الامطار الغزيرة ادت لطوفان في العاصمة الجزائرية اسفر عن الف قتلى نتيجة انهيار البيوت تحت وابل الوحل والماء؛ اتهامات شعبية في الجزائر لرجال السلطة الذين يعيشون في قصورهم بينما يموت اهالي الاحياء الفقيرة نتيجة الاهمال والكوارث الطبيعية؛ تبني الجزائر لمسار الخصخصة يعني تقليل الاستثمار في المشاريع العامة مما يزيد خطر الكوارث الانسانية.
حسين خميس
اشارت التقارير الواردة من الجزائر الى ان الطوفان الذي ضرب مناطق شمال الجزائر قد حصد 722 ضحية. حسب بيان اصدرته وزارة الداخلية الجزائرية وصل عدد الضحايا في العاصمة وحدها 672 ("اليوم"، 18/11). وبلغت قيمة الخسائر المادية حوالي 22 مليار دينار جزائري.
جاءت الكارثة الفظيعة نتيجة موجة من الفيضانات والرياح القوية التي ضربت مناطق عديدة في شمال الجزائر في 10/11، مخلّفةً دمارا هائلا وخسائر مادية وبشرية ضخمة. وتفيد التقارير الى ان هذا التراكم المخيف من الفيضانات والرياح القوية وانزلاق التربة ادى لحدوث انهيارات ارضية في مناطق عديدة من الهضاب مما تسبب بانهدام العديد من المباني السكنية والمنازل.
وتعتبر العاصمة الجزائر من اكثر المناطق المنكوبة وبالتحديد حي باب الواد، احد الاحياء الشعبية الفقيرة الذي انطلقت منه الشرارة الاولى للحركات الاحتجاجية الاجتماعية والسياسية. واهم ما يميز هذه المنطقة هو كثافة سكانها وصغر حجمها، اذ يعيش 130 الف نسمة في مساحة قدرها 2 كلم مربع.
ونقلت صحيفة "الخبر" الجزائرية عن فرق الخبرة التقنية التي شكلتها الحكومة لمعاينة المباني والمساكن التي تعرضت لاضرار، ان الفحص اظهر وجود 155 عمارة تصنف في الخانة الحمراء، بمعنى ان الواجب ترحيل سكانها فورا، كما ان 35 عمارة تحتاج الى عمليات ترميم عاجلة.
اتهامات خطيرة للحكومة
وكان الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، قام بزيارة للمناطق المنكوبة بعد يومين من وقوع الكارثة. ووصفت القوى المعارضة زيارته بالاستفزازية لمشاعر المتضررين. وافادت "الخبر" ان الجماهير الغاضبة استقبلت بوتفليقة بهتافات مثل: "السلطة قاتلة"، و"بوتفليقة روح للامريكان"، وذلك بعد ان حاول الرئيس طمأنة الجمهور بان ما حدث كان قضاء وقدرا. ومما زاد من غضب الجماهير عمليات الاغاثة التي وصفت بالعشوائية والفوضوية والبطء.
وتظاهر عدد من الشباب في ساحة الشهداء وسط العاصمة، احتجاجا على ما آلت اليه الاوضاع في منطقة باب الواد. واستدعت المظاهرة تدخل قوات الامن لتفريقها، بعد ان كان المشاركون يتأهبون للطواف في شوارع العاصمة. وجاء في "الخبر" (14/11) ان المتظاهرين رددوا شعارات مناهضة للسلطة وحمّلوها مسؤولية الكارثة، كما رشق بعضهم اعوان الامن وبعض المؤسسات العمومية بالحجارة قبل ان يتفرقوا. وعبّر المتظاهرون عن الفكرة السائدة في اوساط شعبية عامة في الجزائر، وهي انه كان بالامكان تجنب الكارثة لو قامت السلطات بمهامها بكل ما يتعلق في تطوير البنية التحتية.
ولتأكيد هذا الشعور كشفت الخبر (12/11) ان مصلحة الارصاد الجوية الجزائرية ابلغت السلطات المعنية بخطورة التنبؤات الجوية خمسة ايام قبل وقوع الفيضانات. وذكرت الصحيفة انه تم ابلاغ الجهات الحكومية المعنية بخطورة الاضطرابات الجوية القادمة، ولكن هذا التحذير جوبه بعدم اهتمام الجهات المسؤولة، الامر الذي حال دون التهيؤ للكارثة بطريقة جادة.
واشارت الصحيفة الى ان إقدام السلطات في اواخر التسعينات على اغلاق العديد من الممرات الارضية والانفاق الكبرى التي انشئت لغرض تصريف مياه الامطار، دون التفكير في البدائل وقائية اخرى من هذه الكوارث، قد ضاعف حجم الكارثة والخسائر الفادحة. وذكرت الصحيفة ان اغلاق الانفاق تم للحيلولة دون قيام الجماعات الاسلامية باستخدام هذه الممرات لمهاجمة احياء العاصمة.
بنية تحتية بالية منذ الاستعمار
صحيفة "اليوم" (15/11) اتهمت الحكومة بالتقصير والاهمال، وشبهت العاصمة الجزائر بكابول العاصمة الافغانية من ناحية البنية التحتية والسياسة العمرانية. وأشارت الى ان التطور السكاني الهائل في العاصمة التي يعيش فيها اكثر من ثلاثة ملايين نسمة، لم يقابله ادنى تفكير في توسيع ولاية الجزائر، او بناء مدن جديدة مجاورة، او بناء احياء جديدة يستفيد منها المواطنون. كما ان المشكلة الرئيسية تتمثل بقنوات صرف المياه التي يعود تاريخها لعهد الاستعمار الفرنسي، بالاضافة الى ضيق الطرق التي اصبحت لا تتسع للكم الهائل من السيارات، وغيرها من المشاكل التي تفضح عورة السلطة العاجزة حتى عن صيانة ما تركه الاستعمار من بنايات وقنوات.
السلطة من جهتها حاولت تبرئة ذمتها من المسؤولية عن الكارثة الكبرى، والقت بالمسؤولية على جبهة الانقاذ الاسلامية التي كانت خلال الثمانينات مسؤولة عن السلطة المحلية بعد استيلائها على الكثير من المدن في الانتخابات المحلية. وحمل وزير الداخلية على جبهة الانقاذ لسماحها ببناء احياء بصورة عشوائية في عهد تسييرها للبلديات.
واتهم وزير الاسكان اصحاب العمارات بتأجير المساكن للمواطنين رغم علمهم بقدم هذه المساكن ودرجة خطورتها المتقدمة، هذا في حين يسكن اصحاب هذه العمارات في مساكن باحياء راقية. واشار الوزير الى ان وزارته احصت مليوني مسكن قديم آيل للسقوط، الا ان معظم هذه المساكن تابعة لملكية خاصة وتجد الدولة صعوبة في ترميمها. واشار الوزير الى ان الحكومة بحثت قبل الكارثة في امكانية شراء هذه المساكن بقصد هدمها واعادة بنائها، الا ان المبالغ التي يقترحها اصحاب المساكن خيالية، مما جعل الدولة تتخلى عن مشروع السكن الكبير.
اقفال ملف المشروع السكني الكبير له علاقة عضوية بسياسة البنك العالمي ومنظمة التجارة العالمية التي تفرض على الحكومات تقليص ميزانياتها، شريطة قبولها عضوا في مؤسسات المال العالمية التي تسيطر عليها امريكا. ويذكر ان الجزائر تسعى حاليا للانضمام لمنظمة التجارة العالمية، وقد قام الرئيس بوتفليقة منذ تسلمه للسلطة عام 1999 بعدة خطوات لاقناع الادارة الامريكية باستعداده لتنفيذ المطلوب منه والتخلي عن اقتصاد الدولة وسائر مخلفات "النظام الاشتراكي القديم".