مسعود محمود حسن
الحوار المتمدن-العدد: 4066 - 2013 / 4 / 18 - 00:23
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الحب ومفاهيم أخرى...!!!
مثلما لا يعبر رأس الجبل الجليدي في البحر عن حقيقة حجم هذا الجبل , كذلك فإن دراسة الحب كحالة عاطفية بحتة منعزلة عن البعد العقلي للإنسان وفلسفة وجوده ومعناه لاتعبر عن حقيقة الحب بأكملها .
فما هو الحب ؟
إن حديثاً عن الموت والخلود والحرية في سياق تعريفي للحب يستدعي الغرابة والدهشة , إلا أن هناك علاقة كامنة بين تلك المفاهيم داخل النفس البشرية يوضحها التعريف التالي : الحب هو فلسفة قهر الموت وذلك باستدعائه بحرية سبيلاً إلى الخلود .
صراع الإنسان مع الموت أزلي وأبدي حول الخلود , وليس صحيحاً إن انهزام كلكامش امام الموت أصبح رمزاً لهزيمة الإنسان بالمطلق , فالصراع مازال مستمراً والانتصار والهزيمة أمر نسبي لطرفي الصراع ومتعلق تماماً باعتقاد كل إنسان عن الحب .
الموت كظاهرة إنسانية لا إرادية وواقعة حتمية تقف ندّاً لحرية الإنسان في البقاء , ويدخل الحب هذا الصراع كمفهوم إبداعي خلقه الإنسان ليقف الى جانبه ويدعم قواه الهجومية لقهر الموت واستعادة حريته المطلقة في البقاء أو ما يسمى بالخلود . الحب يزيل عن الموت حتميّته التي هي مصدر قوته وتفوقه على الإنسان ويحوّله الى مطلب إنساني بإمتياز , لكن فقط في نطاق الحب , ومن شاهد فيلم " التايتنيك" والمشاهد الأخيرة منه بالذات بين بطلي الفيلم ( جاك و روز ) سيستوعب بوضوح كيف يحول الحب الموت إلى خيار و مطلب إنساني .
بهذا الشكل يقهر الإنسان العاشق الموت ويفوز بالخلود . لأجل هذا يكون استحضار الموت هو الاختبار الحقيقي لصدق الحب , فإذا كان الإنسان مستعدّاً له لأجل حبه فذاك حب حقيقي , امّا إذا ارتجفت افكاره وفرّت هاربة فحبه ليس سوى زيفٍ مصتنع والموت سيجد فيه فريسة سهلة . بهذا الشكل يكون الانتصار والهزيمة في معركة الإنسان أمام الموت أمر نسبي مشروط بوجود الحب في حياتنا أو عدمه .
الحب والجمال :
يختلط المفهومان في ذهنية الناس , ولا يدري أحدهم هل هو يحب ام انه في نشوة جمالية ؟ سبب الاختلاط يعود إلى تشابه نزعتان نفسيتان تبثاها حالتا الحب والجمال داخل الإنسان , النزعة الأولى هي حالة النشوة التي نشعر بها أمام مصدر الحب والجمال , وهذه النشوة عبارة عن تركيز لكل حواس الإنسان وانشطته الأخرى كالانتباه و الإدراك والتفكير على مركز الجمال او الحب , وكلما كان التركيز أقوى كانت النشوة أعظم , وقوة التركيز مرتبطة بمقدار الحب أو الجمال , ويحصل أحياناً أن تصل نشوة الحب بالإنسان الى الغيبوبة كما حصل مع أبطال ملحمة (ممو و زين ) الكردية حين التقوا مع بعضهم . النزعة الثانية هي ان الحب والجمال يهيّجان في الإنسان غريزة الامتلاك وتدفعانه لحيازة مسبب الهيجان سواءً أكان حباً أو جمالاً ليضمن لذاته المتعة الأبدية . وفيلم (america s sweet hearts ) يوضح سينمائياً كيف قد يخلط الإنسان بين الحب والجمال في غمرة سكرته بالجمال وذروة هيجان غريزة الامتلاك لديه .
وإذا ما كان بين الحب والجمال صفتان متشابهتان, فإن نقاط الاختلاف كثيرة أولاً : الحب عملية تفاعلية بين طرفين , والعبارة الدارجة ( الحب من طرف واحد ) مقولة خاطئة ليس لها أساس نفسي , فالحب منذ ولادته ثنائي الأشخاص , أما الجمال عملية آحادية فيكفي أن أقول عن لوحة فنية او إنسان ما بانه أو أنها جميلة حتى تصح العملية .
ثانياً : الحب أقوى من غريزة البقاء بعكس الجمال , فالمحب يمكن أن يختار الموت بمحض إرادته في سبيل بقاء حبه , في الوقت الذي يمتنع اي متذوق جمالي عن التضحية بحياته ووجوده مهما كان هذا أو ذاك الشيء جميلاً , وبتعبير آخر ليس بوسع الجمال مواجهة الموت .
ثالثاً : الحب إبداع بينما يكون الجمال متوارث بحكم استناده إلى معايير اجتماعية وثقافية وحتى سياسية واقتصادية .
رابعاً : الجمال أمر نسبي , فما هو جميل في الشرق قد يكون قبيحاً في الغرب أو العكس , وما رأته مدرسة الفن الاشتراكي معياراً للجمال كان في مدارس أخرى كثيرة معياراً للقبح . أما الحب فهو حالة مطلقة , لا يختلف ما إذا كان في بيئة محافظة أو بيئة عصرية , في مجتمع صناعي أو مجتمع تقليدي .
خامساً : الحب ملكية خاصة يحتكرها طرفي المعادلة , بينما الجمال ملكية عامة فجمال الموناليزا ليس حكراً على المتذوق الإيطالي فقط , والحب في زمن الكوليرا كرواية لها متذوقوها في كل العالم .
سادساً : الحب إرادة حرة ومتعالية على أي ثقافة أو تقليد أو عرف , وكم من محبّ أخترق قوانين وأدبيات مجتمعه ليفوز بحبه وفيلم ( الحرف القرمزي ) تجسيد سينمائي لهذه الخاصية في الحب , في الوقت الذي يخضع الجمال لثقافة مجتمعه ويلتزم بمنظومــــة قيمـــــه وأخلاقيـــــاته وأيديو لو جياته , ولعلّ دراما ( الحاج متولي ) خير شاهد على ذلك , فقد انقسم المثقفون ومن ورائهم الجمهور بين مقيم إيجابي ومقيم سلبي وكل طبعاً حسب ثقافته وقناعته .
سابعاً : الجمال متحول , فما هو جميل في لحظة تاريخية قد يصبح قبيحاً فــي لحظـــة أخري والعكس صحيح أيضاً, أما الحب فثابت , فنحن نحب اليوم وغداً وإلى ما لا نهايــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة .
الحب والزواج :
بكل الثقافات والحضارات والأديان الزواج هو عقد قانوني و اجتماعي بين ذكر وأنثى بمقتضاه يعيش الطرفين معاً في الحياة . وليس قليلاً ما نرى الجو العاطفي السائد بين الزوجين هو الكره بدلاً من الحب والتوتر بدلاً عن الاستقرار , والمأساة بدلاً عن السعادة , والخلاف على أتفه الأمور بدلاً من الانسجام على أكبرها , فهل نرضى بأن يكون هذا هو الحب ؟
وحتى إن كان الزواج ناجحاً فأنه لا يصح أن نقول عنه بأنه حب . الصحيح أنه مشروع وكونه مشروعاً فأنه لامفرّ يخضع للتخطيط والتنظيم والرقابة . التخطيط في الزواج هو أن تختار امرأة بمواصفات معينة ,مواصفات ثقافية وعلمية واجتماعية واقتصادية ,لكن المعروف عن الحب بأنه يأتي فجاة من دون سابق إنذار أو تخطيط ولا يبالي إن كان الحبيب أو الحبيبة مختلفة ثقافياً أو اجتماعياً أو ........إلخ
التنظيم في الزواج هو تقنين العلاقة بين الزوجين وبينهما وبين الأولاد وفقاً لقواعد معينة , بينما الحب شيء همجي لا يخضع لأي قانون ويثور عليه إن وقف عائقاً .
الرقابة في الزواج أمر حتمي للتأكد من أن عقد الزواج لم تنتهك قواعده والحب على النقيض من ذلك , فهو علاقة حرة ومتى فرضنا عليه قوانين فأننا قد صادرنا حريته ولا حب بالإكراه .
فإذا قلنا أن الزواج مشروع مستقبلي فماذا يكون الحب ؟ الحب هو لا مشروع أبدي .
الحب والجنس :
كلاهما من أنواع الاتصال , إلا أن الجنس اتصال جسدي ولايمكن ان بكون غيرذلك ,أما الاتصال في الحب فهو ليس بالاتصال المادي ,لا يبدأ جسدياً ولا ينتهي به , بتعبير آخر شرط المكان ليس ضرورياً لحياة الحب . أليس في وسع أثنين أن يتحابّا وكل منهما مقيم في مكان غير الآخر ؟
والأدهش من ذلك أنّ الحب كثيراً ما يتجاوز شرط الزمان أيضاً, فمن المحتمل جداً أن يستمر الحب بين إنسانين , أحدهما يقيم في الحاضر والثاني في الماضي . وقد تكون القصص التي كثيراً ما نسمعها عن أرمل أو أرملة عزفا عن الزواج بعد وفاة شريكيهما تعبّر عن حالة الحب في زمانين مختلفين . هناك اختلاف آخر من حيث اللّذة, فاللّذة الجنسية لذّة لحظية ودورية , تبدأ وتتوقف وأحياناً تموت , لكن لذّة الحب أبدية بالمطلق .
مسعود محمود حسن
إعلامي كردي من سوريا
#مسعود_محمود_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟