|
الجهة المتقدمة -- الحكم الذاتي
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 4075 - 2013 / 4 / 27 - 19:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بمناسبة مرور ثلاثين سنة على استرجاع المغرب لأقاليمه الجنوبية ، القى جلالة الملك خطابا بالمناسبة ضمنه افكارا جديدة بخصوص الحل الواجب تطبيقه بالصحراء امام تعقد المشكلة وتضارب مواقف اطراف النزاع واستحالة تطبيق الاستفتاء لتقرير المصير باعتراف الامم المتحدة ، بسبب تداخل السكان ، وبسبب التطورات التي طرأت على البنية الاجتماعية ، وبسبب استحالة فرز الاشخاص المؤهلين للمشاركة في الاستفتاء . ان الحل الذي اقترحه العاهل المغربي ، والذي اربك جيدا الموقف الجزائري وموقف البوليساريو وزعماء الانفصاليين في الداخل ، كان مقترح الحكم الذاتي كخيار استراتيجي ضمن معادلة اقليمية اساسها لا غالب ولا مغلوب ، اي بما يحفظ ماء وجه الجميع . ومنذ ذاك الخطاب التاريخي الذي ململ الستاتيكو بالمنطقة ، والى الآن لا زال مقترح الحكم الذاتي المقترح من طرف المغرب يراوح مكانه بسبب تعنت الطرف الاخر الذي ظل حبيس مواقعه الجامدة التي لا تحيد عن الاستفتاء المؤدي الى الانفصال . ان ما يستغرب له من هذا الوضع ، ليس مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب ، بل المواقف والتصريحات التي جاءت من بعد ، والتي تطالب ( استعمال بعض الكلمات دون محلها مثل تنزيل الحكم الذاتي وتنزيل الدستور وكأنهما في ابراج عاجية ) بتطبيق الحكم الذاتي من جانب واحد ، اي دون الحصول على موافقة ورضى الطرف الآخر المعني بمقترح الحكم الذاتي ، اي البوليساريو والانفصاليين ، رغم ان هؤلاء قلة بالأقاليم الجنوبية . ان من بين الاصوات التي طالبت بالإسراع بتطبيق الحكم الذاتي من جانب واحد ، هناك مؤخرا عبد العالي حامي الدين ، ووزير الخارجية المغربي العثماني ، كما لم تتردد بعض اقلام الكتبة المنشورة في بعض المواقع الالكترونية من السير على نفس المنهاج ، ورغم ان جلالة الملك في احد خطاباته بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء ، وبسبب رفض الطرف المعني لمقترح المغربي ، تخطى مقترح الحكم الذاتي لصالح الجهوية التي اصبحت من بعد جهوية متقدمة او جهوية موسعة الاختصاصات . اي ان المغرب العارف بحقيقة الصراع التي اطرافه المغرب والجزائر وليس المغرب والبوليساريو الفاقدة لاستقلالية القرار ، قرر ألا يظل يتفرج وينتظر الذي قد لا يأتي ابدا ، لذا ولتجاوز المعيقات الرافضة للمقترح المغربي طرح جلالة الملك في خطابه الجهوية الموسعة الصلاحيات لتنمية ليس فقط الاقاليم الجنوبية من المملكة ، بل لتنمية كل المغرب . امام هذا الجديد ، الجهوية المتقدمة عوض الحكم الذاتي المؤجل والمعلق على شرط قبوله من طرف الخصوم ، فان بعض المسئولين من امثال وزير الخارجية السيد العثماني وحامي الدين المنتسب لحزب الوزير ( حزب العدالة والتنمية ) لا يزالان يرددان ضرورة الاسراع ب ( تنزيل ) الحكم الذاتي من جانب واحد ، ودون ادراك المخاطر الناتجة عن مثل هكذا تصرف ارعن وغير مسئول . فهل تطبيق الحكم الذاتي من جانب واحد يخدم مصالح المغرب الاستراتيجية ام انه يسيء اليها ؟ ان ما هو واضح حتى الآن ، ان هؤلاء القوم ومن سايرهم او يسير على منوالهم يخلطون في فهمهم بين الجهوية الموسعة الاختصاصات او الجهوية المتقدمة وبين الحكم الذاتي . ولتبيان هذا الخلط في الفهم عندهم لا بد من توضيح المسائل التالية : 1 ) ان الجهوية المتقدمة او الموسعة الاختصاصات وكطريق في التدبير والتسيير للشأن العام هي محطة تقع بين نظام الجهة ونظام الحكم الذاتي ، ومن ثم فهي لا تشبهه في شيء / اللهم التمتع ببعض الاستقلال عن المركز في تصريف الامور العامة والهامة ، مع ضرورة الرجوع الى المركز دائما في القضايا الاستراتيجية والمصيرية . 2 ) ان الجهة كطريقة في التسيير والتدبير لا تعني الحكم الذاتي الذي يعني تمتع مجموعة اقاليم داخل الدولة بالاستقلال والسيادة الداخلية عن المركز او العاصمة . واذا كان الحكم المركزي هو الذي يتولى تسيير الجهات المختلفة التي تكوّن الدولة من خلال القوانين والتشريعات والمراسيم التنظيمية ، وتعيين كبار الموظفين من ولاة وعمال وقضاة وضبط الامن الوطني و ضباط الوقاية المدنية والقوات المساعدة ورجالات السلطة ... لخ . واذا كانت الجهة تخضع لقانون الجهة المعمول به في مجموع التراب الوطني ، اضافة الى خضوعها الى القوانين الاساسية ، فان منطقة الحكم الذاتي لن تكون خارج دولة الحكم الذاتي التي لا علاقة لها بقانون الجهة . ان منطقة الحكم الذاتي تكون لها قوانينها الخاصة بها التي تنظم سلطاتها الحكومية والتنفيذية والتشريعية والقضائية ، والمستقلة كامل الاستقلال في اتخاذ القرارات عن العاصمة المركزية للدولة التي تحتفظ معها فقط بعلاقة التنبر ( الطابع البريدي ) والعلم . 3) ان الدولة التي انشأت الجهوية كطريق في التسيير ، حين اضحت مستعدة للذهاب ابعد من الجهة بخلق الجهوية الموسعة الصلاحيات والاختصاصات وبما يقترب من الحكم الذاتي الذي يخضع تطبيقه الى شروط وميكانيزمات معروفة ومعطلة حتى الآن ، ليست ملزمة ولا مجبرة باستشارة اي طرف كان ، او اخذ رأي مما لا يعنيه الامر في شيء . ان الدولة تتمتع بكامل السيادة في تقسيم ترابها الى عدة جهات كما ترى ذلك ضروريا ، وبمقتضى القوانين والتشريعات الوطنية التي ’تناقش فقط في البرلمان لا غير . كما يمكن انشاء الجهة او الجهوية المتقدمة بمقتضى ظهائر سيادية . اما خلق منطقة الحكم الذاتي وبخلاف الجهوية فهي تبقى معلقة عى موافقة طرف ثاني معني بهذه الطريقة في التسيير ، اذ لا يمكن للدولة ان تخلق منطقة الحكم الذاتي من جانب واحد ، لان في هذا تشكيك بمواطنة مواطني الاقاليم التي سيشملها الحكم الذاتي . لذا فان خلق منطقة للحكم الذاتي تكون كجواب عن رفض الانفصال الذي تتشبث به مثلا البوليساريو بطريقة جد خاطئة . وما دام الانفصاليون في الخارج ام في الداخل يرفضون الحكم الذاتي فان تطبيقه يبقى مستحيلا لعدم وجود من يقبل به . 4 ) اذا كان مجلس الامن في جميع قراراته يحث اطراف النزاع على الحل السياسي المتوافق عليه ، فان تشجيع المجلس والدول الاعضاء به للمقترح المغربي ، الحكم الذاتي ، لا يعني ان مجلس الامن ملزم به ، كما انه غير مجبر على فرضه على الطرف الآخر اذا كان يرفضه . لذا فان تطبيق الحكم الذاتي من جانب واحد سيكون نوعا من العبت الذي سيضر بالحقوق التاريخية والمشروعة للمغرب . وهنا فان جلالة الملك في خطاباته بعد فشل تطبيق الحكم الذاتي بسبب رفض البوليساريو ، ركز على الجهوية الموسعة الاختصاصات التي تتموقع بين الجهة وبين الحكم الذاتي الذي يبقى تطبيقه معلقا على قبوله من الانفصاليين . وهذا طبعا ما يجهله وزير الخارجية المغربي السيد العثماني ويجهله معه عبد العالي حامي الدين والأقلام التي سارت على نفس الطريق . 5 ) ما دام ان البوليساريو و زعماء انفصاليي الداخل يرفضون مقترح الحكم الذاتي وهم المعنيون به اصلا ، فلا يمكن تطبيقه من جانب واحد ، لان هذا سيكون نوعا من العبث غير المسبوق في دبلوماسية السيد العثماني . ان الصحراويين الذين من المفروض ان يشملهم هذا الحكم الذاتي هم غير معنيين به لأنهم مفروض فيهم انهم مغاربة وحدويين وليسوا انفصاليين حتى يطبق في شأنهم الحكم الذاتي ، والسيد العثماني ومعه عبدالعالي حامي الدين الذي يطالب ب ( تنزيل ) الحكم الذاتي بهذا التنظير غير المسئول ، فهم يميزون بين المواطنين الصحراويين ويشككون في مغربيتهم وربما في انتماء الصحراء الى المغرب ، وليس الصحراويون الوحدويون ، وهم الاكثرية ، هم الذين شككوا في مغربيتهم ، وفي انتماءهم الى المغرب حتى يطبق بشأنهم الحكم الذاتي الذي يعني فقط الانفصاليين وعصابة البوليساريو . 6 ) من اعطى السيد العثماني وزير الخارجية والسيد حامي الدين صلاحية الحديث عن تطبيق الحكم الذاتي من جانب واحد ، وجلالة الملك الذي استشعر باستحالة هذا التطبيق بسبب رفض البوليساريو و انفصاليي الداخل ، اقترح تطبيق الجهوية الموسعة الاختصاصات التي ستعمم على كل التراب الوطني وليس فقط تطبيقها بالصحراء المغربية ، وهو ما يجعل هذا النظام الثوري في التسيير اكثر من نظام الجهة واقل من نظام الحكم الذاتي الذي يستحيل تطبيقه من جانب واحد ودون موافقة المعنيين به . 7 ) اذا كان انشاء الجهوية المتقدمة من اعمال السيادة التي تباشرها الدولة بخصوص تدبير ترابها سواء من حيث المدن والقرى والجماعات التي ستضمها هذه الجهوية ، بحيث ستشمل كل التراب الوطني وليس اقليما دون آخر ، مما يجعل سلطات المركز معنية بمراقبة الشؤون العامة ومتدخلة بالقضايا الاستراتيجية ، فان منطقة الحكم الذاتي وباستثناء التّنْبر والعلم ستكون مستقلة عن المركز في اتخاذ القرارات الاستراتيجية ، لأنها ستكون لها حكومة وبرلمان وسلطة قضائية تصدر الاحكام باسم سلطة الحكم الذاتي وليس باسم الملك . كما سيكون لهذه المنطقة شرطة محلية مسلحة ومليشيات بلدية شبه مسلحة كذلك ، كما ستقوم سلطات الحكم الذاتي بتعيين كبار الموظفين السامين من وزراء ، ولاة وعمال ، رؤساء المحاكم والقضاة ، رؤساء الامن وضباطه . وإضافة الى هذا ستقوم سلطات الحكم الذاتي بممارسة السلطات الفعلية على جميع ادارات الحكم الذاتي من اعداد الميزانية العامة ، فرض وتحصيل الضرائب ، تنفيذ القوانين ، الامن الداخلي ، الرعاية الاجتماعية ، الثقافة والتعليم ، التجارة ، النقل ، الزراعة ، التعدين ، مصائد الاسماك ، السياسات الصناعية ، البيئة ، الاسكان ، التنمية الحضرية ، المياه والكهربة ، الطرقات والبنيات الاساسية .., لخ . اضافة الى هذا سيكون لمنطقة الحكم الذاتي كامل الصلاحية والاستقلال في تلقي الهبات والمساعدات والقروض الدولية ، وفي تأجير واستغلال ثروات البحر والثروات المعدنية فوق او في باطن الارض ، كما ستكون تلك المنطقة حرة في ابرام الاتفاقيات الاقتصادية والعلمية مع الخارج ...لخ . اذن فهل سيستمر السيد العثماني وزير الخارجية ومن سار على شاكلته في حزبه او في خارجه يرددون وبدون شعور ولا مسؤولية مقولة ( تنزيل ) الحكم الذاتي من جانب واحد مع رفضه من قبل الطرف المعني به جبهة البوليساريو الانفصالية وزعماء انفصاليي الداخل ؟ ألا يعتبر هذا الاخراج غير المسئول بسبب الخلط في الفهم ، وبسبب الجهل المركب ، خروجا عن خطاب جلال الملك ، و من وراءه الإجماع الوطني ، باعتماد الجهوية الموسعة الاختصاصات او الجهوية المتقدمة امام استحالة تطبيق الحكم الذاتي من جانب واحد بسبب رفضه من قبل المعنيين به وهم البوليساريو وزعماء الانفصال بالداخل ؟ .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سوق ترويج الوعود والآمال
-
اللغة وفن التمويه والتضليل
-
هل تخلت واشنطن عن تدعيم مقترح الحكم الذاتي باتجاه الاستفتاء
...
-
الدولة والعنف في الدول العالم ثالثية
-
استراتيجية الجماعات واستراتيجية السلطة
-
ماذا يحمل كريستوفر رووس في جعبته ؟
-
الحركة الماركسية اللينينة التونسية
-
منظمة 23 مارس - مناقشات للتقرير الايديولوجي للاتحاد الاشتراك
...
-
رسالة مفتوحة الى السيد وزير العدل المغربي الاستاذ مصطفى الرم
...
-
الاسرة في المجتمع البطريركي الرعوي العربي
-
الديمقراطية وديمقراطية الجماعات السياسية
-
لو انّ بغْلة عثرتْ في حفرة ...
-
المتلاشيات السياسية في زمن سوق الخردة السياسية
-
المجتمع الحديث بين العقلنة واللاعقلنة
-
منظمة 23 مارس -- نقد برنامج - حزب التقدم والاشتراكية --
-
سورية بلد جميل ، دمره المجرمون
-
الحزب العمالي
-
منظمة 23 مارس -- في التوجه السياسي المرحلي -
-
الدرك الملكي
-
منظمة 23 مارس الماركسية اللينينية - التقرير التوجيهي -
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|