|
زيارة رامسفيلد تعيد الصراع للمربع الأول
حمزة الجواهري
الحوار المتمدن-العدد: 1169 - 2005 / 4 / 16 - 09:35
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
زيارة رامسفيلد أعادت الصراع للمربع الأول، أي قبل أن تطأ أرجل الأمريكان أرض العراق ويصبح بلدا محتلا من قبلهم، يومها كان التخوف عظيما، ومازال، من أن تأتي حكومة دينية إسلامية موالية لإيران تفرض في نهاية المطاف جمهورية إسلامية، وهذا ما كانت تسعى إليه جميع الأحزاب أللإسلامية التي تتزعم قائمة الائتلاف العراقي الموحد اليوم، كما تنص عليه الأنظمة الداخلية لأغلب هذه الأحزاب. كان هذا الأمر أحد أهم الأسباب التي دعت الأمريكان إلى تبني المطلب العربي الملح قبل نقل السلطة للعراقيين حسب قرار مجلس الأمن رقم 1546 ، حيث سعى العرب بكل قوة لدى الأمريكان إلى اعتماد سياسة الاحتواء واللين إزاء بدلا من سياسة بدلا من سياسة الاجتثاث والقسوة، ومن ثم الإجهاز عليهم بالكامل، وبناءا على هذه السياسة تم اختيار علاوي على أنه فارس هذه المهمة كون علاوي كان من أكبر المبشرين بها، لكن الأخير، بدلا من أن ينتهج هذه السياسة، أبدلها بسياسة أخرى يصح أن نسميها ""سياسة إعادة تأهيل البعث"" لكي يتربع على عرش اكبر حزب حكم العراق مدة خمسة وثلاثين عاما، ولديه أكثر من خمسة ملايين بعثي من مختلف المراتب، فضلا عن الأجيال الجديدة ممن يعتبرون تابعين لهذه الملايين الخمسة، فقد أعاد علاوي البعثيين ليمسكوا بكل مفاصل السلطة وخصوصا الجيش القوات المسلحة. هذه السياسة كانت قد استفزت الجميع وعلى رأسهم الأحزاب الإسلامية التي كانت ومازالت تذوق الأمرين من حزب البعث، وهذا الاستفزاز جعل من هذه الأحزاب أن تعد العدة لسياسة مغايرة تستأصل بها فعلا البعث، ومن أعمق جذوره، هذا بالإضافة إلى العودة لذلك الحلم الكبير، حلم إقامة الدولة الإسلامية، ولو على المدى البعيد نسبيا بعد أن كانت هذه الأحزاب قد تخلت عن هذه الفكرة، الحلم، ولكن الواقع الجديد قد أنعشها لتكون الرد الأقوى على حماة البعث الجدد. وذلك من خلال زج أكبر عدد من مليشياتهم وعناصرهم الحزبية في أهم مفاصل السلطة وبالخصوص منها الجيش والقوات المسلحة العراقية، والأجهزة الأمنية منها بالصميم، بذريعة تطهير أجهزة الدولة والجيش والقوات المسلحة من عناصر البعث الفاسدة التي استباحت العراق من جديد ليستشري بذات الوقت الفساد الإداري الذي أصبحت رائحته تزكم الأنوف، هذه الذريعة سوف تكون مقبولة من الشعب مادام المستهدف منه هو البعث، ولكن سوف يكون البديل عناصر جديدة مسيسة لا تتورع عن مصادرة إرادة الشعب كما فعل الحرس الثوري الإيراني يوما ما وصادر السلطة من الشعب لصالح التيار الإسلامي ليؤسسوا جمهورية ولاية الفقيه. هذا ما استطاع جميع المراقبين السياسيين أن يلمسوه بعد أن كانت قد وعدت هذه الأحزاب بإشراك الجميع في السلطة وتولي مقاليد الأمور في البلد. حربا باردة من طرف ومستعرة من الطرف الآخر: كان استفزاز علاوي بسياسته لهم هو السبب الحقيقي في خلق هذه المواجهة التي تبدو وكأنها صراعا سياسيا على أسس ديمقراطية، ولكن في واقع الأمر، هي حربا باردة من طرف واحد، فالبعثيين الذين عادوا للجيش لم يتورعوا عن التنسيق مع ما يسمى اليوم بالمقاومة الشريفة، كما تروج لذلك الحكومة المؤقتة بقيادة علاوي، فالحرب من الجانب البعثي ليست باردة، بل هي مستعرة، ولا يمكن أن تبقى باردة من طرف ما دامت مستعرة من من الطرف الثاني، إذ لابد أن يكون هناك ردا على مختلف المستويات، ولكن القوى الإسلامية التي تقود قائمة الائتلاف الوطني الموحد قد تحلت برباطة جأش وتمسكت بالثوابت الوطنية والاستحقاقات الانتخابية التي أفرزتها صناديق الانتخابات، وبذات الوقت مبيتة النية أن تفعل ما تريد بالبعثيين وترد الصاع صاعين لعلاوي وأتباع سياسة تأهيل البعث، وذلك من خلال الشرعية التي منحتها لها نتائج الانتخابات، واستمرت الأمور تمضي بهذا الاتجاه لكن المراجل تغلي من تحت بالرغم من كل التصريحات التي تطمئن الشارع والعقبات التي وضعت أمامهم بتشكيل الحكومة الانتقالية. بعد أن تأكد الجميع من أن الحكومة لابد أن تشكل برئاسة الجعفري، ويقدم علاوي استقالته، في اليوم التالي مباشرة، وصل رامسفيلد حامي حمى البعث في العراق الجديد، ليعطي أوامره للساسة المنتخبين ومحذرا الرؤساء جميعا أن لا يمسوا إنجازات علاوي والمواقع التي حصل عليها البعثيين في الدولة والقوات المسلحة، لكن الرجل، وكما عرف عنه عسكريا لا يفقه شيئا عن السياسة، أوقع نفسه في تناقض صارخ، إذ راح يتحدث عدم تسييس الأجهزة الأمنية ويحذر الطرف الفائز بالانتخابات من السعي لتطهير أجهزة الدولة والقوات المسلحة من عناصر البعث، وكأن البعث ليس حزبا سياسيا، أو إن الوفاق، الوريث الشرعي للبعث، ليس حزبا سياسيا هو الآخر!! فقط عناصر فيلق بدر من المسيسين بالنسبة لرامسفيلد. كما أسلفنا، فإن النوايا، التي باتت واضحة للعيان، كانت أهم سبب في تأخير تشكيل الوزارة، ولكن الذي لم يكن بالحسبان هو أن يأتي رامسفيلد إلى العراق ويعطي أوامر صارمة بشأن السياسة القادمة للحكومة وما الذي ينبغي أن تفعله، في الوقت الذي يدعي به الأمريكان أنهم لا يريدون التدخل في الشأن السياسي العراقي، ولا يريدون أن يعيقوا العملية السياسية، لذا فإن هذه العقبة يمكن أن تعتبر أكبر عقبة تواجه تشكيل الحكومة ما لم يستعجل الجعفري بتشكيلها لكي لا يكون لها تداعيات قد توقف العملية السياسية بالكامل. من جانب آخر: إن رامسفيلد ما كان ليأتي للعراق بهذه الرسالة القوية من الإدارة الأمريكية ما لم يكن هناك مخاوف قوية وحقيقية لدى هذه الإدارة، وهي التي دفعتهم لاتخاذ هذا الاحتراز القوى، ولابد أيضا أن يكون علاوي قد أوصل لهم رسائل مشفرة عن حقيقة النوايا التي يضمرها قادة الائتلاف العراقي الموحد، وهم، أي الأمريكان، الأكثر تطيرا من حكومة إسلامية على غرار إيران، أو حتى لو كانت بشكل آخر، ربما حكومة تؤسس لجمهورية إسلامية في نهاية المطاف، أي بعد خروج الأمريكان في البلد، تماما كما يتخوف الآخرون من نوايا البعث بالسيطرة على السلطة في حال خروج الأمريكان من البلد. الأمريكان برغماتيين: في الحقيقة إن الأمريكان لا يكترثون لو أن البعثيين تولوا السلطة في العراق، لأن البعثيين برغماتيين وعلمانيين بالرغم من دمويتهم وتاريخهم الأكثر سوادا عبر تاريخ البشرية، لكن التخوف الأمريكي الحقيقي هو من الأحزاب الدينية، والإسلام السياسي تحديدا، فهم مبدئيين ولا اعتبار للمصالح الشخصية لديهم، لذا هم بذلك يشكلون خطرا على أمريكا ومشاريعها في المنطقة أكثر من البعثيين، لأن البعثيين مرغوبين عربيا أكثر من الإسلاميين الشيعة، وإن الهدف النهائي لأمريكا هو المنطقة العربية برمتها. بإعادة الحساب على أساس الربح والخسارة بالنسبة لأمريكا، يكون التهديد البعثي لاستهداف السلطة أقل خطرا على الأمريكان من الإسلاميين، من هنا كنا دائما نحذر الإسلاميين أن لا يضيعوا على العراقيين الفرصة التاريخية بالوصول إلى نظام ديمقراطي تعددي، لأن أمريكا ما عبرت القارات من أجل أن تقيم نظاما إسلاميا في العراق، وسوف يحسبون ألف حساب قبل أن يغادروا المنطقة، بحيث لا يتركوا أية فرصة لإقامة دولة إسلامية على غرار إيران في العراق. لذا كان النصح هو أن تكتفي الأحزاب السياسية الإسلامية بنظام يحترم الهوية الإسلامية للبلد، لأن أمريكا لا يهمها أن يكون دين الدولة الرسمي هو الإسلام، ولكن الذي يهمها هو عدم إقامة دولة إسلامية، وحتى عدم توفير المناخ المناسب أو الظروف الموضوعية لإقامة جمهورية إسلامية في العراق، وبغير هذا، فالبعث هو البديل. وهكذا يعيد رامسفيلد الصراع للمربع الأول، أي قبل دخول القوات الأمريكية للعراق والتخوف من إقامة دولة إسلامية، وربما إلى أبعد من هذا التاريخ، تحديدا إلى العام 1991 حين أفشلت أمريكا الانتفاضة التي شملت كل العراق وأسقطت أربعة عشر محافظة بيد الشعب، حيث بقي الدكتاتور محاصرا في ثلث بغداد فقط، والسبب كما يعرفه الجميع هو تخوف بوش الأب من حكم إسلامي على غرار إيران، وها هي الأحزاب تعيد ذات الخطأ اليوم باسم الشرعية، في الوقت الذي على يقين أن أمريكا لا يهمها شرعية بقدر ما يهمها مصالحها وتنفيذ مشاريعها. ما العمل؟ لعلي لا أكون مخطئ لو طالبت بإحالة موضوع الجيش والقوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي إلى لجان مستقلة من أعضاء البرلمان العراقي، لتضع هذه اللجان تشكيلات الجيش والقوات المسلحة والأمن تحت مراقبة صارمة من قبلها، وأن تبعد كل العناصر المسيسة عن هذه التشكيلات سواء كانت هذه العناصر بعثية أو تنتمي لأي حزب سياسي عراقي آخر، سواء كان ممثلا في السلطة أو بعيدا عنها، وأن تمتلك هذه اللجان صفة تنفيذية بالرغم من أن البرلمان يمتلك صفة التشريع فقط، لأن لم يعد لدينا ثقة بأحد بعد كل الذي حصل.
#حمزة_الجواهري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سقوط النظام الدكتاتوري، هل هو احتلال أم تحرير؟
-
هل هي حقا محاصصة طائفية وقومية؟
-
النظرية العلاوية في السياسة
-
على ذمة المنجمين، غرة ربيع الأول آخر موعد لتشكيل الحكومة
-
حارث الضاري يضع البرنامج الأمني للمرحلة القادمة
-
أغلال الحرية والديمقراطية في العراق
-
هل ستمضي العملية السياسية كما أريد لها؟
-
كان على الجميع أن يتوقعوا تأخير تشكيل الحكومة
-
مازق الدكتور الجعفري بتشكيل الوزارة
-
الثورة اللبنانية بقيادة منظمات المجتمع المدني
-
القوات المسلحة هي كلمة السر لتحالفات الفترة الانتقالية
-
مشاهد الانتخابات ليست مجرد مشاهد رومانسية
-
نصائح كسينجر وشولتز الجديدة للإدارة الأمريكية
-
المأزق الحقيقي بعد الانتخابات
-
الديمقراطية عدوهم اللدود
-
لم لا نحلم معا أيها الصديق؟
-
نتائج أولية للانتخابات العراقية
-
خارطة المواقف من الانتخابات وهذيان الشعلان
-
المسافة بين استئصال البعث إعادة تأهيل البعثي
-
تأجيل الانتخابات مقابل إجتثاث البعث
المزيد.....
-
شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب
...
-
خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
-
وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا
...
-
جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
-
زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
-
كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
-
مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
-
ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
-
مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
-
جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|