أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - علاء اللامي - اللازم والمتعدي في الظلم !















المزيد.....

اللازم والمتعدي في الظلم !


علاء اللامي

الحوار المتمدن-العدد: 287 - 2002 / 10 / 25 - 03:13
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


                                                              

الفعل اللازم  في النحو العربي هو ما لزم فاعله فلم يتعده الى مفعول به كقولنا : خرج سميرٌ . أما المتعدي فهو ما تعداه الى مفعول أو مفعولين أو ثلاثة مفاعيل وهو نادر. ومن المتعدي قولنا : أكلت مريمُ برتقالةً . ويمكنك تعدية اللازم أحيانا بزيادة حرف على الفعل اللازم فتقول : أخرج المعلمُ سميرا من المأزق . هذا في خانة اللغة أما في مضمار الفكر والأخلاقيات والفقه فنحن نلتقي بمفهوم اللازم والمتعدي أيضا وقد استبطنا معنيين مختلفين وهاك تفصيل ذلك :

بيَّن بعض الفقهاء والمتكلمين في العصر الإسلامي الزاهر وقبل أن يسدل الظلام المغولي العثماني قتامه على دنيا الإسلام الفرق بين الظلم اللازم أي المضر بصاحبه فقط ، وبين الظلم المتعدي صاحبه الى الإضرار بالناس . وقد تكلم عن هذا الموضوع العالم الأشعري أبو حامد الغزالي ، ونفتح قوسا لنقول بأن الأشاعرة يوصفون عادة بالسلفيين العقلانيين ، وبسبب عقلانيتهم إنما جرت تصفيتهم كسائر الفرق الإسلامية الفكرية الأخرى من قبل الاستبداد العثماني . وأوضح – الشيخ أبو حامد  - في مؤلفه الشهير "إحياء علوم الدين " أن المعصية تنقسم الى لازمة ومتعدية ، فالفسق معصية لازمة ولا يتعدى ،والكفر جناية لازمة على حق الله وحساب الكافر على الله ،أما ظلم السلطان والأمير والحاكم فهو معصية وجناية متعديتان لأنهما واقعتان على الناس المحكومين . و قد شرح هذا المعنى المؤرخ الراحل هادي العلوي في كتابه " محطات في التاريخ ص103 " بقوله أن اللازم يراد به الفعل الذي يضر صاحبه فقط ، والمتعدي هو الذي يتعدى ضرره الى الناس ، والفسق والكفر لازمان يضران فاعلهما فقط ولا يضران الناس أما الحاكم الظالم فهو يضر الناس ولذلك لا يتساهل المسلم الورع مع الحاكم الظالم إنما يتساهل مع الإنسان المخطئ ومرتكب الظلم اللازم .

وبالمناسبة ، فليس ثمة أكثر ظلما متعديا من اغتصاب  ومصادرة حرية الأفراد والمجتمعات حين يزج الحاكم بالناس في السجون المعتمة بعيدا عن الحياة النابضة ودفء الأسرة و لأسباب لا تدخل غالبا في زمرة الجنايات والأخطاء بل هي من حقوق الإنسان . و الثابت هو أن أول حق من تلك الحقوق هو الحق في الحياة، وفي التفكير، والتعبير عن الذات الإنسانية . بهذا المعنى، يمكن اعتبار الحَجْر على حرية الإنسان ومصادرتها تحت شتى الذرائع والأسباب السياسية وغير السياسية جريمة كبرى وأشبه باقتطاع كتلة من اللحم الحي من الضحية توازي الزمن الذي يقضيه السجين ظلما بين الزنزانات .

  وحين يقارن المرء، في زماننا المعاصر ،بين ما يعتبره البعض كبيرة من الكبائر المتعلقة بالجانب الإيماني ،وبين  التسبب في موت ملايين الأطفال الجياع في أفريقيا وآسيا بسبب القحط والجفاف والتلوث البيئي في حين تزدحم المجتمعات الاستهلاكية الغربية بخيرات لا تعد ولا تحصى، فأنه يميل  حتما الى التقليل من شأن النوع الأول ويحكم بتجريم النوع الثاني والذي تعدى ضرره الى الملايين حتى لم يعد ثمة فرق بينه وبين استعمال أسلحة التدمير الشامل ضد المجتمعات المسالمة .

  الظلم المتعدي إذن مرفوض وبالمطلق ،ولا يمكن تبريره تحت أي ظرف كان ، ولن تخفف من وطأته تلك التخريجات القدرية والحتمانية والتي تخلط على سبيل التبرير بين نتائج الكوارث الطبيعية وبين تلك التي يتسبب بها حاكم مستبد ،فأن يموت الإنسان في زلزال أو فيضان عارم  أمر يتفهمه الناس ، ويحاولون الحد من و أضراره  أو مقاومة تداعياته وآثاره ، أما أن يُشنقَ إنسانٌ بريء وبتهمة ملفقة أو تتعلق بميدان الفكر والحق الطبيعي المقدس في التعبير عن الذات الإنسانية ، وهو يعلم أنه بريء ومظلوم فليس ثمة ما يجعل الضمير الصاحي والوجدان النقي مبررا أو داعية للنسيان .

  إن النسيان شيء ، والغفران شيء آخر ومختلف في الجوهر والأعراض . بمعنى أنني قد أغفر لجلادي ما ألحقه بي من أذى وعذاب، وهذا حق من حقوقي  الشخصية ، ولكن الذي ليس من حقي هو التناسي أو النسيان . لماذا ؟ لأن النسيان ،أو الدعوة لتناسي الضرر النفسي والبدني الذي ألحقه بالضحية فاعل الظلم المتعدي، هو دعوة غير مباشرة لقدوم ظالم متعدٍ جديد ولو بعد حين . إن الغفران ممارسة لا يجرؤ على القيام بها إلا أصحاب الأرواح العظيمة والضمائر الصاحية العميقة أما الدعوة الى التناسي فهي فعل خطير يساهم صاحبة -شاء  أم  أبى - في التأسيس  لتجربة ظالمة جديدة بحق الإنسان، والإنسان المستضعف خصوصا، بوصفه أثمن رأسمال في الوجود  وخليفة الله في أرضه .

 

========

المقالة الأسبوعية / جريدة الزمان / عدد الأربعاء 23/10/2002  .

 

 

 



#علاء_اللامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نعم لعروبة الحضارة لا لعروبة العنصر والدم !
- عروبة العراق ليست قبوطا !
- السلفية اليسارية وداء الشيخوخة المبكرة- الجزء الثالث والأخ ...
- كتاب جديد عن العراق : نقد المثلث الأسود: النظام والمعارضة ...
- السلفية اليسارية وداء الشيخوخة المبكرة !* -الجزء الثاني
- السلفية اليسارية وداء الشيخوخة المبكرة !* - الجزء الأول
- الصحف الإسرائيلية تعترف : إعادة الملكية الى العراق جزء من مش ...
- السينما المتربة
- ملاحظات سريعة على مقالة الأخ مالك جاسم ..
- الحزب الشيوعي العمالي و العدوان الوشيك على العراق : دوغما ست ...
- لكلٍّ منا إمبراطورهُ .
- دعوا الانتفاضة تنتصر وإلا فانسحبوا من الواجهة !
- لبراليون من نوع آخر !
- كيف رد علي بن أبي طالب على جورج بوش زمانه !
- الإرهاب الفكري في الفضائيات
- بيان الخمسة وثلاثين مثقفا عراقيا : الصمت على العدوان الأمريك ...
- انتحار مدينة فاضلة !
- جريدة ابن الرئيس والتهجم على الشيعة : تخرصات واستفزازات خط ...
- أبو العلاء الآخر ..وهموم الحاضر .
- التاوي والسحّاب والحرب !


المزيد.....




- مسؤول عسكري بريطاني: جاهزون لقتال روسيا -الليلة- في هذه الحا ...
- مسؤول إماراتي ينفي لـCNN أنباء عن إمكانية -تمويل مشروع تجريب ...
- الدفاع الروسية تعلن نجاح اختبار صاروخ -أوريشنيك- وتدميره مصن ...
- بوريسوف: الرحلات المأهولة إلى المريخ قد تبدأ خلال الـ50 عاما ...
- على خطى ترامب.. فضائح تلاحق بعض المرشحين لعضوية الإدارة الأم ...
- فوضى في برلمان بوليفيا: رفاق الحزب الواحد يشتبكون بالأيدي
- بعد الهجوم الصاروخي على دنيبرو.. الكرملين يؤكد: واشنطن -فهمت ...
- المجر تتحدى -الجنائية الدولية- والمحكمة تواجه عاصفة غضب أمري ...
- سيارتو يتهم الولايات المتحدة بمحاولة تعريض إمدادات الطاقة في ...
- خبراء مصريون يقرأون -رسائل صاروخ أوريشنيك-


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - علاء اللامي - اللازم والمتعدي في الظلم !