جاسم العايف
الحوار المتمدن-العدد: 4066 - 2013 / 4 / 18 - 00:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تحت ظل تحديات متواصلة في الحياة اليومية ستبدأ انتخابات مجالس المحافظات، بعد مخاضات عسيرة، بمواجهة القانون الانتخابي السابق وفي مقدمتها إقصاء وتقليل فرص تمثيل قوى عراقية لها عمقها الشعبي،
- وتاريخها الطويل في مقارعة الطغيان وتوجهاتها الاجتماعية الوطنية والثقافية الديمقراطية الأصيلة، ما الحق بها غبناً واضحاً، بفعل هيمنة القوى الطائفية- القومية على مجلس النواب وصياغة قراراته ، التي شابها الكثير من القصور ،فكانت نتائج تلك الانتخابات لصالح أحزاب طائفية وفئات قومية استحوذت على أغلبية المقاعد في مجالس المحافظات، وما أن بدأت ممارساتها العملية حتى دبت الخلافات بينها على منافع خاصّة لا مصلحة للمواطن فيها. والمفروض أن العراقيين في ضوء تجربتهم المحبطة السابقة في الانتخابات المحلية والمرارة التي تذوقوها حد التخمة والندم(وعض الأصابع البنفسجية) عندما استجابوا لنداءات وتوجهات لا علاقة لها بالديمقراطية وحق التنافس الشريف من خلال استغلال الدين الموقر شعبياً والطائفة حصراً والتوجه العشائري، لانتخاب مَنْ لم يثبت قدرته في خدمتهم. لقد وضح التمييز بين العراقيين في العمل اليومي للمجالس و الذي اتسم بالضعف وشابته الطعون، وعدم نزاهة بعض أعضاء تلك المجالس التي لم تتعامل مع العراقيين على وفق حق المواطنة الذي لا نزاع عليه ، كونه حقاً كفله الدستور العراقي، على نواقصه، الذي عبر آلياته احتلوا مراكزهم الحالية ، كونه (متسم بالخفاء والتجلي) بحسب خبراء الدساتير. من المفروض في هذه الانتخابات أن تتجلى عند المواطن العراقي تجربته المريرة ومخلفات سنوات القهر والضيم السابقة ليتوجه عبر حرية الضمير الانتخابي في ضوء مصالحه الاجتماعية بعيداً عن تكريس الالزامات من أي جهة جاءت والابتعاد عن الاستقطابات الطائفية التي رافقت الانتخابات السابقة, انسجاماً مع السلوك المتحضر الذي يجب أن يترافق والعملية الديمقراطية كقيم عامة- خاصة، ويتجلى هذا في ممارسة حق الدعاية الانتخابية والمنافسة الشريفة السلمية,مع الفارق الواضح فيها إعلانياً بين مرشحي (الحيتان) الكبيرة التي هيمنت بعد سقوط النظام السابق على مراكز القرار، وفي حرية الوصول للناخبين من اجل توضيح البرامج والرؤى الانتخابية,متجاوزاً في ذلك تراثاً حافلاً بالمرارة والخذلان, حينما يختلي الناخب، وضميره ومصالحه ومستقبله أمام ورقته الانتخابية ، وإذا كان الوضع الراهن المرافق لهذه الانتخابات يجري في ظل ظروف معقدة غير طبيعية منها ماعززه الاحتلال من التركة الثقيلة التي كرّس فيها الطائفية بمخطط مدروس لتصبح أفقاً للحياة السياسية -الاجتماعية ، ومع ازدياد الفساد الإداري والمالي وشراسة الإرهاب, وردود الأفعال العشوائية لذلك. هذه الانتخابات ستجري في مرحلة حساسة دقيقة في حياة شعبنا ومستقبله لكونها الوسيلة الشرعية لتحديد الكيفية التي ستسير نحوها وجهة تطور البلاد في الحفاظ على الوحدة الوطنية والهوية الديمقراطية العراقية وإنهاء الأزمات المرافقة للحياة اليومية الصعبة والشاقة، وفي مقدمتها الخدمات و الأمن وذلك من خلال لجم الإرهاب بكل أنواعه خاصة القادم من الخارج لتصفية حسابات على الأرض العراقية ولتحويل العراق إلى منطقة نزاع لا شأن للشعب العراقي بها وهذا الإرهاب وجد في الممارسات السلطوية، وضعف القوى الأمنية واختراقها بوسائل عدة ، أداة للحصول على البطش بالعراقيين ، أينما يشاء، بتسهيل موثق من كل دول الجوار العراقي والتي يقع في مقدمة أهدافها عدم استقرار التجربة العراقية أو في الأقل جعل ثمنها باهظاً. أن توفير مستلزمات نجاح هذه الانتخابات يتوقف على الممارسات اليومية للقوى السياسية المشاركة فيها ومدى التزامها بقواعد الشرعية الديمقراطية وشرف المنافسة السلمية واحترام ممارسة الدعاية الإعلامية الانتخابية في إطار القوانين المعلنة والتي يجب تطبيقها على الجميع دون استثناء , وان تقف الأجهزة الحكومية والتنفيذية على الحياد التام باعتبارها مؤسسات وطنية تخدم جميع العراقيين ، ولا تتصرف كأنها (أملاك) لهذا الطرف أو ذاك خاصة لمن هو في سلطة المحافظات الآن، وتدخلها لصالحه ، نقول هذا مع معرفتنا بالكيفية التي أسست بموجبها هذه الأجهزة والشروط والعوامل الخفية التي خضع لها أفرادها وكذلك الوسائل التي تم انخراطهم في صفوفها ،ونأمل كذلك عدم استخدام النفوذ الديني والطائفي والعشائري للتأثير في الناخب واحترام قناعاته التي سيصوت بموجبها, ويظل الأمل معقوداً على القوى المتنافسة في هذه الانتخابات في أن تقدم نموذجاً عراقياً راقياً ، دون الاعتماد على الانفراد وضيق الأفق وتهميش وإقصاء الإطراف الوطنية الأخرى أو توجيه الطعون والاتهامات لها وتحويل الانتخابات والنتائج التي ستترتب عليها إلى (سوق للغنائم) لتقاسم المناصب لأربع سنوات قادمة, ولعل استخدام أخطر الأسلحة يتجلى في الاستغلال السياسي للدين وللرموز الدينية ،مع إن القانون حرمها، لكن ثمة من سيلتف عليها بهذا الشكل أو ذلك لاستغلال المؤسسات والمراكز الدينية العامة المنتشرة بكثرة ،خاصة بعد سقوط النظام، والقيام من خلال هذه الرموز والمؤسسات والمراكز بطرح البرامج السياسية - الدنيوية الفئوية الضيقة، واستغلالها للدعاية الانتخابية ومداعبة الخيال الشعبي البسيط في هذه الأماكن المبجلة في الضمير و الوجدان العراقي، وتحويلها إلى (بازارات) للسياسة وألاعيبها ومخاتلتها وتواطئاتها, ولعل احترام القواعد والشروط الديمقراطية المعلنة سيعزز ثقة الناس بالقوى السياسية وعدم الانفراط عنها مع إصابته باليأس استناداً لتجربته المريرة اليومية منذ سقوط النظام ، ولربما سيحس الناخب العراقي بأنه قادر على وفق إمكانياته التصويتيه المساهمة في العملية السياسية الحالية وصياغة مستقبل البلاد، ويتطلب ذلك من المفوضية العليا للانتخابات، مع أنها نتاج المحاصصات ، أن تمارس دورها بمسؤولية كاملة ومعها مؤسسات الرأي العام ، المحلي والدولي، المختصة بالمراقبة الحيادية في مراقبة سير العملية الدعائية والاستعدادات الانتخابية بموجب الضوابط المعلنة وفي الحدود المتاحة للشفافية ، وفي مقدمتها ضمان توفير الفرص المتكافئة بين الأطراف المتنافسة دون تمييز ومحاباة واعتماد معايير الكفاءة والحيادية في إدارة وظائف العملية الانتخابية والإشراف عليها وإخضاع العاملين فيها لمعايير العدالة دون تمييز، والإعلان عن خروقات القوى التي تقوم بها عبر وسائل الأعلام العلنية دون تعمية، للجمها وتعريتها علناً من اجل عدم حرف العملية الانتخابية القادمة التي هي في صميم آمال العراقي, واتخاذ مواقف حازمة في هذا الإطار, و على المفوضية أن تراقب وسائل الأعلام الفضائي الخاص التي تعمد إلى تسويق الطائفية وخطاباتها وبرامجها لتكريس وهم التمثيل الأحادي لطائفة واسعة من أبناء شعبنا معروفة بغناها الثقافي وتعدد مرجعياتها السياسية - الاجتماعية ومحاولة احتكار هويتها الحضارية المعروفة بتدينها الوجداني غير المسيس. إن اتخاذ التدابير القانونية والإجرائية والفنية والتطبيقية من قبل مفوضية الانتخابات يقتضي الاستفادة من دروس الانتخابات السابقة والعمل على تجاوز كل ما من شأنه أن يلحق بالناخبين في المحافظات من معوقات في ممارسة حقهم في اختيار من يمثلهم ويدافع عن مصالحهم الاجتماعية, ويظل الأمل يرافقنا - وان كان حلماً- في مرحلة قادمة عبر حكومات محلية كفوءة تسفر عنها هذه الانتخابات تكون قوية متماسكة تُفعل إنهاء هذه المرحلة البائسة التي عاشها المواطن ولمس فيها التمييز والاستفراد وتعمل على تفعيل الأجهزة التنفيذية- الخدمية القادرة على خدمة العراقي على وفق مبدأ المواطنة أولاً واكتساح نهج المحصاصات والعزل الطائفي والنهب المنظم للثروات العراقية لإخراجنا من أزماتنا الكثيرة عبر دولة المؤسسات القانونية المعنية بالعدالة الاجتماعية-الإنسانية واحترام سيادة القوانين وحقوق الإنسان وممارساته وحرياته المكفولة دستورياً. على المواطن العراقي في المحافظات أن يتذكر جيدا بأن من ادعى أو سيدعي انه يتلقى دعم بعض المرجعيات الدينية في الانتخابات القادمة ليس إلا شعارات ملفقة كاذبة ، الغرض منها الاستحواذ على النفوذ، إذ أعلنت جميع المرجعيات الدينية الموقرة في الضمير الشعبي العراقي بأنها مصابة بالإحباط من جراء عمل المجالس السابقة، وأنها لا تؤيد طرفاً ضد آخر وتقف من الجميع على مسافة واحدة، وبذا فأنها تترك الناس أحراراً في خياراتهم الدنيوية لانتخاب من يرونه أهلاً لخدمتهم، ولقد وعت بعض الجهات ذلك فعمدت للإتيان بمرشحين مستقلين لغرض التخفي خلفهم،مع تدفقات كبيرة وكثيرة من الأموال ،مجهولة المصادر، واضحة في الإعلانات الانتخابية، وعلى العراقيين إدراك هذه اللعبة التي باتت واضحة وحديث الناس في كل مكان.يبدو وفي ضوء المعطيات الراهنة أن الخارطة الانتخابية في المحافظات العراقية خلال هذه الانتخابات لن تتبدل جوهرياً، لأن المال والدين المسيس والسلطة و ضعف الوعي الاجتماعي لا زالت هي اللاعب الأساس في الانتخابات المحلية القادمة، والتي ستجري دون تواجد قوات أجنبية احتلت العراق بذريعة تحريره، محاولة زرع القيم الديمقراطية فيه، لكن ستراتيجتها واجهت الفشل الواضح والعلني فالقيم الديمقراطية وما عليه من ممارسات فعلية لن ولا تكون مزروعة بفعل قوى ومخططات ورغبات خارجية، في بلد لا تراث يعتد به في الممارسات الديمقراطية ، فالديمقراطية دون ديمقراطيين سلوكاً ومنهجاً وممارسة تاريخيةً، لا قيمة لها سوى إعلامياً فقط ، و هي نتاج للتطور الاجتماعي لأي مجتمع ما. لعل نتائج الانتخابات المحلية القادمة، وان بدت ضعيفة في ما نراه، ربما ستفتح افقآ وأملاً وكوةً في بعض نتائجها ، ومع إن ذلك لا يشكل كل طموح العراقيين المكتوين بين نيران لا تحصى، وفي الأهم منها نار الإرهاب وفساد الضمائر، والرغبة الجامحة لدى بعض القوى والأحزاب السياسية- الدينية الطائفية، ومن جميع الجهات، في الاستيلاء على كل (الكعكة العراقية) الشهية ، دون حدود ، والتهامها بشراهة لا حد لها و بلا منازع ما.
#جاسم_العايف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟