|
النظام السياسي فى -الدولة الإسلامية- حديثا، وخلط المفاهيم (1)
نبيل عبد الملك
الحوار المتمدن-العدد: 4065 - 2013 / 4 / 17 - 09:43
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لايزال الجدال حول شكل نظام الدولة الإسلامية مستمرا حتى اليوم. وكان قد بدأ إثر سقوط الدولة العثمانية عام 1924 ومن ثم إلغاء الخلافة الإسلامية التي ورثتها تركيا. وكما يقول الفقيه القانوني، وأحد كبار منظري الإسلام السياسي، الدكتور/ محمد سليم العوا، فى كتابه (فى النظام السياسي للدولة الإسلامية): "... على كثرة ما ظهر من مؤلفات فى هذا الموضوع، بمختلف اللغات، فإن كثيرا من مسائله لاتزال – فى الغالب – يكتنفها الغموض وتتضارب بشأنها الآراء حتى لتكاد الحيرة تتملك القارئ أو الباحث المحايد إذ تذهب به مذاهب المؤلفين ذات اليمين وذات الشمال فى موضوع واحد أو مسألة واحدة."
ويستشهد الدكتور/ العوا ببعض من آيات القرآن ليؤكد "أن المصدر الأساسي للقانون" فى الدولة الإسلامية "هو وحي السماء"؛ ومن هذه الآيات: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم فى شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً"(النساء:59) و"إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه."(يوسف:40). ومع ذلك فلم تُشر هذه الآيات إلى آليات أو قواعد حكم دولة.
وفى محاولة جريئة، للإسهام فى بناء نظرية – أو رؤية - لنظام سياسي إسلامي معاصر، يبدأ الدكتور/ العوا وغيره من منظري الإسلام السياسي بالإسترشاد "بصحيفة المدينة"، أو كما أسماها "وثيقة دستور المدينة"، والتي أسس فيها الرسول أول دولة إسلامية و مارس فيها السلطة السياسة على المسلمين الذين هاجروا معه من مكة وعلى غير المسلمين ممن كانوا فى المدينة أصلا. ومع ذلك، وكما ذكر الدكتور/ سليم العوا "فإن النصوص التي تتعلق بالنظام السياسي فى هذا العهد النبوي لا تتعرض للتفصيلات إلا بالقدر الذي تمليه الضرورات العملية للمجتمع المسلم فى المدينة فحسب." (!)
أما أهم ما يُستخلص من وثيقة المدينة من مبادئ - حسبما إنتهى إليه د. العوا – فهو: • إعتبار اليهود المقيمين فى المدينة من مواطني الدولة، إذ إعتبر أن "عنصر الأقليم (المدينة) والإقامة المرتبطة به عند نشأة الدولة هو الذي أعطى هؤلاء اليهود والمشركين حق المواطنة، وضمن لهم التمتع بالحقوق التي كفلتها الوثيقة لهم. الملاحظ هنا أن الكاتب قد إستخدم إصطلاح "المواطنة" فى غير موضعه، إذ لم يكن مفهوم الإصطلاح من الناحيتين السياسية والإجتماعية معروفا عند العرب آنذاك. فقد عُرف الأفراد "كرعايا" وغير المسلمين كأهل "ذمة". كما أن الإصطلاح ذاته لم يكن معروفا إلا فى الدولة الرومانية، ثم تطور مفهومه فى العالم الغربي إلي أن عرف الشرق شكل الدولة/الأمة فى أوائل القرن العشرين، وبالتالي لم تكتمل أبعاد وإستحقاقات المفهوم إلا فى الدولة الديمقراطية الحديثة، حيث تأسست المواطنة إنطلاقا من العقد الإجتماعي بين الدولة وسكانها، وفيه تقررت حقوق المواطن وقيدت سلطة الحاكم. • تقرير مبدأي العدل والمساواة، وهو ما تقرر أيضا بكثير من نصوص القرآن الكريم والأحاديث النبوية. • أن رئيس الدولة هو رسول الله، فقد "تولى سلطة الرئاسة والهيمنة على إقليمها وفق نصوص الوثيقة، وباتفاق أهلها، النص الوارد فى فقرتها رقم (36) التي تقرر: أنه "لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد.
ويضيف د. العوا، فيقول: "نظمت الأحكام الإسلامية - بعد ذلك – أوضاع غير المسلمين فى الدولة الإسلامية، وعرضت لذلك كتب الفقه الإسلامي المتخصصة فى موضوع أهل الذمة. ويؤكد قائلاً: "ولا شك – عندنا – أن الأحكام الخاصة بمعاملة اليهود الواردة فى وثيقة دستور المدينة تصلح معيارا – ويجب أن تتخذ كذلك – للحكم على الآراء الفقهية المختلفة فى هذا الخصوص، فما وافق هذه الأحكام من إجتهاد الفقهاء جاز لنا أن نأخذ به، وما تعارض معها أو تناقض كان لنا أن نطرحه جانبا ولا نعيره من الإهتمام فوق ما هو جدير به."
وقد أحسن د. العوا بإعلان تحفظه على ما جاء من أحكام فقهية تتعلق بغير المسلمين، ويراها غير عادلة. ولا شك أنه على علم بما جاء فيما يُعرف بإتفاقيات الفتوح و " شروط عمر"، بالإضافة إلى ما حوته كتب الفقه الإسلامي، وخاصة ماكتبه إبن تيمية وإبن قيم الجوزية من قيود مجحفة ومهينة فُرضت على غير المسلمين، وكانت كلها تهدف وعلنا لإفقارهم وإرغامهم على ترك دينهم، وإثارة الرعاع ضدهم عبر التاريخ والى اليوم. وهو ما يتعارض تماما مع ما جاء بصحيفة المدينة من حقوق أساسية، يمكن اعتبارها إرحاصات لحقوق الإنسان الدولية المعاصرة بشمولها.
وهكذا – وعلى أي حال - تكونت ما يعتبره د. العوا وغيره من المنظرين ما يشكل القواعد الأساسية التي تنظم سلطات الدولة الإسلامية وطريقة مباشرتها لوظائفها التي كانت قد تميزت بوحدة مصدرها المتمثل فى الأعمال والمواقف التي إتخذها الرسول بالإضافة إلى نصوص القرآن ذات الصبغة القانونية، ولتصبح معيارا للحكم على ما تلا ذلك العهد من عهود، وإن لم تتضمن جميعها تفصيلا لنظام الحكم الذي يجب أن يطبق فى الدولة الإسلامية" (!!). وتناسى د. العوا أن الرسول قال لأنصاره "انتم أعلم بشئون دنياكم."
وإن كان لإنتشار الإسلام خارج الجزيرة العربية، بدءا من نهاية القرن السادس الميلادي، فى بيئات إجتماعية وظروف إقتصادية وأنظمة سياسية وإدارية، وإتصاله بثقافات أخرى عبر الزمن ما أثر على شكل الحكم الذي كان فى "الدولة الإسلامية" الأولى، إلا أن الدكتور/ سليم العوا وغيره من منظري الإسلام السياسي، يؤكدون على ضرورة "الخضوع للأحكام التي يقررها الوحي، ويستمر هذا الإلتزام قائما فى كل دولة إسلامية أيا كان الزمن الذى توجد فيه." وهكذا، يبدو أن الأمر لا يتغير!
ولذلك، ربما كان رأي الشيخ على عبد الرازق فى كتابه "الإسلام وأصول الحكم"، الذى هاجمه الأصوليون ومنظرو الإسلام السياسي، أصدق فى التعبير عن شكل "نظام الحكم فى المجتمع الإسلامي" فى الواقع، وخاصة بعد وفاة الرسول وعبر العصور، حتى وإن كانت له مسحة دينية وقواعد إخلاقية إسلامية. فقد رأى الشيخ المؤلف – حسب ما جاء فى بحث سليم العوا: أن الحكومة فى الدولة الإسلامية يمكن أن تكون "من أي نوع : مطلقة أو مقيدة، فردية أو جمهورية، إستبدادية أو دستورية، ديمقراطية أو إشتراكية أو بلشفية." وأن الرسول لم يكن "إلا رسولا لدعوة دينية خالصة للدين لا تشوبها نزعة الملك ولا دعوة للدولة"، و"أن الإسلام وحدة دينية، وأن النبي دعا إلى تلك الوحدة، وأتمها بالفعل قبل وفاته، وفى سبيل هذه الوحدة ناضل بلسانه وسنانه وجاءه نصر الله والفتح". ويقول الشيخ على عبد الرازق كذلك إنه يجب ألا يفوتنا "أن الرسالة لذاتها تستلزم للرسول نوعا من الزعامة فى قومه والسلطان عليهم، ولكن ذلك ليس في شئ من زعامة الملوك وسلطانهم على رعيتهم، فلا تخلط بين زعامة الرسالة وزعامة الملك". وإنما كانت ولاية النبي على المؤمنين ولاية الرسالة غير مشوبة بشئ من الحكم".
من العرض الذى قدمه لنا الدكتور/ العوا، وفيه يؤكد تكرارا على هيمنة الوحي السماوي على كل شئون الدولة لا يستطيع الدارس للعلوم السياسية إلا أن يقر بأننا أمام نظام لدولة ثيوقراطية بإمتياز ترجع إلى العصور الوسطي، ولا علاقة لها بقواعد وآليات الدولة العصرية الديمقراطية التي تقوم بالفعل على إحترام حقوق المواطنين جميعا فى أن يتولوا كل المناصب بما فيها رئاسة الدولة دون إستثناء على أي أساس، سواء كان دينيا أو عرقيا أو نوعيا.
وهكذا إستمر الجدال حول علاقة الدين بالدولة، وأصبح الحديث عن المظاهر الدينية والقواعد الأخلاقية فى حياة الفرد والمجتمع هو محور هذا الجدال المتشح بالعنف الدموي الهستيري، دون أن يقدموا لنا وصفا عقلانيا محددا لطبيعة الدولة وآليات الحكم فيها، والغاية الفريدة من حكومة الدولة الإسلامية التي يتخيلونها، والتي يبدو، حتى الآن، أنها تختلف عن مسئولية السلطة الحاكمة فى الدولة المعاصرة التي لا تجعل الدين مرجعية لها أو قاعدتها الدستورية، إنما حقوق المواطنين وحرياتهم التي تمكنهم جميعا من المشاركة الفعالة فى بناء الوطن وحمايته من العدوان الخارجي و التحلل الداخلي الناتج عن الإنقسام المجتمعي.
#نبيل_عبد_الملك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مطالب .. أم حقوق الأقباط، وكيفية الحصول عليها ؟
-
مواجهة الظلم والفساد التزام وطني وإنساني من أجل كل المصريين!
-
مصر بعد ثورة 25 يناير
-
الدستور المصري وحقوق المرأة والأقباط فى ضوء معايير حقوق الإن
...
-
الدستور المصري وحقوق المرأة والأقباط فى ضوء معايير حقوق الإن
...
-
عريضة حقوق متساوية لكل المصريين
المزيد.....
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
-
مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|