|
حول حديث الملك لمجلة ذي اتلانتك الأمريكية.......(12-3 )
مسَلم الكساسبة
الحوار المتمدن-العدد: 4064 - 2013 / 4 / 16 - 20:53
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في خضم كل تلك المكونات المختلفة بسماتها السابق وصفها والتي تموج بها الساح ، يظهر المكون الأصلي (الكور أو اللب ) وهو المكون الشرق أردني مع بعض المكونات الأخرى التي هضمها وأعاد تشكيلها الجسد الثقافي فذابت فيه بشكل نهائي (الشركس مثلا ) والتي حسمت أمرها وتحدد الأردن كوطن نهائي لها ، فالأردن هو الأردن وطنهم النهائي وهويتهم ولون عيونهم وفصيلة دمهم ومصيرهم ولا أحلام لديهم في أوطان غيرهم حتى فلسطين ذاتها التي كانت في يوم ما جزء من الأردن السياسي إلا في إطار وحدة اشمل تقررها الشعوب العربية ذاتها لا الأنظمة الحاكمة ،
ذلك الجزء الذي بدا كمكون مختلف ظل خارج كل هذه الحسابات السالف ذكرها ، فلا مطمع ولا مطمح لديه إلا وطنه ، فلا هو يشارك الهاشميين في حلم مملكة عابرة أو خلافة غابرة.. ولا هو يشارك الإخوان في سلطة تتذرع بالدين الذي جردته العصور وتلاقُح الحضارات من قدرته على أن يحكم إلا بجوهر علماني كما وضحنا سابقا .
وهم بدورهم دائما يتوقعون من إخوتهم العرب أن يعاملوهم بنفس المنطق وان يكون العراقي حريصا على عراقيته والسوري حريصا على شاميته والفلسطيني حريصا على فلسطينيته لان الأردني حريص على أردنيته ولا مطمح أو مطمع له في بلاد أي منهم ، وحينما تتفق الشعوب العربية على وحدة ما سيكونوا أول من يلبي لكن ليس باسم الوحدة والدين يتم تكبيدهم وحدهم ما لا طاقة لأمة بأسرها به ....الخ ..
ذلك كله هو ما جعل هذا المكون (القلب) قلنا يُسِر مخاوف ووساوس من بعض المكونات أحيانا أو يظهرها ويعبر عنها بشكل موارب شيئا ما أو حتى بصوت عال صريح في أحيان أخرى . بسبب تلك الخلطة والتوليفة التي سبق وصفها .
مخاوف ربما ذهبت بهم وذهبوا هم بها بعيدا بعيدا فخطرت لهم هواجس مرعبة من مثل أن تتحالف كل تلك المكونات بما فيها الأسرة الحاكمة ذاتها ضدهم وربما حتى إسرائيل من الباطن فكروا أحيانا ، تحالف المصالح أو المضطر ، وكثيرا ما تتجلى تلك المخاوف في فلتات اللسان أو الفكاهة المرة ..وعلى سبيل المثال فقد بات مألوفا استخدام مصطلح "الهنود الحمر " ومعروف أن قبائل الهنود الحمر هي القبائل الأصلية والتي تحالفت ضدها العناصر المهاجرة ليصبح اسم البلاد الولايات المتحدة الأمريكية وتصبح هويتها الثقافية هي الانجلوسكسونية .. وربما كان الملك في أحاديثه الخاصة مع أصدقائه الغرب يجري مثل تلك المضاهاة بين قصة أمريكا وقصة المملكة الهاشمية في الأردن ، لجلب بعض التفهم والتعاطف تجاه مملكة الهاشميين وليس وطن الأردنيين بالمناسبة .. لا أستبعد ذلك ، وبالمقابل فكثيرا ما بدا هذا الموزاييك الأردني وكأنه هندسة ديموغرافية متعمدة ومعدة إعدادا من صنع وترتيب النظام ومن خططوا له وأنشأوه لتكون عمودا من أعمدة ثباته ومنفسا لهم في الأزمات الخانقة وذريعة للتملص من اجل تعطيل أو تأجيل الكثير من الإصلاحات والاستحقاقات المهمة في أحيان كثيرة ..ووسيلة للعب على التناقضات ولكسب ود الشرق أردنيين وظهوره بمظهر الحريص على مصلحتهم والقلق لما يقلقهم بإثارة وتأجيج تلك المخاوف لديهم ومن ثم كسب المزيد من الوقت لتأجيل تلك المشاريع المؤجلة أصلا منذ بدايات العهد الهاشمي في الأردن .. حتى إذا لجوا في الشكوى والاحتجاج أكثر يحاول النظام أن يظهر بدور القلق على بقية المكونات منهم أنفسهم والحامي لها من الديناصورات العشائرية التي تحول دون تمثيل أوسع لهم وحقوق اكبر...وهكذا.
فعلى سبيل المثال عطلت الحياة البرلمانية لعقود وأحيانا استبدلت بمجالس استشارية معينة تعيينا حتى أعيدت بحركة اندلعت في الجنوب - أي شرق أردنية- عرفت بـ "هبة نيسان" ، والتي ما لبث أن تم الالتفاف عليها ونزعها من مضمونها ، ودائما حينما كانت تحدث منعطفات أو أزمات كان الشرق أردنيين هم البارومتر والمجس الحساس الذي يستشعر الخلل والخطر ويبادر مؤشره للانتقال من الذبذبة إلى التحرك للفعل ، وهم الذين دائما تتفاعل في دواخلهم هواجس الوطن التي سرعان ما تطفر إما على شكل أحاديث صاخبة في الدواوين أو ربما على شكل احتجاجات حادة وعنيفة في أحيان أخرى.
كان الوطن للجميع في الرخاء فقط بل ربما كان لبقية الأطياف أكثر مما هو لهؤلاء البدو في غبراء البلاد والذين ليس لهم من الوطن سوى صهد الشمس ومثار النقع والغبار ..أما في المنعطفات فقد بدا أن المعنيين به أكثر من سواهم هم هؤلاء الذين غالبا ما نعتوا بنعوت تشي بالتعالي والتجانف ، فهم البدو المتخلفون سكان الشعاب والأودية ...الخ .
ولعل هبة نيسان في 1989مـ ، والتي انطلقت شرارتها من معان في جنوب الأردن وهبة الخبز التي انطلقت من الكرك 1996مـ في الجنوب كذلك كانتا أوضح واقرب مثال على ذلك ..فقد بدا أن بعض الأطياف الأخرى تتصرف حيال الأردن كما لو كان مكانا للعيش أكثر منه وطنا ، أو أنها كانت تشعر أنها تعيش في بحبوحة نسبة لهؤلاء المهمشين المحتجين ، فما الداعي إذا لتشاركهم احتجاجهم بمقياس الصالح الفئوي الخاص أو المناطقي الخالص.
هذه التوليفة من خلط القطاعات بهذا الشكل قلنا بدت في بعض جوانبها كما لو كانت من صناعة النظام ومن خططوا له وأنشأوه بشكل متعمد إلى حد كبير ، حتى ولو كان ذلك التعمد في اللاوعي والعقل الباطن ربما ..وربما في جوانب أخرى منها كانت بسبب طموحات لم توفق في النهاية أيضا بينما بقيت على الأردنيين تبعاتها من مثل خلط الأوراق .. وتأجيل الإصلاح .. وإضافة أعباء لوطن لا ينقصه ما يثقل كاهله ، والاهم هو جعل أهل البلاد والثقافة الأصليين شبه أقلية في أرضهم ووضعهم وفي حالة من التوتر الدائم والخوف على مستقبله وهويته ومستقبلهم فيه بالتالي ليكون الهاشميون ملجأهم وأملهم وليتحصل الهاشميون بدورهم على تنازلات من نوع ما مقابل ذلك الأمان المنشود (تبدي الأسرة الحاكمة أحيانا وكأنها محسوبة تقليديا على العشائر والشرق أردنيين لأنهم تقليديا هم من وجدوا على هذه الأرض حين قدوم مؤسس ملكهم فيها ولان الكيان السياسي اسمه بالأساس إمارة شرق الأردن قبل أن يتم ضم الضفة الغربية ولخبطة القطاعات بالشكل الذي تم به ، وكثيرا ما يرتدي الملك العباءة والكوفية ويزور تلك العشائر لتناول القهوة معها في مضاربها ..او يصرح احيانا من مثل : نحن لسنا وطنا بديلا لأحد ) ..وكلها لا تغير من حقيقة ما هو موجود على الأرض ومن حقن الجسد الأردني بأكبر موجة هجرة ولجوء ربما في التاريخ .ومن حقيقة كبرى هي السياق الذي تم فيه كل ذلك وانه بعد أن انتهت الدولة العثمانية وصفيت ممتلكاتها فان من تولوا رسم الخرائط وإعادة هندسة المنطقة هي الدول العظمى بما يضمن مصالحها ..وان من فوضت له أراض وسلطة وفق ذلك التقسيم فلم تفوض له إلا في في ذات السياق ، اننا لا نشكو من وجود كتلة بشرية عربية في ارض عربية بقدر ما هي شكوى منها كوجود لا يمنع من أن يكون مخططا له ضمن ذات السياق الأنجلو سكسوني وكنتيجة من نتائجه ويخشى من أنها قد أعدت كأداة وقنبلة موقوتة يتم تفجيرها في الوقت الذي تكون لهم مصلحة في ذلك . لقد جربناهم في ملماتنا فلم نجدهم معنا ، نرجو في ملمات بني سكسون ان لا يكونوا معهم وهم مشكورون .
بينما بالنسبة للهاشميين الذين حافظوا على وضع خاص وكعائلة حاكمة متسيدة لا شعبا ، فقد بدا الأمر كما لو انه مَن خسر الحجاز موطنه الأصلي من جهة وخسر مشروعه الأكبر الذي خرج من أجله فليس لديه فرق ولا يهمه إن كان البلد التي يحكمها اسمها الأردن أو فلسطين وفيما إذا كان طابعها الثقافي وسمتها الغالبة هو شرق أردني بدوي أو فلسطيني أو خليطا من هذا وذاك سيما انه كما قلنا أن الهاشميين سلكوا دائما كاسرة عابرة للثقافات ..ما يهم المركب الهاشمي بتقديري هو أن يحصل على ضمانات كافية بأن يبقى هو الحاكم (مفهوم النسب أو السلطة وطنا والذي تطرقنا له سابقا ) خاصة أن العائلة الحاكمة لم تندمج وتنصهر في الأردن الوطن وتعتبره وطنها النهائي (كهوية) وان تصاهرت بعض الشيء كثقافة كما المحنا لذلك سابقا ، فهي بدورها ظلت في وضع الانتظار وان طال السرى ، تعتبر نفسها الرقم الذي يقسم بدون باق على كل الأطياف والمكونات الأخرى ، ، لذا حافظت على وضعها كمكون مفارق مزاوج وكخط مواز للوطن وكأحد المكونات الأخرى فيه ، فقط الفرق انها المكون الذي له السيادة والفوقية وكأنهم بانتظار مشروع ما لم تختمر الظروف له بعد ليعلنوا عن تدشينه ، أو كفة ما ليميلوا إليها .. بينما في ذات الوقت لا يخدمه أن يندمجوا ويتأردنوا ويحسموا أمرهم بشكل نهائي ما لم يجدوا أنفسهم مجبرين على ذلك ويفقدوا الأمل نهائيا في ما يدور في أنفسهم من أحلامِ أو أضغاث أحلام الدولة العابرة للقطريات ، عدا عن أن هذا الوضع كان عونا لهم وأشبه بالفرامل لكبح طموحات الشعب الأردني في التحديث والإصلاح وأن يكون له دور في صنع القرار وتقرير المصير .. فكلما طالب الأردنيون بالإصلاح رفع الهاشميون اللافتة ذاتها (ستوب ..ذلك سيؤدي إلى أن يحكم الفلسطينيون ) .. وكلما عبر الأردنيون عن مخاوف من هذا النوع خرج الحكام الهاشميون بثوب الواعظ الشفيق على تلك المكونات من الغول الأردني ، ولا زالت عبارات من مثل : (من شتى الأصول والمنابت ) وعبارة (من يمس الوحدة الوطنية فهو عدوي إلى يوم الدين ): عالقة في الأذهان والتي أطلقها الملك الراحل في مناسبات كانت تتجلى فيها مثل تلك الوساوس وتطفر إلى السطح .
واليوم يتحرك الأردنيون ومعهم سؤالهم الكبير بعد أن طال انتظارهم لحياة سياسية طبيعية من جهة وبعد أن أدى هذا الانتظار والتأجيل لما أدى إليه من ترك فراغ وعتمة تسلل الفساد إلى حياتهم السياسية والاقتصادية من خلالها ، وما يخشى أيضا أن يؤدي إليه من نتائج ومفاسد على المستوى السياسي الأخطر – أقول يتحرك ويتململ الجسد الأردني الحي شأنه دائما في المنعطفات الخطرة ورغم ما أثخنه من هموم وأعباء رافعا علامة استفهام كبيرة : إلى أين تمضون بنا يا من وكلتم أنفسكم عنا وكالة مطلقة غير قابلة للعزل من غير رغبة منا ولا قرار ؟
يتبع....
#مسَلم_الكساسبة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حول حديث الملك لمجلة ذي اتلانتك الأمريكية.......(12-2 )
-
حول حديث الملك لمجلة ذي اتلانتك الأمريكية.......(12-1)
-
حول حديث الملك لمجلة ذي اتلانتك الأمريكية.......(11)
-
حول حديث الملك لمجلة ذي اتلانتك الأمريكية.......(10)
-
حول حديث الملك لمجلة ذي اتلانتك الأمريكية.......(9)
-
حول حديث الملك لمجلة ذي اتلانتك الأمريكية.......(8)
-
حول حديث الملك لمجلة ذي اتلانتك الأمريكية.......(7)
-
حول حديث الملك لمجلة ذي اتلانتك الأمريكية.......(6)
-
حول حديث الملك لمجلة ذي اتلانتك الأمريكية.......(5)
-
حول حديث الملك لمجلة ذي اتلانتك الأمريكية.......(4)
-
حول حديث الملك لمجلة ذي اتلانتك الأمريكية.......(3)
-
حول حديث الملك لمجلة ذي اتلانتك الأمريكية.......(2)
-
حول حديث الملك لمجلة ذي اتلانتك الأمريكية.......(1)
-
ميكانيزمات الاستبداد وتحولاته الحتمية.... (2-2)
-
ميكانيزمات الاستبداد وتحولاته الحتمية.... (1)
-
قراءة في رسالة شبيلات الأخيرة..
-
- للفسادِ ربٌ يَحميه -
-
بروتوكولات حكماء بني طغيون ... (4)
-
بروتوكولات حكماء بني طغيون ... (3)
-
بروتوكولات حكماء بني طغيون ... (2)
المزيد.....
-
كيف يمكن إقناع بوتين بقضية أوكرانيا؟.. قائد الناتو الأسبق يب
...
-
شاهد ما رصدته طائرة عندما حلقت فوق بركان أيسلندا لحظة ثورانه
...
-
الأردن: إطلاق نار على دورية أمنية في منطقة الرابية والأمن يع
...
-
حولته لحفرة عملاقة.. شاهد ما حدث لمبنى في وسط بيروت قصفته مق
...
-
بعد 23 عاما.. الولايات المتحدة تعيد زمردة -ملعونة- إلى البرا
...
-
وسط احتجاجات عنيفة في مسقط رأسه.. رقص جاستين ترودو خلال حفل
...
-
الأمن الأردني: تصفية مسلح أطلق النار على رجال الأمن بمنطقة ا
...
-
وصول طائرة شحن روسية إلى ميانمار تحمل 33 طنا من المساعدات
-
مقتل مسلح وإصابة ثلاثة رجال أمن بعد إطلاق نار على دورية أمني
...
-
تأثير الشخير على سلوك المراهقين
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|