|
الكتاب المقدس والعنف
لطفي حداد
الحوار المتمدن-العدد: 1168 - 2005 / 4 / 15 - 08:50
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
دراسة في رؤيا يوحنا، سفر دانيال، سفر حزقيال
نظراً لأهمية هذه الأسفار فإنني أعرضها هنا كما تفهمها الكنيسة الكلاسيكية أي غير المتطرفة. وإن القراءة المسيحية للعهدين القديم والجديد غير حرفية بل تستلهم الروح وتترك مجالاً واسعاً للاجتهاد، وليس هناك أية نبوءة واردة في العهدين القديم والجديد ما تزال بانتظار تحقيقها أو تطلب من "المؤمنين" تحقيقها عن طريق العمل السياسي والعسكري. هناك أيضاً فكرة الحرب العظمى بين الخير والشر أو ما يسمى "هرمجدون"، الكلمة التي وردت مرة واحدة في الكتاب المقدس، والتي ألف عليها عشرات الكتب والمقالات وتستخدمها الصهيونية المسيحية لأجل تحقيق أهدافها العسكرية والسياسية وهذه الفكرة موضحة في قسم الأصولية المسيحية. رؤيا يوحنا سأبحث بالتفصيل في السفر الأخير من العهد الجديد وهو رؤيا يوحنا لأهميته في الماضي والحاضر.. هذا السفر غامض وإن المحافظين الجدد والكثير من الطوائف تستعمل الجمل والكلمات وتفسرها بطرق مختلفة. بعضها يقود إلى التبشير المسلّح أو العنف الديني أو "التنصير الإكراهي" أو وصف آخرين بالضالين والكفار؟! قد يقال إن سفر الرؤيا هو سفر الخوف بسبب ما يحمل من صور عن نكبات وكوارث تحدث في الكون وتعلن نهاية العالم وفي الحقيقة إنه كتاب الأمل والرجاء.. وهو كتاب يتكلم عن الصعوبات التي عاشتها الكنيسة أو الجماعة المسيحية في القرن الأول للمسيحية. وقد يقال إنه سفر نهاية العالم، فقد فسرت الأعداد والرموز بطريقة حرفية حيث المخلَّصون هم 144000 شخصاً أما الباقون فيعودون إلى العدم.. كما حاول البعض أن يجعلوا تسلسلاً بين سباعية وسباعية. فهناك سبع سباعيات هي الرسائل السبع، الختوم السبعة، الأبواق السبعة، الآيات السبع، الكؤوس السبع، الأصوات السبعة، الرؤيوات السبع. فهناك إذن سبعة آلاف سنة.. وبما أننا نكون مع المسيح مدة ألف سنة فالعالم ينتهي في نهاية الألف السادس. ولكن متى ينتهي الألف السادس؟! وبما أنه مرت أربعة آلاف سنة قبل الميلاد.. إذن نهاية العالم عام 2000!! وهذا لم يحدث... إن تاريخ البشرية يصل إلى مليون سنة وتاريخ الكون يصل إلى مليارات السنين وإذا كان المسيح هو في وسط التاريخ فإن القسم الثاني من التاريخ في بدايته!! إن كل الأرقام هي رمزية: فالألف سنة لا تدل على رقم عددي، وإنما على الكثرة والامتداد ويدل هذا الكتاب على محنة الكنيسة أيام حكم نيرون، وقتل المسيحيين.. وهو يتوجه إلى معاصري يوحنا لكي يشجعهم ويذكرهم بأمانة الله لكنيسته. وإذا كانت كلمة الله هي هي في الأمس واليوم وغداً إلا أن هذا ليساعد في الفهم، وليس ليصنع الحاضر والمستقبل بأحداث الأمس ويسيطر على حياتنا. لقد قتل الكثير من الرسل في أيام نيرون خصوصاً بطرس وبولس وهما شخصيتان أساسيتان في الجماعة الأولى فهل زالت الكنيسة؟! الله أمين وهذا هو اليقين الذي تريد الرؤيا أن تزرعه في القلوب. حوالي سنة 70، بدأت الجماعة المسيحية الأولى تفهم أن عودة المسيح لن تكون قريبة وازدادت الاضطهادات من قبل الوثـنيين والقتل والنفي، وشعرت الكنيسة أنها مهددة بالانتهاء، فحمل هذا القلق يوحنا ورفعه إلى السماء بنظرة متوسلة وصرخة رجاء فكان كتاب الرؤيا. إن رؤيا يوحنا كتاب متعلق بالعهد القديم وتاريخ الدين اليهودي ومسيرته الروحية في القرون السابقة للمسيحية.. وهناك تقارب واضح وشديد إلى درجة نستطيع أن نقول إن الرؤيا هو قراءة مسيحية للعهد القديم.. وقد انطلق من الواقع الصعب للجماعة الأولى وحاول أن يجد العزاء والتشجيع في الكتب المقدسة اليهودية كالتوراة. وفي الوقت نفسه نجد تقارباً وتوازياً مع الرسائل البولسية حول مجيء الرب القريب، ومع الأناجيل الإزائية في المشهد الاسكاتولوجي، حيث لا تخرج العلاقة الإنسانية - الإلهية من هذا العالم إلى نهاية العالم.. بل تُدخل القيامة في الزمن. هناك فروقات متعددة بين الأدب الرؤيوي في العهد القديم ورؤيا يوحنا.. فالرؤى اليهودية متشائمة وتدفع الناس إلى انتظار سلبي لا يعملون فيه شيئاً.. أو الرؤيا اليوحناوية فهي متفائلة وتدعو المسيحيين إلى أن يعيشوا منذ الآن في الفرح مع الله في أورشليم القلوب، وأن يتذوقوا مسبقاً فرح السماء في الليتورجيا الزمنية، فالخلاص آت.. آت.. إن الصورة المقدمة عن المسيح في الرؤيا تفيض حباً ورحمة.. والعالم كله خلق للمديح والعبادة وليتورجيا الفرح. وإذا كان هناك تخصيص في هذه الجملة مثلاً "أنتم تكونون لي مملكة كهنة وأمة مقدسة" (حز 19:6) كما في العهد القديم. وترديد عبارة مشابهة في رسالة بطرس: "أما أنتم فنسل مختار وكهنوت ملوكي وأمة مقدسة وشعب اقتناه الله لإعلان فضائله، وهو الذي دعاكم في الظلمة إلى نوره العجيب". إلا أن الرؤيا منفتحة على الجميع والدينونة ليست على أساس الانتماء لشعب أو طائفة أو فئة بل على الرحمة والمحبة والوداعة والسلام والفقر الروحي.. إن التصورات الروحية المكتوبة بلغة بشرية تظهر الضعف الأدبي أمام بهاء السر الإلهي.. لكننا نستطيع أن نستشف من الصور الأدبية محبة المسيح للبشرية وغفران الله الفياض دائماً، كما تدفق الوحي كنهر على البشر جميعاً بما فيهم من خطيئة ونقص.. الرؤيا كتاب في التعزية والاندهاش!! * * * هناك رموز أساسية في هذا الكتاب: فالعرش السماوي يدل على عظمة الله الأب الأزلي المسبّح بأناشيد المديح: قدوس.. قدوس..قدوس. إنه القدوس الذي يقيم في نور لا يدرك، وفكره الإلهي لا يتبدل، ومشاريعه لا يدركها الإنسان "ما قدر أحد في السماء ولا في الأرض ولا تحت الأرض أن يفتح الكتاب ويقرأه" (3:5). فالكتاب يرمز إلى فكر الله ومشاريعه. وهناك رمز الحمل فهو المسيح الذي يتّم مقاصد الله الأزلية في ليتورجيا الحمل الفصحي.. كما أن هناك رموزاً كثيرة كالأبواق والختوم والحيوانات كالوحش الطالع من الهاوية، وهي تدل بشكل عام على الاضطهاد الحاصل في ذلك الزمن على الجماعة المسيحية الأولى.. كذلك سقوط التنين العظيم يدل على الانتصار النهائي وإن ذكر المرأة ربما يدل على مريم العذراء. وحش البحر هو السلطة السياسية، وحش الأرض هو السلطة الأيديولوجية، وإن التنين يمارس سلطانه مع الوحش الأول ويقوم بالدعاية مع الوحش الثاني.. لم يحتفظ وحش البحر بأثر الجراح بعد أن شفي من ضربة السيف وهذا يرمز إلى القوة الكاملة، التي لم ينقصها شيء، للسلطان السياسي في العالم.. كما أن وحش الأرض، النبيّ البليغ، ومنظم الدعاية يسعى بخطبه الرنانة إلى دعوة العالم للخلاص وهو شخص قوي، صاحب ذكاء وحيلة ويجتذب الناس إلى الشر اللابس لباس الخير. تتم الدينونة بأمر من الله الآب وتستعمل كلمة "ابن الإنسان" (حيث ترد 69 مرة في الأناجيل الإزائية) التي تتضمن سر التجسّد وسرّ الارتـفاع والتمجيد.. حيث يجتذب المسيح عيسى أتباعه في مجال السر الذي لا يعبّر عنه. ويعلن الملائكة مجيء يوم الدينونة ثلاث مرات، وهو يوم لا يفلت منه أحد. وإن الله العادل الرحيم والديان يجازي كل إنسان حسب أعماله، فمنذ الآن نحن نبدأ ببناء بيت لم تصنعه الأيدي بانتظار أن نترك خيمتنا على الأرض.. وهكذا يتم الانطلاق من الصراع بين التـنين وابن المرأة حتى يوم الدينونة العامة، فتاريخ الكون يسير رغم بشاعته نحو خلاص الله.. وإن الوقت الحاضر بكل ضيقه هو "ساعة ثبات القديسين" للعبور إلى المجد الآتي. وتظهر الخليقة الجديدة بعد أن تتم الدينونة فتنزل المدينة المقدسة من السماء، وتتطابق الخليقة والهيكل (أي تصبح الخليقة كلها هيكل الله) ويتقرب جميع الناس من الله الحاضر وسط أحبائه. * * * إن الرؤى السبع لكؤوس الغضب تبين أن المحن الكبرى التي أرسلها الله تقدم للخطأة إمكانية التوبة الأخيرة.. فالله لا يريد موت الخاطئ بل عودته كابن ضال إلى الحضن الأبوي. وإن الله يحترم الحرية التي وهبها للإنسان.. ويكمن سر الشر في البشرية في هذا العناد الخاطئ والمتمادي ضد الخير وضد الله.. وهكذا يرى الخاطئ في المحن التي تصيبه آلاماً يدفعها إليه إله لا رحمة عنده، أما لو عرف أن هذه الآلام هي دعوة إلى التوبة والارتداد فإنه سيمجد الله ويخشاه. إن نهاية الإمبراطورية هي الدمار، ورغم إحساسنا بسقوط روما القريب إلا أنه يبقى شعوراً وحسب.. ولكن خطاً ضئيلاً يوصل إلى الحقيقة الأخيرة.. ستسقط روما كقصر من التراب وسيغلب العائشون على الإيمان والرجاء حين تتم أقوال الله. سقوط بابل مشهد رهيب.. بابل الزانية هي رمز إلى كل قوة أعداء الله.. وهي في نظر الجماعة المسيحية الأولى سلطة روما السياسية.. لكنها أوسع من روما لأنها ما زالت حية بعد دمار روما.. وفي التاريخ البشري تبقى بابل حاضرة في كثير من المدن والأشخاص والقوى السياسية والأيديولوجيات.. إن حياتنا في بابل لها معنى.. ويجب أن لا نهرب منها خوفاً وجبانة حتى يأتي يوم نخرج منها إلى حيث يجب أن نذهب. * * * سينتصر المسيح في النهاية وسيقع الوحش في الأسر، ويتغلب النور على الظلمة، ويملك المسيح ألف سنة قبل الدينونة العامة (هذا رقم رمزي يدل على الكثرة، وبما أن العالم المادي هو مخلوق، لذلك فهو لا ينتهي إلى العدم.. وإنما ستكون هناك "أرض جديدة، وسماء جديدة" وهكذا يتحول العالم بعد أن تزول هيئة هذا العالم).. إن الألفاظ والتشابيه البشرية لا تستطيع أن تصور "السماء الجديدة" و"أورشليم السماوية" حيث "ما لم تره عين ولم تسمع به أذن ولم يخطر على قلب بشر ما أعدّه الله للذين يحبّونه". وإن ألفاظ "السماء الجديدة" و"الأرض الجديدة" هي محاولات للتعبير عن طريق تكديس الكلمات والرموز في واقع إلهي يتعدى الإدراك البشري، وكذلك صورة "عرس الحمل" أو الدينونة حيث مجيء المسيح الديان، تبقى ضعيفة.. لأن لغاتنا زمنية وأبجدياتنا محدودة بالواقع المادي. وينتهي كتاب الرؤيا بموضوع العبادة في السماء حيث ليتورجيا الشكر والتقدمة، وبين مجيء المسيح في نهاية الزمن والعبادة في الجماعة نجد رباطاً وثيقاً حيث يتجلى السر رويداً رويداً حتى ساعة تجليه الكامل المنتظر.. كتاب الرؤيا هو تعزية الجماعة الأولى الصغيرة والضعيفة والمهددة بالزوال بسبب الاضطهادات. * * * بعد هذه التأملات السريعة في فصول الكتاب ننتهي إلى الشعور بالتعزية والرجاء أن النور سينتصر وأن الغلبة هي للخير.. وأن يوم الدين آتٍ، ورحمة المسيح الديان ستشمل الجميع. وهنا الدهشة الكبرى حين نعرف أن الأرقام والرموز تستعمل من قبل الجماعات المسيحية الصهيونية لأهداف سياسية.. وهناك خطة تتبناها مجموعة المحافظين الجدد تستعمل العنف المسلح و"الوحي الإلهي" للسيطرة على شعوب العالم. في مقالة قيمة لمنير العكش نشرت في مجلة الكرمل بعنوان: الأدب القيامي من الهامش إلى واجهة المشهد( )، حلل الكاتب الواقع مستشهداً ببعض الجمل التي قالها الرئيس الأميركي في خطبه. فهو "يقود جيش الله لينزل العقاب بعدو شيطاني شرير" وكما هو معروف فإن سفر الرؤيا الذي شرحت بعض أفكاره سابقاً هو السفر الذي اعتمدته الصهيونية الأنكلوسكسونية على مدى القرون السابقة في رسم مشروعات دمار بابل وإعادة يهود العالم إلى أرض آبائهم. إن هذا الإيمان بغزو العالم الجديد (أرض كنعان) وتطهيره من أهله الكنعانين هو- كما يقول هؤلاء- رسالة مقدسة وامتثال لإرادة الله!!. لقد ظن رجال حركة الإصلاح أنهم بتدميرهم "بابل الرومانية" أو الكنيسة والحبر الأعظم والحركة الكاثوليكية، ظنوا أنهم سيطلقون "العصر الألفي" أي العصر الذي سيحكم فيه المسيح ألف سنة (وكما أشرت سابقاً فإن كل هذه الأرقام نسبية ورمزية خصوصاً عندما نعرف أن وجود الإنسان على الأرض بدأ منذ حوالي مليون سنة!! والوعي الديني منذ 3500 سنة تقريباً؟!!). إن كثيراً من الأصوليين المسيحيين يفكرون بواجب العودة إلى القدس من أجل عودة المسيح.. وكان لوثر يعتقد أن القيامة على الأبواب، كما أن التفسير القيامي للعالم جذب الكثير من العلماء والفلاسفة كإسحق نيوتن وجون ملتون وهنري مور.. واستمر "القياميّون" بانتظار عودة المسيح حتى الحرب العالمية الثانية وقيام دولة إسرائيل، حين ملّوا من السماء وشعروا بتحقيق أحلامهم على الأرض. وبدؤوا يفكرون بإسرائيل كعلامة من علامات نهاية الأزمنة حيث تتم الحرب بين الخير المطلق والشر المطلق أي الله والشيطان (وهي تعرف بحرب Armageddon). وللأسف فإن ملايين النسخ من الكتب التي تتحدث عن هذا الصراع بين الخير والشر، والتفسير الغريب والساذج والاعتباطي لكتاب الرؤيا (المكتوب منذ عشرين قرناً حول الاضطهاد الذي عاشته الجماعة المسيحية الأولى)، إن هذه الكتب تشكل الثقافة الشعبية الدينية في أميركا لحوالي 100 مليون أو أكثر من البروتستانت (الإنجيلين) والمعمدانين (البابتيست). ويتابع الأستاذ منير العكش في دراسته الكلام عن افتتان بعض الرؤساء الأميركيين بفكرة القيامة وأنهم بطريقة أو بأخرى سيشهدون نهاية العالم.. وأحب أن أضيف هنا بعض الأفكار: هناك مفهوم مهم جداً لا نستطيع أن نفهمه نحن العرب، خصوصاً الذين يعيشون في الداخل أي الوطن العربي ولم يخرجوا إلى أوروبا وأميركا ولم يحتكوا كفاية بالناس هناك: عبر العقود القليلة الماضية بدأ اليهود وبعض الفئات المسيحية يتخلّون عن فكرة القيامة والسماء والأبدية وعودة المسيح وما إلى ذلك، وصاروا يؤمنون أكثر بالفردوس الأرضي وبكل الضمانات الاجتماعية والصحية والاقتصادية التي تؤمن المزيد من الاستقرار والاستمرار لهذا الفردوس.. فعودة المسيح لم تعد عودة نبي أو ديان أو دينونة أو نهاية أزمنة، بل العولمة الثقافية والاقتصادية.. حيث بعض كبار الرجال الذين يتكلمون "باسم المسيح" والذين "يحملون أفكاره" يقودون العالم إلى أرض جديدة.. وحلت منظمات حقوق الإنسان وحقوق الحيوان والبيئة محل الوعود الدينية بالعدل والمساواة في السماء. فالمسيح اليهودي الذي لم يأت بعد.. يأتي اليوم بصورة الانتصار على "الأشرار" و"عودة القدس وهيكل سليمان".. وبالنسبة للشعب اليهودي فإنهم لا يتصلون بالله إلا عبر الهيكل الذي منعوا منه لقرون طويلة!! فهم بانتظاره عبر الدولة المسلحة والعلاقات السياسية العالمية خصوصاً مع أميركا وليسوا بحاجة لمسيح يحررهم ويعيدهم إلى أرض الميعاد.. هذا التحول في التفكير أساسيّ لفهم دولة إسرائيل. لذلك فإن فكرة السلام تبدو مضحكة وهزلية لأنهم لا يمكن أن يقبلوا بها إلا متضمنة كل تلك المناطق المقدسة لهم!! وبشكل مشابه ترتبط بعض الطوائف الإنجيلية والمعمدانية (تتبع يوحنا المعمدان = يحيى كنبي) بالأفكار الصهيونية وهذا ما يدعى الصهيونية المسيحية (أنظر الفصل الخاص بذلك) لأنها ترى فيها الحل الوحيد.. فقد تعب هؤلاء أيضاً من عودة المسيح ومن فكرة التحرر من الظلم الاجتماعي والسياسي (الذي جعلته الماركسية أسوأ حالاً وأحبطت ملايين البشر ).. إن الحركة المسيحانية لم تعد انتظاراً سلبياً لمسيح سياسي جبار يخلص الشعب اليهودي المضطهد من أعدائه، ويقيم لهم دولتهم إلى الأبد، بل هي حركة سياسية اجتماعية دينية عالمية تبدأ بإنشاء الدولة الإسرائيلية وإعادة شمل المنفيين في تلك الدولة. وهذه بداية المنجزات في العصر المسيحاني، وبعدها يبدأ "تحقيق عودة المسيح المنتظر" وهم يعرفون أنه ربما لن يأتي كشخص بل ككيان عالمي وامتداد أرضي ونجاح اقتصادي وعولمة ثقافية، رغم أن البعض يظنون بعودة شخص واحد اسمه المسيح إلى هيكل سليمان (الذي يجب أن يبنى على أنقاض قبة الصخرة في القدس!! كي يعود).. وإلا فهم يخونون الله وعلاقاتهم به ستبقى منقطعة. * * * وبشكل مشابه أيضاً فإن العنف الديني الإسلامي المسلح يبحث بشكل غير واعٍ، عن خلاص لم يأت، حيث تحلم تلك الجماعات بالسيطرة على الفردوس الأرضي وامتلاك دول كثيرة تحت شعار "الإسلام هو الحل".. وهذه الظاهرة هي وليدة سقوط الماركسية، وتفرد الرأسمالية كقوة عظمى بالسيطرة على الأرض، وظهور فكرة العولمة وما تلاها من فقدان خصوصية الشعوب وتراثها وحضاراتها وانمحائها وذوبانها في البوتقة الأميركية أو الرأسمالية بشكل عام. أمام هذا الطغيان الصليبي (وهو بالتأكيد تعبيـر خاطئ) ليس هناك حل بسيط وسريع.. وإن موقف الكنيسة الواضح من ذلك في الغرب والشرق العربي قد خلق الكثير من المتاعب لها. لكن التأمل فيما يجري في تاريخ الحضارات يجعلنا نفهم أن بذور انحلال الحضارات موجودة في قمة غطرستها وجنون عظمتها.. وإن الإيمان بأن الله يقود التاريخ وليس الحكومة الأميركية ودولة إسرائيل يعطي بعض العزاء والصبر لهذا الجنون الحالي.. كما يلقي الضوء على أن الحقيقة تكمن ليس في الصراع بين المسيحية والإسلام وليس بين المسيحيين والمسلمين، وليس بين الشرق والغرب، وليس بين الحضارات.. وإنما الحقيقة هي هذه: في زمن ثورة المعلوماتية التي تشبه تخلّق الجهاز العصبي الرابط بين كل الأعضاء في جسد الجنين البشري التي تحمله الأرض.. في هذا الزمن الثوري لا بد من مزيد من الفهم والحذر والمحبة والإخلاص والتفهم كي لا يضيع هذا الجنين في عملية إجهاض تدمر كل جمال وكل خليقة!! ويبقى الله أميناً لمشروعه. * * * سفر دانيال يقع السفر في أربعة عشر فصلاً، ويقسم إلى قسمين: الأول تاريخي ويشمل الفصول الستة الأولى، وفيه عرض للأحداث الرئيسة لحياة دانيال تحت حكم نبوخذ نصر وبلطشصر وداريوس. والثاني وهو قسم نبويّ ابتداءً من الفصل السابع، وفيه يعلن الكاتب عن رؤى نبوية أربع عن مصير الإمبراطوريات الوثنية الأربع بالنسبة إلى بعضها البعض، وبالنسبة إلى علاقتها مع شعب الله. ويتحدث السفر عن ملكوت الله الحاضر بطريقة مستمرة في قلوب المؤمنين والآتي في نهاية الأزمنة ليكون نهائياً. وابتداءً من الفصل السابع تظهر فكرة "ابن الإنسان" التي تجمع الانتمائين الإلهي والبشري والتي تصور هنا المسيح الديان الذي يمارس قضاءه في اليوم الأخير.. والنبوءات الموجودة في هذه الفصول تشبه نبوءات يوحنا في سفر الرؤيا وهي من الأدب الجلياني (الرؤيوي) الذي اتبعه الكتاب في ساعات المحنة والاضطهاد، وهذه النبوءات تعلن دمار الممالك الشريرة المتمثلة بالحيوانات الأربعة (وتاريخياً تعني بابل وماداي وفارس ويونان). إن الحيوانات هنا ترمز إلى الشر، والقرون ترمز إلى القوة، والنار إلى حكم الله والدينونة العظمى. كما يمثل السفر الفترة التي كان اليهود فيها تحت وطأة اضطهاد انطيوخس الرابع ابيفاينوس. إذن هو رسالة عزاء ورجاء للناس المضطهدين أن الله سينتصر، وسيقودهم ويخرجهم من موتهم وفشلهم واضطهاداتهم إلى الفرح والازدهار والحياة الكريمة. وهي مشابهة في مفهومها وتصويرها لرؤيا يوحنا. سفر حزقيال حمل حزقيال النبي رسالة رجاء من الله إلى شعبه الخاطئ وكذلك حمل في صلاته آلام شعبه المقهور المنفي والمسبي.. ويمكن أن نقسم الكتاب إلى ثلاثة أقسام: الأول وهو نبوءات ضد شعب إسرائيل الخاطئ على شكل تأنيب شديد اللهجة، وتشبيه خطيئة الشعب بالبغاء، حتى الوصول إلى تخلي الله عن أرضه وهيكله وقرب النهاية والخراب.. فهناك مرارة النبي أمام الحقيقة التي أظهرها الله لـه، وهي أنه تبنّى شعبه وحرّره وجعله شعباً مقدساً لكنه لم يكن وفياً لـه.. وفي القسم الثاني من الكتاب يؤنب الكاتب الشعوب المجاورة التي أفسدت شعبه ويوجه إليها اللوم والغضب. أما القسم الثالث فيبشر بعودة شعب الله إلى أرضه حيث يعبد الله الأوحد وتعود وحدة الشعب في مملكة واحدة. وهنا نجد صوراً رمزية رائعة في رؤيا العظام اليابسة التي اكتست لحماً وعصباً وعادت إليها الحياة.. واعتباراً من الفصل 38 يبدأ الحديث عن الهيكل الجديد وسط المملكة الجديدة ومدينتها المقدسة أورشليم. وهذه الفصول إذا قرئت حرفياً فإنها تؤيد ما يحدث الآن في فلسطين.
#لطفي_حداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هنري كوربان والإسلام الشيعي
-
لويس ماسينيون، مسلم على مذهب عيسى
-
جاك بيرك والعروبة
-
ديزموند توتو وسجناء ربيع دمشق
-
مانديلا .. سيد قدره
-
-ساتياغراها- غاندي
-
الطوفان- إلى عارف دليلة
-
رياض الترك
-
ملف الأدب العربي الأميركي المعاصر -حسن نعواش
-
بحث في الأصولية الدينية
-
ملف الأدب العربي المهجري المعاصر - جون عصفور
-
ملف الأدب العربي الأميركي المعاصر
-
ليلة عشق
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|