بلال فوراني
الحوار المتمدن-العدد: 4076 - 2013 / 4 / 28 - 09:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
سندخل التاريخ لا محال من بابه الاوسع أو من باب الحمام الكبير أعزكم الله ولكن في النهاية سندخله رغماً عن الثورات التي تاجر غربان الاسلام , وبرغم الحرية التي نادى بها من ليس عنده سوى حرية الانبطاح , وبرغم السلمية التي رفعوها بالسواطير والسكاكين الجورية , وبرغم الخراب الذي خلفوه ورائهم بدعوة بناء البلد من جديد , وبرغم الدم المسفوح تحت شعارات اسقاط النظام , وبرغم التهليل والتصفيق من دول الغرب التي وزعت الكراسي على دمى تحركها بخيوط انتخابية , وبرغم النفط الطائل الذي سكبوه في أفواه الطماعين والجائعين , سندخل التاريخ أخيراً ولكن كي لا نخرج منه يوماً , سيصير التاريخ أخيرا مقبرتنا التي كنا نتغنى يوما فيه وها هو قد جاء كي يلملمّ ما تبقى من هذه الأمة ويسدل الستار أخير على مسرحية هزلية إسمها الوطن العربي .
إن أكثر ما يثير الضحك والسخرية في هذه الأيام أن تشهدّ بعينيك ولادة الربيع العربي القيصرية لأجنّة مشوهة تحت مسمى رؤوساء عرب , حتى أنه من المفروض أن نرفع قضية اساءة وتشويه لمنصب الرئاسة , عن هؤلاء المهرجين الذين تربعوا على عرش السلطة بعد أن ركبوا موجة الثورات وضاجعهم الرضا الامريكي في فندق صهيوني رخيص . وربما نمنحهم اوسكار عن أفضل تمثيل هزلي على شرف الاوطان التي باعوها سلفاً كي يحصلوا على هذه الجائزة في مهرجان دموي اسمه الربيع العربي .
انظروا الى خارطة التفريخ الرئاسي الذي جاء من حظيرة الثورات , بدءاً من رئيس تونس هذا البهلول الذي كلما رأيته أؤمن أن دارون قد أضاع عمره كله عبثاً كي يثبت أن أصل الانسان قرد ولو أنه انتظر الربيع العربي وألقى بنظرة خاطفة على المرزوقي لكان اكتشف دون أي تعب أن أصل الحيوان قرد والمرزوقي أكبر دليل . فكيف لتونس الخضراء أن تثور على طاغية مثلا كي يأتي بدلاً عنه موظف من دولة قطر كي يعمل فيها رئيسا وليس سفيراً , انه يا سادة زمن العجائب او زمن الربيع العربي الذي يجعل بهلولا مثل المرزوقي يجلس في قصر الرئاسة بدل أن يكمل علاجه في مشفى المجانين .
أما القذافي رحمه الله فلم يسمح له الناتو له أن يكمل جوقة الجنون على مزاجه للأسف , فترك البلاد من ورائه لمن كانوا يطالبون باسقاط النظام فقط على قناة الجزيرة , والتي كان لها الدور القذر في غسل أدمغة متابعينها , وايهامهم أن ما يحدث في ليبيا هو ثورة شعب والشعب للأسف كان آخر من يعلم بهذه الثورة , حتى أن بعضهم استيقظ في صباح اليوم التالي كي يسمع خبر قتل الرئيس بكل دهشة , فلم يتفاجئ بأن بلده صارت مسرحاً وملعباً لتدريبات الثوار أو ما يطلقون عليهم ثوار بعد اضافة المكياج السياسي والثورجي عليهم بفضل قناة الجزيرة وبالهام من شيخ طريقتهم الوقحة هذا المدعو قرضاوي , بل كانت الدهشة أنهم لم يصدقوا كلام القذافي حين كان يقول من أنتم من أنتم . ولكنهم الان قد فهموا وهنا تأتي سخرية الربيع العربي في رئيس مثل زين الدين عابدين قد فهم وقتها شعبه فهرب الى فندق خليجي وبين شعب قد فهم رئيسه الذي مات فصار بلده فندق لمن هبّ ودبّ من أهل الخليج .
أما محمد مرسي رئيس مصر المنتخبّ حسب ما تقول صناديق الاقتراع فهو بلا منازع ملك التهريج والهبل , هو بلا منازع مادة دسمة للسخرية والاستهزاء لدرجة أنه خلال ستة أشهر قد غطّى على سنوات عادل إمام في الكوميديا الارتجالية , وصار مضرب المثل في النحسّ المشهور مثل بومة غادة السمان , ولم يقتصر الامر على غبائه في البروتوكولات الرئاسية و لم ينحصر في خطاباته البلهاء التي أغنت الشعب المصري عم متابعة مسرحيات محمد صبحي الهزلية, بل تعداه الى العالمية وصار حلقة لا يفوتها أحد من الدول الاوروبية والامريكية في مسلسل طويل اسمه " دونت ميكس "حتى صارت فضيحته كما يقولون في مصر بجلاجل يعني انترناشونال حين غسله جون ستيوارت في برنامجه المشهور ( the dailyshow ) , وهنا لا يخفى على أحد درجة الانحطاط التي أوصل فيها شعبه المسكين من الفضائح التي يقوم بها مما أحرج الشعب المصري كله ولا يخفى على أحد مستوى الحضيض الذي صار الشعب يعيش فيه منذ استلم كرسي الرئاسة وهو السجين الهارب من وراء قضبان السجن والذي أثبت صدق المقولة التي تقول ياما في السجن مظاليم أو مجانين على وشك أن يصيروا روؤساء . وصارت مصر بلد الديون مثل شحادين الست زينب تشحد الهبات والقروض من كل بلد حتى صار المواطن المصري لأول مرة في تاريخ مصر محسوب عليه عدد أرغفة الخبز التي يأكلها وهذه كلها من فضائل شيخ الاسلام الاخونجي المجنون ومن بقايا طائر النهضة لحزب السفالة والفجور . مصر قامت بها الثورة وما زالت الثورة فيها قائمة والمصيبة في الامر أن الثورة قد جائت لتزيح نظام غاشم فجائها بكل أسف نظام غشيم . وأجمل ما ستتذكره الاجيال فيما بعد أن رئيس عربي جاء في حفل لتأبين الشهداء فكتب لهم على الضريح الرمزي بخط يده :
أبنائي الشهداء أتمنى لكم مزيدا من التوفيق ... ؟؟
وهنا نصل الى عرين الأسد , محط الانظار الجائعة وقبلة كل خائن ومحراب المتآمرين ونبعّ الابتهالات الثورجية , نصل الى العرين الذين لم يستطع أحد أن يتجاسر على الدخول فيه ولا المبيت فيه ولا حتى النظر في عيني صاحبه , فالطعنّ في هذا الرئيس دائما يأتيه من وراء ظهره ولكن لم يتجاسر أحد أن يطعنه في وجهه , وكلهم من تحت الطاولة يعتذرون ويتأسفون لمواقفهم التي اتخذوها جراء الضغط الدولي عليهم , وكلهم يتحججون بأن لا حول ولا قوة لهم وصدقوا فعلا فالنعاج يا سادة نهجها الاتباع لا الابداع . هذا الرئيس الذي صمد سنتين مع شعبه العظيم أمام تسونامي التغيير واسقاط الانظمة , هذا الرئيس الذي التف حوله شعبه وفهم منذ ولادة هذه العدوى الثورجية أن هذا الفيروس المسمى بالربيع العربي ما هو سوى سرطان يتغلغل في عروق العقول البشرية كي يدمرها ويستنسخ عقول بشرية جديدة تؤمن بأن الخيانة وجهة نظر , والانشقاق تمرين صباحي لعضلات الشرف , وجهاد النكاح أصل من أصول التربية الجنسية . هذا الشاب الاربعيني تفوق على أقرانه من الرؤوساء والملوك بحنكته السياسية تارة و تارة بقوة حجته وفصاحته وتارة بثقافته الرفيعة ولغته العربية رغم لدغة حرف الراء التي لم تقللّ من قدره شيء في الوقت الذي يحتاج غيره من الرؤوساء الى معجم ثنائي اللغة وتفسير الطبراني ومحللّ عربي وعلبة حبوب ضد رفع الضغط كي نفهم كلمة مما يقول , هذا الشاب أثار دهشة الاعداء قبل الاصدقاء , وفرض احترامه على ذوي العقول الرزينة قبل السخيفة بغض النظر عن تلك العقول المؤجرة أو المستخدمة سلفا من باب الدعاية أو التشهير في وكالة قناة الجزيرة للتبييضّ أو العربية كي تكذب أكثر . هذا الشاب حين تسمعه تشعر بأنه ينسف كل معتقداتك التي خدروك بها بأنه منعزل عن الواقع الذي يعيشه وهو طير يغرد خارج السرب , وحين تعلم أن أعتى الرؤوساء في الدول الغربية ينتظرون خطاباته حينها تفهم كم وزن هذا الرجل على الأرض , لأن كلمة منه قد تقلب موازين الدنيا وليس مثل غيره من الملوك والامراء ممن يحفظون خطاباتهم ثلاثة أيام متتالية ثم يتعلثمون بحروف الهجاء ويضيعون بين فتح الفاعل وكسر المفعول وضمّ الفعلّ وكأنهم في أولى ابتدائي .
هذا الشاب حين يتكلم يجعلك تشعر بالفخر والعزة والكرامة والشرف , يجعلك تشعر بكل الاشياء التي مازال رؤوساء الربيع العربي وما قبل الربيع العربي يتاجروا بها في مخادعهم على مخدة امريكية ويتغطوا ببضع كلمات تدرأ عنهم ثورة شعوبهم البلهاء , هذا الشاب رفع سقف الرئاسة الى أبهى مقام , في الوقت الذي جاء حثالة البشر يلحس مؤخرة دولة قطر كي يجلس على كرسي من خشب لا يغني من برد ولا جوع , هذا الشاب صار برأيي جيفارا القرن الثاني والعشرون , والمتمرد الاخير في قافلة الرجال الشرفاء , والقطب المغناطيسي الذي تتهافت اليه كل معادن الارض قاطبة , هذا الشاب صار علامة فارقة في زمن شيوخ الكراسي ومتعبدي السلطة وأصحاب الكروشّ الخليجية , وسيذكر التاريخ الذي دخله بهاليل هذا الزمن الربيعي وصاروا رؤوساء بالاجرة وتحت الخدمة بأن الرئيس بشار هو الرجل الذي وقف في وجه التاريخ نفسه وقال قولته المشهورة لن للقاديمن من خارج التاريخ أن يكتبوا التاريخ لسوريا .
على حافة الوطن
الدكتاتوريات لا تقاس في التاريخ بعظمة الاجرام
فالتاريخ لا يتواطئ مع أحد مهما كان دكتاتورياً
وكما تجد دوما من يحترم عبد الناصر ستجد من يكرهوه
وكما تجد دوماً من يعشق هتلر ستجد من يلعنوه
وكما تجد دوما من يكره هذا الرئيس الشاب
ستجدهم رغماً عنهم يحترموه ..؟؟
#بلال_فوراني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟