخلاقية , وهذا نفعه عام , اما الثالث , فهو المتعلق بالسياسة , والاجتماع وهو الذي نقصده بوصفه مفهوما سياسيا 0 ان هذا الجزء من " الحديث " يخص الامة بقضها وقضيضها , مسلمها , ومسيحيها , وملحدها 0 انهم فيه شركاء متساوو الحصص لانه يتعلق بحياة الامة نفسها ان لم نقل بوجودها ودراسة تلك " النصوص " المنسوبة الى " النبي " شان الامة كلها 0 وتخضع لمقاييس التاريخ وليس لقواعد الفقه 0
ثالثا – تمييع الحدود بين المفاهيم :
استخدمت " الجماعة " عدة مفاهيم معاصرة (الديمقراطية , فصل السلطات , التداول السلمي للسلطة , المواطنة ,...) اضافة الى مفاهيم تقليدية تراثية ( الحاكمية , اهل الحل والعقد , ...) ولكنها وبسبب المنهجية المتبعة حاولت الخروج على الفهم التراثي للمفاهيم الثانية وصياغة فهم " خاص " للاولى يخرجها مما هو متداول في الادبيات الاسلامية المعاصرة وفشلت في الحالتين فبقيت متارجحة 0 ان المسافة التي تركتها " الجماعة " بين رؤيتها والرؤية التراثية ليست كافية لاطلاق صفة الفهم المعاصر على هذه القراءة 0 وكذلك فان الرغبة في تجنب المعركة مع " الاخوة الخصوم " منعت " الجماعة " من تمثل رؤية واقعية للمفاهيم المعاصرة فاعطتها صبغة تقليدية عطلت الكثير من امكاناتها التاريخية فبدا القبول شكليا لا اكثر 0
بدأت " الجماعة " بتحديد معنى للشريعة بدا مشجعا " الشريعة الاسلامية نصوص ثابتة ومقاصد عامة واجتهاد متجدد ينزل النصوص على الواقع " لكن تتمة النص الغت اوله اذ يتابع واضعوا المشروع " وفق اصول الفقه الاسلامي " 0 ان : " اصول الفقه الاسلامي " 0 ليست مقدسة ( في جانبها السياسي ) بل يجب ان توضع محل تساؤل ونقاش ومراجعة اما الحفاظ عليها فلا يمكّن احدا من الخروج من اسر الفهم التقليدي الا شكليا 0 ليس هذا فحسب بل ان الجزء الاول من النص يوحي بداية بمحاولة قياس النصوص على الواقع لكن التكملة :" فكأن هذه النصوص تنزل على الامة ندية طرية كما نزلت على الجيل الاول فتحدد مسارها , وتضبط حركتها , وتعالج مشكلاتها , وتلبي تطلعاتها 0 الباب الاول – منطلقات المشروع " تشكل نسفا لمحاولة الفهم تلك 0 ان النص في جزئه الاخير يؤكد شكلانية الفهم وبرانيته فالمسألة هي , هي : تنزيل الواقع على النصوص وفق قاعدة " بروكست "
# في مفهوم الدولة :
تنطلق رؤية الجماعة من اعتقادها ان الاسلام لا يزال صالحا بل هو الصالح الوحيد لاعادة بناء الامة التي تهدمت بفعل الزمن والفاعلين " الاسلام هو اصلح المنطلقات لبناء سورية المستقبل – المدخل " 0
تركز الجماعة على ان " الاسلام كون ذاتية الامة وصاغ هويتها وبنى اساسيات القوانين النفسية والعقلية فيها - المدخل "
ان الرؤية السابقة ( اضافة الى انها نفي للتاريخية ) لا تأخذ جانبا نظريا صرفا بل تمتد الى الجانب السياسي فاذا كانت " الشريعة الاسلامية في مصدريها الخالدين : الكتاب والسنة هي مصدر رؤيتنا " فان " المسؤلية عن الدين هي مسؤلية الامة " والامة كما يعترفون مكون ( بفتح الكاف ) ثقافي يتسم بالتعددية المذهبية والدينية فكيف تلزم هؤلاء بما ليس من التزامهم في عرفهم ؟ نعتقد ان هذا نتاج واضح لما رأيناه من تضييع للحدود بين المفاهيم 0 و " في حديثنا عن المكون العقائدي والثقافي لمرجعيتنا تبرز خصوصيتنا الاسلامية التي تشكل المصدر الاساس والمتميز والمهيمن للمرجعية العليا للدولة الحديثة التي ندعوا اليها " 0 كما ان الدولة ترتكز الى مرتكزات حددتها " الجماعة " بـ ( المرجعية ,التعاقدية , التمثيلية ,التعددية , التداولية , المؤسساتية 0 )
المرجعية تحددت بالاسلام و بمصادره الثلاث ( الكتاب , والسنة , والتاريخ ) مع ان المصادر الثلاث كانت دائما منبع خلافات دموية بين المسلمين 0" الكتاب" هو اقل اثارة للخلاف / مع ان الرأي الشائع منذ ايام "علي" هو: العكس فقد اوصى ممثله في المفاوضات بتجنب التحاجج بالكتاب " لانه حمالة اوجه " كما تقول الروايات ) والمصدر الثاني ( السنة ) هو الاكثر اثارة للخلاف ذلك ان كل الفرق الاسلامية ( خاصة السنة والشيعة ) تحاجج في خلافاتها بما تسميه ( السنة ) وهذا يعود الى عدم دقة المسار التاريخي للمفهوم 0 واعتقد اننا لسنا بحاجة الى التذكير بحديث / الغدير, ولا بحديث " عمار " 0
ترى " الجماعة " ان الدولة التي تدعوا اليها ليست بـ ( الثيوقراطية ) ولا بـ ( العلمانية ) ؟ اذا ماهي ؟ انها تدعوا الى ( دولة اسلامية ) يميزها عن غيرها " الاهداف العامة التي تتحمل هذه الدولة عبء القيام بها .... فثنائية المعاد والمعاش هي اول مميزات هذه الدولة ..... وباختصار فان هدف هذه الدولة حسب المنظور الاسلامي بناء الاطار العام للعيش الانساني الكريم في ظلال منهج الله سبحانه وتعالى ..- الباب الثالث / مفهوم الدولة "
كما تقرر " الجماعة " ان " الاسلام لم يقرر مصدرا غيبيا للسلطة .. ولم ينشىء في بنيانه ما يعرف بالمؤسسة الدينية لا بصورة فرد ولا طبقة ولا مؤسسة – الباب الثالث / بين الدولة الاسلامية والدولة الدينية " (وما معنى قول المشروع اذا : " واي حال لامة غاب عنها ولي امر راشد وصاحب علم يستنبط حاجاتها ويحقق مصالحها ؟ ان لم تكن هذه هي الكهنوتية بعينها فما عساها ان تكون ؟) كما ترى " الفارق بين الدولة الاسلامية والدولة الدينية هو ان مصدر الولايات في الدولة الاسلامية هو الاختيار القائم على الرضا بين اهل الحل والعقد وبين الامام الذي يقع عليه الاختيار ... / لا توضح لنا الجماعة مصدر الولايات في الدولة الدينية ؟ / وخيار الامة وبيعتها هي التي تمنح الحاكم او صاحب الولاية حقه في السمع والطاعة أي تمنحه السلطة , والسمع والطاعة في التصور الاسلامي حق ذو وجهين مدني مستمد من العاقد .... وشرعي ينبع من طاعة الله سبحانه وتعالى .. لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ..... وتبقى الامة المنشئة للعقد ابتداء هي المشرفة عليه والرقيبة على وفاء الامام .... تملك الحق في خلعه ... – الباب الثالث / مفهوم الدولة " 0 مالذي يمكن فهمه من هذ النص الطويل ؟ الدولة المنشودة هي دولة اسلامية : هويتها الاسلام , وكذلك دينها " وهو المصدر الاساسي والمرجعية العليا للتشريع – الباب التاسع / الفقرة الاولى " فهل بعد هذا يبقى من فرق حقيقي ( واقعي ) بين الدولة الاسلامية والدولة الدينية ؟
* - قد نجد دولا حديثة كثيرة تهتم " بمعاش " الناس وتترك لهم شأن " معادهم " ولكننا لن نجد دولة في التاريخ كان همها الوحيد البحث في " معاد " الناس 0 ولن نجد دولة طوال العصور الوسطى وما قبل لاتعـنى بـ " المعاد " بالمعنى العام للمفهوم أي : الشؤون الدينية 0 والدولة التي تقوم في ظلال الالهة هي دولة دينية اما التوازن/ عدم التوازن بين " القصر" و " المعبد " فتحدده قدرة أي من الطرفين على جعل العلاقة مع الطرف الاخرللـ " الثالوث " أي : " المخفر" اقوى 0 واذا كانت الدولة تقوم في ظلال الالهة فان الحاكم – بالتاكيد – يقوم في تلك الظلال ايضا أي انه ظل الالهة يستمد مشروعيته منها ويصبح أي كلام اخر – في احسن الاحوال – كلاما قابلا للنقاش ليس الا 0
ان تحديد مرجعية الدولة بـ " الاسلام " يذكرنا بالمرجعيات الاخرى التي قامت عليها الدول العربية الحديثة والنتائج الكارثية التي وصلنا اليها 0 لقد ابتدءنا بالوطن العربي الكبير ( من المحيط الى الخليج ) وانتهينا بالازقة والحارات , او بالامة الاسلامية – كما كان يريد الافغاني وغيره وانتهينا بـ " ملا المسجد " كمفسر وحيد للشريعة, ويخطىء من يحمل "انظمة " الدول العربية الحديثة وحدها مسؤولية النتائج 0 نعم انها تتحمل جزء كبيرا من النتائج ولكن تحديد " هوية عقائدية " للدولة يفتح الباب امام الصراعات العقائدية 0 اذا لا سبيل لدفع العقيدة ( غير المعترف بها دستوريا كمرجعية ) الى الواجهة الا بالغلبة اولا, وهو ما يفرض المواجهة الامنية بوصفها خيارا مفروضا ثانيا ويذهب بالدولة واهلها الى غير هذه الدنيا ثالثا , وهذا بالضبط ما حصل ليس مع الدول العربية الحديثة فقط بل مع كل الدول العقائدية بما فيها تلك التي تبنت " الاسلام " عقيدة لها 0 صحيح ان واقعا اقتصاديا , اجتماعيا , تاريخيا ساهم في تجزئة الامبراطورية العباسية ولكن الدولة " العقائدية " هي التي وفرت الغطاء النظري ( العقائدي ) لتك الانقسامات 0 والحال تكررت حديثا في السودان والتوترات المذهبية في السعودية وايران ليست خافية والنموذج السوفياتي صارخ 0
اذا كان حقا لقوى " الاسلام السياسي " ان ترفض العقائد القومية والاشتراكية فان من حق معتنقى هذه العقائد - وغيرها – ان يعلنوا عقائدهم للناس وان يدعوا الناس الى الاعتقاد بان هذه العقائد تشكل المخرج التاريخي للانتقال من وضعية القرون الوسطى المحددة ( بتشديد الدال وفتحها ) بالاستبداد السياسي المغلف بالمقدس الديني والصراعات المللية وتناقض الذات مع الاخر او اعتبارها تقع فوقه 0 ان مجتمعات القرون الوسطى ( الاسلامية وغير الاسلامية ) جماعات متلاصقة او متراتبة وفي كل الاحوال متحاجزة ومتصارعة 0 والومضات التاريخية التي يستشهد بها البعض كدليل على سيادة روح التسامح تبقى في حدود " الومضات " اضافة الى انها اصبحت مفوتة تاريخيا ومثلما تختزن كتب التاريخ صفحات مشرقة فان الذاكرة الجمعية للجماعات تختزن الكثير من الاسفار المأساوية 0 ان المجتمعات الحديثة تقوم على مفهوم " العقد الاجتماعي " الذي يعترف بحق الجميع في ممارسة أي حق يقر في هذا العقد ويلغي التناقض والتراتبية ( في المستوى النظري على الاقل ) ويفتح الطريق للحركة في كل الاتجاهات وهذا لا يمكن تحقيقه في ظل الدولة " العقائدية " مهما كانت العبارات المستخدمة في توصيفها بليغة وجميلة , فاللغة تستطيع ان تصف ولكنها اعجز من ان تنشىء واقعا 0
صحيح ان "الجماعة " تقول بمساواة المواطنين في الحقوق والواجبات ولكنها ربما لاتعرف ان التحديد العقائدي للدولة هو الغاء لابسط اشكال المساواة تلك اذ انه ( التحديد ) يجعل من الطرف المحدد ( بكسر الدال ) وصيا على الدولة وهذا ما يبرز بوضوح في النص الذي تستعيره " الجماعة " من السباعي وتتبناه " اننا حين نعلن اننا جميعا مواطنون في هذا الوطن متساوون في الحقوق والواجبات فهذا لايعني اننا نسمح لاي انسان ان يستغل هذه المواطنة ويستغل العروبة والقومية ليطعن في دين هذه الامة ويسخر بتاريخها – الباب الثالث /ثالثا " ومن : " لايعني اننا نسمح " هذه تنفتح ابواب جهنم, فتصبح الرؤية الاخرى خروجا على "الدستور " يستوجب العقوبة في اوقات الطمانينة والاجتثاث في ساعات الازمة وتحت عباءة " الوصاية " تلك يتم تصفية الحسابات السياسية والمللية على حد سواء 0وهل يحتاج احد لنذكره بفيلم ( المهاجر ) ؟ام بـ ( نصر حامد ابو زيد ) ؟ ام بـ ( فرج فودة ) ؟ ام بـ ( الثوابت الخمسة ) ؟ 0
في الدولة الديمقراطية : التعددية السياسية والحزبية لا تقع في " ظلال المرجعية العامة للدولة – فقرة التداولية " لان التعددية الثقافية هي الشرط الطبيعي والمقدمة اللازمة ضرورة للتعدديات الاخرى 0
يبرز تمييع الحدود بين المفاهيم / من بين الفقرات التي يبرز فيها / في العلاقة بين " الحاكمية " و " التشريع " فالجماعة لا زالت ترى ان " الحاكمية " لله وحده استنادا الى النص القرآني " ان الحكم الا لله امر الا تعبدوا الا اياه " ومع ان " الحكم " هنا ليس مفهوما سياسيا بل " عقائديا " يتصل بالمشيئة , فان " الجماعة " تسير على خطى الرؤية التقليدية المعاصرة التي تصر على البعد السياسي للمفهوم والمشكلة ليست في الفهم بقدر ما هي في النتائج المترتبة على هذا الفهم اذ ترى " الجماعة " انه" تحدد دور المجتهد المسلم على مر العصور في البناء على القواعد الاساسية للاحكام الربانية لوضع الصيغ القانونية التي تحقق المقاصدالعامة للشريعة اولا في صوغ الاحكام التفصيلية مثل احكام الاسرة والزواج .... وصوغ القوانين الضابطة للاطر والجزئيات التي تحقق المصالح – الباب السادس / مفهوم الحاكمية " اننا هنا ازاء فضاء دائري يعطي مساحة للغة الانشاء ليعود الى نقطة البداية الاساسية 0 ان التحوير اللغوي لا يخلق مفاهيم محددة فبقاء " الحاكمية " لله و " التفسير " للمسلم المجتهد يعيدنا الى كهنوتية واضحة ويتحول " البرلمان " الى مؤسسة دينية مهمتها تفسير الشريعة لا اكثر وهذا يشكل الغاء لاي فارق بين الدولة " الاسلامية " والدولة الدينية الذي تقول به "الجماعة " 0
# في مفهوم المواطنة :
نقطة اخرى مهمة تطرحها " الجماعة "عندما ترى ان " المواطنة او الجنسية التي تمنحها الدولة لرعاياها قد حلت محل مفهوم اهل الذمة – الباب الثالث / ثالثا " اذ ان " الجماعة " تقفز هنا على الدلالة السياسية والبعد التاريخي لمفهوم " الجنسية " ومفهوم " اهل الذمة " الاول يشمل جميع مواطني الدولة اما الثاني فيقوم على التصنيف والاول يرتب واجبات اتجاه الدولة ويقرر حقوق للمواطن بوصفه مواطنا في حين ان الثاني يرتب واجبات لـ " فئة " اتجاه الدولة ويقرر حقوقا خاصا بهم ولهم وايا كانت هذه الواجبات والحقوق ومهما حاول البعض تبريرها او تزيينها فانها في النهاية واجبات وحقوق " فئة " وليس مواطنين 0
يضرب الاستاذ " مصطفى السباعي " مثلا مقارنا بين " الجزية " و " الزكاة " فيقول : " لو ان هناك مسلما يملك مليون درهم لوجب عليه في زكاة ماله خمسة وعشرين الف درهم بنسبة اثنين ونصف بالمئة وهو القدر الشرعي لفريضة الزكاة , ولو ان هناك له جارا مسيحيا يملك مليون درهم ايضا لما وجب عليه في السنة كلها الا ثمانية واربعون درهما فقط " ( ضريبة الجزية ) ويضيف الاستاذ متسائلا : " فاين يكون الاستغلال في مثل هذا النظام – نظام السلم والحرب في الاسلام / محاضرة القاها الاستاذ السباعي في بيروت 17-4-1953 " ويذهب في تفسير " الجزية " بوصفها ( بدل الخدمة العسكرية ) اما لماذا يعفى اهل الذمة من الخدمة العسكرية فيذهب " الاستاذ " الى ان " الجيش الاسلامي انما يحارب لاداء رسالة التحرير الاسلامية الى العالم فليس من العدالة ان يجبر شعب لا يؤمن بمبادىء هذه الرسالة على تقديم شبابه وبذل دمائه في سبيلها 0 هذا هو التفسير الصحيح لاعفاء الذميين من الخدمة العسكرية في الجيش الاسلامي – المحاضرة السابقة نفسها "وهنا نتساءل : اذا كانت هذه هي مهمة الجيش الاسلامي ( وبالتالي مهمة الدولة الاسلامية منطقيا ) فكيف يمكن ان يكون هذا الجيش وطنيا ؟ ان الجيش الوطني يقاتل دفاعا عن حدود الوطن وامن ابنائه وليس من اجل قيم وعقائد ايا كانت والا فقد اعطينا المشروعية لتلك الجيوش التي تدعي انها تقاتل من اجل رسالة 0
ان هذه الامثلة والتفاسير تؤكد ما ذهبنا اليه حول حقوق المواطن وحقوق الذمي و المسألة لا تكمن في الموازنة : ايهما يتعرض للاستغلال اكثر ؟ ومن حقوقه اكبر ؟ وانما في التمايز بين المواطنين بغض النظر عن الطرف الاكثر استفادة من هذا التمايز وهو ما يلغي مفهوم المواطنة نفسه من خلال الغائه للمساواة ولا يغير من هذا شيء الاقرار بحق " الذمي " باسقاط الجزية عنه اذا قرر الالتحاق بالجيش لانه يتوجب عليه هنا الايمان بـ " رسالة " هذا الجيش 0 أي : عليه ان يختار بين " الجزية " وبين التخلي عن اعتقاده سواء الديني او الفكري ولا يغير التخلي الطوعي في المسألة شيئا لان هذا التخلي شرط مسبقا 0
القصة هي , هي : التحديد العقائدي للدولة يؤدي ضرورة الى تحديد الهوية العقائدية لمؤسساتها – لان الدولة في النهاية مؤسسات – فتتحدد الهوية العقائدية للجيش وللتربية ( كمؤسسة ) وللقوانين ولنظام الحكم , وتذهب الجماعة الى ابعد من هذا عندما تطالب بتحديد هوية عقائدية للعلوم ذاتها ؟! ( الحرص على تعريب واسلمة العلوم احد اهداف السياسة التعليمية للجماعة – الفصل التاسع )
ترى " الجماعة " ان مفهوم المواطنة " مفهوم قديم يعبر عن انتماء الفرد الى كيان – دولة المواطنة "
وتستعير نموذج ( دستور المدينة ) الذي وقع بين " النبي " وسكان " يثرب " الاصليين باعتباره مثالا رائدا عن مفهوم المواطنة " ان اول من وضع اسس المواطنة في الارض العربية هو رسول الله / ص / حين دون في وثيقة المدينة المنورة .... " وان ماضمته الوثيقة " تاصيلا شرعيا لهذا المفهوم العصري حين شرعت الانتماء الوطني .. - الباب الثالث / ثالثا " وهنا يبدو التناقض واضحا بين قول الجماعة ان مفهوم المواطنة قديم وبين اعتباره عصريا ؟ كما تبدو القراءة اكثرقسرية اذ ان الوثيقة المذكورة لا تحدد حقوق مواطنين كما فهمت " الجماعة " بل التزامات متبادلة بين جماعات متجاورة جغرافيا وهي ( الوثيقة ) في كل الاحوال لاتخرج عن صيغ التحالفات العشائرية الشائعة في " جزيرة العرب "0
في مفهوم الحرية
تعتقد الجماعة ان " الاسلام جعل الحرية اساسا من اهم الاسس التي بنى عليها تشريعاته ... وقد صانها صيانة لم ترقى اليها التشريعات البشرية ... – الباب الاول الفقرة الثالثة " 0 تنسى " الجماعة ان مفهوم " الحرية " مفهوم خلافي في الاسلام , بالرغم من المقولة المأثورة عن " عمر " والتي سواء صحت ام لا فانها لاتغير شيئا في الامر , والخلاف لايقوم على حدود الحرية بل على وجودها اصلا وعلى طبيعتها ثانيا 0 اما " حدودها " فمسيجة بقبول العقيدة سلفا ووجودها لم يستمر سوى لفترة قصيرة جدا وضمن الحدود السابقة وابتداء من " الاشعرية " فقد زال هذا الوجود , واذا كنا نقول ان حدود الحرية هي قبول " الشريعة " فاننا لا نتحدث عن تاريخ مضى , بل عن واقع قائم فحتى الجماعة " ورغم الشروحات التي احتواها " المشروع " لم تخرج عما ساد تاريخيا 0
في حديثها عن " الحرية والتعددية " تقر " الجماعة " بالنقاط التالية :
- البشر متساوون في الجوهر الانساني
- الاسلام يضمن حرية الفكر والعقيدة
- الاقرار بالحرية الفردية والجماعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية
- الاعتراف بالتعدد وحق الاخر المختلف في اختيار العقيدة 0
ونحن هنا نريد ان نقول رأينا الصريح في هذه المسائل :
1 – ان احد لا يستطيع القول ان الاسلام قال باصول مختلفة للنوع البشري لكن وحدة النوع البشري في الاسلام تنبع من وحدة الخالق ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ) واي قول بتعدد الاصل البشري هو اخلال بمبدأ الوحدانية لكن هذه الوحدة لم ترتب حقوقا متساوية لجميع البشر لا على المستوى الفردي ولا الجماعي 0
2- ان اقرار التعددية الدينية في الاسلام هو اقرار لامر واقع ليس الا والاسلام فتح الطريق لالغاء هذه التعددية باتجاه واحد0 أي من الاخر الى الاسلام وحظر العكس
3- التعددية الدينية في الاسلام تعددية " نشوئية / سلالية " اذ ان المتحدر من اب مسلم لا يحق له تغيير دينه وليس المطلوب الاعتراف بحق " الاخر المختلف فقط بل ايضا – وربما قبل ذلك - بحق المنتمي غير المختلف في اختيار العقيدة 0
4 – ان المشكلة الاساسية في التاريخ الاسلامي كله قد لاتكون في حق المسلم ( بالولادة ) في اختيار دينه بقدر ما هي في واجبه بالحفاظ على انتمائه الديني ( الاسلامي ) 0 ان هذا الواجب هو الذي فتح على المثقفين المسلمين – عبر التاريخ – ابواب جهنم و " حيدر حيدر , " ليس اخر القائمة
5- ان اصرار الجماعة على " اسلمة " الحياة الوطنية فـ " دين الدولة الاسلام , وهو المصدر الاساسي والمرجعية العليا في التشريع , والجيش يبنى على اساس اعتماد عقيدة قتالية تتناسب مع معتقدات الامة , وبناء شخصية الجندي بالايمان , واعتماد مناهج تربوية تنبثق من اخلاق الاسلام , وتهدف الى ترسيخ الهوية العربية الاسلامية , والنهضة تنبثق من عقيدة الامة وتنبع من اصول دينها وتحقق رسالتها ...... / راجع : الجزء الثاني من المشروع 0 ان هذا الاصرار الغاء لكل ما جاء في المشروع من قبول بالديمقراطية والتعددية ومدخل واسع الى الدولة الشمولية بغض النظر عن النوايا 0
في النهاية ماذا يمكن ان نقول :
لقد مررنا بتجربة العسكر ( الثوري والتقليدي ) وكلاهما كان كارثة ولا اعتقد ان احدا يريد تكرار التجربة بعسكر جديد تحت يافطات جديدة والمعطى الحضاري المعاصر فرض نفسه على الجميع : الاوطان لجميع ابنائها , واستئثار طرف بالوطن ايا كانت الحجة يدفع الاخرين للبحث عن حلول وبدائل في النهاية لن تكون في صالح احد لذا فان المساواة الحقيقية هي الحل ليس الامثل بل الوحيد واسبغاء صفة عقائدية على الدولة ( ايا كانت هذه الصفة ) هو اخلال بهذه المساواة دون ادنى شك بغض النظر عن نوايا المطالبين بالصفة العقائدية 0
يقول واضعوا " المشروع " : " وانه لمن المستغرب ان يصادر بعض الديمقراطيين ( العلمانيين ) على الديمقراطية فيضعوا شروطا مسبقة للاسس العامة لتكوين الاحزاب السياسية وذلك باستبعاد الاحزاب الاسلامية ... وهذا ينافي قيمتين اساسيتين من القيم الانسانية هما الحرية والمساواة .... – الباب الثالث / خامسا " ونحن مع هذا القول ومع عكسه ايضا 0 اذ ليس من حق احد ان يصادر على التيار الديني حقه الطبيعي في النشاط السياسي انطلاقا من خلفية دينية ( اسلامية او غيرها ) على ان تكون هذه الخلفية خلفية للحزب وليست هوية للدولة وهذا يستتبع حتما ان ينظر الى جميع القضايا الوطنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية من قبل تلك القوى والاحزاب على قاعدة " الصح " و " الخطأ " و " المفيد " و " الضار " وليس على قاعدة " الحلال " و " الحرام " واذا اراد مؤيدوا هذا التوجه خدمة بلادهم حقا وحقيقة فعليهم ان يقروا بحق الاخرين ايضا بالعمل السياسي انطلاقا من الخلفية العقائدية التي يرونها ( الاصلح ) لبناء الوطن 0 هذا الاقرار يتنافى مع أي تحديد عقائدي ( ديني / قومي ) للدولة لانه – مرة اخرى نؤكد – ان مثل هذا التحديد دستوريا يجعل الخلاف مع ( المرجعية ) العليا للدولة خلاف على الوطنية ومن يشك في هذا فعليه قراءة ( دساتير ) الدول العربية جميعا من جهة والاحكام التي تصدرها المحاكم الخاصة بحق المعارضة من جهة اخرى 0
من الصعب مقارنة " اليهودية " بالدين الاسلامي من كافة النواحي اذ ان الفارق التطوري بينهما كبير , واذا صحت اقاويل " اليهود " - فان اخر دولة لهم كانت منتصف الالف الاولى قبل الميلاد ومن يومها وحتى الساعة لم تقم لهم دولة ومع ذلك فان هذا " الدين " لم ينتزع من عقول اتباعه 0 الا يكفي هذا ليطمئن الخائفون على " الاسلام " اذا تخلت الدولة عن حمايته ؟ سيكون جواب الجميع : لاخوف على الاسلام 0 اذا ؟! لماذا تصرون على انه دين الدولة ومرجعيتها ؟ الجواب : ان ذلك تعبير عن كون الاسلام دين الغالبية 0 هذا ليس كافيا ولا مقنعا فاذا كان الفرد يجد نفسه في الحزب الذي ينتمي اليه فان المواطن ( يجب ان) يجد نفسه في وطنه بغض النظر عن الاكثرية والاقلية اذ ان المبادىء الدستورية لا تخضع لهذه المقاييس 0 انها توافقية وبمنأ عن التعديلات المتكررة 0 والحل كما نرى , وسوريا التي نريد :
* - دولة لجميع ابنائها بغض النظر لا عن انتماءاتهم القطاعية ( الدينية والقومية ) فحسب , بل وقبل كل شيء بغض النظر تماما عن الاكثرية والاقلية لان الاكثرية السياسية اكثرية نوعية متبدلة اما الاكثرية العددية فهي اكثرية " قطيعية " لا علاقة لها بالسياسة ولا بالبشر اصلا 0
* - نريدها وطنا / احدى منارات الحضارة البشرية كما كانت عبر مراحل غير قليلة 0
* - نريدها نموذجا للعرب وللمسلمين يقطع مع التاريخ ( سياسيا ) ويتطلع للمستقبل 0
* - سورية وطن حر لمواطنين احرار فالعلاقة بين حرية الوطن وحرية ابنائه علاقة جدلية , ولا يمكن للانسان ان يكون حرا اذا لم يقتنع – بالممارسة – انه حر فعلا في اختيار العقيدة الدينية والسياسية التي يراها صالحة بغض النظر عما ورثه من ابيه وما يسود في مجتمعه 0
ان اعلانا صريحا من قوى " الاسلام السياسي " بتعطيل مفهوم " الردة " اسوة بمفاهيم اخرى عطلت ( الرق مثلا ) هو المدخل الطبيعي للوصول الى سورية التي نريد 0 ان هذا لن يجعل الناس تنقلب في اليوم التالي على الاسلام كما يتوهم بعض الغيورين ( فعلا ) عليه ولا كما يروج الكثير من ادعيائه من " عدماء الدين " ( والتعبير للكندي رحمه الله ) 0 على العكس ان هذا سيسحب عصا غليظة من يد السلاطين العرب يهزونها بوجه الكثير من مثقفي الامة : اما ان تخضعوا او نترككم فريسة لقوى التعصب الديني 0 ولا اعتقد ان د : نوال السعدواي هي المثال الوحيد 0



#ماجد_العلوش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- تأثر مارتن لوثر بالإسلام.. تمرد على الكنيسة والثالوث ورفض ال ...
- إسرائيل.. أوامر فورية للجيش بتجنيد 3 آلاف شخص من يهود -الحري ...
- كيف ترى الصهيونية الدينية الضفة الغربية والقدس؟
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف موقع حيوي في إيلات ...
- حرب غزة: قرار إلزام اليهود المتشددين بأداء الخدمة العسكرية ي ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تضرب هدفاً حيوياً للاحتلال في إ ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن استهداف موقع حيوي في إيل ...
- إلى جانب الكنائس..مساجد ومقاهٍ وغيرها تفتح أبوابها لطلاب الث ...
- بعد قرار المحكمة العليا تجنيد الحريديم .. يهودي متشدد: إذا س ...
- أمين سر الفاتيكان: لبنان يجب أن يبقى نموذج تعايش ووحدة في ظل ...


المزيد.....

- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ماجد العلوش - المشروع الإسلامي بين مطرقة الموروث وسندان الاندماج / قراءة نقدية