محسن ابو رمضان
الحوار المتمدن-العدد: 4072 - 2013 / 4 / 24 - 12:47
المحور:
القضية الفلسطينية
تصنف المنظمات التي تقع خارج دائرة السلطة " الدولة " والتي لا تهدف إلى الربح وتسعى لتحقيق المصلحة العامة والمبنية على المشاركة لمواطنين أحرار ، تصنف تلك المنظمات بأنها منظمات المجتمع المدني التي يجب أن تكون بعيدة عن البنى العضوية وتسعى للتأثير بالحيز العام .
يحدث الصراع بين منظمات المجتمع المدني والسلطة بمدى القدرة على التأثير بالحيز العام ، حيث تستخدم السلطة أدواتها السياسية والإدارية والأمنية بما أنها تحتكر استخدام القوة والعنف بالمجتمع كما تستخدم منظمات المجتمع المدني أدواتها المبنية على وسائل الإعلام والحشد والضغط والتأثير والرسالة والعريضة والمفاوضات والبيان وغيرها .
تبدأ منظمات المجتمع المدني بتحقيق تعديلاً في توازنات القوى عندما تهيمن رؤيتها الثقافية على الرأي العام وعندما تصبح روايتها ورؤيتها هي الأكثر مصداقية والتي تلتف حولها الجماهير بقطاعاتها الاجتماعية المختلفة ، من هنا فإن التراكم الثقافي الذي تحدثه هذه المنظمات له دور رئيسي بإقناع القطاعات الجماهيرية من أجل تحقيق عملية التغيير الاجتماعي سواءً من أجل توسيع مساحة الديمقراطية والحرية أو بهدف الدفاع عن حقوق الفئات الاجتماعية المهمشة والضعيفة .
يتميز نشاط المجتمع المدني بالقدرة على المبادرة واستخدام الوسائل الديمقراطية السلمية ، والتدرج في عملية التصعيد بما يتماشى مع القدرة على إقناع الرأي العام والقطاعات الاجتماعية المختلفة ، وممكن أن يتم البدء ببيان ثم ينتهى العمل بإضراب جزئي ثم مفتوح مثلاً من أجل تلبية قضية محددة لها علاقة بالحريات العامة أو بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية .
سيتم التركيز هنا على دور المنظمات الأهلية كجزء من نسيج منظمات المجتمع المدني ، علماً بأن هناك أدواراً هامة تقوم بها كل من النقابات والأحزاب السياسية، على الرغم من تميز الأخيرة بأنها تسعى للوصول للسلطة أو المشاركة بها، أما النقابات والمنظمات الأهلية فليس لديها هذا السعي بما أنها أدوات فعل اجتماعي حقوقي ومطلبي بصورة رئيسية ، ولكن جهدها ودورها بالضرورة يساهم في منع استحواذ الدولة وسيطرتها على حقوق الأفراد والمواطنين بالاستناد على المرجعية القانونية المبنية على سيادة القانون والفصل بين السلطات واستقلال القضاء، والمستندة إلى دستور مدني وديمقراطي، إلى جانب استنادها إلى المكانة الاجتماعية والحقوقية المجتمعية التي تتمتع بها شبكة علاقاتها الحقوقية الدولية التي ترتكز على الشرعة الدولية لحقوق الانسان .
من الملاحظ أن خطاب المسائلة والمحاسبة وضمان الحكم الديمقراطي الرشيد تراجع بالسنوات الأخيرة ولعل هناك بعض الأسباب الموضوعية وراء ذلك تكمن بازدياد شدة الهجمة الاحتلالية وطغيان البعد الوطني على البعد الاجتماعي ، عبر ممارسات الاحتلال الاستيطانية والتوسعية والعنصرية إلى جانب حصار قطاع غزة و شن عدوانيين ووحشيين عليه خلال أربعة سنوات.
بالإضافة إلى حالة الانقسام التي أفرزت مظاهر وإجراءات أدت إلى تقليص مساحة الحريات الخاصة بالرأي والتعبير والتجمع السلمي والاستهداف على خلفية الانتماء السياسي ومنع الصحف ووسائل الإعلام التي تعود للطرف الآخر .. إلخ من الإجراءات والممارسات التي دفعت المنظمات الأهلية للعمل تحت أولوية الدفاع عن الذات في مواجهة انعكاسات الانقسام التي كانت أحد الأسباب الرئيسية في تراجع مساحة الحرية والديمقراطية بالوطن أي بالضفة الغربية وقطاع غزة .
لقد ساهم انقسام مؤسسات السلطة من خلال وجود حكومتين وجهازين للقضاء واعتماد قرارات بفعل القانون من قبل الرئيس أبو مازن وكذلك سن تشريعات عبر كتلة الإصلاح والتغيير في قطاع غزة دون إشراك الكتل البرلمانية الأخرى ساهم بصورة فاعلة في تشويه البيئة التشريعية والقانونية، وأضفى أجواء من الإحباط على المنظمات الأهلية والحقوقية التي تستهدف التأثير بالقوانين والتشريعات والسياسات والإجراءات ، ولكنها لا تستطيع القيام بذلك في ظل بنية مؤسسة منقسمة ، وقوانين وسياسيات توظف لتعزيز الحكومة برؤية خاصة وليس بالضرورة برؤية مبنية على مبادئ الديمقراطية والمواطنة وحقوق الإنسان والعدالة .
لقد ساهمت القيود المفروضة على المنظمات الأهلية والناتجة عن حالة الانقسام بتراجع دورها الرقابي على الاداء العام ، فبالوقت الذي يوجد حق للسلطة التنفيذية بالرقابة على عمل المنظمات الأهلية وفق قانون الجمعيات رقم 1/2000 ، فيوجد حق للمنظمات الأهلية بالرقابة على الأداء العام للسلطة من خلال متابعة الأنظمة والتشريعات والسياسات والموازنات والأداء الخاص بالحقوق سواءً السياسية المدنية أو الاقتصادية والاجتماعية ، وهذا هو أحد الأدوار الرئيسية للمنظمات الأهلية ، التي يجب أن لا تكتفي بتقديم الخدمات فقط بل بالتأثير بالسياسات والقيم بحيث يتم تعزيز حالة الديمقراطية والحريات العامة والحقوق الاجتماعية للفئات الفقيرة والمهمشة بالمجتمع .
تحتاج المنظمات الأهلية لاستعادة دورها الخاص بالرقابة وذلك من أجل متابعة الأداء العام للحكومتين في غزة والضفة الغربية وبالاستناد إلى القانون الأساسي كمرجعية للحكم على الأداء علماً بأن الدور الرقابي للحكومتين تراجع في مسائلته للوزراء ومتابعة الشؤون العامة ، مما عزز من عملية التفرد في ظل غياب آليات المسائلة والمحاسبة ، علماً بأن عمل هيئة الرقابة أو مكافحة الفساد بالضفة الغربية كان موسمياً ومؤقتاً ولم يأخذ الطابع المنهجي والمستمر، بالوقت الذي لم نسمع عن هيئة لمكافحة الفساد في قطاع غزة ، أو قيام كتلة الاصلاح والتغيير بحجب الثقة عن أحد الوزراء أو مسائلته أمام وسائل الاعلام .
من الهام قيام المنظمات الأهلية باعطاء نموذج بالحكم الديمقراطي الرشيد المبنى على المشاركة للفئات الاجتماعية المستهدفة وعلى آليات من الرقابة والمسائلة، عبر تفعيل عمل الهيئات الخاصة بالمؤسسة الأهلية بما يضمن الديمقراطية والانتخابات الدورية واعتماد تقارير دورية إدارية دورية ومدققة ، عندما تعطى المنظمات الأهلية نموذجاً جيداً بالشفافية والحكم الديمقراطي الرشيد فإنها ستصبح قادرة على القيام بدورها الرقابي عبر مسائلة السلطة التنفيذية والرقابة عليه بصورة مجتمعية .
من الهام استعادة دور المنظمات الأهلية عبر تعزيز عملية الرقابة والمسائلة المجتمعية سواءً لدى حكومة غزة أو الضفة الغربية ، لان المواطن الذي يدفع الضريبة ويخضع إلى تشريعات وسياسات وإجراءات من حقه المسائلة فيما إذا كانت تلك السياسات تخدم حقوقه المجتمعية بعيداً عن الاحتكار والسيطرة واستخدام الموقع لتحقيق النفوذ والامتيازات على حساب السواد الأعظم من المواطنين .
من حق المنظمات الأهلية أن تتساءل عن آلية اعتماد الضريبة ومصادر الموازنة وأوجه الصرف لها ، وكيفية التعامل مع الموارد الطبيعية ، وآليات تنفيذ المشاريع العامة ، وعمليات التعيين بالوظيفة العمومية ، والسياسات الخاصة بالمرأة والشباب وغيرهم من الفئات الاجتماعية، و الأولوية التي تحظاها القطاعات الإنتاجية والتنموية والاجتماعية " كالزراعة، التعليم ، الصحة، والخدمات الاجتماعية " إلى جانب السياسات الصحية والتعليمية والتنموية العامة، بالإضافة إلى أداء البلديات وفي مجال الكهرباء والاتصالات وغير ذلك .
إن اخضاع صناع القرار للمسائلة المجتمعية مسألة هامة تؤدي إلى تعزيز المشاركة وتزيد من حرص العاملين في مجال العمل الرسمي عبر اهتمام المسئول بحس المواطن الذي يتابع أداء المسئولين بصورة دائمة وبما يخدم الإطار الوطني والديمقراطي والاجتماعي .
إن استعادة دور المنظمات الأهلية بالرقابة والمسائلة المجتمعية يجب أن لا يلغي أولوية العمل من اجل إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الوطنية ، بهدف إعادة بناء المؤسسة الوطنية الفلسطينية على أسس جديدة من المشاركة والديمقراطية .
وعليه فالمسائلة يجب أن تشمل كل من قادة حركتي فتح وحماس تجاه تعثر مسار المصالحة بوصفها قضية محورية في سياق العمل على ترتيب البيت الداخلي لتعزيز من قدرات شعبنا في إدارة الصراع الوطني ومن أجل استعادة آليات العمل الديمقراطي التي تعطلت اثناء مرحلة الانقسام .
#محسن_ابو_رمضان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟