حسين عجيب
الحوار المتمدن-العدد: 4075 - 2013 / 4 / 27 - 19:53
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
ثلاث حكايات.....(البارحة)
_ الجزء أكثر من الكلّ: المرأة
_ الإنسان مجموعة عادات, تتغير عادة بتغيير الشخصية: زيارة لبنان
_ المعنى أكبر من النص/ النص أكثر سعة وذكاء من كتابته: التلفون
*
تعرف كل فتاة شرقية, وربما الغربية أيضا, تجاوزت العاشرة تفصيلات هذه الحكاية وعناصرها ومستوياتها....ومختلف جوانبها أكثر مني أنا الراوي والمؤلف والشخصية معا_ نقف في دور واحد وبالتزامن.
*
مستوى أول يتجاوز حراسه مئات الملايين, كتلة صماء: التفرقة بين الجنسين في القيمة والقيم.
أتحدث عن مجتمع الحداثة والثقافة, حيث لا فرق بين فرد وآخر سوى في الشخصية (مهارات وقيم ومنجز). البيوت والأوساط التي_ إن مارست التمييز الجنسي, فبالسر والتستر مع شعور الخجل الصريح والادعاء المعاكس: المساواة في القيم والتعامل.
مع بلوغ سن أل 18 تكون الفتاة قد استبطنت مختلف تناقضات مجتمعها وأولوياته وقيمه البدائية منها أو الحديثة. ويكون الأب البيولوجي أو من يحل محله, صاحب الاعتراف الذكوري إن لم يكن الوحيد فهو الأساسي, وسوف يحدد حياتها الجنسية_ العاطفية, بعد مماته أيضا.
أول مكاشفة بين الفتاة وأبيها
ما سر هذا الفرح؟ عاشقة؟
_ نعم يا أبي, وقد جربت القبلة الأولى البارحة
يرتجف الأب, وتتشنج مختلف عضلات وجهه, يحاول إخفاء تعبيراته المختلطة والمتناقضة لكنه يفشل وتصل جميع رسائله دفعة واحدة_ ويتشكل شخص ضبابي عمره ألوف السنين.
ثم يختلط الحاضر بالماضي في مزيج غريب وعكر, لا علاقة له بالفرح.
*
كل امرأة تعرف تكملة الحكاية أفضل مني
وكل رجل يستطيع أن يستمع لصوته الداخلي أو...لقريبته, وبدوري سأحاول الإصغاء أكثر.
**
الحكاية الثانية: الطريق إلى بيروت
_ صاحب الحاجة ضعيف
*
سافرت إلى بيروت وعدت بالسلامة. سافرت وعدت عشرات المرات, ربما مئات.
هذه المرة حدث نوعي, داخلي, لكن الهزة وإعادة ترتيب الأولويات أعتقد أنها تختلف.
ما الذي ينبغي حذفه, إهماله والتغاضي عنه؟ ما الأسلوب الأنسب لوضوح التعبير وسلاسته!
تخيلت نفسي في موقعين, ثلاثة:
_هذه رسالة غير مباشرة, موجهة إلى فتاة أخطب ودها, أو لشخص أرغب بنيل اعترافه
_ هذه وصية, لابن_ة, كما لو تكن حقيقية, وسوف تقرأ بعد موتي
_ أتخيل القارئ المجهول, في الهند مثلا: شكل وصياغة التعبير_ السرد الذي يرضيه
*
في كراج بيروت باللاذقية. يسألني السائق إن كنت أدفع أجرة راكبين ك اجلس بجواره وننطلق مباشرة. غير مستعجل أجبته.
دقائق قليلة, وأخبرنا صاحب المكتب بأن العدد اكتمل: تفضلوا إلى السيارة.
أفتح الباب وأجلس_ في الجانب الثاني شاب جالس قبلي. يفتح الباب من جهتي شاب , فانهض وأحاول الخروج لإدخال الراكب الجديد إلى وسط المقعد (أي رجل يرغب بالجلوس بين رجلين غريبين لساعات!). بصوت منخفض قريب من الهمس: الراكب ضرير, يستحسن أن يجلس على الشباك.
أدخل إلى وسط المقعد بمزيج متنافر من الأحاسيس, شفقة وخوف ونفور..., بسرعة تحضر فكرة التضحية: أنا رجل نبيل وأتخلى برضا عن الموقع المريح!
*
قبل بانياس توقفت السيارة في استراحة على الطريق حوالي نصف ساعة.
الجالس قرب السائق ويحجز مقعدين طبيب جراحة عظمية, والشاب الثاني قربي طبيب أيضا قبل التخصص. شبه مفاخرة علمنا بدرجتهم العلمية. وأنهم أيضا شبه هاربين من التجنيد.
نزلت من جهة الطبيب وصعدت ثانية للسيارة من جهته أيضا. سألت عابرا جاري (الضرير) تريد مساعدة, أجاب باقتضاب شكرا, كرر السائق السؤال أسرع مني وتلقى نفس الجواب.
_ وأنا أجلس بين الرجلين, تمنيت لو قمت بالعمل (الايثاري) باختياري, لتزيد المتعة والرضا الذاتي. وعندما أشعلوا السجائر, شعرت بمتعة وقف التدخين
*
في العريضة _ الجزء الثاني للحدود, بعد مرور حوالي ثلاث ساعات وجاري لم يتزحزح من مقعده. سألت السائق عن دورات مياه, فدلني, وجدتها نظيفة نسبيا ويرضى القائم على تنظيفها بعشر ليرات إكرامية. كنت أشعر برضا نفسي وتبادلت رسائل ومكالمات مع أصحابي بود.
انتبهت إلى وجود الشاب الجار: هل تريد مساعدة, توجد حمامات نظيفة, تمهل في قول شكرا هذه المرة. ألححت عليه: مثل أخوك الكبير, إنه اصغر من اصغر إخوتي بعشر سنين على الأقل. فتحت الباب من جهته, ورافقته إلى دورة المياه
*
تفاخرت أيضا بكتاباتي وأنني ممنوع سابق من السفر, وكنا قد عرفنا عن بعض مختلف الصفات والجوانب الايجابية_ أو التي نظنها ايجابية, قبل استراحة بانياس. عدا الجار الشاب الضرير. يستأذن ويشعل سيجارة.
*
بعدما تجاوزنا طرابلس سألني: هل يمكن لأعمى أن يكون شاعرا؟ هل يوجد شعر بلا ألوان؟
_ الشاب من معرة النعمان, هو أخبرنا, وفقدان بصره حدث منذ أربع سنوات, متزوج ولديه ابنة بحدود الثالثة, توقف على جسر (أنف) كما أتذكر,....
_ ذكرت له المعري وطه حسين وهوميروس وترددت في ذكر بورخيس
*
لقد تغير شيء في نفسي وتفكيري, أعرف ذلك ولا أجيد التعبير عنه.
وحده الميت رأى نهاية الحرب_ أفلاطون
....................................................................................
الحكاية الثالثة: التلفون
_ أفضل متنبئ بالمستقبل الماضي
*
يعرف كل من سكن اللاذقية فترة نصف القرن الماضي, أهمية عامل التلفون الأرضي.
تعطل تلفوني هذه المرة, بعدما تلقيت طلبا بمغادرة البيت خلال شهر.
كنت أمثّل تماما حكاية الذي (مضيّع جحشة خالته), تصلّح التلفون أو لم يتصلح....بوه
*
رنّ موبايلي _رنة واحدة (تعليمة). وجدت الرقم غريبا, لا أهتم بالعادة. أعاد الرنة أربع مرات. عندها_ بشيء من الغضب, اتصلت بالرقم, أجابني بثقة واستعلاء: عندك تلفون معطّل. كم مرة ينبغي أن أعلّم لك....معك سيارة, أنا عالكبين.
في الطريق إلى ملاقاة "عامل التركيبات" كانت مشاعري مختلفة ومعها أفكاري.
_ ألقيت السلام, لم يردّ, يلبس نظارة سوداء وثيابه أنيقة بشكل بارز. كان رجل خمسيني أيضا ينتظر قبلي. وصل ثالث, عرفته من جيراني.
*
حوالي الربع ساعة, تزيد أو تنقص خمس دقائق.
كنا الثلاثة في وضع يشبه انتظار شخص مهم, طلب وظيفة أو مساعدة من شخصية عامة.
عندما انتهى من تبديل الأسلاك, ونهض واقفا, ابتسمنا الثلاثة_ بصدق. هكذا شعرت بنفسي وبأحاسيس زملائي أيضا. معك سيارة؟ سؤال استنكاري, أجبته مرتبكا بعض الشيء_ لا, كدت أقول كلا سيدي. جاري أنقذ الموقف هذه سيارتي تفضلوا.
*
كان العطل على العمود, سلك مقطوع, لم تستغرق عملية إصلاحه_ مع كشفه أكثر من ثلاث دقائق. لن أخذ منك كرمى لحسن, طبعا حسن هو المهندس رئيس القسم_ صديقي وزميلي, وكنت قد كررت على مسمعه عدة مرات أنني مهندس كهرباء واشتغلت أكثر من عشر سنين في طوارئ كهرباء اللاذقية, ورئيس قسمه وبقية المهندسين في المقسم زملائي.
وعندما سمعت رنين التلفون....تلفوني الأرضي يرن وبدون أن أدفع ليرة واحدة( إكرامية لا رشوة_ لا سمح الله)
*
......................................................
حكاية بوذية
في العقل نكسب جميعا, ونفهم أكثر, أجاب الحكيم ضاحكا.
_كيف يمكن نقل جبل بالملعقة؟
*
من كتاب الحياة المشتركة_ تزفتيان تودوروف, ترجمة د منذر عياشي:
المعركة نشاط يحدده هدفه: الحصول على شيء , أو على انتباه شخص ما.
وتكملة الفقرة:
تمثل المعركة العمل الأول الذي يتجه إلى المصاحبين فقط, وليس إلى الأبوين. فهذان ليسا منافسين. ولا تستطيع العدوانية ازاؤهم أن تأخذ شكلا عدائيا( ولكنها تتخذ بالأحرى شكل الحرد أو, فيما بعد, شكل التمرد).
*
لا توجد كتب ولا كتابة تمحو الألم مباشرة, وتقود إلى السعادة بسرعة.
بعض الكتب تساعد في تحمل الألم, وتقبل النقص في العالم_ والأهم أنها تساعد في إدراك الجوانب الايجابية ومواطن الجمال في النفس والآخر_ رغم توافر القسوة والفظاعة....
من هذه الكتب " الحياة المشتركة"
#حسين_عجيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟