|
الوهابية فى مصر من محمد على إلى مبارك ..... الجزء التاسع
محمود جابر
الحوار المتمدن-العدد: 4063 - 2013 / 4 / 15 - 01:12
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الفصــل الثالــــث علــــى أعتــــاب مرحلة جديــــدة عرفت مصر الوهابية ودولتها منذ نشأتها( 1745م- وحتى الآن) زمن الدولة العثمانية1299- 1924م التي ورثت الدولة العباسية 750- 1258م، واستولى العثمانيون على الشرق العربي ومصر، وكانت انجلترا ترى أن هناك أهمية استراتيجية لمستعمراتها في الهند ولهذا عملت على حماية طرقها البرية وتأمينها تأمينا كاملا ضد أي نفوذ خارجي، وبعد الثورة الفرنسية1789م استؤنف الصراع الإنجليزي الفرنسي الذي دار طوال قرن مضى من الزمان1338- 1453م في أوربا، بيد أن هذا الصراع جرى هذه المرة في الشرق العربي، كانت فرنسا ترى أهمية لتمددها في الشرق ويكون لهذا الوجود قاعدة هي مصر، فقامت بحملة عرفت بالحملة الفرنسية على مصر 1797-1801م. كان الإنجليز يعتمدون على المسيحيين البروتستانت ( الإنجيليين) باعتبارهم حلفاء طبيعيين لها بالإضافة إلى المماليك حكام مصر قبل الدولة العثمانية والذين أصبحوا حكاماً للقرى والأقاليم وضباطاً في الجيش وشيوخ بلد في زمن الدولة العثمانية، أما الفرنسيين فكانوا يجدون في المسيحيين الكاثوليك حلفاء طبيعيين لهم بالإضافة إلى السلطة العثمانية، وأما اليهود فكانوا واقعين بين الاستقطاب الفرنسي/ الإنجليزي عرف هذا في حملة نابليون على الشام ووعد بلفور 1917م، وبعد حفر قناة السويس وافتتاحها 1859-1869م، كان الإنجليز ومن أجل تأمين الطريق البحري للهند ومستعمراتهم الشرقية يبحثون عن حلفاء لهم في شرق القناة وباقي سواحل بحر العرب والخليج، من هنا جرى تحفيز حلفائهم المحليين وسط الجزيرة العربية وهم حلفاء يمكن أن نصفهم وباقتدار أنهم صناعة إنجليزية فقد تم تسليحهم بايدولوجيا تطهيرية مثيلة للتطهيرية الإنجيلية، وتزويدهم بالخطط والسلاح ورجال المخابرات منذ أن تم التحالف بين ممثل الجناح الديني محمد بن عبد الوهاب وممثل الجناح السياسي سعود بن مقرن ، بيد أن هذا الدور أصبح دوراً ملحاً ومتزايداً بعد أن تم اكتشاف البخار وتصارعت العديد من الدول في التفكير والبحث عن مد خطوط سكك حديد تصل إلى المنطقة العربية – خط برلين الكويت – وخط موسكو القوقاز بغداد - دخلت الإمبراطورية العثمانية طور الانهيار وجرى وضع خطط إمبراطورية من قبل ألمانيا وروسيا وفرنسا لاحتلال أجزاء من هذه الإمبراطورية، بيد أن مستقبل هذا الوجود – الوهابي – مرتبط بوجود عمقاً دعوياً وإعلامياً يدعم هذا الوجود وكان القطر الوحيد المؤهل للعب هذا الدور هو القطر (المصري) ويرجع ذلك لعدة أسباب أولها : وجود الأزهر الشريف صاحب الراية العلمية الدينية الأكبر في كل العالم الإسلامي بل يمكن أن نقول أنها راية فريدة ووحيدة ، الثاني : إمكانية تمدد الوهابية التطهرية في مصر بلد الأزهر ويرجع ذلك لسبب يتعلق بالأزهر ذاته الذي لا يتبنى أي مذهبا عقائديا أو فقهيا، الثالث : إن بريطانيا مع مطلع القرن التاسع عشر أصبحت صاحبة النفوذ الأوحد في مصر مما مكن لها من تنفيذ هذا الهدف، وحتى يتم هذا الهدف كان لابد من إنشاء قاعدة بشرية وهابية تروج لهذه النحلة، ووضع سياسة من شأنها إضعاف القوة المصرية، وهذا كانت خبرة التاريخ طوال القرن الثامن عشر، فكلما قويت مصر انهارت الدولة الوهابية في شبه الجزيرة العربية؛ هذه السياسات التي وضعتها وزارة الاستعمارات الإنجليزية استمرت في التنفيذ منذ مطلع القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، ثم استأنفت الولايات المتحدة هذا الدور بعد أن أفل نجم الإمبراطورية البريطانية وحل محلها الولايات المتحدة الأمريكية، وطوال هذا التاريخ بقيت الدولة الوهابية / السعودية والإنجليز ومن بعدهم الأمريكان يضعون الخطط تلو الخطط من أجل إبقاء مصر تحت السيطرة الوهابية شمل ذلك كل المجالات من المجال الديني والسياسي وحتى المجال الإعلامي والفني وهناك مقولة تتناقلها الأوساط الفنية في مصر :" أن الأفلام المصرية في يد سعودية أمينة "، فشركة روتانا للإنتاج الفني وصاحبة سلسلة القنوات المعروفة أصبحت تمتلك أكثر من " 200" نيجاتيف للأفلام المصرية القديمة وكذلك شركة (A.R.T) تمتلك عدداً قريباً من هذا.
مصر والوهابية من عهد على بك الكبير حتى مطلع القرن العشرين ما من شك أن المصريين هم أول من تنبه إلى خطر الوهابية على الإسلام والمسلمين ولا أغالى إن قلت وعلى الإنسانية بشكل عام، وقامت في مصر ردود علمية دينية؛ يمكن اعتبارها من أول الردود العلمية والمنهجية، ومنها على سبيل المثال ما كتبه واحد من أكابر علماء الأزهر وهو الشيخ أحمد الدرديرى الملقب بـ ( مالك الصغير)، ولم يكن في ذلك التوقيت قد ظهرت أدبيات الوهابية وإنما ارجع العلماء أرائهم وإفكهم إلى ترهات وتخرصات ابن تيمية وابن قيم الجوزية وبعض أقوال ابن عبد الوهاب، ومن هنا قام الشيخ بتفنيد هذه الشبهات في كتابه الشرح الصغير ،هذا ولقد تزامن الانبعاث الوهابي الأول من وسط الجزيرة في نجد وقت أن قام على بك الكبير بإعلان استقلال مصر عن الباب العالي (السلطان العثماني) ، وقد بلغ هذا الاستقلال الحجاز ونودي به سلطان مصر وخاقان البحرين . وقتها تسامعت الجزيرة بتخرصات وإفك محمد بن عبد الوهاب وجماعته، فلما أذن وقت الحج أمر على بك الكبير بقيام مناظرة بين علماء الأزهر والحجاز وشيوخ الوهابية، ولما اظهر العلماء إفكهم وترهاتهم أمر على بك الكبير بسجنهم واستتابتهم، بيد أنه سرعان ما سقطت حركة على بك وجرى إطلاق سراح هؤلاء النفر . وحتى ذلك الحين لم يتحفز أحد في مصر ضد الوهابية لأنهم لم يرو حركة بدو نجد التي لم يسمع عنها إلا القليل النادر، إلا مجرد عصابات إجرامية خرجت في زمن الفوضى حين انشغل جند السلطان في حروبه مع الروس، بيد أنه لم يمض إلا عقد أو عقدين حتى تناقلت الأنباء عن الوهابية الذين احتلوا حرم الله الآمن وقتل الحجيج وهدموا المقصورة التي على بئر زمزم وبعض آثار النبي وآل بيته وأصحابه، بيد أنه لم يكن الأمر قد صدر من السلطان لوالى مصر لقتالهم. وقد ذكر الجبرتي دخول الوهابيين مكة:" قتلوا الرجال، وأسروا النساء، والأطفال، وهذا دأبهم مع من يحاربون " خاصة بعد أن أقنعهم سعود بأن الحجازيين كفار فجّار " على حد تعبير أحد الكتاب النجديين المعاصرين ، الذي أضاف " أن سعود قد أمر بتهديم كل قبة ، بما فيها قبة الزهراء، فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقبة الحسن بن على، وباقي القباب فى البقيع، ثم سار إلى جبل أحد،وهناك قبر حمزة عم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان عليه قبة كبيرة فأمر بتهديمها " . ووفقاً لنفس الكاتب، ولما ذكره البتانوني ، والجبرتي ، فإن سعود، ومن معه قاموا بنبش قبر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ونهب الحرم النبوي، وأخذ المجوهرات التي فى الحجرة النبوية الشريفة، والتي لا تقدر بثمن ، وأنه عبأ أربعة سحاحير من الجواهر المحلاة بالألماس والياقوت العظيمة القدر، وأربعة شمعدانات من الزمرد، وقطعة ألماس مستطيلة يضيء نورها في الظلام، ونحو مائة سيف قرابتها ملبسة بالذهب الخالص، ونزل عليها الماس وياقوت ونصابها من الزمرد واليشم، كما أخذ من النقود ما لا يحصى ، وفيها تاج كسرى أنوشروان، وفيها سيف هارون الرشيد، وعقد لزبيدة، زوجته، وفيها تحف غريبة من جملة ما أرسله سلاطين الهند، بحضرته تزييناً لقبته (صلى الله عليه وآله وسلم) وأخذ قناديل الذهب وجواهر عديدة". وفي مكة، والكلام للمستر فيلبي، مستشار الملك عبد العزيز " فإن القوات السعودية انتشرت تبحث عن القباب والأضرحة الخاصة بأبطال وبطلات فجر الإسلام، والأماكن الأخرى التي لها علاقة بالتاريخ الإسلامي فهدمتها، واستمرت هذه المهمة عدة أسابيع بحماس منقطع النظير " ، وحسب توضيح البتانوني ، والمؤرخ السعودي أحمد السباعي ، فإن الجنود السعوديين " هدموا القبة التي كانت فوق مقام إبراهيم وقبة السيدة خديجة، وقبة مولد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ). كما فرض سعود المذهب الوهابي " بأن أمر العلماء في الحجاز بقراءة الرسائل التي وضعها علماء الدرعية " . كما أمر بتدريس كتاب " كشف الشبهات " لمحمد بن عبد الوهاب في المسجد الحرام، في حلقة عامة يحضرها العلماء والأهالي، ففعلوا . ثم نادى مناد من قبله من يكون حليق الذقن، وتلا قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا )التوبة: 28.والمشركون هنا، كما يوضح صلاح العقاد، " هم سكان البلاد التي لم تدخل في حكم السعوديين " . وفى تطور مواز، أخذ السعوديون يعيقون قوافل الحج القادمة من مختلف الإمبراطورية العثمانية بكل الوسائل . بل إن سعوداً، كما يذكر البتانونى " قام بإحراق المحمل المصري " كما عاد المحمل الشامي من غير حج، ومن ثم انقطع المحملان عن الذهاب إلى مكة، واستبد سعود بالحرمين استبداداً مطلقاً". وكما يضيف الجبرتي " فإنه لما امتنعت قوافل الحج المصري والشامي، وانقطع من أهل المدينة ومكة ما كان يصل إليهم من الصدقات، والصرر، خرجوا من أوطانهم بأولادهم، ونسائهم وأتوا إلى مصر، والشام، ومنهم من ذهب إلى اسطنبول يتشكون من الوهابي، ويستغيثون بالدولة فى خلاص الحرمين لتعود لهم الحالة التي كانوا عليها" . وفي ذات الوقت، قام الحجازيون بتقديم شكواهم إلى محمد على باشا، أما الشريف غالب من جانبه، فقد كاتب كلاً من محمد على وسلطان تركيا، يستنجد بهما، والكلام لحافظ وهبة مؤرخ السعودية الأشهر الذي أضاف إلى ذلك قوله " إن إقدام السعوديين على الاستيلاء على كل من مكة والمدينة، كان يعد أكثر من ثورة ضد الخليفة العثماني " ، الذي أصدر أمراً حاسماً لمحمد علي باشا يوم 9 سبتمبر 1807 جاء فيه : " إن الذي ننتظر أن تفعلوه أن تقدموا إقداماً تاماً على قطع دابر الوهابيين هؤلاء، وإزالة فسادهم إزالة تامة "، في محاولة منه لاسترجاع سيادته على الحرمين، واسترداد هيبته فى العالم الإسلامي . وبناء عليه، جند محمد على كافة طاقاته من أجل إعداد الحملة، ودب النشاط في دور الترسانة في القاهرة، والسويس، لتجهيز السفن اللازمة لنقل القوات التي سوف تسافر عن طريق البحر بمعداتها هذا ، ولقد بلغ تعداد الحملة 8.000 من المدفعية والمشاة، سافروا عن طريق البحر على دفعتين: الأولى، بدأت في 19 رجب 1226 هـ / 8أغسطس والثانية، بدأت سفرها في 7 شعبان من نفس العام (26أغسطس) وقد بلغ عدد السفن التي أقلت الدفعتين 63 سفينة، أما فرقة الفرسان المكونة من 3000 فارس، والتي على رأسها ابن محمد علي " أحمد طوسون " القائد العام، فقد سافرت بطريق البر، عبر العقبة، إلى ينبع، التي كانت منطقة لتجمع القوات على الساحل الحجازي . وهنا لابد من الإشارة إلى أن محمد علي لم يكن في نيته التقدم نحو الدرعية، عاصمة السعوديين، في أعماق صحراء نجد القاحلة، وحرص على الإعلان، منذ البداية، إنه لا يبغي سوى حماية الحرمين . وفي هذا يقول حافظ وهبة: إنه سمع من كبار النجديين، أن محمد علي، بعد استرداد الحجاز يناير 1813 حاول التوصل إلى صلح مع سعود الكبير، أو عقد هدنة معه، إلا أن الأخير رفض أن يعقد هدنة أو صلحاً مع محمد علي . حتى عبد الله بن سعود - تولى أبريل 1814 - الذي كان يشار إليه بالحكمة والعقل والفطنة حذا حذو والده، بسبب سيطرة آل الشيخ - ذرية الشيخ محمد بن عبد الوهاب - على الشؤون السياسية للإمارة السعودية، فهم " الذين كانوا يملون على الأمراء السعوديين خطة الشدة والعداء العام لسائر الناس " كما يوضح حافظ وهبة . وكانت النتيجة هي استسلام الدرعية لإبراهيم باشا، الذي عينه والده خلفا لطوسون، بلا قيد أو شرط في مشهد وصفه " إبراهيم بن صالح بن عيسى " المعاصر للأحداث بقوله:" إن عبد الله بن سعود خرج إلى معسكر إبراهيم يوم 9 ذي القعدة 1233 هـ / 9 سبتمبر 1818، وقام الباشا بإرساله مع " رشوان أغا" و " الدويدار " ومعهم عدد كثير من العسكر، فساروا به إلى مصر، ثم إلى اسطنبول، حيث قتل هناك... ثم دخلت سنة 1234 هـ وإبراهيم باشا في الدرعية، فأمر أهلها أن يرتحلوا منها، ثم أمر بهدمها، وقطع أشجارها، وأشعل فيها النيران، وتركها خاوية، وتفرق أهلها في البلدان، وأمر بنقل آل سعود، وآل الشيخ بأولادهم ونسائهم إلى مصر " . إلا أن " ديكسون " الوكيل البريطاني في الكويت، يشير إلى أن عبد الله قد اشترط أن يضمن له إبراهيم حياته، وأن الأخير قد أجابه: بأنه ليس في ملزومه إلزام السلطان، أو والده، محمد علي، بذلك، ولكنه يعتقد أنهما لن يبخلا عليه بالاستجابة لمثل هذا الطلب. إلا أن السعوديين يعتقدون، حتى يومنا هذا بأن إبراهيم قد أعطى عبد الله وعداً بأنه لن يصاب بأي أذى . ويؤكد حافظ وهبه على أن " السعوديين يحملون مصر والمصريين تبعة حملة إبراهيم باشا وتدمير الدرعية " . والواقع، فإنه وبالرغم من مرور عشرات، بل مئات السنين، فإن الصدمة لا تزال ماثلة في أذهان السعوديين، وأن إرث الماضي تحول بمرور الوقت إلى عبء ثقيل يسلمه جيل إلى جيل آخر. ولا تزال نتائج وتداعيات الدرعية تتوالى بإفرازاتها السلبية حتى الآن، بعد أن ترسخت في وجدان السعوديين عقدة نفسية، يمكن تسميتها بعقدة " مصر و محمد علي". وفى عام 1259هـ/ 1843م، استطاع الإنجليز إخراج فيصل بن ترك المسجون في القلعة من سجنه عن طريق عباس حلمي الأول بن طوسون بن محمد على ، وقد قام عباس باشا والإنجليز بترويج إشاعة هروب فيصل ومن معه من سجن القلعة عبر تسلقهم الجدران بالحبال، وكان ذلك خشية من غضب عمه إبراهيم باشا والسلطان العثماني ، وقد ذكر الرحالة وليم جيفور بالجريف الذي زار الجزيرة بعد نحو عشرين عاما من حادثة خروج فيصل بن ترك من مصر، وقد قابل فيصل في الرياض، يقول في كتابة وسط الجزيرة العربية وشرقها، مبينا دور عباس باشا في مساعدة الإمام على الخروج من سجنه بأن قال: (خطى خطوته الأولى في تنفيذ خططه الخاصة بالجزيرة العربية، وتمثلت في إطلاق سراح فيصل ورفاقه وتحريرهم من الأسر........ بأن قلّل عدد حراس القلعة وأبعدهم عنها، وزوّد الأسرى بالحبال والوسائل الأخرى التي تمكنهم من الهروب.ويحصل الأسرى على هذه الحبال والوسائل، ويتسلقون جدران القلعة في إحدى الليالي المظلمة) .
المرحلة الأولــى: (التسلل الحثيــث): وبعد موت إبراهيم باشا تولى حكم مصر عباس حلمي الأول بن طوسون باشا ، وكان شخصا غريب الأطوار دفعه كرهه لعمه وأولاده إلى محاولة جعل السلطة في مصر في عقبه، وكان يجب أن يعتمد على قوى كبرى تساعده على نيل أهدافه، ووجد ضالته في الإنجليز فقام بقطع الصلة مع الفرنسيين وقرب منه القنصل الإنجليزي في مصر مستر (مرى) الذي رتب معه قبل سابق موضوع هروب فيصل بن ترك من سجن القلعة، وكانت شخصية (عباس) القلقة والخائفة من أهله ومستشاريه دافعا لاعتماد أساليب قهر واستبداد متسربلة بالدين تمثلت في استحداثه شرطة دينية تضرب الناس وقت الصلاة وتمنع النساء من المرور في الشوارع، أي أنه اعتمد الايدولوجيا الوهابية أسلوبا في حكم مصر طوال خمس سنوات . في هذه الفترة التي استخدمت الوهابية فيها كأسلوب من أساليب القهر السياسي جرى إرهاب العلماء حتى لا يقوم بنقد الوهابية، ومما ساعد على ذلك أن الدولة (الوهابية الثانية) كانت دولة محدودة جغرافيا وسياسيا وسرعان ما تم القضاء نظرا لكثرة الخصوم، والصراع الذي فشا في الأسرة نفسها حول السلطة والثروة، هذه الظروف السياسية أحدثت انقطاعاً في استمرار حركة المعارضة العلمية الدينية المصرية من تناول الوهابية بالنقد والتفنيد، وكذلك عدم توفر قاعدة بيانات جديدة بفعل فترة حكم عباس حلمي الأول وصولا بالاحتلال البريطاني لمصر. استشعر الإنجليز- صانعى الوهابية – أنه لا مفر من غرس البذرة الوهابية فى مصر حتى تكون أرضاً تحمى الوهابية فى وسط الجزيرة العربية، وأن عدم تأثر مصر بالوهابية يعنى فشل المشروع كله، لهذا كان الأمر يحتاج إلى تسرب حثيث يبدأ بنشر الكتب وكسر حاجز تحريمها ... ثم ما لبث أن ظهر في مصر كتاب محمد بن عبد الوهاب المسمى (التوحيد) وكذلك الرد الذي خرج في مقابله من أخيه الشيخ سليمان بن عبد الوهاب والمعروف بـ (الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية) هنا خرج غير واحد من العلماء للرد على تخرصات هذه النحلة تمثلت في الإمام العلامة الفقيه الشيخ رضوان العدل بيبرس الشافعي المصري المتوفى سنة 1303هـ/ 1885م في كتابه المفيد " روضة المحتاجين لمعرفة قواعد الدين " وفي صفحة 384 منه حيث قال ما نصه: " ثم ظهر بعد ابن تيمية. محمد بن عبد الوهاب في القرن الثاني عشر وتبع ابن تيمية وزاد عليه سخافة وقُبْحًا، وهو رئيس الطائفة الوهابية قبحهم الله، وتبرأ منه أخوه الشيخ سليمان بن عبد الوهاب وكان من أهل العلم، فكان ينكر عليه إنكارًا شديدًا في كل ما يفعله أو يأمر به، ولم يتبعه في شيء مما ابتدعه.... وكان - محمد بن عبد الوهاب - ينهى عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويتأذى من سماعها وينهى عن الإتيان بها ليلة الجمعة، وعن الجهر بها على المنابر، ويؤذي من يفعل ذلك ويعاقبه أشد المعاقبة وربما قتله، وكان يقول إن الربابة في بيت الخاطئة يعني (الزانية) أقل إثما ممن ينادي بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المنابر، ويلبّس على أصحابه بأن ذلك كله محافظة على التوحيد، وأحرق دلائل الخيرات وغيرها من كتب الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويتستر بقوله: إن ذلك بدعة وأنه يريد المحافظة على التوحيد. وكان يمنع أتباعه من مطالعة كتب الفقه والتفسير والحديث وأحرق كثيرًا منها، وأذن لكل مَنْ اتبعه أن يفسر القرآن بحسب فهمه، حتى همج الهمج من أتباعه فكان كل واحد منهم يفعل ذلك وإن كان لا يحفظ شيئا من القرآن، فيقول الذي لا يقرأ لآخر يقرأ: اقرأ عليَّ حتى أُفسر لك، فإذا قرأ عليه فسَّرَهُ برأيه، وأمرهم أن يعملوا ويحكموا بما يفهمونه، وجعل ذلك مُقدمًا على كتب العلم ونصوص العلماء، وكان يقول في كثير من أقوال الأئمة الأربعة ليست بشيء." اهـ ".... ومن قبح كفرياته أنه كان ينتقص النبي صلى الله عليه وآله وسلم كثيرًا بعبارات مختلفة ويزعم أن قصده المحافظة على التوحيد!!فمنها قوله: إنه صلى الله عليه وآله وسلم (طارش) ! والطارش في لغة أهل الشرق المرسل من قوم إلى آخرين، فمراده أنه صلى الله عليه ولآله وسلم حامل كتب، أي غاية أمره أنه كالطارش الذي يرسله الأمير أو غيره في أمرٍ لأناسٍ ليبلغهم إياه ثم ينصرف. وكان أتباعه يقولون ذلك بحضرته وهو يظهر لهم الرضا، وقال واحد منهم: عصاي هذه خير من محمد لأنها يُنتفعُ بها في قتل الحية ونحوها، ومحمد قد مات ولم يبق فيه نفع أصلاً وإنما هو طارش وقد مضى!! ولا شك أن هذا كفر بالإجماع، وكان يقول نظرت في قصة الحديبية فوجدت بها كذا وكذا كذبة إلى غير ذلك من أقبح المفتريات. وإنما أطلت الكلام في مذهب الوهابية ليُعْلَم أن الطائفة الموجودة الآن بمصر القائلة بنبذ المذاهب والعمل بالكتاب والسنة هم ضمن الطائفة الوهابية الذين لا دين لهم، ومرادهم بالكتاب ما يفسرونه به ويفهمونه بإفهامهم الكاسدة حسب أهوائهم، ومرادهم بالسنة ما يوافق منها هواهم بحسب افهامهم، وأما ما يرد عليهم نصًا ولا يقدرون على تأويله فيطعنون فيه ويدَّعون أنه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم" اهـ.
رابط الجزء الثامن : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=350245
#محمود_جابر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عفوا .... لا تخلعوا ثيابكم فإنكم عراة
-
طبق السلطة السياسى
-
شيعى فى تايلاند....
-
مشروع النهضة ..... - أخضر وبأستك من فوق -
-
الفاطميون... ودورهم فى جهاد البيزنطيين والصلييبين ( الجزء ال
...
-
الفاطميون... ودورهم فى جهاد البيزنطيين والصلييبين ( الجزء ال
...
-
الوهابية فى مصر من محمد على إلى مبارك....... الجزء الثامن
-
إلى شيخ الأزهر الشريف وآخرين .... - اللى خدته القرعة تخده أم
...
-
المقاومة والمقاومين ... والخطأ الاستراتيجى الايرانى
-
الوهابية فى مصر من محمد على إلى مبارك....... الجزء السابع
-
الطرف الثالث الشيعى .....
-
الوهابية فى مصر من محمد على إلى مبارك ..... الجزء السادس
-
الوهابية فى مصر من محمد على إلى مبارك ...... الجزء الخامس
-
الوهابية فى مصر من محمد على إلى مبارك 4/4
-
الجهود السلفية الاخوانية فى افساد العلاقات العربية العربية (
...
-
الوهابية فى مصر من محمد على إلى مبارك 3/3
-
الشيخ -تونى- والشيعة عبر القاهرة للإيجار
-
الوهابية فى مصر من محمد على إلى مبارك 2/2
-
الوهابية فى مصر من محمد على إلى مبارك 1/1
-
من الصحافة المصرية إلى وكالات الانباء الاسلامية... أين البحر
...
المزيد.....
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|