|
جريمة الختان 128: منع ختان الذكور في العصور الحديثة
سامي الذيب
(Sami Aldeeb)
الحوار المتمدن-العدد: 4064 - 2013 / 4 / 16 - 09:23
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
إذا إنتقلنا إلى العصر الحديث، نجد أن اليهود المجدّدين في القرن التاسع عشر في ألمانيا قاموا بمحاولة لإلغاء الطابع الإجباري للختان وجعله أقل خطراً على الصحّة. وأحيلكم هنا إلى مقالي http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=313849. وفي فرنسا، قامت السلطات المدنيّة عام 1843 بإلغاء مص قضيب الطفل (بالعبريّة: مزيزا)، وهي المرحلة الثالثة من ختان الذكور عند اليهود، بسبب مخاطرها الصحّية. وفي كلتا الحالتين قاوم رجال الدين اليهود هذه الخطوة مطالبين بممارسة الختان بالطريقة التي يرونها حتّى وإن تسبّب ذلك في تعريض الأطفال لخطر الموت. وما زال حتّى يومنا هذا رجال دين يهود وموهيلين يرفضون تدخّل السلطات المدنيّة في شؤونهم ويدافعون عن مص قضيب الطفل.
وفيما يخص الإتّحاد السوفييتي، يلاحظ أنه لم يكن هناك أي قانون يمنع ممارسة الختان لا قَبل إستلام الشيوعيين الحُكم ولا بعده. وتشير المصادر اليهوديّة ذاتها بأن المسلمين واليهود الذين كانوا يعيشون في وسطهم مارسوا بصورة واسعة ختان الذكور. إلاّ أن الختان تراجع بدرجات متفاوتة بين اليهود المنتشرين في المناطق الأخرى لأسباب ثلاثة: - هناك أوّلاً موقف اليهود العلمانيين المعادي للختان. فقد شنّت الدوريّات الشيوعيّة بــ«اليديش» (وهي خليط من العبريّة والألمانيّة) في العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين حملات شديدة على من مارس الختان بين اليهود الذين ينتمون للحزب الشيوعي. - ثم هناك عدم وجود ثقافة روسيّة مؤيّدة للختان. وكان موقف الهيئات الطبّية الرسميّة معادياً لهذه الممارسة، كما هو الأمر في دول غربيّة كثيرة. فقد كانت تعتبر الختان ضارّاً بصحّة الطفل، يجريه أشخاص غير مدرّبين طبّياً وفي أوضاع غير صحّية، ومن مخلّفات الحضارة البدائيّة، وطقساً دينيّاً يضر بالمواطنين مثله مثل باقي الطقوس الدينيّة، وعلامة تعصّب شعوبي تُخَلَّف شعور بالتعالي على الغير وتزرع البغضاء نحوهم. - وأخيراً هناك موقف السلطات الحاكمة المعادي للختان. فتلك السلطات كانت تعتبره إنتهاكاً للدستور السوفييتي الذي يقر بالحق في عدم الإنتماء لأي ديانة. وختان الطفل اليهودي والمسلم يعتبر إنتهاكاً لهذا الحق إذ يفرض عليه علامة إنتماء دائمة. كما أن الختان يعتبر مخالفاً للمادّة 227 من قانون العقوبات التي تحرّم الممارسات الدينيّة التي تضر بصحّة المواطنين. وعليه، فإن الموهيل اليهودي كان يعتبر مسؤولاً عن أيّة مضاعفات طبّية تنتج عن الختان لممارسته عملاً طبّياً من إختصاص رجال الطب. والأهل الذين كانوا يخضعون أطفالهم للختان، كانوا يتعرّضون لمضايقات ويفقدون إمتيازات وحقوقاً. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الإتّحاد السوفييتي قد لاحق أيضاً أتباع طائفة الخصاة المسيحيّة بصورة أشد ممّا لاحق اليهود لممارستهم بتر الأعضاء الجنسيّة.
هذا ولا نجد أي قانون يمنع الختان في حقبة الحُكم النازي في ألمانيا. فاليهود كانوا يمارسون الختان حتّى في المعتقلات. فهذا النظام لم يجرّم الختان، لا بل إعتبره حليفه إذ يُسَهِّل عليه التعرّف على من هو يهودي ومن هو غير يهودي. وبناء على ما سبق، يمكننا القول إن الختان نادراً ما منع في التاريخ رغم أنه تعدّي صارخ على سلامة الجسد، وأن الذين منعوه لم يقصدوا من ذلك القضاء على اليهود، خلافاً لما يدّعيه بعضهم.
وبدلاً من البحث عن محاولات «أعداء» اليهود لمنعهم من ممارسة الختان، على المؤرّخين البحث عن إضطهاد رجال الدين اليهود لإتّباعهم وإجبارهم على ممارسة الختان، متعدّين بذلك على حقّهم في تقرير مصيرهم وحقّهم في سلامة جسدهم. فقد حان الوقت لكي نكرّم كل من ساهم في رقي الإنسانيّة، يهوديّاً كان أو غير يهودي، بمخالفته رجال الدين اليهود الذين يريدون فرض إرادتهم ليس فقط على الأحياء بل أيضاً على الأموات. فهم ما زالوا يقومون بختان اليهودي الذي يتوفّى دون ختان، مهدّدين برفض دفنه في مقابر اليهود إذا لم يتم ختانه.
نشير أيضاً إلى أنه بدلاً من أن يبقى ختان الذكور منحصراً بين اليهود والمسلمين، أخذ عدد من المسيحيّين يمارسونه، منقادين في ذلك وراء رجال الدين ورجال الطب. وليس هناك اليوم أيّة دولة تمنع ختان الذكور رغم أن هذه العادة تخالف أبسط القواعد الأخلاقيّة الطبّية وأهم حق من حقوق الإنسان بعد الحق في الحياة، وهو الحق في السلامة الجسديّة.
ومع أن الحكومات والمنظمات الدولية ترفض إدانة جريمة ختان الذكور، فقد ظهرت حركات كثيرة جدا، وخاصة في الولايات المتحدة (انظر مقالي: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=313849)، تهدف الى منع ختان الذكور والإناث الذي يمارس على القاصرين. وأهم تلك الحركات العربية مجموعة في الفيسبوك تطلق على نفسها اسم: "توقفوا عن ختان اولادكم ... انهم يكذبون عليكم" وتضم قرابة ألفي عضو: https://www.facebook.com/groups/37736989287/?fref=ts وقد بدأت بعمل أشرطة لشرح موقفها، كان أولها للدكتورة المصرية سهام سنية عبد السلام http://www.youtube.com/watch?v=q33bqA8J6a0 وهو أول شريط عربي ضد ختان الذكور. وأنا ادعوكم لرؤيته.
ومهما يكن، فموضوع ختان الذكور، مثله مثل ختان الإناث، يثير جدلاً قانونيا كبيرا سوف نعود له لاحقا، لأنه يخالف مبادئ أساسية تسن عليها الدساتير والوثائق الدولية أهمها الحق في سلامة الجسد. وعدم اهتمام الحكومات والمنظمات الدولية لمنعه على القاصرين وعدم اثارة الموضوع في كليات القانون وغيرها يعتبر جريمة بحد ذاته.
-------------------------------------- كتبي: http://www.sami-aldeeb.com/sections/view.php?id=14 كتابي عن الختان http://www.sami-aldeeb.com/articles/view.php?id=131 طبعتي العربية للقرآن بالتسلسل التاريخي http://www.sami-aldeeb.com/articles/view.php?id=315 موقعي http://www.sami-aldeeb.com مدونتي http://www.blog.sami-aldeeb.com/ عنواني [email protected]
#سامي_الذيب (هاشتاغ)
Sami_Aldeeb#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جريمة الختان 127: منع ختان الذكور في العصور القديمة
-
هل نمنع الكتب المقدسة؟
-
جريمة الختان 126: علاج الآثار النفسيّة للختان
-
دين تحت التجربة وبالمزاد العلني
-
جريمة الختان 125: الأساليب الأخرى في توصيل المعلومات
-
جريمة الختان 124: اسلوب الجد في توصيل المعلومات
-
جريمة الختان 123: مكافحة الختان من خلال الدين
-
جريمة الختان 122: الختان والحروب
-
جريمة الختان 121: الدراسات الشاملة لمكافحة هذه الجريمة
-
جريمة الختان 120: الختان والحلقة الجهنمية
-
جريمة الختان 119: الختان والعنف الإجتماعي
-
أكثر من مليون زيارة لصفحتي في الحوار المتمدن
-
هل هناك امكانية لإصلاح الإسلام وكيف؟
-
العبقرية السويسرية: حوار مع مهجرة سورية
-
الغرب محتل من الإسلاميين وعميل لهم
-
مسلسل جريمة الختان 118: أثر الختان على العلاقة مع الأهل
-
مسلسل جريمة الختان 117: آثار صدمة الختان على الطفل
-
مسلسل جريمة الختان 116: الغرب وازدواجيّة المعايير
-
مسلسل جريمة الختان 115: الأفارقة والتدخّل الغربي في ختان الإ
...
-
نسخة جديدة من القرآن بالتسلسل التاريخي
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج
/ توفيق أبو شومر
-
كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
كأس من عصير الأيام الجزء الثاني
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية
/ سعيد العليمى
-
الشجرة الارجوانيّة
/ بتول الفارس
المزيد.....
|