|
الاستعدادات الأخيرة لمعركة خراب مصر
محمود يوسف بكير
الحوار المتمدن-العدد: 4074 - 2013 / 4 / 26 - 01:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كمتخصص في الاقتصاد فإنني أشعر في غربتي بالمرارة والأسى بشكل يومي وأنا أتابع تدهور كافة المؤشرات الاقتصادية في مصر بشكل منتظم مثل التقلبات الشديدة في البورصة والتي ترسل اشارات حمراء للعالم الخارجي بان مصر بلد غير مستقر و ان بورصتها اصبحت ملعبا للمضاربات الشديدة خاصة مع انخفاض قيمة الجنيه، هذا ناهيك عن ارتفاع نسبة البطالة بمعدلات كبيرة وتضخم الاسعار خاصة أسعار الغذاء وهو ما يمهد عادة لارتفاع نسبة الفقر والجريمة والعنف في أي مجتمع. والمحصلة النهائية لكل هذا هي ضرب السياحة وانخفاض موارد البلاد من العملات الاجنبية ومن ثم تدهور رصيدها من الاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي. والهدف من كل هذا هو دفع مصر نحو هاوية الافلاس حتى لا ينتشر فيروس الثورة في المنطقة وحتى تعتبر الشعوب المقهورة وترضى بقدرها.
جميعنا في مصر سواء بقصد أو بدون قصد ساهمنا في فشل ثورة 25 يناير 2011 والتي اعتبرت في بدايتها واحدة من أعظم الثورات في التاريخ لتحضرها وسلميتها والتفاف جميع طوائف الشعب المصري حولها ونجاحها في خلع أسوأ وأفسد وأحقر ديكتاتور في تاريخ مصر .
نعم كلنا ساهم في فشل هذه الثورة العظيمة وعدم اكتمالها بداً من المجلس العسكري بزعامة طنطاوي وعنان وغير المغفور له عمر سليمان والإعلام والقضاء والشرطة والإخوان المسلمين وأحزاب المعارضة الضعيفة والمتناحرة والفلول بقيادة زعيمهم المخلوع وزوجته وأبناءها وشلتهم من رجال الأعمال الفاسدين وحتى شباب الثورة والكثير من المثقفين الذين صدقوا نكتة أن المجلس العسكري جاء للحكم لاستكمال الثورة في وقت بدا فيه جليا مثل شمس الظهيرة في صيف مصر ان هذا المجلس يعمل بهمة عالية لخنق الثورة في مهدها بشتى الحيل وكل اشكال العنف والمحاكمات العسكرية للمدنيين. كما ساهم الحصار الاقتصادي الناعم الذي ضرب حول مصر من جانب بعض دول الخليج العربي والولايات المتحدة وأوربا في تفاقم الأوضاع الاقتصادية وفي تحويل جانب كبير من الثوار وأغلبية البسطاء من أبناء شعبنا الطيب من مربع تأييد الثورة الى مربع كراهيتها ومعاداتها بل والمطالبة بعودة مبارك للحكم! ، ولا يستطيع أحد لومهم على هذا بعد ان تحولت حياتهم الى جحيم ومعاناة يومية بشكل لم يحدث في كل تاريخ مصر المعاصر.
ولكن من السبب الرئيس في كل هذا وهل كان بالإمكان تجنب هذه المأساة ؟ في تصوري أن السبب الأول هو عدم الوعي والطيبة الذائدة المنتشران إلى حد الوباء بين أبناء شعبنا حتى في أوساط بعض المثقفين الكبار فقد صدقنا بسذاجة شديدة أن المجلس العسكري يؤيد الثورة بالرغم من تحرك العسكري على مدار عام ونصف وبشكل واضح وبلا مواربة لوأد الثورة وحماية مبارك وأسرته وكل رموز حكمه وتشويه الثورة ورموز المعارضة وإنهاك الشعب في معارك جانبية وأزمات يومية لا حصر لها ومن ثم نجح العسكري بامتياز في القضاء على الزخم الثوري. ووصلت المهزلة إلى حد أن الاغلبية صدقت ان الطنطاوي وعنان رموز وطنية وطالب البعض بترشيحهما لرئاسة مصر مع أن الاثنين عاشا أزهى عصور الفساد في عهد مبارك ولم نسمع لهما حتى همسة اعتراض وتحول الجيش على أيديهما إلى مورد للزيت والمكرونة والجاتوه ومتعهد لصالات الأفراح والمنتجعات السياحية والترفيهية على النيل.
وعندما قرر المجلس العسكري تسليم السلطة بعد فشله الذريع في إدارة البلاد وتردي الاوضاع الاقتصادية وضعنا أمام خيار صعب فإما عودة النظام القديم من خلال اللص شفيق أو تسليم البلاد إلى التيارات الدينية .
وانتهى الأمر بحصول العسكري على تنازلات سخية من الاخوان المسلمين أولها عدم المساس بكل قيادات المجلس العسكري أو ملاحقتهم قانونياً بأي شكل من الأشكال على ما اقترفوه في حق الثوار وحق مصر وثانيها السماح بالإبقاء على استقلالية الجيش عن الدولة المصرية وبقاؤه كدولة داخل الدولة، بل والسماح لبعض ضباطه بالتمثيل داخل المجلس التشريعي الهزيل المسمى بمجلس الشورى لمراقبة ما يحدث في الدولة الاخرى ( دولة مصر ) للتدخل عند الضرورة . والمفارقة أنه غير مسموح في ذات الوقت بوجود اي عناصر من دولة مصر المدنية داخل دولة المؤسسة العسكرية وبالطبع فإن السيد المرشد العام لحركة الإخوان المسلمين قبل بكل هذا من أجل السلطة والنفوذ حتى ولو كان منقوصاً .
وعودة الى المجلس العسكري الذي سمح لكل الرموز الكبيرة في إعلام مبارك وقضاء مبارك وشرطة مبارك وجامعات مبارك بالبقاء بشكل أو آخر وها هم يتصدرون الساحة الآن في كل المجالات في حماية العسكري دون أن يجرؤ أحد على المساس بهم .
كتبنا مراراً في بداية الثورة أن أي نظام جديد لا يمكن ان يقوم وينجح إلا على أنقاض النظام القديم. وكتبنا عن السياسات النقدية التخريبية التي اتبعها محافظ البنك المركزي السابق وعن الدور التخريبي الذي يمارسه المجلس العسكري في بدايات الثورة عسى أن يهتم أحد ولكن كبار الصحف المصرية رفضت بحجج وبدون حجج النشر.
ومع ضياع معالم الثورة أصبح من الصعوبة بمكان التمييز بين الثوار أو الإخوان أو الفلول أو المعارضة أو البلطجية ، البلطجة والفوضى أصبحا شعار المرحلة والثورة تقضي في نزعها الأخير .
والآن أصبح الحديث عن إنقاذ الثورة نوع من الترف لأن كيان الدولة نفسه في خطر والمتآمرين على الثورة بعد أن نجحوا في تشويه معالمها يتآمرون اليوم على تخريب كافة هياكل الدولة المصرية فالاقتصاد في حالة سيئة كما أسلفنا والأحزاب السياسية في صراع مميت والمجلس العسكري مشغول بحماية مصالحه والأمن لا أمل في إصلاحه بعد أن وصل الفساد فيه إلى النخاع الشوكي والقضاء مخترق والإعلام يلعب مع من يدفع أكثر ولا عزاء للمبادئ والجامعات تحولت إلى مدارس ثانوية متخلفة وكل الأجهزة الخدمية وعلى رأسها المستشفيات وقطاع النقل والصيانة أصبحت هياكل مفرغة. والمذهل ان الاخوان المسلمين أظهروا عدم دراية بأمور الحكم يدعو للعجب وهمهم الاول والشاغل هو توطيد أقدامهم في الحكم. والكل مشغول بنهش أكبر قطعة ممكنة من جسد ناحل وهزيل اسمه مصر ما بعد الثورة .
#محمود_يوسف_بكير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البحث عن نتينياهو عربي
-
تأملات فلسفية في أحوالنا الدينية
-
أسرع طريقة لإفقار أي بلد
-
رؤية لنظام حكم يصلح للعالم الإسلامي
-
حوار متمدن وعلمي وديمقراطي
-
المنهج التبجيلي واستحالة تأصيل الفكر الديني
-
مستقبل الرأسمالية - قراءة نقدية لكتاب جديد-
-
الإله والإنسان
-
من المسيء للإسلام؟
-
الإسلام والربيع العربي
-
كيف تحكم مصر الآن
-
عندما تتحول الثورة إلى مهزلة - الجزء الثاني
-
عندما تتحول الثورة إلى مهزلة- الجزء الأول
-
عادل إمام مبدع الزمن الرديء
-
تأملات فلسفية في أحوالنا العربية
-
إلى مؤيدي الأسد: انتبهوا إنه يقودكم إلى خراب مؤكد
-
فضيحة في ساحة القضاء المصري
-
أصل الحكاية عسكر وحرامية
-
الإخوان ومستقبل الثورة في مصر
-
أرخص إنسان على وجه الأرض
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|