|
حكماء التغيير باللسان بين الأمير والوزير
أديب طالب
الحوار المتمدن-العدد: 1168 - 2005 / 4 / 15 - 10:01
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
ثلاثة تحدثوا عن التنمية البشرية في أرض العرب، الوزير مروان المعّشر والأمير تركي بن طلال والدكتورة ريما خلف. وقال الوزير والأمير قليلاً غامضاً، وقالت الدكتورة كثيراً وأقرب إلى الوضوح، والثلاثة ما فعلوا شيئاً يذكره التاريخ. في 5/4/2005، أُطلق تقرير التنمية البشرية العربية 2004 من عقاله، في احتفال مهيب في عمّان، وبرعاية حكومية مثّلها نائب رئيس الوزراء الأردني الدكتور مروان المعّشر، الذي قال: أن تقارير التنمية قدمت "رؤية مجتهدة لسبل دفْعِها وتجاوز أسباب تردي الأوضاع". وقال الأمير تركي بن طلال: "آمل أن يتمكن التقرير من توسيع الفضاءات العربية، وحوارات تستّشِفُّ الرغبة في تأصيل البحث بالعودة إلى الجذور، وتأكيد تراكمية الفكر التنموي". ما بين الرؤية المجتهدة، وتوسيع الفضاءات العربية، وتأصيل البحث بالعودة إلى الجذور، انطلق التقرير العابر للقارات العربية وفضاءاتها الحاكمة، انطلاقاً باهتاً ومشوشاً، والأغلبية الصامتة غير معنية بالمتن أو بالانطلاق. لغة دبلوماسية أنيقة مبهمة، توحي بالهيبة والاتزان، وبثقة أصحابها بأنفسهم وأوضاعهم. لغة لا تعد بشيء، ولا تقول شيئاً، وتفعل ما يناسب مصالحها، وتؤكد على الجذور، فالبركة في الجذور، أما التراكم فهو بيت القصيد، وفيه يتم البقاء والاستمرار على هذه الحال، وعلى ما كانت الحال، وعلى ما ستؤول إليه الحال بنفس الحال. لغة ترفض التغيير بالقلب واليد واللسان، وترفض؛ أن دوام الحال من المحال. ولا بأس من الاعتراف بتردي الأوضاع، ولا بأس من الحديث عن التجاوز، ما دام الكلام يبقى كلاماً. حكماء الأنظمة افتتحوا حديثاً مكتوباً عن التنمية البشرية، والأحرف تجر بعضها بعضاً من 2002 حتى 2004، رغم جهود مضنية لمئة من الباحثين، اجتهدوا كما قال الوزير المعّشر، وقدموا مضامين تحليلية كما قال الأمير تركي بن طلال. ما بين حكماء الأنظمة وحكماء الباحثين عن التنمية ترى عدة مئات من الملايين العرب وغير العرب أن مجرد الحديث عن الحرية لا يعنيها في شيء ما دامت القيود تربط القلب واليد واللسان والقدم. فالكلمة المنافقة عبث، والتقرير الصادق دون آليات للفعل أكثر من العبث بقليل. الدكتورة ريما خلف الأمينة العامة المساعدة للأمم المتحدة، اكتشفت على ضوء تقرير التنمية العربية الإنسانية 2004؛ أن نقصاً في كأس الحرية- هذا في البداية-، وعندما توغلت في السطور وتوغلنا معها، وجدت أحياناً ووجدنا دائماً أن في كأس الحرية ثمالة حرية بعد أن شربت الأجهزة الأمنية في الدول العربية قاطبة كامل الكأس، وتركت فضلاً تقتسمه الشعوب مع المتنبي: أبا الفضل هل في الكأس فضل أنالُهُ فإني أغني منذ حين وتشرب والفرق بيننا وبين المتنبي أنه كان يغني وكافور يشرب، ونحن نبكي وكوافيرنا يشربون الحرية والتنمية والأرواح والأعمار، متذرعين بالخصوصية والقومية والوطنية وحماية الدين. إن الأجهزة، لم تشرب فقط حرية المواطن، بل ابتلعت الأجهزة التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، والتعليمية، وفي أحيان كثيرة رأس السلطة نفسها. في 2002 عنون التقرير بـ"خلق الفرص للأجيال القادمة". وفي 2003 عنون بـ "نحو إقامة مجتمع المعرفة". وفي 2004 عنون بـ"نحو الحرية في الوطن العربي". والنتيجة منع الأحزاب في سبع بلدان عربية، وانتهاك حريتها في بقية البلدان، وحق المواطن في الحياة يدوسه القضاء العسكري، وقوانين الطوارئ، بذريعة الأخطار الخارجية، ومناخ كبت الحرية المستقر مازال مستقراً. الحريات مستهدفة من سلطتين؛ سلطة الأنظمة الديكتاتورية، وسلطة التقليد والقبيلة المتسترة بالدين. ولقد أدى تضافر السلطتين إلى شنق الحريات، والحقوق الأساسية. إن أزمة التنمية الإنسانية لم تشهد انفراجاً يعتد به، وإنما شهدت انتكاسات، فالمشاركة الشعبية تراجعت لحد الانعدام، واستمر بشكل أشد الاعتداء على حرية الرأي فقط. وعلى الناشطين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، بسبب إبداء الرأي فقط. السؤال الآن؛ لماذا لا تفعل التقارير شيئاً؟، وإنما خطوتان إلى الوراء وخطوة إلى الأمام!!. ورد في المأثور النبوي؛ "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، وإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان". كثير ممن سمع هذا المأثور افترضه موجهاً للفرد، وهذا ما أراه قصوراً في الفهم للنص. والخاص هنا قد يكون خاصاً وقد يكون عاماً، والمأثور موجه للفرد أو الجماعة أو للشعب أو لكل البشر؛ بقصد مواجهة المنكر وتغييره، والمنكر هنا عوائق التنمية البشرية العربية: 1- من إنكار الحرية فضلاً عن تزويرها، 2- إلى قتل للمعرفة وإرادة المعرفة وتحويلها إلى جهل يحترم النقل لا العقل، والخرافة لا الحقيقة، والتستر على المكبوت فينا والمسكوت عنه، والتبجيل والتقديس لا النقد والاعتراض، 3- إلى تعمد مكشوف مزر، لتعطيل نصف المجتمع سياسياً وثقافياً واجتماعياً واقتصادياً، بوأد للبنات وسجن للنساء في الدونية وتربية الأطفال، وشغل للصوف والمطرزات. إن هذه المعوقات الثلاث والتي كانت محور تقارير التنمية الثلاث، لا يمكن مواجهتها بالحديث عنها صراحة أو خَفَراً أو مجاملة للحكام، وإنما بالبحث عن آلياتٍ لإزالتها. والتغيير بالقلب أو باللسان أو بالاثنين معاً لا يفعل شيئاً غير خداع الذات الفردية والجماعية ودعوتها للكسل والاسترخاء وغير امتصاص ما وجد في الشارع الصامت المكتئب من نقمة واستياء، وغير تنمية لمنابع الإرهاب ومفارخ القتلة والمهووسين، والتأسيس بأن الإحباط شيء لا مفر منه. أما التغيير باليد فعمل منظم، تقوم به المعارضة سلماً لا عنفاً، وعصياناً مدنياً لا حربياً. ماذا يضير المئة باحث والفرجاني على رأسهم، والدكتورة خلف في مقدمتهم وحولهم عدة آلاف بأن يعتصموا في كل شهر في عاصمة عربية وبشكل دوري، يشمل كل العواصم، ومعهم خيرة مناضلي وناشطي وسياسي ومثقفي تلك العاصمة. ويقيمون الندوات والحوارات حول تقريرهم، وحول العام والخاص بكل عاصمة على حدة، وأن يشركوا الشعب بلقاءات مفتوحة ومباشرة وحية على الأرض. تقوم الفضائيات العربية بتغطيتها إعلامياً بدل تغطيتها للإرهاب والإعدام ونحر الرقاب وإقحام الدين في السياسة زوراً وبهتاناً. برنارد شو وأينشتاين وسارتر وكامو ومارتن لوثر كينج ومانديلا ورياض الترك، تصدروا المظاهرات والاعتصامات من أجل الحرية، من أجل المعرفة، من أجل المرأة. وحتى البابا يوحنا بولص الثاني رحمه الله، تصدر الحملة ضد الشيوعية في بولونيا وفي أمريكا اللاتينية. تأكدوا أن تجمعات من هذا النوع لن يمنعها أي قهر أمني، أو أي تآمر حكومي. إن خدمة التقرير تبدأ بخطوات من هذا النوع. والمنكر لا يتغير إلا باليد، وفي حينها تسقط ممالك وحكومات ومجتمعات الخوف، ويتحول القلب واللسان إلى يد فاعلة يحترمها التاريخ ويهابها الحكام. ما بين حكماء التغيير باللسان، وحكماء التغيير بالقلب، يقف حكام اللاتغيير باليد مسيطرين على التطور اللاإنساني، ومسلطين الثروة والتنمية إلى حساباتهم البنكية، وعلى تقرير الدكتورة خلف السلام. وأخيراً أذكر المئة الباحث الأجلاء وعلى رأسهم الدكتور نادر فرجاني بقول الإمام علي بن أبي طالب: "لا كلام لمن لا يطاع"، والتقرير الذي لا يطاع لا تقرير. أقترح على الجميع، أن يعد تقرير 2005 بإشراف هيئات لا حكومية، ومنظمات للدفاع عن حقوق الإنسان، تطلق عقال التقرير من منصات جماهيرية، لا منصات رسمية، وتضع آليات للتطبيق، وتحشد معارضي الأنظمة من المحيط إلى الخليج للدفاع عن التقرير، ووضعه موضع التنفيذ. إن الأهوال التي تحدثت عنها جريدة النهار** والتي تقف في وجه مجتمع الحرية والحكم الصالح، لن تواجهها غير المعارضة واقتناع الموالاة بأن التغيير الحقيقي أفضل لمستقبل الجميع. ومن يستثني من الوطن مواطناً واحداً هو اللاوطني بجدارة. *كاتب سوري – دمشق [email protected]
#أديب_طالب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدكتور بركات والسيد الصحاف
-
اعتصام المسنين
-
المعارضة السورية إلى أين؟
-
المرأة بين مخالب الطغاة وأنياب السلفيين
-
لصوصُ الإعمَارِ والأعْمَار:
-
علي ناصر غليج
-
الفرح في اليوم الثاني والأول
-
تسونامي... بين الوهابيين، القوميين، المتوهمين تسونامي... بين
...
-
هكذا تستقسم الأمور
-
المقتدى الخاسر والكتبة الخاطئون....
-
الخلافة المستحيلة
-
أوكرانيا والحزب الشيوعي السوري ونابشوا القمامة
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|