|
الاغتصاب أحد أسلحة الحروب تداعياته.. وآلية التعامل مع الضحايا
إيمان أحمد ونوس
الحوار المتمدن-العدد: 5451 - 2017 / 3 / 5 - 09:43
المحور:
ملف 8 آذار / مارس يوم المرأة العالمي 2017 - أثر النزاعات المسلحة والحروب على المرأة
يُعتبر الاغتصاب أحد أنواع العنف الجنسي المُمارس ضدّ المرأة في كل المجتمعات وعلى مرّ التاريخ، وهو في ذات الوقت من أسوأ المخاطر التي قد تتعرض إليها المرأة في الحروب والنزاعات المسلحة. لذا يُعتبر الاغتصاب أحد الأسلحة الخطيرة التي يتمُّ اللجوء إليها كوسيلة للتعذيب والإهانة ليس فقط للمرأة، وإنما للرجل أيضاً. لكن، وعلى اعتبار أن المرأة رمزاً للشرف والهوية، فهي عرضةً لهذا النوع من العنف الجنسي أكثر من الرجل حين يُصبح جسدها مكافأة للمقاتلين لدى الأطراف المتنازعة. أخذت القوانين الدولية على عاتقها حماية النساء، لاسيما تلك التي تقضي بضرورة حماية النساء زمن الحرب، فهناك أكثر من عشرين اتفاقية عالمية في هذا الشأن أهمها تشريع روما علم/2002/ والذي صادقت عليه أكثر من/60/ دولة، والقاضي بإنشاء محكمة الجنايات الدولية في لاهاي التي تنظر في حالات جميع أشكال العنف ومن ضمنها الاغتصاب، بحيث تمنح الضحايا الحق في المشاركة في الإجراءات القضائية من أجل الحصول على تعويضات عن الأذى الذي لحق بالضحايا. وقد أكدت المادة/27/ من اتفاقية جنيف الرابعة الموقعة بتاريخ 12/8/1949/ على وجوب حماية النساء بصفة خاصة ضدّ أي اعتداء على شرفهن، ولاسيما ضدّ الاغتصاب، والإكراه على الدعارة وأي هتك لحرمتهن. كما دعا البروتوكول الإضافي الملحق باتفاقيات جنيف إلى حماية النساء في المادة/11- الفقرة 1/ منه والتي تنص على: 1- يجب أن تكون النساء موضع احترام خاص، وأن يتمتعن بالحماية، ولاسيما ضد الاغتصاب والإكراه على الدعارة، وضد أية صورة أخرى من صور خدش الحياء . ومؤخراً أقرت لجنة الأمم المتحدة للمرأة بتاريخ 15/3/2013 إعلاناً يدعو إلى إنهاء العنف ضد النساء وحمايتهن من التحرش الجنسي والاغتصاب لاسيما أثناء النزاعات المسلحة والحروب. وسوريا التي تعيش نزاعاً مسلحاً منذ أكثر من عامين ليست استثناءً بهذا الخصوص، فقد وثّقت منظمات دولية تُعنى بحقوق الإنسان أكثر من/3500/ حالة اغتصاب منذ بدء الأزمة لنساء وفتيات سوريات لا يتجاوز عمرهن الحادية عشر في بعض المناطق، ووفقاً لتقارير أخرى، تواجه النساء السوريات اللواتي يهربن بعد الاعتداء الجنسي، نقصاً في الخدمات الطبية والمشورة، إضافة إلى ظروف غير آمنة في مخيمات اللجوء في الدول المجاورة، ناهيك عن حالات حمل كثيرة ناتج عملية الاغتصاب، الأمر الذي يُفاقم المشكلة على كافة الصُعد، وقد ذكرت إحدى الطبيبات السوريات في دمشق ولادة لطفلة/ أم عمرها/11 سنة/ جرّاء اغتصابها. ومن المؤسف أن هذه الجرائم بالذات يصعب توثيقها وتوصيفها بدقة لما لها من خصوصية شديدة ومعقّدة بحكم القيم والتقاليد المجتمعية السائدة والتي تأبى الخوض في هذه الموضوعات خوفاً على شرف العائلة من العار الذي سيلحق بها من جهة، ولأنه من جهة ثانية سيُعرقل مسيرة حياة الضحية لاحقاً فتاة كانت أم متزوجة ولعدة أجيال قادمة. لذا تعتبر جريمة الاغتصاب إحدى أشد جرائم الاعتداء وحشية لما لها من آثار قريبة وبعيدة المدى من شأنها إلحاق الضرر بالصحة الجسدية والنفسية والعقلية، كما تُشكّل في الوقت نفسه اعتداءً على الحرية العامة، ومساساً بأمن وسلامة المجتمع ككل. يؤكد د. صالح الحربي استشاري متخصص في طب الأسرة والمجتمع"1" أن الآثار السلبية لجرم الاغتصاب تنعكس على الناحية الجسدية والنفسية والاجتماعية للضحية وهي: أولاً: الآثار الجسدية لجريمة الاغتصاب: 1- تمزيق غشاء البكارة. 2- الحمل . 3- الإجهاض . 4- قتل المواليد. 5- إصابات ونزوف في الأعضاء الداخلية. 6- الأمراض المنقولة جنسياً كالإيدز. 7- الإدمان على المهدئات، واللجوء للمخدرات في كثير من الأحيان. 8- الاكتئاب الذي يودي بالضحية إلى الانتحار في بعض الحالات. ثانياً: الآثار النفسية لجريمة الاغتصاب :من الصعوبة بمكان حصر الآثار النفسية التي تخلّفها جريمة الاغتصاب في الضحية، والتي من الممكن إيجازها بـ : 1- فقدان المرأة ثقتها بنفسها واحترمها لذاتها. 2- إحساسها بالكره الشديد للرجل وكأنه وحش كاسر . 3- شعور المرأة بالإحباط والكآبة . 4- إحساسها الدائم بالعجز . 5- إحساسها بالإذلال والمهانة، إضافة إلى شعورها الدائم بالذنب. 6- عدم الشعور بالاطمئنان والسلام النفسي والعقلي . 7- اضطراب عام بالصحة النفسية، والعجز عن المبادرة واتخاذ القرار. ثالثاً: الآثار الاجتماعية لجريمة الاغتصاب :تعتبر هذه الآثار في غاية الخطورة لما تخلفه في حياة المرأة الاجتماعية: 1- الطلاق والتفكك الأسري. 2- سوء واضطراب العلاقات بين أهل الزوج وأهل الزوجة. 3- عدم التمكّن من تربية الأبناء وتنشئتهم تنشئة نفسية واجتماعية متوازنة، مما يُهيّئ لجنوح بعضهم أحياناً. 4- ازدياد حدّة العنف الاجتماعي ضد المرأة المغتصبة. وفي دراسة للدكتور محمد المهدي"2" قام بها لفهم ودعم المغتصبة أوضح فيها طرق العلاج والدعم النفسي على مراحل: أولاً: أسس الرعاية العاجلة: - تقدم الرعاية العاجلة في اللحظات المبكّرة لاكتشاف حالة الاغتصاب إن أمكن ذلك. - إشعارها بالأمان وإحاطتها بكل وسائل الرعاية الصحية والنفسية، وتجنّب لومها أو الضغط عليها. - على المعالجة أن تكون مدعّمة وإيجابية نحو الضحية، وأن تتجنب الموقف القيمي تجاهها. - طمأنتها على توفير فرص العلاج والرعاية، وإتاحة الفرصة لنيل حقها القانوني، وإرشادها إلى المراكز التي تقوم برعايتها رعاية متكاملة. ثانياً: أسس الرعاية اللاحقة: يجب أن تُقدّم للضحية بعد خروجها من المستشفى، أو بعد تجاوزها للمرحلة الحادة في الأزمة رعاية لاحقة قد تستمر لمدة عام كامل على الأقل، ويُستحسن أن تكون الرعاية النفسية والاجتماعية والروحية في هذه المرحلة في أحد المراكز المتخصصة بالتوازي مع الأسرة، وفق الشروط التالية: - يجب أن تحتوي تلك المراكز على فريق متعدد الاختصاصات(اختصاصية نفسية، اختصاصية اجتماعية، مرشد ديني، ومستشار قانوني) - يتلخص هدف الفريق في علاج حالة "كرب ما بعد الصدمة" ومساعدة الضحية على العودة لممارسة حياتها الطبيعية بعد التئام جراحها النفسية. - وسائل المساعدة في المركز المتخصص تكون عبارة عن جلسات نفسية فردية أو جماعية أو كليهما، إضافة إلى جلسات إرشاد نفسي للضحية وأسرتها. - أن يضم المركز ما يعرف "بمجموعات المساعدة الذاتية" وهي مجموعات علاجية يقوم عليها ضحايا سابقات للاغتصاب، فتعطي الضحية القديمة خبرتها في التعافي للضحية الحديثة ويتبادلن جميعا الخبرات ويدعمن بعضهن البعض، فتشعر الضحية وسطهن بأنها ليست وحدها التي تعرّضت لهذه المحنة. - أيا كانت الوسيلة العلاجية فإن الطريقة الأهم هي إعطاء الفرصة للضحية بالتحدّث عن تجربتها دون خوف أو خجل، وهي بذلك تُعيد معايشة الحدث في ظروف آمنة، وبالتالي تُعيد هضمه واستيعابه في منظومتها المعرفية بشكل أفضل. - تخلّص المغتصبة شيئا فشيئا من الذاكرة الصدمية التي تكوّنت داخلها لحظة الحدث، وبعبارة أخرى تعافيها من حالة "كرب ما بعد الصدمة". - قد تشارك الضحية من خلال المركز في بعض المنتديات على الإنترنت والخاصة بدعم ورعاية المغتصبات. - ربما تتجاوز المغتصبة محنتها، وبدل أن تستمر بشعور الضحية، تقوم بدور إيجابي في رعاية مغتصبات أخريات، بل ربما تقوم بدور كبير على مستوى المجتمع للحدّ من جريمة الاغتصاب والجرائم ذات العلاقة مثل التحرش الجنسي. - تقوم الأسرة بتوجيه من المركز العلاجي بمساعدة الضحية على العودة إلى حياتها الأسرية والاجتماعية الطبيعية في أقرب وقت، والعودة إلى عملها وهواياتها واهتماماتها وأنشطتها. - من المهم أن تواصل الضحية وأسرتها بذل الجهود على المستوى القانوني للوصول إلى الجاني وتقديمه للعدالة إن أمكن، حيث أن هذه الجهود تشعرهم بالإيجابية والراحة، ويساعد الضحية على التئام جراحها النفسية والاجتماعية. - إذا أصيبت المغتصبة في أي مرحلة من المراحل بحالة من القلق أو الاكتئاب، أو كانت أعراض "كرب ما بعد الصدمة" شديدة فإن العلاج والإرشاد النفسي قد يُصاحبه علاج دوائي لمثل هذه الاضطرابات النفسية. - العلاج الديني له أهمية خاصة في مثل هذه الحالات، وقد يكون علاجاً منفصلاً يقوم به معالج نفسي له خلفية دينية جيدة، أو واعظ ديني لديه خبرة بالأمور النفسية، مما يجعل العلاج جزءاً من علاج معرفي سلوكي يساعد الضحية على تفهّم الخبرة الصدمية وإعادة رؤيتها بشكل موضوعي. هوامش: "1" دراسة للجنة السورية لحقوق الإنسان- 28/6/2012
"2" http://www.onislam.net/arabic/problems-answers
#إيمان_أحمد_ونوس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأمم المتحدة تُقرُّ إعلاناً لإنهاء العنف ضدّ النساء والعنف
...
-
قضايا المرأة في بوتقة الشأن العام فلتكن حاضرة في كل تحرّك وط
...
-
أمهات سوريا.. وقفة خشوع لصبركن العظيم
-
شروخ الأزمة السورية تنتهك كيان الأسرة
-
في عيد المرأة.. نساء بلادي المعمّدة بالدم يتشحن بالذلّ والحز
...
-
أخلاقيات مشوّهة في أزمات قاتلة
-
الأنوثة بين سندان الحاجة ومطرقة القيم والقانون
-
التحرّش الجنسي.. أخلاقيات شاذّة منحطّة
-
إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة جريمة لا تُغتفر
-
وللرجل- الحاضر الغائب- متاعبه وهمومه
-
الراتب خلفنا، والغلاء أمامنا..فأين المفر؟
-
في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة فليعلُ صوت النساء ع
...
-
البطاقة العائلية... ومعضلة استحقاقات المرأة
-
الآثار الاجتماعية والنفسية للنزاعات المسلحة على المرأة
-
نظرية ما بعد البنيوية والنسوة في الشرق الأوسط، هل ندور في حل
...
-
النسوية العربية: رؤية نقدية - ماذا تريد النساء.؟
-
النسوية العربية: رؤية نقدية
-
الطلاق العاطفي ... صقيع يغتال الحياة
-
تناقض صارخ.. بعد تشكيله لجنة حقوق المرأة والطفل والأسرة
-
هل ينهض الفينيق من رماده
المزيد.....
-
الجيش الأوكراني يتهم روسيا بشن هجوم بصاروخ باليستي عابر للقا
...
-
شاهد.. رجل يربط مئات العناكب والحشرات حول جسده لتهريبها
-
استبعاد نجم منتخب فرنسا ستالوارت ألدرت من الاختبار أمام الأر
...
-
لبنان يريد -دولة عربية-.. لماذا تشكّل -آلية المراقبة- عقبة أ
...
-
ملك وملكة إسبانيا يعودان إلى تشيفا: من الغضب إلى الترحيب
-
قصف إسرائيلي في شمال غزة يسفر عن عشرات القتلى بينهم نساء وأط
...
-
رشوة بملايين الدولارات.. ماذا تكشف الاتهامات الأمريكية ضد مج
...
-
-حزب الله- يعلن استهداف تجمعات للجيش الإسرائيلي
-
قائد الجيش اللبناني: لا نزال منتشرين في الجنوب ولن نتركه
-
استخبارات كييف وأجهزتها العسكرية تتدرب على جمع -أدلة الهجوم
...
المزيد.....
-
الاقتصاد السياسي للجندر خلال النزاع في سوريا: تعدد تجارب الن
...
/ خلود سابا
-
البروليتاريا النسائية وقضايا تحررها وانعتاقها!
/ عبد السلام أديب
-
الاغتصاب كجريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية
/ هيثم مناع
-
المرأة الفلسطينية ودورها في المسار الوطني الديمقراطي
/ غازي الصوراني
-
القانون الدولي والعنف الجنسي ضد النساء في الحروب
/ سامية صديقي
-
الآثار الاجتماعية والنفسية للنزاعات المسلحة على المرأة
/ دعد موسى
-
كاسترو , المرأة والثورة .
/ مريم نجمه
المزيد.....
|