أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - صبري المقدسي - بدأ الكون من نقطة كان الزمن فيها صفرا















المزيد.....


بدأ الكون من نقطة كان الزمن فيها صفرا


صبري المقدسي

الحوار المتمدن-العدد: 4069 - 2013 / 4 / 21 - 17:53
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


بدأ الكون من نقطة كان الزمن فيها صفرا

أهتم الانسان بالكونيات منذ قديم الزمان، وتعود بدايات هذا العلم الى بداية الحضارة البشرية نفسها. ولذلك نجد الانسان القديم في سؤال دائم عن الكون والشمس والقمر والنجوم. وكانت الأضواء المنبعثة من القمر والنجوم في الفضاء، تفيق لدى الانسان غريزة الاستغراب، فيبدأ بالتساؤل عن الكون وأسراره العميقة وبداياته وحدوده ونهاياته وكيفية ولادته وتطوره؟. وبعد الرحلة الإنسانية الطويلة التي بدات بالعبادة والتنجيم وتطوّرت الى الفهم والدراسة، ولاسيما بعد إختراع التلسكوبات المتطورة، توصلت الانسانية الى طور البحوث العلمية التي أكدت على أن الكون عبارة عن نظام يضم الوف البلايين من المجرات والتي تحتوي بدورها على الوف البلايين من النجوم، وحجم بعضها يفوق حجم مجرتنا مرات كثيرة، كما وحجم بعض نجومها(شموسها) يفوق حجم شمسنا التي نراها كل يوم بأكثر من مليون مرة.
بالرغم من عدم توفر كل تلك المعلومات لدى أجدادنا القدماء، إلا أنهم مع ذلك أستطاعوا الوصول الى معلومات مهمّة حول الكون ونشوئه. وتعد قصص الكتب المقدسة اليهودية والاسلامية والهندوسية خير دليل على نظرة الانسان القديم الصائبة بخصوص نشوء الكون. ولا يزال الانسان في بحثه المستمر عن نشوء الكون، وتكوينه وامتداده واتساعه مع وجود مشاكل كثيرة معلقة عن هذا الموضوع. ويبشر العلماء كل فترة بإكتشافات جديدة عن الكون وتطوره. ولكن لا تخرج الاكتشافات في معظمها عن المضمون الجوهري الذي هو بدء الكون من نقطة ما كان الزمن فيها صفرا.
وتدل الإكتشافات العلمية الجديدة على عدم وجود جزئين متشابهين في الكون، بل لكل جزء بصمته الخاصة. وأكد العلماء أيضا بأن الكون كان في البدء على شكل كرة نارية بالغة الكثافة والسخونة، تكونت من غاز يتمدد. وبعد مرور مليون سنة من الزمان، مال الغاز الى البرود والتكاثف بشكل كتل هي طلائع المجرات. ويؤكد ايضا على أن الكون ما زال في حالة تمدد بعد مرور عدة بلايين من السنين ومن دون توقف. وسوف نعرض لعدد من النظريات التي تعرضت لتفسير نشوء الكون والمعلومات التي استنتجها العلماء بفضل أدوات الرصد الفلكية والرادارات والتلسكوبات الراديوية، ولكن تتعرض تلك الدراسات العلمية الى إختبارات كثيرة، إذ يؤكد العلم والعلماء على انها ما تزال قاصرة وناقصة، إذ تحتاج الى اختبارات اكثر عمقا لكونها نظريات معظمها جاءت بشكل مهزوز ومبتور. ولهذا فإن الكثير من تلك النظريات، انهارت بعد إجراء الكشوفات العلمية الحديثة عليها. ولا تزال بعضها تلاقي الضربات تلو الضربات الى أن تثبت الكشوفات صحتها أو اندثارها وانهيارها الى الأبد.
ولكن النظرية التي اتفق عليها معظم علماء الفلك اليوم هي أن الكون في حالة تمدد، بدأ بشكل كتلة واحدة من المادة، هي المادة الاولى أو الذرة الاولى والتي يعرّفها العلماء: بأنها البادرة الاولى لنشوء الكون والتي خضع الغاز السائد فيها لعملية انضغاط هائل جعلته يتقلص وينكمش على نفسه ولدرجة كبيرة، مما سبب ارتفاعا في حرارته، بلغت عدة مليارات من الدرجات المئوية وانتج في الغاز المضغوط حركة تدعى الحركة الحرارية، ذات طاقة قدرت بملايين الفولتات الالكترونية، أدت الى جعل ذلك الغاز يتسابق مندفعا في حركات دائرية، وبسرعة مذهلة وعلى نفس النسق الذي يشاهد عند اندفاع الجسيمات في الاجهزة الذرية(الموسوعة الفلكية، ابراهيم حلمي الغوري ـ دار الشرق العربي). وكانت المادة الاولى أو البذرة الاولى، الاصل الاول لكل المجرّات والنجوم والكواكب التي تكونت منها. وتسمى عُقد النجوم التي نراها في السماء والتي تتشكل منها بالمجرات Galaxies ، ومنها ما نراه في أعيننا أو بالمراصد الفلكية، وتشكل كل هذه المجرات ما ندعوه بالكون. وتحتوي كل مجرة كما كشف العلماء من خلال المراصد الفلكية المتطوّرة على البلايين من النجوم المختلفة من حيث الشكل والحجم واللون، وكذلك على عناقيد هائلة من المجرات والتي تدعى بالعناقيد المجرية العظمى Super Clusters of Galaxies والتي تنتشر في الكون انتشارا منتظما كرويا رائعا في ترتيبها وتنظيمها المُنسق. وتكون هذه المجرات وكل ما فيها في حالة حركة منطلقة من مركز دائرة الكون، تتناسب سرعتها مع بعدها عن المركز، أي أن سرعتها تزداد كلما ابتعدت عن المركز.
وتؤكد النظريات العلمية ايضا بوجود بلايين المجرات التي تسبح في الفضاء في محيط كوني عظيم لا نعرف أين حدوده وإمتداده. إذ كلما صنع الانسان مراصد حديثة ومتطورة اكتشف حقائق جديدة تبهر العقل وتدهش الالباب، لما يحتوي الكون من أسرار مذهلة تدل على عظمة الله وحكمته البديعة. وقد يسأل المرء، هل نشأ الكون مرة واحدة وجاء الى الوجود؟. والجواب في طبيعة الحال، أن الكون يتمدد ويتوسع ولم يظهر مرة واحدة. ويمكن نظريا للتمدد الكوني أن يكون ثابتا أو متباطئا أو متسارعا. ولقد أثبت العالم البلجيكي القس جورج لوميتر في عام 1931 على حقيقة تمدد الكون بالاعتماد على النظرية النسبية لأينشتاين. وأما نظرة العالم الكسندر فريدمان، فهي تأخذ أبعادا اخرى، إذ تتحرك المجرات في النموذج الاول مبتعدة عن بعضها البعض ببطء كاف، وما يوقف تباعدها هو الجذب التثاقلي. وفي النموذج الثاني تستمر المجرات بالتمدد والتوسع الى ما لا نهاية ومن دون أن يوقفها أي شىء. وفي النموذج الثالث يتضمن تمدد الكون بصورة حرجة تؤدي في الاخير الى انهياره. وغيرها من النظريات الكثيرة التي تفسر وضعية الكون بعد الانفجار الكوني العظيم قبل 15 الى 20 مليار سنة معلنا نشوء الكون. وتصف النظرية ولادة الكون ونموه ونضجه وتمدده، ولكن النظرية لا تخلو من العيوب التي لا يزال العلماء منشغلين بالبحث عنها، محاولين تصحيحها. ومن الاسئلة التي تطرح نفسها في هذا الخصوص، كيفية ظهور كل الموجودات من لا شىء، وما الذي ظهر أولا الكون أم القوانين التي تحدد كيفية نشوئه وتطوره؟ والجواب في طبيعة الحال بسيط: "إذ أن العقل هو المدبر الاول بل الخالق الاول بإعتبار العقل هو الشىء الذي وجد دوما فلا بد من أن تكون المادة من خلق عقل أزلي الوجود وهذا يشير الى وجود كائن عاقل وأزلي خلق كل الاشياء وهذا الكائن هو الذي نعنيه بعبارة " الله" (الكون من منظور فيزيائي: رؤية علمية وفلسفية شاملة، للكاتب الدكتور مجاهد ملحم ـ دار المرساة للطباعة والنشر ص 36).
وبسبب كبر الكون وسعته الكبيرة، تصوّر بعض العلماء كالعالم ( اسحق نيوتن) تصورا خاطئا بقوله أن الكون فضاء غير متناه وغير محدود، إذ يقول: إننا أينما ذهبنا ومهما ابتعدنا في تجوالنا، فإننا نجد في كل مكان حشودا كثيرة من النجوم، إلا أن هذه الحشود تقل وتتلاشى الى أن نصل الى فراغ لا نهائي. وقد أثبت العلم خطأ نيوتن بحجة أن الكون لو كان غير متناه لفقد طاقته وإنطفأت مادته.
وصرح العلماء الآخرون بأن الكون موجب الانحناء، وإنه محدود ولا يمتد الى ما لا نهاية بل ينثني على نفسه، ويضيف العالم آينشتين في مفهوم مشابه قائلا: بأن الكون محدود، ولا يمتد الى ما لانهاية. وتتشابه النظريتان مع نظريات معظم الاديان التي تقول: بأن الكون بدأ من نقطة صفر، إذ كما بدأ من نقطة ما، فإنه سينتهي في يوم ما بإنفجار آخر يختم صفحة الوجود الكوني الرائع. وبهذا المفهوم يظهر العالم آينشتاين ايمانه بنظرية التوراة إذ يقول: "لا يمكن أن ينشأ هذا النظام فائق الجمال المؤلف من الشمس، والكواكب، والمذنبات إلا نتيجة لتخطيط وسلطان كيان حكيم ومقتدر. ويسيطر هذا الكيان بسلطانه على كل شيء، ليس بوصفه روح العالم، ولكن بوصفه رب كل شيء".
وجدير بالاشارة أن إختبارات العالم آينشتاين هي من أعظم الإثباتات على نشوء الكون والتي وضعت النقاط على الحروف لكثير من الغموض والالتباس. ففي النظرية النسبية العامة إستتنتج آينشتاين تحدب الفضاء الكوني وبكونه محدود. وشدد آينشتاين في العديد من المناسبات على ان الفيزياء الحديثة لا يمكن السيطرة على مسائلها من دون الفلسفة، وهو بالاضافة الى معرفته الواسعة والعميقة بالعلوم الطبيعية، كان أيضا على علم بأعمال الفلاسفة الاغريق والرومان، واصحاب الفلسفة المادية والمثالية. ولكن من دون أن يشاطر أحدا منهم. فهو لم يشاطر الفلسفة المثالية بالرغم من رجوعه بين آونة واخرى الى أعمال كتابها. ولم يشاطر كذلك أصحاب الفلسفة المادية، ولم يترك أية إشارة تؤيد المادية الديالكتيكية في أعماله، بل العكس تجد من الجانب الآخر تأييدا واضحا للقوة السرمدية وللدين الكوني مع رفضه للكثير من الممارسات الدينية الرسمية.
وهناك أيضا نظريات عديدة اخرى فسرت نشوء الكون، ومن أروعها وأكثرها دقة، نظرية الفلكي البلجيكي ادوارد لاميتر Edward Lamaiter والذي شرحها وأكملها بعده العالم الروسي جورج غاموف George Gamow سنة 1936 والتي سميّت بالانفجار الكبير Big Bang من قبل العالم البريطاني فرد هويل Fred Hoyle . وحدث الانفجار بحسب هذه النظرية قبل حوالي 15 ـ 20 بليون سنة، وذلك بقوله أن الكون نشأ من المادة الاولية والتي سماها بالبيضة الكونية Cosmic Egg والتي تعرضت الى انفجار هائل مدويّ، ومن ثم تشتَّتت مادته نحو الفضاء الخالي بحيث ملأت الفضاء كله. وبعد تشتت المادة في كل الاتجاهات قلت كثافة الكون، وإنخفضت درجة حرارته. ومن ثمّ واصلت درجة الحرارة انخفاضها التدريجي حتى وصلت الى بليون درجة مئوية. وفي المرحلة التالية بحسب نظرية (لاميتر وغاموف) أخذت الذرات المنتشرة تتجمع على بعضها البعض نتيجة للجاذبية الثقالية، مكوّنة المجرات والعناقيد والسُّدُم والنجوم والكواكب والثقوب السوداء.
كان الفلكيون القدماء يعتقدون بعدم وجود مادة بين النجوم، وكانوا يرون النجوم ثابتة العدد، ولكن اتضح الآن ومن خلال النظريات الحديثة ولادة النجوم بإستمرار، وعلى أنها تشيخ وتموت وتولد من جديد. وأصبح العلماء يقرّون بنظرية ولادة النجوم في وسط طبقات هائلة من الغاز والغبار الكوني. وتستعين النظريات الحديثة في تفسيرها لولادة النجوم بما يسمى بتأثير القوى المغناطيسية داخل السحابة الكونية، وتأثيرها بفعل الاشعة الكونية التي تكونت في الغالب بشكل جسيّمات عالية الطاقة، وذات شحنات موجبة وسرعة تقارب سرعة الضوء. وتأخذ هذه القوى المغناطيسية الموجودة ما بين النجوم شكل أودية تتجمع فيها جسيمات هائلة، وبأعداد كبيرة تكون قريبة من بعضها البعض لدرجة تمكنها من النشوء الجديد لولادة النجوم الاولية وانكماشها وموتها بعد ذلك. والشىء ذاته يحدث في مركز كل نجم من هذه النجوم من عمليات نووية غاية في الحرارة ولملايين من السنين. وقد تصل درجات حرارتها في بعض الأحيان الى مليارات الدرجات المئوية، ومن ثمّ تهبط الى مليارات الدرجات الى ان تتجمد القوة النووية الشديدة، وتنفصل أثناء انتقال طوري ثان عن بقية القوة كما جاء في (موجز تاريخ الكون للكاتب هاني رزق، من منشورات دار الفكر). ولقد كان للتوازن الحراري أثر بالغ في تكوّن مادة الكون أثناء الفترات الاولى من عمر الكون.
وأما بالنسبة الى شكل الكون، فأن العلماء لهم تصورات عديدة على شكل الكون ومنها: أنه يشبه قبة تنحني أطرافها انحناءً ايجابيا نحو الداخل. ويقول الرأي الآخر: بأن الكون مفتوح على شكل سرج الحصان الذي مهما امتدت أطرافه لا تلتقي، وهذا هو الرأي الاكثر صحة الى يومنا هذا. وبالنسبة الى شكل المجرات كما يتبين من رصد علماء الفلك فإن بعضها تأخذ أشكالا وأحجاما مختلفة. فالكثير من المجرات تكون عادة حلزونية الشكل بالرغم من أن غالبية المجرات ليس لها هذا الشكل، ولهذا يطلق عليها بالمجرات الاهليجية، لكونها بيضوية الشكل. وتكون غيرها مفلطحة تأخذ شكل الارض، وبعضها الآخر يصل شكلها الى درجة من التشويه بحيث تفقد محاورها، وتكون بصورة تبدو غير مرتبة. وأما بالنسبة الى شكل النجوم فإنها تختلف بإختلاف سرعة دورانها، أي دورانها حول نفسها. فالنجوم التي تعادل سرعة دورانها حول نفسها سرعة الشمس تقريبا، يكون شكلها كرويا كالشمس. وأما التي تكون دورتها أسرع من ذلك، فيكون شكلها مفلطحا كالارض. وإذا زادت سرعة دورانها حول نفسها، فيزداد تفلطحتها حتى يصبح شكلها كالمشتري أو يصبح شكلها أهليجيا منتفخ الوسط. وقد يصل شكلها في بعض المرات الى درجة من التشويه بثلاثة محاور مختلفة الطول.
وتذكر المصادر العلمية عن تكوّن المجرات بنفس طريقة نشوء الكون الاولي، التي تبدأ على شكل سحابة هائلة غير مُحدّدة يزداد حجمها بإستمرار، وتؤدي الى إرتفاع درجات حرارتها الى مستويات عليا بسبب دورانها المحوري، ومع ازدياد سرعة دورانها، تؤدي الى إزدياد قوتها الجاذبية. وتؤكد تلك النظريات بأن المجرات تكونت عندما بدأت الكتلة الاولى بالانفجار والتناثر والتباعد، ومن ثم ترتبت بسبب القوة الجاذبية الى عوائل نجمية عظيمة وملتهبة في معظمها، بسبب تصادم ذرات الابخرة المؤلفة من الغازات والغبار الكوني، وخفت سرعتها تدريجيا بسبب تباطوء دورانها أكثر فأكثر، وإنخفضت درجة حرارتها وتقاربت أطرافها من المركز لتتخذ شكلا بيضويا أقرب ما يكون الى كرة نسميها بالمجرة.
وهناك نظريات كثيرة أخرى ايضا تبحث عن نشوء مجموعتنا الشمسية، ومنها نظرية الفيلسوف الالماني عمانوئيل كانط Emanuel Kant الذي صرح قائلا: أن الشمس هي التي كونت مجموعتها السيارة بنفسها دون تدخل أي جرم سماوي آخر ويفترض الفيلسوف كانط وجود أكوان بعيدة متكونة من نجوم مثل شمسنا ومجرات لا عد لها، وتتألف كل منها من بلايين النجوم والكواكب وتمتد الى الفضاء البعيد.
وقد جاء اقتراح العالم بيير سيمون دي لابلاس Pierre Simon de laplace (1749 ـ 1872 ، مطابقا لآراء الفيلسوف الألماني كانط وذلك أن المجموعة الشمسية نشأت من سحابة دوامية ضخمة من الغبار والغاز تسمى (السديم)، وبأن الشمس ظهرت الى الوجود قبل الارض. وقد تكون هذه أقرب النظريات العلمية المقبولة الى اليوم. وأكد الفلكيون ايضا على صحة هذه النظرية، وعلى أن الارض تكونت من الشمس خلال تصادم قوي مع جرم آخر، وانشق القمر عن الارض بحادث مأساوي آخر.
ولا تختلف فكرة نشوء الكون في معظم العقائد الدينية عن النظريات العلمية، إذ أن العلم والدين يتفقان في النقاط الرئيسية ولا يتعارضان، لأنهما ينهلان من منهل واحد، وهو الادراك والثقة، كما جاء على لسان العالم (ماكس بلانك Max Planck ) الحائز على جائزة نوبل عام 1918 قائلا: "أينما ننظر ندرك أنه لا يوجد تناقض بين الدين والعلوم الطبيعية، بل يوجد توافق تام بينهما، فالدين والعلوم الطبيعية لا ينفصلان عن بعضهما بل يكملان بعضهما البعض. أي أن الانسان بطبعه قد أثار نوعا من التناقض بينهما حين وجه سهام إتهامه الى العلم كعلم يدعو أو ينحو الى عدم الإعتقاد بالله".
ويدافع عدد كبير من العلماء والفيزيائيين عن هذا المفهوم، ففي أعمال الفيزيائي الانجليزي أرثر ستانلي ادينغتون Arthur Stanly Eddington دفاع قوي عن التوافق بين العلم والدين إذ يقول: "ان الفيزياء الحديثة تقودنا دائما نحو القرب من الله وليس البعد عنه، فليس عالم الطبيعة شخص إخترع فكرة عدم الاعتقاد بالله، لأن كل هؤلاء العلماء ليسو سوى فلاسفة عاديين".
ولهذا جاءت التصوّرات العلمية حول نشوء الكون مطابقة لما جاء في الكتب المقدسة التي تقول بأن الله خلق الكون من العدم. ويعتبر الإعتقاد راسخ ومنتشر في معظم الاديان، ولا سيما في الديانات الابراهيمية كما جاء في سفر التكوين من الكتاب المقدس 1/1 : "في البدء خلق الله السماء والارض". وتكررت الفكرة نفسها في القرآن الكريم وفي آية من سورة السجدة 4 التي تقول: "الله الذي خلق السموات والارض في ستة أيام ثم استوى على العرش".
وتوضح الكتب المقدسة أيضا كيفية بدء الخلق في لحظة معيّنة في الماضي السحيق. فالله بحسب هذه الاديان خلق المادة الكونية الاولى من لا شىء، بوضع النظام البديع فيه، وبخلق كل شىء، وفق ترتيب عظيم، وإخضاع كل الامور إليه، وإبقاءها تحت سيطرته وعنايته. إلا أن كل شىء سوف ينتهي بأمر منه، لأن الله أسمى كيان، كامل الوجود، ندركه من خلال الوجود، ولا يحتاج الى سبب للوجود. والسؤال الذي يطرحه الفيلسوف والحكيم والعالم والبسيط والجاهل، ان لم يكن الله وراء النظام الكوني الرائع، كيف إذن وجد هذا الكون المعقد الذي يشبه كساعة عملاقة دقيقة ومضبوطة.
لهذه الاسباب المنطقية والعلمية فإننا لا نستغرب من ايمان العلماء في معظم الحقول بوجود مصمم في الكون يعمل وفق قوانين رياضية مُحدّدة، يعمل بإستمرار على متابعة العمل بدقة ونظام، ولم يهمل يوما عمله. لأن الكون ليس مثل آلة فخمة واسعة الارجاء بناها الله وشحنها بالطاقة وتركها لقدرها لتعمل من تلقاء ذاتها. وكما أن الله بالنسبة الى الاديان هو الخالق والمُدبر والمشرف على كل شىء في الكون، فهو كذلك بالنسبة الى العلماء الذين ينظرون اليه على انه المصمم والعقل المنظم من دون أن يحتاج الى شحن ساعته من حين لآخر بالطاقة، لأن عمله مستمر بدقة واشراف لا مثيل لهما.
وتنتشر فكرة الخلق نفسها في كتب الفيلسوف اليوناني ارسطو الذي عاش في الفترة بين 469 الى 399 ق . م. والذي قال بوجود خالق يدير كل شىء في الكون. وربما تاثر آرسطو طاليس بقصص التوراة المدوّنة قبل ميلاده بقرون كثيرة، والمنتشرة في مناطق البحر الابيض المتوسط. وتبعه في المنوال نفسه، الفيلسوف افلاطون والفلاسفة المسيحيون ومنهم الراهب الايطالي توماس الاكويني 1425 ـ 1274 الذي ذكر: "بأنّ الله هو أسمى كيان كامل الوجود لا نستطيع ادراكه الا من خلال الوجود".
ولقد حاول بعض العلماء الملحدين اثبات ازلية الكون وبطلان وجود بداية ونهاية له محاولين اثبات عدم وجود الله، بحجة أن العلم هو خارج عن مسألة الالوهة كما قال العالم كارل ف. غاوس Carl F. Gauss ، وهو من القرن التاسع عشر: "هنالك مشاكل متعلقة بالأخلاق، أو بعلاقتنا بالله، أو بقدرنا ومستقبلنا، ولكن حلها خارج كلياً عن متناولنا، وهو يقع كلياً خارج ميدان العلم". ولكن العلم ابطل دعواهم بإثباته عكس ما نادوا به، والنظرية القائلة بالانفجار العظيم، هي أكبر دليل على وجود بداية للكون، والى وجود خالق أوجد كل شىء من لا شىء. ولقد كان نيوتن وكوبرنيكوس وكبلر وغاموف من العلماء المؤمنين، إذ أكد نيوتن على أن الله هو مصدر الحركة الاولى لإحداث وإرساء البنية الأصلية للمجموعة الشمسية وقد قال في هذا الخصوص: "إن حركات الكواكب الراهنة لا يمكن أن تكون قد انبثقت من أي علة طبيعية فحسب، بل كانت مفروضة بفعل قوة عاقلة".
بالرغم من كل الابحاث العلمية المتطوّرة في العالم حول الكون والحياة والانسان، إلا اننا ما زلنا لا نفهم إلا القليل جدا عن الامور الكونية والعلمية المختلفة، وما زلنا نعيش في تيه من عالم الألغاز والأحاجي والأسرار. وعلينا ان نعترف بتواضع كبير بأن البشرية تحتاج الى الكثير من الجهد والمعرفة والتوسع في مناحي المعارف المختلفة. وان افتخارنا بالاعمال العلمية العظيمة في بعض الاحيان لا يعني اننا بلغنا النضوج في العلم والمعرفة، وحل أسرار الكون، بل أنّنا لازلنا في السلم الأول من التطور العلمي والحضاري المطلوب.
وإنّ كانت البشرية في السلم الاول من التطور في العلوم المختلفة، إلا أنها أقل تطورا في العلوم الفلكية والكونية، فالعلوم الكونية التي أفضت بنا الى علوم الفلك الحديثة بعد رحلة طويلة من البحث والدراسة، هي علوم منتشرة في العالم، تحتاج الى جهود بشرية كبيرة وإهتمام عالمي أكبر لنشر هذا النوع من الثقافة بإعتبارها الأساس لكثير من العلوم الأساسية التي تحتاجها الحضارات البشرية.
صبري المقدسي



#صبري_المقدسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التفاؤل: مفتاح النجاح في الحياة العملية
- الحضارة المعاصرة: وليدة الحضارات القديمة مجتمعة
- الحداثة: الضامن الرئيسي لتحرير العقل
- اللغة: اهم ركيزة لتحصين الثقافة والهوية
- معرفة الذات: الطريق الامثل لمعرفة الآخرين
- الحضارة المعاصرة بنت الحضارات القديمة مجتمعة
- الثقة بالنفس: الاساس المتين للنجاح في الحياة
- علم الفلك: أم العلوم واصل كل العلوم
- البحث عن السعادة
- الحرية اقدس وأغلى عطية للإنسان
- دور التربية في بناء المجتمع وتنظيمه وقيادته
- في البدء كان السؤال وفي السؤال كان التمدن
- دور العلم في بناء المجتمع وتطوره وازدهاره
- المثقف: هو الرسول وهو الرسالة
- الحداثة: الضامن الرئيسي الوحيد لتحرير العقل
- العولمة: هوية جديدة للبشرية
- الثقافة: الضامن الرئيسي الوحيد لتمدن الامم
- دور الثقافة والدين في بناء المجتمع وتنظيمه وقيادته
- دور الثقافة والسياسة في بناء المجتمع وتنظيمه وقيادته
- فكرة تأسيس النظام العالمي الجديد


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - صبري المقدسي - بدأ الكون من نقطة كان الزمن فيها صفرا