محمد جلو
الحوار المتمدن-العدد: 4063 - 2013 / 4 / 15 - 07:15
المحور:
حقوق الانسان
كنت أرى في رعد، أطيب الطباع
تعرفت عليه خلال دورة التأهيل لصنف القوات الخاصة
دخلناها معا، في مدرسة القوات الخاصة في معسكر الرشيد، عام ١٩٧٨ - ١٩٧٩
و قضينا فيها ستة شهور، معا
كلانا كان برتبة ملازم أول
----
إفترقت عنه لسنين، بعد فشلي في تلك الدورة، ثم رحيلي عن القوات الخاصة
عدت ثانية، إلى صنف الطبابة العسكرية
كطبيب مقيم، في مستشفى كركوك العسكري
----
إلتقيت برعد بعد أكثر من سبع سنين، صدفة
في أحد شوارع بغداد
كان عام ١٩٨٧
كلانا وصل حينها إلى رتبة رائد
----
طبعا، كان حديثي معه، ذو شجون
أبلغني عن زملائنا الضباط في القوات الخاصة
الذين قتلوا خلال الحرب
لم أسمع بأخبارهم المؤسفة
لإنقطاع علاقتي بهم، و منذ فترة طويلة
----
قال بالحرف الواحد
~كل السباع راحوا، بس المخانيث بقوا~
فسألته، و ما أنت إذن؟
قال ضاحكا
~مخنث طبعا~
فأجبت ضاحكا
~إذن، إثنيناتنا مخانيث~
----
ضحكنا سوية
كلانا لم يكذب
كلانا يعرف السبب، في جبننا
و لكن، لن نجرؤ على الإعتراف به
----
الحقيقة
كلانا لا يرى جدوى، في الموت
لأجل قضية تتعلق بتصفية حسابات
كره، و عداوات شخصية، متبادلة
بين حاكم طاغية، لا يهمه أرواح شعبه
ضد حاكم طاغية آخر، لا يهمه أرواح شعبه
----
ثم سألته
و أين أنت الآن
قال
الأنفال
سألته مستفسرا
و أين الأنفال؟
----
حسبت أولا أنها إسم لمعسكر لم أسمع به سابقا
أجاب
إنها ليست بمكان، بل عملية واسعة النطاق
إنها ترحيل قرى
قلت، ترحيل؟ أية قرى
قال الشريط الحدودي مع إيران، و لمسافة خمسة كيلومترات
قلت، لماذا
أجاب، أسباب أمنية
كي نستطيع السيطرة على الحدود مع إيران
قلت، و إلى أين تُرَحلوهم؟
----
هنا، أحسست أنه بدأ يشعر بالإحراج، و عدم الإرتياح
و أخذ يتردد في الكلام قليلا، و يتكلم بدون النظر في عيني
قال، إلى الداخل
قلت، و لكن، تلك قراهم و بيوتهم
فأطرق برأسه، و قال، و يبدو و كأنه مغلوب على أمره
ضرورات الحرب ، أبو جاسم
فسألته، و ما الذي يحصل، إن لم يوافقوا
هل تجبروهم على ذلك؟
قال، بإبتسامة خفيفة، كأن فيها تهكم على سؤالي الساذج
طبعا
هذه أوامر
و نحن ننفذها
----
سألته، هل لاقيتم صعوبات في إيجاد بيوت تأويهم في داخل العراق
فقال، لا أدري
ليست من مسؤولياتنا
----
ثم سألته
و متى ستسمحون لهم بالعودة إلى بيوتهم
قال و هو يهز رأسه، و بعض الأسف ظهر على ملامحه
بيوتهم؟
ثم نظر في عيناي مباشرة، و قال بجدية و نوع من الحدة
محمد. لا تسأل على بيوت
لا توجد بيوت
أزلناها جميعا
----
فغرت فاهي، و قلت له متعجبا
لا... رعد...هل دمرتم بيوتهم حقا؟
فإنفجر ضاحكا
و رفض التكلم بعدها في الموضوع
----
وقتها، إعتبرت تلك الضحكة، قساوة شديدة في القلب
و لكن، و بعد التأمل، أقنعت نفسي بعدها بسنين
أن الضحكة، لم تصدر عن قساوة في القلب
فأنا أحب رعد
و لا أريد التصديق بأنه شخص بتلك القساوة
----
سمعت بعدها بسنين، الحقيقة
عن القتل
و الإعدامات الجماعية
و الإغتصاب
التي حصلت للألوف
خلال الأنفال
----
خَمّنتُ لماذا ضحك رعد
عندما أظهرت إستنكاري بتدمير بيوتهم
----
لقد ضحك رعد
لأن خسارتهم لبيوتهم
هي، حقيقة، ليست أسوأ ما تكبدوه
فالأموات، لن يحتاجوا إلى بيوت
#محمد_جلو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟