|
مادورو.. اختبار الشافيزية الصعب
محمود عبد الرحيم
الحوار المتمدن-العدد: 4075 - 2013 / 4 / 27 - 22:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مثلما كان متوقعاً، وصل نيكولاس مادورو إلى سدة الحكم في فنزويلا، خليفة للزعيم الراحل هوغو شافيز الذي أسندت إليه مهام إدارة البلاد أثناء مرضه الأخير، وأوصى به قبل رحيله، ليكمل مسيرته في مواجهة الإمبريالية والصهيونية والانحياز لجموع الفقراء، وبناء تكتل قوي لدول أمريكا الجنوبية، يمكنه من مواجهة التحديات، خاصة من جانب الولايات المتحدة، غير أن المفاجأة تمثلت في الفوز بفارق ضئيل عن منافسه كابريليس، وسط تشكيك في نتائج الانتخابات، وتواصل الاحتجاجات التي بدأت مبكراً، ومنذ توليه الرئاسة بشكل مؤقت بعد وفاة شافيز قبل شهرين، ما يؤشر إلى أن مادورو لن يحظى بحكم مريح منذ البداية، وسط تلك المعارضة المناوئة له، مثلما كانت لسلفه التي تقف بالمرصاد لتوجهاتهما الداخلية والخارجية، وتحظى بدعم خارجي، خاصة من أعداء تقليديين للزعيم الفنزويلي كواشنطن .
ربما نتيجة الانتخابات التي تشكك المعارضة فيها، وترى أن ثمة تلاعباً بها وتزويراً، تستوجب التوقف عندها ولو قليلاً، حيث كان من المتوقع أن يحظى نائب الرئيس السابق ووزير خارجيته والأقرب إليه على مدى سنوات، بفوز ساحق، كنوع من الوفاء لشافيز، ورغبة في الحفاظ على ميراثه، وما قدمه لبلده وشعبه من إنجازات، سواء ما يتعلق باستقلال القرار السياسي، أو محاولة القيام بتوزيع عادل لعوائد الثروة النفطية على الجماهير، فضلاً عن إجراء الانتخابات سريعاً، وسط مشاعر الحزن الجياشة تجاه الزعيم الراحل التي كان منتظراً أن تصب في مصلحة مادورو، وتخصم من رصيد منافسه الذي هو في الأساس كان غريماً لشافيز نفسه، غير أن اقتراب المتنافسين في النتائج، وإن مالت الكفة قليلا لصالح الزعيم النقابي السابق مادورو، تؤشر إلى أن قطاعاً لا بأس به من الشعب الفنزويلي، غالباً من الطبقة الوسطى من المثقفين وأصحاب الأعمال، لديه ربما رغبة في التغيير بصرف النظر عما إذا كان سيحقق لها تطلعات جديدة أم لا، وربما تكون تململت من طول فترة حكم شافيز نسبياً، ولم ترغب في استمرار هذا الخط لمدى أطول مع خليفته مادورو، خاصة مع جعل الأولوية لديه بشكل خاص للفقراء والمعدمين، من دون غيرهم، وهنا كان التصويت الاحتجاجي .
وربما يكون البعض قد تأثر في دعاية المعارضة، أو شعر بالتعاطف، وربما الإعجاب تجاه الزعيم المعارض الشاب لإصراره وعناده على إكمال الطريق الذي بدأه منذ سنوات، خاصة مع افتقاد مادورو للكارزمية التي كانت لدى شافيز، ورؤية البعض له أنه صورة باهتة أخرى للزعيم الراحل .
وإن كان زعيم المعارضة ومنافس مادورو لم يعترف بهزيمته، ويهنئ غريمه بالفوز، ومازال مصرّاً على مطلب إعادة الفرز الذي لم تمانع الهيئة المشرفة على الانتخابات من القيام به، رغم التأكيد أنها لن تؤثر في النتائج التي جرى إعلانها، غير أن تنصيب مادورو رسمياً بعد قرار المحكمة العليا التي رفضت الفرز اليدوي، واعتبرته غير قانوني وغير معتاد، قطع الطريق على خصمه، ومناوراته، ومثّل قفزاً كذلك على أحداث العنف التي كان على ما يبدو مقصوداً بها تعطيل عملية استكمال نقل السلطة، وتأدية اليمين الدستورية، خاصة مع مشاركة العديد من الدول في حفل التنصيب، ومبادرة عدد لا بأس به من قيادات العالم إلى التهنئة وإعلان استعدادها للعمل مع الرئيس الفنزويلي الجديد، خاصة الحلفاء القدامى لشافيز كروسيا والصين وإيران، ما يعني اعترافاً دولياً بالقادم الجديد، إضافة إلى اجتماع قادة أمريكا اللاتينية في قمة استثنائية بحضور مادورو الذي بدا كرسالة دعم له، في مواجهة خصمه، وأيضاً رسالة تحذير لواشنطن التي أخذت صف المعارضة . غير أن الوضع في فنزويلا، مع ذلك، مازال يدعو للقلق، وثمة تقديرات بمعاودة المعارضة لاحتجاجاتها، وإحداث قلاقل في وجه مادورو، خاصة بعد أن مثلت الانتخابات محطة جديدة للصراع وليس نهاية له، وفتحت تلك النتيجة المتقاربة الباب لانقسام الشارع الفنزويلي، وزادت من حدة الاستقطاب السياسي، وجعلت “الشافيزية” أو بالأحرى ميراث شافيز على المحك، ويواجه اختباراً صعباً بعد رحيل زعيم فنزويلا القوي .
وخطورة هذه الوضعية في إحداث ثغرة للتدخلات الخارجية، خاصة مع وجود تربص قديم من واشنطن تجاه هذه الدولة التي شقت عصا طاعتها، وما زالت ترغب ليس فقط في ترويضها، وإنما في إخضاعها، خاصة أنها دولة غنية بالثروات الطبيعية، خاصة النفط .
وليس مستبعداً أن توظف أمريكا هذا المناخ المحتقن وعدم الاستقرار السياسي في مناوءة خليفة شافيز، أو محاولة الانقلاب عليه على نمط “الثورات البرتقالية”، حيث إن الانقلابات العسكرية باتت غير مقبولة بدرجة كبيرة دولياً، ولم تعد تحقق الهدف المطلوب كما في فترات سابقة، وتفضل أجهزة الاستخبارات الغربية، خاصة الأمريكية في السنوات الأخيرة الانقلاب الذي يأخذ واجهة ديمقراطية وحراكاً شعبياً يجري
تعبئته وتحريكه بشعارات براقة، واستغلال لمعطيات داخلية، وأخطاء النظام الحاكم .
وعززت تصريحات قادة أمريكا اللاتينية خاصة رئيس بوليفيا ايفو موراليس موقف مادورو من التحركات المعارضة في فنزويلا، باتهامه الولايات المتحدة ب”التحضير لانقلاب في فنزويلا”، والسعي لإحداث اضطرابات تسمح لها بالتدخل، وهو الأمر الذي ألمح إليه الرئيس الإكوادوري رافايل كوريا حين قال: “إن الانتخابات الحرة والديمقراطية يجب احترامها، واتحاد دول أمريكا الجنوبية لن يسمح بانقلاب” .
ويبدو من كل هذه المعطيات والإشارات أن واشنطن مازالت تراهن على كابريليس في إمكانية أن يكون رجلها القادم في حكم فنزويلا، خاصة مع ازدياد أنصاره الذين أغلبيتهم من شباب الجامعات وأصحاب الأعمال، وخطابه الذي يعكس مناوءة للاشتراكية وانحيازاً للتوجه الرأسمالي، وأن لديها النية لإزعاج رئيس فنزويلا الجديدة، واستنزافه في الصراع السياسي الداخلي، إما لتطويعه وإجباره على القبول بالخضوع، أو أن يكون مصيره السقوط وهو ما يصعّب من مهمة مادورو الذي عليه أن يتحسب لهذا الخطر المحتمل، لكن بإجراءات غير استثنائية مقبولة شعبياً وغير مفرطة في تقييد الحريات، مع عدم الإفراط في حديث المؤامرة حتى لا يأتي بنتائج عكسية، والسعي لاستقطاب القوى المعارضة التي لا تتخذ موقفاً عدائياً، ومحاولة كسب قطاعات أخرى لصفه، بالتجاوب مع مطالبها التي لم تخرج عن المنطق المقبول، مع معرفة الخلل في أدائه، والتوقعات التي لدى هذه الفئات، لأن تقوية الجبهة الداخلية أهم عنصر في مواجهة التحدي الخارجي، وإحباط أية مؤامرات .
وان كان على مادورو ألا ينحرف عن خط شافيز وإنجازاته، فعليه أن يشق لنفسه طريقاً خاصاً، ويضع بصمته التي تضيف ل”الشافيزية” ولا تنقلب عليها أو تقضي عليها، مع ضرورة استكمال الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، ومعالجة الخلل الأمني في ظل تزايد معدلات الجريمة التي تمثل كابوساً مزعجاً للفنزويليين .
وان كانت واشنطن ترسل بإشارات متناقضة من قبيل عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات وفوز مادورو، ودعم خصمه، وفي ذات الوقت تتحدث على لسان وزير خارجيتها جون كيري أنها “لا تريد غلق الأبواب مع الحكومة الفنزويلية الجديدة”، فعلى مادورو أن يكون من الحنكة بمكان، ليطلق مبادرة باتجاهها ليختبر مدى استعدادها لإقامة علاقات متوازنة تحقق المصالح المتبادلة بين البلدين، وليس علاقة تبعية واستغلال بالمنطق الاستعماري القديم، وكذلك مع بريطانيا التي أعربت هي الأخرى عن “تطلعها لتعزيز العلاقات مع حكومة فنزويلا وشعبها مع تنصيب مادورو رئيساً جديداً للبلاد” .
وفي كل الأحوال لن يخسر مادورو من هذه المبادرة، لأنه إذا لم تستجب واشنطن بشكل خاص، أو غيرها من الدول الغربية، لعلاقات حقيقية تحترم سيادة الدول الأخرى، ولا تجور على حقوقها، أو تتدخل في شؤونها الداخلية، وتحقق المصالح المشتركة، فستكون فرصة لفضح سلوكها الاستعماري مجدداً، ورغبتها في الهيمنة والاستغلال، وإضعاف أنصارها في الداخل، خاصة أن فنزويلا ليست في موقع ضعف، وإنما قوة، بحكم مواردها الاقتصادية الضخمة، ومكانتها المؤثرة في أمريكا اللاتينية، علاوة على وجود حزام من المناصرين في تلك القارة، خاصة كوبا، فضلاً عن الدعم الكبير من قوى كبرى كالصين وروسيا، وحتى قوى إقليمية كإيران، وهو ما يجعل ميزان القوى في العلاقة مع واشنطن صراعاً أو تعاوناً يميل لمصلحة فنزويلا، فضلاً عن أن هذه الأطراف الداعمة توفر لها نطاقاً من الحماية لا بأس به، طالما بقيت الجبهة الداخلية قوية ومتماسكة، وهذا هو الشرط الرئيس الذي يجب أن يركز عليه مادورو ويعمل عليه من اليوم وليس الغد .
#محمود_عبد_الرحيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انتخابات الرئاسة الايرانية ضبابية
-
الملف النووي الايراني.. محلك سر
-
الاخوان وصفقة رجال القذافي
-
سوريا.. الحل العسكري يتقدم
-
شبه الجزيرة الكورية تحت كابوس الحرب
-
فنزويلا وتركة شافيز الثقيلة
-
ملف ايران النووي.. العصا والجزرة
-
السلفيون والأخوان:-الأخيار- في مواجهة -الأغيار-
-
بيونج يانج والتحدي بالسلاح النووي
-
اختراق سياسي للأزمة السورية
-
الهند وباكستان.. هدوء ما بعد العاصفة
-
سوريا إلى نقطة الصفر
-
تونس في مواجهة الافلاس والعنف
-
الجحيم السوري يفيض على الجيران
-
ثورة الياسمين تضل الطريق
-
غموض المشهد السوري مجددا
-
-نهضة- تونس.. العنف بدل الحوار
-
صراع النفوذ في سوريا
-
-ائتلاف الدوحة- خطوة على طريق الألف ميل
-
الأزمة السورية في دهاليز التسويات
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|