حسن عجمي
الحوار المتمدن-العدد: 4076 - 2013 / 4 / 28 - 22:36
المحور:
ملف حول مشكلة البطالة في العالم العربي وسبل حلها، بمناسبة 1 ايار- ماي 2013 عيد العمال العالمي
البطالة في العالم العربي فلسفة مُعتمَدة من قبل الأنظمة الديكتاتورية. فأنظمتنا الديكتاتورية تكافىء أتباعها و المدافعين عنها من خلال تقديم الوظائف لهم فقط , و بذلك تنشر البطالة في مجتمعاتها الافتراضية من خلال إقصاء المواطن غير المنتمي أو المؤيد لها. من هنا , السبب الأساس وراء انتشار البطالة في عالمنا العربي هو النظام الديكتاتوري المسيطر على الدول العربية كافة.
تمتلك فلسفة البطالة العربية أيديولوجيا معقدة ذات مبادىء عامة و تفصيلية. فمثلا ً , من مبادىء هذه الفلسفة المبدأ التالي : كل مَن لا ينتمي إلى الحزب الحاكم أو العائلة الحاكمة و كل مَن لا يؤيد قولا ً و فعلا ً الحزب الحاكم أو العائلة الحاكمة هو أو هي خارج المجتمع المنشود و الفاضل , و بذلك لا مكان له أو لها في المؤسسات العامة و الخاصة أيضاً. فالمؤسسة الخاصة غير موجودة فعلياً في ظل النظام الديكتاتوري لأنها لا بد أن تعلن ولاءها للنظام و أن تشارك في دعمه معنوياً و مادياً و إلا سوف تخسر وجودها. في النظام الديكتاتوري كل شيء أداة و سلعة في يد النظام. و لذا مَن لا ينتمي إلى النظام سوف يُعاقب , و عقابه أولا ً هو البطالة و ثانياً الاضطهاد الجسدي من خلال السجن أو القتل. البطالة أداة اضطهاد معنوي و مادي للذين لا يوالون النظام الديكتاتوري العربي. و من الخطأ التمييز بين هذه الأنظمة الديكتاتورية العربية أكانت ديكتاتورية ملكية أم حزبية أم فردية أم عائلية أم طائفية لأنها كلها تشترك في امتلاك عقيدة الديكتاتورية و مفاهيمها و مبادئها. و إن بدت هذه الديكتاتوريات على أنها متصارعة فيما بينها فهذا الصراع صراع الإخوة على وراثة الأب الديكتاتور. و من مبادىء فلسفة البطالة العربية مبدأ أساسي آخر مفاده هو أن البطالة و ما تتضمن من فقر أساس مهم من أسس شرعنة النظام الديكتاتوري. فمن خلال نشر البطالة سيعتمد معظم الناس على مساعدات النظام الديكتاتوري و بذلك تتعزز الأنظمة الديكتاتورية و شرعيتها في عيون العديد من المواطنين. هكذا تستخدم الأنظمة الديكتاتورية العربية البطالة كسلاح يكافىء أتباعها و يعاقب خصومها و يشرعن وجودها لدى آخرين. على هذا الأساس , البطالة هي إحدى الدعامات الأساسية لبقاء أنظمتنا الديكتاتورية , و لذا البطالة منتشرة بشكل واسع في العالم العربي و من المستحيل إزالتها سوى من خلال إزالة أنظمتنا الديكتاتورية. فبما أن البطالة هي إحدى الأعمدة الأساسية لوجود و استمرار الأنظمة العربية الديكتاتورية , إذن العلاج الوحيد للبطالة و القضاء عليها كامن في الخلاص من النظام الديكتاتوري العربي و القضاء عليه. فالديمقراطية الحقيقية هي الوحيدة الكفيلة بعلاج مرض البطالة.
لا تكتفي الأنظمة العربية بنشر البطالة و دعمها بل تسعى أيضاً إلى تطويرها. من هنا , لقد أنتجت أنظمتنا الديكتاتورية فلسفة السوبر بطالة فطورت البطالة و حولتها إلى سوبر بطالة. فأتباع النظام الديكتاتوري العربي هُم إما موظفون و إما نواب و وزراء النظام و إما خدمهم. لكن هؤلاء الموظفون هُم في الحقيقة موظفون عاطلون عن العمل. و هُم كذلك لأن وظيفتهم الحقيقية كامنة فقط في دعم الديكتاتور و نظامه قولا ً و فعلا ً, و بذلك لا عمل اجتماعي لهم سوى حماية النظام , و لذا هُم فعلا ً عاطلون عن العمل ؛ النظام الديكتاتوري نفسه عاطل عن العمل لكونه يهدف فقط إلى اغتيال المجتمع. و نواب و وزراء أنظمتنا الديكتاتورية هُم فعلا ً عاطلون عن العمل أيضاً لأن وظيفتهم ليست سوى الدفاع عن النظام و حمايته , و بذلك لا عمل اجتماعي لديهم لكون وظيفتهم الحقيقية كامنة في دفن المجتمع ليبقى النظام الديكتاتوري وحده حياً . العمل الاجتماعي يهدف إلى خدمة المجتمع و تطويره بينما العمل في الأنظمة الديكتاتورية هو فقط أداة حراسة للنظام. السوبر بطالة أخطر من البطالة. فالبطالة تتمثل في عدم العمل بينما السوبر بطالة هي امتلاك عمل ماهيته البطالة لكونه يهدف إلى نشر البطالة و الجهل و التجهيل. نواب و وزراء و موظفو النظام الديكتاتوري يمارسون السوبر بطالة لأن وظيفتهم الأساسية هي دعم النظام الديكتاتوري الذي يهدف دوماً إلى نشر البطالة و تجهيل الشعوب لكي يستمر في الحكم من خلال قمع مجتمعاته بأدوات الجهل و الفقر و البطالة و ما يترتب عن ذلك من انتشار للعنصرية و الطائفية و المذهبية.
نحيا اليوم في عصر السوبر بطالة. فإن حصل الفرد في عالمنا العربي على عمل سيجد نفسه على الأرجح في حالة السوبر بطالة لأن مَن يعارض السوبر بطالة أو يكون خارج نطاق فعاليتها سيكون معارضاً للنظام الديكتاتوري و بذلك سيتم القضاء عليه. فمعظم المؤسسات الخاصة في عالمنا العربي و لكونها تحيا ضمن أنظمة ديكتاتورية تحوّلت إلى مؤسسات ديكتاتورية و إن لم تفعل لزالت من جراء معارضتها للنظام الديكتاتوري السائد في الحكم و المجتمع. و بما أن هذه المؤسسات الخاصة أمست ديكتاتورية , إذن من المتوقع أن تنتج أدوار السوبر بطالة بدلا ً من أدوار الإنتاج الحضاري الهادف إلى تطوير المجتمعات. كما أن الطوائف و المذاهب الدينية نفسها قد تحولت إلى مؤسسات ديكتاتورية ؛ فكل معارض لها تتم إزالته. و لقد تحوّلت الطوائف و المذاهب إلى مؤسسات ديكتاتورية لكونها قائمة في ظلال الأنظمة العربية الديكتاتورية ؛ فلو أنها لم تصبح ديكتاتورية لعارضت حينئذٍ طبيعة النظام الديكتاتوري و بذلك لتم القضاء عليها من قبل النظام نفسه. و بما أن الطوائف و المذاهب المختلفة في عالمنا العربي أمست مؤسسات ديكتاتورية في خدمة السلطان , إذن من الطبيعي أن تنشر البطالة و السوبر بطالة معاً تماماً كما يفعل النظام الديكتاتوري.
لكن البطالة منتشرة أيضاً في الأنظمة الديمقراطية لكنها أقل عما هي عليه في الأنظمة الديكتاتورية لأن في النظام الديمقراطي يتم توزيع المعلومات بشكل متساو ٍ أكثر بين الأفراد ما يتيح لهم فرص عمل بنسبة أكبر. أما النظام الديكتاتوري فيهيمن على المعلومات و يحتكرها لنفسه و يمنعها من الانتشار في مجتمعه ما يؤدي إلى سيادة الجهل و الفقر و البطالة. و ما زالت الأنظمة الديمقراطية الحالية تعاني من البطالة لأنها لم تحقق بعد النظام الديمقراطي الأمثل المتمثل في المساواة الكاملة في نشر المعلومات و توزيعها بين الناس. النظام الديمقراطي يحتوي على مبادىء عدة منها مبدأ حرية الفرد و المساواة أمام القانون و الفصل بين السلطات القضائية و التشريعية و التنفيذية و الفصل بين الشؤون العامة و الخاصة إلخ بالإضافة إلى تبني بعض الأنظمة الديمقراطية لمبدأ إعادة توزيع الثروة بشكل أو بآخر. لكن الديمقراطية مُعتمِدة أيضاً على مبدأ المساواة في توزيع المعلومات بين الأفراد. فعندما تتم المساواة الكاملة في توزيع المعلومات بين كل الأفراد حينئذٍ سيمتلك كل فرد المعلومات المفيدة للحصول على عمل ما يؤدي إلى القضاء على البطالة و الفقر. فحين نملك المعلومات الصحيحة و المفيدة للمجتمع و مؤسساته و كيفية التصرف على ضوء تلك المعلومات و كيفية الحصول على عمل من جراء امتلاكنا لتلك المعلومات سنتمكن لا محالة من الحصول على عمل. هكذا الديمقراطية الحقة المعتمدة على مبدأ المساواة في توزيع المعلومات تقدّم حلا ً واقعياً لمشكلة البطالة. الديمقراطية تتكوّن من آليات مختلفة منها آليات القضاء على التخلف و الجهل و العنصرية و الطائفية و الفقر و البطالة. فمن خلال التوزيع العادل و المكثف للمعلومات ترتفع درجة احتمال تحقق المساواة العلمية فالاقتصادية فالاجتماعية بين الأفراد , و ذلك بسبب المساواة في توزيع المعلومات بين الناس. فبفضل المساواة في توزيع المعلومات تتحقق المساواة المعرفية بين الأفراد فيزول التخلف و تزول البطالة و العنصرية و الطائفية و المذهبية. لكننا اليوم نرفض الديمقراطية و نجهل معانيها و دلالاتها ما جعل كلا ً من التخلف و الجهل و الفقر و البطالة و العنصرية و الطائفية أسياد عالمنا العربي.
لقد تطورت آليات نظامنا الديكتاتوري فباتت إحدى وظائفه الأساسية كامنة في خلق حرية التخلف و المساواة في اكتساب التخلف. ففي ظل نظامنا العربي الديكتاتوري نحن أحرار فقط في أن نكون متخلفين و نحن أيضاً متساوون لكننا متساوون فقط في حق امتلاك التخلف. من هنا , في نظامنا الديكتاتوري الحالي , الرجال و النساء متساوون في اكتساب البطالة و السوبر بطالة لأن هدف النظام العربي السائد تحقيق المساواة في الفقر و القمع و التجهيل. هكذا شوّهنا منجزات الحضارة الإنسانية من خلال تحويلها إلى أدوات لتطوير التخلف. فالحرية أمست لدينا حرية في امتلاك التخلف و تطويره فقط , و المساواة أمست لدينا أيضاً مساواة في أن نكون متخلفين و عنصريين و طائفيين. إنها حرية الحرب الطائفية و المذهبية الكبرى السائدة في عالمنا العربي اليوم. فالأدوار الطائفية و المذهبية التي نتخذها لأنفسنا خير دلالة على أننا عاطلون بل سوبر عاطلون عن العمل.
#حسن_عجمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟