كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 1170 - 2005 / 4 / 17 - 14:35
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
كان نظام البعث بقيادة صدام حسين قد اتخذ جملة من الإجراءات السياسية والمالية والتنظيمية والعسكرية والأمنية وعلى مستوى العلاقات مع الخارج منذ ما يقرب من سنتين قبل سقوطه الفعلي في التاسع من نيسان/أبريل 2003. وكانت هذه الإجراءات بمثابة الخط الأخير في دفاعات البعث الصدّامي الحاكم. وكان الهم المركزي لصدام حسين في ما اتخذ من إجراءات قد تمحور حول ثلاث قضايا جوهرية, وهي:
1. كيف يمنع نشوب الحرب مع البقاء في السلطة؟
2. كيف يقاوم القوى الأمريكية والبريطانية المهاجمة في حالة نشوب الحرب, رغم قدراته المحدودة على الدفاع والبقاء في السلطة؟
3. كيف يعيق استقرار النظام الجديد الذي ينشأ على أنقاض نظامه, إذ كان يدرك حقاً أن نظامه سيسقط أن نشبت الحرب, ولكنه كان بأمل أن يعود إلى الحكم بأساليب مختلفة مع تحريك الرأي العام العربي المناهض للولايات المتحدة ضدها؟
وكان هاجس السقوط حاضراً في كل الإجراءات التي اتخذها صدام حسين قبل سقوطه, وقد عبر عنها طارق عزيز حين أكد بأن المعجزة هي وحدها القادرة على منع نشوب الحرب, وبالتالي فأن المعجزة وحدها هي القادرة على استمرار وجود النظام ورأسه إن نشبت الحرب. وكان في ما قاله يعبر عما كان يدور في رأس صدام حسين وما كان يريد قوله, إذ كان طارق عزيز يجسد صوت "القائد الضرورة" أحياناً, والصدى الباهت في غالب الأحيان. ولم نكن بطبيعة الحال في عصر المعجزات, وكان يدرك ذلك حقاً, إذ كان المثقف الوحيد بين مجموعة القيادة كلها, رغم تشوه ثقافته والتزامه الثابت بالنهج الاستبدادي الدموي للبعث ودفاعه المستميت عنه.
لم تكن خيارات صدام حسين كثيرة, بل كانت محدودة جداً وتركزت في حالة السقوط العمل على إشاعة الفوضى وعدم الاستقرار والخراب والدمار والقتل والنهب والسلب وتنشيط النعرات الدينية والطائفية والخلافات العشائرية في البلاد, وهو المدرك لما كرسه في الواقع العملي من نشر للفكر العنصري والشوفيني والطائفي والعشائري في أوساط غير قليلة في البلاد وحفز على ممارسة التمييز إزاء القوميات والأديان والمذاهب الأخرى وإزاء الفكر والرأي الآخر. لهذا لجأ صدام حسين مبكراً إلى توفير إمكانية ممارسة خمسة أساليب عدوانية شرسة, يجني الشعب العراقي ثمارها المرة في المرحلة الراهنة, وهي:
1. تأمين القدرة لدى أجهزة الأمن والاستخبارات والقوات الخاصة وفدائيي صدام حسين والنواة الصلبة لحزب البعث والعائلة وبعض قوى المنظمات المهنية التابعة لحزب البعث على تنظيم نفسها وتأمين الموارد المالية والأسلحة والعتاد والمتفجرات والبيوت والمواقع المناسبة لعملها اللاحق, سواء على مستوى الداخل أم في مواقع حصينة لها في بعض الدول العربية أم في أوروبا وغيرها. وقد دربت هذه الجماعات تدريباً خاصاً ومتواصلاً طيلة الفترة السابقة للسقوط.
2. تجهيز الخطين الثاني والثالث لهذه القوى بحيث يكون في مقدورها التحرك في كل لحظة للتقدم نحو الخط الأول, ولكنها يفترض أن تبقى في فترة معينة بعيداً عن الأضواء وتعمل بهدوء في مجالات أساسية ومنها وظائف الدولة والإعلام وفي الخارج. كما أن البعض يبقى متفرغاً لهذه المهمات حتى إن لم يكلف بعمليات معينة ويبقى يعيش على حساب التنظيم البعثي شبه العسكري الخاص. والتنظيم البعثي موجود حالياً في العراق وينتشر في مختلف الوزارات ومؤسسات الدولة والمحلات والمدن وله قيادته السياسية التي يترأسها عزت الدوري وله أكثر من نائب أو مساعد. وهذه الأجهزة مزودة بتقنيات حديثة وبخطوط اتصالات سلسلة غير معقدة وسريعة تحميها جمهرة من التنظيم النسوي الذي كان يعمل في أجهزة الأمن ومسجل في سجلات خاصة.
3. بدأ صدام حسين التعاون أو تعزيزه, قبل أكثر من عامين تقريباً قبل سقوط النظام, مع أربع جماعات أساسية في المحيط والأجواء التي كان يعيش فيها في أعقاب الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001, وأعني بها:
• البدء بتعزيز العلاقات مع قوى الإسلام السياسي المحلية المؤيدة له وأئمة المساجد السنية وفي الوقف السني ..الخ, أو تحسين علاقاته مع تلك الجماعات الإسلامية التي كافحها في فترة سابقة أو أصابها التشنج والتوتر.
• كما اتخذ إجراءات تهدف إلى تطوير علاقاته مع القوى القومية التي أساء لها خلال العقد الثامن ووتر علاقاته معها بهدف تذويبها في حزبه أو كسبها إلى جانب نظامه مستفيداً في ذلك من قوى المؤتمر القومي العربي متمثلة بقائد هذا المؤتمر والأب الروحي له الدكتور خير الدين حسيب, وكان العرّاب الفعلي لهذه العلاقة الدكتور سعدون حمادي. وإذا كان الحوار قد بدأ بعد غزو العراق للكويت مباشرة, إلا أن العلاقات اتخذت مسار التطور الملموس منذ أن تم عقد المؤتمر القومي العربي ببغداد في عام 2000. الذي به سعى المؤتمرون إلى رفع رصيد صدام حسين في المنطقة العربية وفق قرارات المؤتمر وفي البيان الختامي الصادر عنه.
• البدء بمد جسور العمل غير المباشر والاحتضان الفعلي, كخط دفاعي آخر, مع التنظيمات الإسلامية المتطرفة والإرهابية باعتبارها خير وسيلة لإشاعة الفوضى والإرهاب والخراب والقتل اليومي للناس. وكانت هذه العلاقات تمر عبر قناتين: قناة البعث وأجهزته الأمنية في الداخل, وقناة البعث وأجهزته الأمنية القومية خارج العراق. وكان صدام قد وافق على ممارسة ثلاث مسائل مهمة, وهي: 1) استقبال قوى الزرقاوي في العراق, ممثلاً عن أسامة بن لادن, للعمل في إطار القوى المتطوعة لمقاومة الحرب الأمريكية المرتقبة؛ 2) الموافقة على إجراء تدريبات خاصة لهذه القوى في العراق وتأمين احتياجاتها للعمليات اللاحقة المحتملة مع تأمين الإشراف المباشر وغير المباشر عليها عليها عبر أجهزته المختلفة؛ 3) العمل مع قوى أنصار الإسلام الكردية التي وجهت نيران كراهيتها وعملياتها الإرهابية ضد الشعب الكردي والأحزاب الكردستانية وتسببت بقتل العشرات من الناس وذبحهم كالشاة في كردستان العراق ومدهم بما يساعد على مواصلة نشاطهم الإرهابي.
• إطلاق سراح المجموعات السجنية التي ارتكبت الكثير من الجرائم الكبيرة كالقتل والسلب والنهب والاختطاف والتزوير ..الخ, وحكم عليها بأحكام ثقيلة ومختلفة ضمن العفو العام الذي أصدره قبل الحرب بفترة وجيزة, لكي "تشارك في الدفاع عن الجمهورية!". وكان الهدف المركزي من وراء ذلك, وفق تفكير صدام حسين, هو ما ستقوم به بعد سقوط نظامه المحتمل من أجل إشاعة الفوضى والخراب والنهب والسلب والاختطاف وقطع الطرق ..الخ, كجزء من مجمل ما يفترض أن يشاع في العراق ضد الوضع الجديد الذي سينشأ في أعقاب سقوط النظام.
وتعتمد القوى الإرهابية على عناصر من الدول العربية والإسلامية إضافة إلى القوى الخاصة المرتبطة بالتنظيمات الإسلامية السنية في العراق, إذ أن مجموعات الزرقاوي مناهضة عموماً لتنظيمات الإسلام السياسي الشيعية, ويصعب التوفيق في ما بينها حتى لو كانت متطرفة وسلفية مشابهة لها في جوهر مواقفها.
هذه القوى مجتمعة هي التي تمارس اليوم النشاط الإرهابي أو تسانده, وهو النشاط الذي تطلق عليه القوى المؤيدة له بـ "المقاومة المسلحة", وأحياناً تضيف إليه كلمة "الشريفة!". ومما زاد في الطين بلة تلك الأجواء التي أشاعتها قوى الإسلام السياسي الشيعية ذات النهج والتمييز الطائفي التي تسعى إلى الهيمنة على الحكم في العراق وفرض رؤيتها الخاصة للمذهب الشيعي الجعفري على البلاد. وبعض هذه القوى ساهم بصورة علنية, أو ما يزال يشارك في الفوضى والإرهاب السائدين بصورة سرية, وقد وضعنا النقاط على الحروف بشأنها في أكثر من مقال سابق.
ولا شك في أن تحقيق الشعب الكردي لجزء مهم من حقوقه المشروعة والعادلة, ومنها المواطنة المتساوية وحق تقرير المصير وإقامة الفيدرالية ومسالة كركوك تثير غضب وحقد وكراهية العناصر القومية ذات الذهنية العنصرية والقوى الدينية المتطرفة, وبالتالي تزيد من عملياتها الإرهابية لإشاعة الفوضى وعدم الاستقرار بأمل إيقاف عجلة التقدم وبناء الديمقراطية في العراق.
منذ عامين والعراق يعاني مأساة الفوضى والإرهاب والعبث بمقدرات الشعب وحياته ومستقبله من جانب تلك القوى التي أشرنا إليها في أعلاه وقد سقط حتى الآن عشرات ألوف القتلى والجرحى نتيجة تلك العمليات دع عنك الخسائر المادية والمالية والحضارية التي تلحق بالعراق يومياً. فكيف يفترض مواجهة هذا الواقع الجديد؟ من الصعوبة بمكان الإجابة عن هذا السؤال وما تزال القوى العراقية ليست هي الفاعل الأول في مواجهة هذه القوى من جهة, وليست قادرة على وضع الخطة الخاصة بها في مواجهة قوى الإرهاب من جهة ثانية. فرغم كل الجهود المبذولة على هذا الطريق, ما يزال الدرب بعيداً للخلاص من هؤلاء القتلة وحماتهم, خاصة وأن لهم في مؤسسات الدولة نسبة مهمة من المشاركين والمؤيدين والمساندين والمدافعين والحامين لهم, إضافة إلى بعض قوى الإسلام السياسي التي لا تترك مجالاً للشك في تأييدها رغم الادعاء برفضها الإرهاب وتأييدها للمقاومة الشريفة!.
يبدو لي أيضاً بأن المجتمع العراقي كان وما يزال يواجه في المرحلة الراهنة والقريبة القادمة أربع إشكاليات كبيرة لا بد من معالجتها رغم المصاعب الكبيرة التي ستواجه المسيرة السلمية والديمقراطية المنشودة, وأعني بذلك:
1. سبل مواجهة الإرهاب الأكثر تطرفاً والأكثر وحشية والقضاء عليه, خاصة وأن القوى التي تمارسه تصاب اليوم بحقيقة انهيار أحلامها البشعة التي كانت تراودها, سواء بالعودة إلى الحكم أم بإقامة نظام ظلامي مطبق على غرار نظام طالباني الدموي البائس في أفغانستان. وكان في المقدور الانتهاء من هذه المهمة بفترة مبكرة لو كانت الولايات المتحدة قد سلكت سبيلاً آخر ولو كانت القوى السياسية العراقية هي الأخرى قد مارست سياسة أخرى, وهي تبقى في أطار "لو" الذي لم يتحقق. أي أن عوامل فاعلة أخرى لعبت دورها في الواقع العراقي الذي نعيشه اليوم وما تزال تساهم في استمراره حتى الآن, ومنها وجود قوى سياسية تعمل على تنشيطها بهدف إحراز مواقع لها من خلال تلك العمليات الجارية, والطريقة الأمريكية غير المعقولة في مواجهة الواقع العراقي الجديد, وضعف دور القوى السياسية العراقية في مواجهة هذا الإرهاب, إضافة إلى خشية الشعب من التصدي له حتى الآن بحكم التأثيرات المستمرة على فكر المجتمع نتيجة هيمنة البعث طيلة عقود على رؤوس الناس وطريقة تفكيرهم وردود أفعالهم.
2. سبل مواجهة التطرف الشيعي المحتمل والراغب في الهيمنة على الحكم وعلى مواقع وزارية أساسية لفرض طريقته في التفكير والتربية والتعليم ومصادرة الديمقراطية تدريجاً باسم الديمقراطية. وهو رد فعل لما حصل في الفترات السابقة أو بشكل خاص في ظل حكم نظام صدام حسين. وإذا كان الخطر الأول يمكن مواجهته, فأن الخطر الثاني يحاول أن يفرض نفسه بأساليب مختلفة موظفاً فيه كل ما هو مقبول وغير مقبول في العمل السياسي بما في ذلك إشراك المرجعيات الدينية للشيعة في التأثير على فكر وعقول الناس. وهذا الخطر لا يأتي من المعتدلين منهم بل يأتي من القوى التي تجد في السلطة السياسية طريقاً لفرض ما تريده وتجد أنها كانت محرومة من السلطة قروناً طويلة وعليها الآن أن تمارسها بكل عنفوانها بغض النظر عما يحدث للمجتمع, وهي بذلك يمكن أن تسير على طريقة "اقتلوني ومالك"!
3. سبل مواجهة استمرار عملية الفساد الوظيفي والمالي في أجهزة الدولة وفي صفوف قوى سياسية غير قليلة وأجزاء كبيرة من المجتمع, بحيث أصبحت الرشوة والمحسوبية والمنسوبية والحزبية الضيقة والهدايا الكبيرة وما إلى ذلك هو الطريق الوحيد للوصول إلى الغايات المنشودة مهما كانت صغيرة أو كبيرة. ويقول الناس: إذا كان في زمن صدام حسين حزب واحد يرتشي أو يمارس دوره في توظيف أتباعه في البلاد ونشر الرشوة في كل مكان, نجد اليوم مجموعة أكبر من الأحزاب والجماعات والقوى والأفراد تمارس ذلك دون رادع من ضمير أو وازع أخلاقي وإنساني! وهي تقف حائرة لا تندري ما تفعل للخلاص من هذا الوضع المزري.
4. سبل مواجهة السياسة العسكرية الأمريكية في العراق التي لا تقبل بالرأي الآخر ولا بالتعاون مع الآخر لإنجاز المهمة الأساسية, مهمة إيقاف الإرهاب في العراق وإرساء دعائم الاستقرار والتحضير للخروج من العراق. وهي بهذه الطريقة تطيل أمد الإرهاب شاءت ذلك أم أبت.
وتتصدر هذه المهمات الكبيرة المهمة المركزية والرئيسية, وأعني بها مهمة إقامة الجمهورية الفيدرالية الديمقراطية والمدنية الحديثة. ومن جانبي أدرك تماماً بأن بعض القوى في الائتلاف العراقي الموحد يرفض كلمة الديمقراطية ولا يريدها أن تكون في برنامجه أو في خطبه وأحاديثه باعتبارها غير إسلامية ومستوردة! ومع ضرورة احترام هذا الرأي أيضاً, إلا أنه إن سيطر سيجلب المآسي الجديدة على الشعب العراقي, ولكن من مواقع أخرى لا تختلف كثيراً عن المواقع التي تحركت منها وانتهت إليها كل القوى المستبدة والراغبة في فرض الرأي الواحد في العراق أو في أي مكان آخر.
ومن هنا أشير إلى أن الشعب العراقي أمام محنة كبيرة تستوجب المعالجة الجادة والحلول الواعية والسليمة والعمل من أجل الابتعاد عن التطرف الديني والتمييز الطائفي والفكري, كما يحصل اليوم من المسئولين فضلاء البصرة أو بعض المسئولين في بغداد أو في محافظات أخرى, إذ ستكون نتيجة ذلك وخيمة على المجتمع بأسره.
إن الصراعات الدائرة على الوزارات وعددها وطبيعتها واستئثار قوى الإسلام السياسي الشيعية على 17 وزارة كلها تقريباً ترتبط بالثقافة والتربية والتعليم والداخلية ستكون مواقع مهمة لفرض الرأي والفلسفة الدينية الواحدة وستحاول فرض الحجاب على النساء, كل النساء, وما هو غير ملائم لمجتمع عصري متفتح ومنطلق نحو آفاق الحضارة الإنسانية الحديثة, إنها لمحنة حقاً سيواجهها المجتمع العراقي وهو يعيش العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ورغم أن هذه المحنة ستنتهي لصالح الشعب, إلا أنها ستكلف الكثير من الضحايا والخسائر وتأخير الوصول إلى هدف إشاعة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والعدالة الاجتماعية.
يقف الشعب في العراق بكل مكوناته القومية أمام محن كثيرة ومهمات كبيرة وهي التي تستوجب تشمير السواعد لمواجهتها وحلها لصالح العراق الديمقراطي. وتقع على عاتق القوى الديمقراطية العراقية هذه المهمة أيضاً. ولو ألقينا نظرة على واقع القوى الديمقراطية العربية في العراق حالياً وبعد الانتخابات لوجدنا أنها تقف مكتوفة الأيدي إلى حدود بعيدة إزاء ما يجري في العراق, إذ لم يبق أمامها إلا أن تنظر إلى ما يجري على الساحة السياسية العراقية نظرة متفرج وعلى هامش الأحداث الفاعلة, وكل ما يمكنها عمله هو طرح رأيها في ما يجري ولكنها غير قادرة على تغيير ذلك ما لم تفكر جدياً وتسعى إلى تشكيل ائتلاف مع التحالف الكردستاني الذي لا يمكن أن يكون مرتاحاً تماماً لما يجري, ولكنه لا يستطيع تغيير نتائج الانتخابات التي حصلت في العراق وغير قادر إلا الدخول في تحالف مع بعض تلك القوى التي تبتعد عن العلمانية والمجتمع المدني ولا تفهم الديمقراطية إلا سيادة فكرها وفرض رؤيتها وحريتها الخاصة عندما تنفرد بالسلطة, وهو أمر بالغ الخطورة حالياً وفي المستقبل.
إن أمام القوى الديمقراطية المدنية العراقية في القسم العربي من العراق وعلى نطاق العراق كله فرصة العمل الجاد وبلا كلل من أجل تأمين التحالف السياسي المنشود لضمان وصول ممثليه إلى المجلس الوطني القادم ليستطيع التحدث على مستوى واحد مع بقية القوى السياسية العراقية التي أحرزت الأكثرية والتي سماه السيد عبد العزيز الحكيم بالفوز الساحق, وهو كما يبدو ساحقاً فعلاً عندما يهيمن التيار الإسلامي الشيعي على 17 وزارة من مجموع ما يقرب من 32 وزارة, رغم أنهم ليسوا جميعاً من قوى المجلس الأعلى للثورة الإسلامية, الذي يمتلك قوى عسكرية نشأت وتربت في إيران وعلى مقربة من الحرس الثوري الإيراني وتمتلك صفاته وسياساته وأساليب عمله.
إن مؤتمراً ديمقراطياً واسعاً وجدياً يعقد للقوى الديمقراطية العراقية بأطيافها المختلفة يمكن أن يشكل القاعدة الأولى للانطلاق نحو التعاون والتحالف وزيادة التأثير على الواقع السياسي العراقي. ويفترض أن يضم مثل هذا المؤتمر ليس العرب وحدهم, بل الأحزاب الكردية الحاكمة في كردستان وتلك القوى المتحالفة في قائمة التحالف الكردستاني, إضافة إلى قوى ديمقراطية تركمانية وكلدانية وآشورية من النواحي القومية, وكذلك القوى الديمقراطية والمدنية في صفوف المسلمين والمسيحيين والأيزيديين والصابئة وغيرها من الأديان والمذاهب الموجودة في العراق.
إن عقد مثل هذا المؤتمر في بغداد أو في أي مدينة يمكن أن يعقد فيها ليناقش المؤتمرون المسائل العراقية المختلفة بحرية وأمان وينتهون إلى وضع برنامج انتخابي مشترك للانتخابات القادمة سيعطي زخماً كبيراً لكل الذين لم يصوتوا وكل الذين يرفضون الطائفية والتمييز الطائفي الذي يحاول أن يجعلها عنواناً للحكم في العراق بدلاً عن المجتمع المدني والديمقراطي الحر.
أتمنى على القوى الديمقراطية العراقية أن ترى بوضوح المخاطر الكبيرة التي تواجه العراق من جانب قوى الإرهاب الفاجرة والمعروفة من جهة, والقوى الاستبدادية التي لم تظهر علامات الاستبداد بشكل صارخ في مناهجها ولكنها تتضمنها في طبيعة بنيتها الفكرية والسياسية ولا تبتعد كثيراً عنها من جهة أخرى. وعلى هذه القوى أن تعيد النظر بواقعها خلال العامين المنصرمين لتكتشف ما يفترض التخلص منه وأن تكون جريئة في نقدها لنفسها وأن لا تقصر النقد على قواعدها بدلاً من تشخيصها في القيادة التي تتخذ القرارات وترسم السياسات وتراقب النشاطات.
برلين في 16/4/2005 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟