أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - إيمان ملال - عصير بنكهة البؤس !














المزيد.....

عصير بنكهة البؤس !


إيمان ملال

الحوار المتمدن-العدد: 4069 - 2013 / 4 / 21 - 00:26
المحور: المجتمع المدني
    


يحدث كثيراً أن نقرّر الذهاب إلى مكان بعينِه كي نجد أنفسنا في مكان آخر لم نبرمج للذهاب إليه، فهل يحدث هذا بمحض الصّدفة أم أن هناك غايةً خفيّة لا نُدركها؟
إنه فصل الرّبيع، غير أن حالة الطّقس بمدينة وَجدة- شرق المغرب- تنبئ بسرعة قدوم فصل الصّيف بحرارته المعتادة.
خرجت قاصدة أحد باعة الجرائد والأدوات المدرسية في الشارع الرّئيسي لاقتناء جريدتي المفضّلة، غير أنني وجدت نفسي بعد دقائق في شارع متفرّع عن الرّئيسي، حيث تجلس امرأة كبيرة في السّن عند أحد أبواب المتاجر، مررت بجانبها فأوقفتني قائلة :"أنا مصابة بمرض السّكّري ولا أملك الآن مالاً لشراء نصف لتر حليب لأنني بحاجة إليه.. لقد شرحت الأمر قبلك للكثيرين ولا أحد يهتم لي."
طلبت منها بعض الوقت لأبحث في محفظتي، فكّرت في ثمن الجريدة.. ثمن الكرّاس الذي أريد شراءه.. ثم عثرت على بضع دراهم إضافية قدّمتها لها قائلة معتقدة أنها تكفي لشراء لتر ونصف من الحليب.
مضيت في طريقي أفكّر فيما حدث، وكيف أنني لم أتوقع أني سأمر من ذاك الشارع قبل اللحظة، وقلت في نفسي إن هناك غاية ما وراء ما يبدو على أنه حدثٌ مطلقُ العشوائية.
لحظات فقط وظهرت أمامي من جديد امرأة تشبه سابقتها، كانت تجلس أيضاً عند مدخل أحد المكاتب، وتستعطف المارة بكلمات لا تزال ترنّ في أذنيّ : "أنا لا أتسوّل.. إنني لست متسوّلة.. كلّ الأمر أن أحوالي تغيرت.. أحتاج مساعدة أرجوكم.."
في الواقع، كلّ من يعيش في هذه المدينة معتاد على أشكال من التسول عبر الإحتيال واستغلال المشاعر إن صح التعبير، ففي كلّ مكان يمكنك أن تصادف امرأة تستغل أطفالها لأجل الحصول على بعض المال، أو في أسوء الأحوال شخصاً يدّعي أنه مريض، مُعاق أو أعمى كي يستغل مشاعر المارّة.. وربما كثرة هذه الحالات وانتشار فكرة "مهنة التسول" جعلت المواطنين يفقدون الثقة فيهم جميعاً، ولكن كلّ هذا ليس مبرراً لتجاهلهم.. فــ "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ".
كانت المرأة تردد عبارتها وعلامات الهزيمة في عينيها، أو لِـنَقُل علامات البُؤس.. فإن كان ما تقوله صحيحاً، يمكن تصور ألم السّقوط من حياة عادية إلى حياة الفقر والحاجة الماسة للتّسول. إن الإنسان بطبعه لا يسعى للمتاجرة بكرامته إلاّ إذا كان ذلك يفوق إرادته !
أخرجت من حقيبتي عصيراً لأشربه تحت الحرّ الشّديد، وصورة وصوت المرأة لا يفارقان ذاكرتي؛ كان مشهداً مؤلماً لا أفهم كيف لم يحرّك شيئاً في بعض المارّة الذين يبدو من مظاهرهم أنهم قادرون على فعل الكثير لأجل المرأة. نظرت للملصق على العصير : "بنكهة الفراولة" فسخرت من العبارة لأن ما كنت أشعر به تجاوزَ كلّ النّكهات وأفقدني الرغبة في شربه.. كنت أعلم جيداً أن عصيراً لن يفيد أي شخص بحالة تلك المرأة لكنني كنت متأكدة أيضاً من أنه لن يفيد أحداً في مكاني.. لذلك عدت أدراجي وقدّمته إليها قائلة : "خذي هذا حتّى نلتقي في يوم آخر.. "
نظرت إليّ بقوّة لا يملكها الجبناء قائلة : " عصير فراولة.. شكراً لك "
نظرت إليها وقلت في نفسي : "لا، إنه عصير بنكهة البُؤس."
إنها مشاهد تعوّدنا عليها نحن أهل المدينة، وإن كان المشهدين السابقين مجرد مقطع من الصورة الكبيرة للفقر الذي يجتاح الكثيرين.. هناكَ يحترف التّسول ولا يفكر في البحث عن حرفة أخرى، وهناك من يخرج (أو تخرج ) برفقة أطفاله المحرومين من الدراسة وأبسط الحقوق للتسول، كما أن هناك من لا يحبون الظهور في الواجهة ويكتفون بالألم الداخلي في عزلـتهم البريئة.
وتبقى علامة الإستفهام : البلد الثالث عالمياً في حسن معاملة وإكرام الضيوف يَتنكّر لأبنائه؟



#إيمان_ملال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فنّ إسالة المداد بدلَ الدّماء
- للوقت الضائع فلسفته!
- قراءة في رواية -من أنت أيها الملاك؟- لابراهيم الكوني


المزيد.....




- خيام غارقة ومعاناة بلا نهاية.. القصف والمطر يلاحقان النازحين ...
- عراقجي يصل لشبونة للمشاركة في منتدى تحالف الامم المتحدة للحض ...
- -رد إسرائيل يجب أن يتوافق مع سلوكيات المحكمة الجنائية الدولي ...
- مياه البحر تجرف خيام النازحين في منطقة المواصي غرب خان يونس ...
- مصرع عشرات المهاجرين بانقلاب قواربهم قبالة اليونان ومدغشقر
- الجنائية الدولية تطالب الدول الأعضاء بالتعاون لاعتقال نتنياه ...
- رايتس ووتش: تواطؤ أميركي بجريمة حرب إسرائيلية في لبنان
- الشتاء يهدد خيام النازحين في غزة بالغرق بمياه الصرف الصحي
- اعتقالات واسعة بالضفة وكتيبة طولكرم تهاجم تجمعات لقوات الاحت ...
- المحكمة الدولية: على الدول التعاون بشأن مذكرتي اعتقال نتنياه ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - إيمان ملال - عصير بنكهة البؤس !