|
ليست فتنة وليست طائفية
ميشيل نجيب
كاتب نقدى
(Michael Nagib)
الحوار المتمدن-العدد: 4061 - 2013 / 4 / 13 - 23:50
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
فوضى العنف المخطط له مسبقاً نقل ميدانه إلى العنف الدينى رغم تواجده الدائم فى المجتمع المصرى، لأنه عنف يقف وراءه أصحاب المصالح السياسية الذين أعطوا الضوء الأخضر لرجال الجماعات الدينية للقيام بدورهم المرسوم جيداً، وأحداث الخصوص والكاتدرائية هى الحلقة الأخيرة فى سلسلة الحوادث والجرائم التى تقع ويتغاضى الغالبية عما يحدث ببيانات الإدانة والأستنكار لتنتهى تلك الاحداث بتحقيقات طويلة تدخل نتائجها فى طى النسيان، وكمواطن مصرى وصلت إلى قناعة أن الأديان بأكملها صنيعة بشرية، وكمواطن مصرى يؤلمنى ما ترتكبه الأديان وأتباعها من الحماقة العبثية ضد الآخر لأسباب تافهة سرعان ما تتخذ شكلاً عنصرياً تتصاعد فيه سلوكيات الطرفين إلى عنف غير مبرر وتسارع الأوساط السياسية والدينية والثقافية إلى وصف ما يقع من جرائم وسفك دماء وتهجير بأنها فتنة طائفية، هكذا بكل بساطة وبدلاً من القبض على المسئولين الحقيقيين عن تلك الجرائم، يتم تجاهلهم من الجميع ويتم القبض على بعض المتهمين ثم يتم عقد جلسة صلح عرفية ليتنصل النظام السياسى والدينى من القضية لتنتهى ظاهرياً أمام عدسات وسائل الإعلام.
أحداث الخصوص والكاتدرائية تلاعب فيها الكثير من الأطراف لإشعالها أكثر وأستغلالها لأغراض سياسية، والغريب فى الأمر أنها أحداث بعيدة عن الفتنة وعن الطائفية بدليل أن تحقيقات النيابة العامة بالقليوبية قامت بإخلاء سبيل الطفلين اللذين كانا السبب فى تفجير الأحداث وهما أحمد وصالح اللذين رسما الصليب المعقوف وكتبا أسميهما بجواره على جدران المعهد الأزهرى، غير مدركين ما يعنيه الرسم وهو شعار النازية وقال الطفلين أنهم لم يريدان الإساءة إلى أحد، ومن خلال هذه الحقيقة نستطيع إدراك مقدار العبثية الدينية التى يستغلها النظام الدينى السياسى فى مصر، حيث تبدأ أحداث فردية بين مسلمين ومسيحيين سرعان وما تشتعل عندما يخرج المصلين من مسجد القرية مكان الحدث فى مسيرة لتخريب وإشعال النار فى كنيسة المسيحيين وبيوتهم، وهذه هى السمة الغالبة على تلك الأحداث او الجرائم المقصودة أرتكابها ولست فى حاجة لأن أشير بأصبعى إلى الفاعل الحقيقى مرتكب الجريمة. من السهل جداً على كل مؤمن دينى يتبع إيديولوجية خاصة بجماعات دينية أن يسلك ويطبق العبث الإيمانى الممنهج، فالعبث الإيمانى هو تجاهل مفردات دينية معينة فى مقابل إستحواذ إيديولوجية عبثية على سلوكياته، مما يجعله فى صراع مستمر يتم منهجته داخل تلك الجماعات التى تفرض سيطرتها الخطابية على غالبية كبيرة من المؤمنين رغم عدم عضويتهم لتلك الجماعات، فالمؤمن يشارك بعبثية إيمانية فى تدمير مجتمعه بشراسة تنتج من المنهجية اللفظية القامعة لكل مخالف لها فى إيديولوجيتها الإيمانية التى تتسلل منها إلى عالم السياسة لتحقيق أحلامها العبثية التى لم يكن لها وجود إلا فى نفوس المحاربين الحالمين بالحكم وتوهمهم بجدارتهم فى القيادة لتحقيق إيديولوجيتهم الخاصة التى تمتطى ظهر الإيمان وظهر المؤمنين الذين يسيرون وراءهم بما يسمعون من شعارات وخطابات، تغلق وتقتل لديهم ملكة التفكير والتعقل الإنسانى.
هذا العبث الإيمانى الممنهج لا يعترف بالقوانين ولا بشرعية الدولة مما يخلق من أى فرد مؤمن بدين وأخلاقيات هذا الدين أن يخرج على تلك الأخلاقيات بالخروج على شرعية الدولة وقوانينها ليستبيح لنفسه أستخدام العنف والقتل ضد الآخر، هذا العبث الإيمانى تقوم بأستمرار أركان النظام السياسى بتغذيته بالمصطلحات الغير منطقية والتى لا تتفق مع واقع الأحداث، مثل مصطلح الفتنة الطائفية لكن الواقع يقول أنها ليست فتنة وليست عملاً موجهاً ضد طائفة معينة، بل هى أعمال عبثية يتم تحريكها والسيطرة عليها من خلال العبث بعواطف المؤمنين بدين ضد دين آخر بتصوير الآخر على أنه عدو يهدد أركان ديانته، ومعنى ذلك أنها عبثية دينية ولا علاقة لها بالطائفية لأن الأهداف المنشودة من تلك الأعمال تحقيق أكبر قدر من الخسائر المادية والمعنوية ضد الآخر، لأن العبثية الإيمانية الدينية قائمة على كراهية الآخر الدينى ولن تنتهى لأنها ثمرة مناهج تعليمية وخطابات دينية هدفها تقزيم الآخر والنيل من وجوده وكرامته والتشهير به بكل الوسائل المتاحة، وهذا يعنى أنها ليست فتنة وليست طائفية بل هى عبث إيديولوجى يستخدمه قادة ورجال الدين يعبثون فيه بإيمان أتباع الدين الذى يكسر كل الأخلاقيات والحواجز التى تقف فى طريقه بأعتباره دين الأغلبية مما يعطيه القوة المعنوية والمادية فى تنفيذ منهجيته العبثية بأرواح البشر من الطرف الآخر.
إذن نحن أمام مشروع خبيث يتم التخطيط له بجدية ليأتى بثماره العبثية من خلال أستغلال هشاشة إيمان المؤمنين، ليصدقوا كل ما يقال لهم من رجال الدين ويخضعون لهم وينفذون أوامرهم كأنها فريضة لينتقموا من أعداء الدين الذى أكد المقدس على خطورة هؤلاء الأعداء، مما يخلق أجيال من البشر أستبداديين دكتاتوريين يعملون بشتى الطرق والوسائل على فرض عبثيتهم الدينية من خلال التطبيق الحرفى لتعاليم رجال الدين بأعتبارها ترجمة لنصوص المقدس، وهذه العبثية تتناغم مع فكر الأديان التى لا تؤمن بالمواطنة والمساواة بين أبناء الوطن الواحد لذلك تستخدم الجماعات الدينية والأنظمة السياسية العبثية الدينية للسيطرة على قواعد اللعبة والتحكم فى من تسول له نفسه معارضة النظام الحاكم.
إن الفكر الظلامى لا يقيم إحتراماً لقيمة الإنسان البشرية لأنه يسير وراء تماثيل وأصنام حجرية لا عقل ولا فكر لها إلا العبث الإيمانى للوصول إلى إرتكاب أبشع الجرائم الخالية من الأخلاقيات ضد الآخر لأن إلغاء الآخر وإبادته هو قضيته المقدسة، هذا العبث الإيمانى يمهد أمام أتباع الدين المزيد من الأنتهاكات وسط جو التحريض والتعصب والهوس الدينى المرضى، وتوظيف الإيمان الدينى لخلق فوضى عبثية داخل المجتمع تعمل على تزايد الصراع فى واقع سياسى واضح منه غياب الإرادة الفعلية للقضاء على تلك العبثية الدينية لأنها تخدم أهدافهم السياسية، ومعنى ذلك أستمرار هذه المهزلة الإرهابية التى تساندها المنظومة الأمنية التابعة للنظام والمنظومة التحريضية التى لم يستطيع أحد المساس بها أو أنتقادها لإيقاف نزيف الدم والتحرش بالآخر ومحاولة إنقاذ الوطن من الإنهيار أو الإنزلاق إلى طريق مظلم يتم تمهيده بتأجيج مشاعر العدوانية وتطبيق التمييز بين أفراد الوطن عن طريق الهوية الدينية الغالبة للمجتمع، وهذه السياسات تفجر أكثر وأكثر العبثية القاتلة لثورة كانت الحلم لجميع شعب مصر.
إذن تفعيل القوانين وتطبيقها بصرامة على كل من يخرج على شرعية الدولة ومواطنيها بغض النظر عن جنس أو ديانة مرتكب تلك الجرائم، هو الحل الوحيد الذى يسترجع هيبة القانون والدولة والمواطنين أيضاً، ولا ننسى أن القانون لن نستطيع تنفيذه بدون قادة ومسئولين يعترفون بأنهم مواطنين فى دولة تحترم قيم المواطنة والمساواة بين أفرادها، فالمجتمع المصرى منذ عهد عبد الناصر وحتى اليوم كانت تنقصه وجود تربية وتعليم وقادة سياسيين ودينيين يؤمنون بأهمية تفعيل المواطنة الحقيقية لكل فرد يعيش على أرض الوطن، لهذا أقول وأنا مستريح النفس أن القانون الوحيد القادر على القضاء على العبثية الفوضوية الدينية هو قانون المواطنة المصرية للجميع.
#ميشيل_نجيب (هاشتاغ)
Michael_Nagib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
باسم يوسف رمز مصرى
-
مرتكب الإجرام ليس مجهولاً
-
إرهاب الإرادة الشعبية
-
حد الحرابة شريعة جاهلية
-
تحرير فريق الإرهاب
-
الإنقاذ الأمريكى للإخوان
-
محاكمة طغاة الإسلام السياسى
-
إغتيال الوطن
-
سلطان المقدس فى التحرش الجنسى
-
قاتلوا جنود الله
-
بشائر وبركات مرسى
-
الإنسان هو الحل
-
ثورة العصيان المدنى
-
تصفية نشطاء الثورة
-
الشعب يريد إسقاط النظام
-
سقوط مرسى أمام الثوار
-
صمت الأغلبية
-
الإعجاز الإخوانى
-
قناصة بلطجية مجهولون
-
بركان الغضب وحالة الطوارئ
المزيد.....
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|