|
الإسلام السياسي في ميزان السياسة الدولية (4- تركيا)
عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
الحوار المتمدن-العدد: 4061 - 2013 / 4 / 13 - 16:58
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
الرقص على السلالم- كل السلالم
إذا كانت قطر هي السمسار الإقليمي للإسلام السياسي داخل المنطقة، تركيا هي السمسار الدولي ومحور الارتكاز الفعلي له. جدير بالتذكير هنا أن تجربة الإسلام السياسي التركية لم تنجح من أول محاولة في بلوغ الحكم، إنما استطاع حزب العدالة والتنمية أخيراً بفضل جهود ثلاثة من ألمع قادته: رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية أحمد داوود أوغلو، ثم الرئيس التركي ابن الإسلام السياسي أيضاً عبد الله جول. على الطريق الشائك والطويل إلى السلطة والحكم، اضطرت ثقافة الإسلام السياسي التركية إلى التنازل قطعة بعد الأخرى عن كثير من الثوابت الأساسية سياسياً واقتصادية واجتماعياً وحتى دينياً لثقافات إسلامية سياسية أخرى في أنحاء متفرقة من المنطقة، مثل تلك لجماعة الإخوان المسلمين والجماعات السلفية. لكن رغم التنازلات، قد بقيت قواسم مشتركة عديدة تجمع بين ثقافات وتجارب الإسلام السياسي المختلفة. هنا سوف أتحدث تحديداً عن ظاهرة الرقص على السلالم السياسية- الصفة الأبرز حتى الآن في تجربة الإسلام السياسي التركية، وظاهرة أيضاً بوضوح في حكم الإخوان المسلمين الحالي في مصر.
من تأمل الواقع الحاضر، قد لا أبالغ إذا قلت أن أحداً لا يحب الرقص السياسي ويتقنه أكثر من الساسة الإسلاميين. في تركيا، على سبيل المثال، كان وزير الخارجية أوغلو، ابن المشروع الإسلامي، هو أول من ابتدع في حينه سياسة "صفر مشكلات" مع كل دول الجيران، وربما العالم أجمع، وحصد من وراءها مكاسب مادية عظيمة لبلاده من كل مكان. تجارة ماهرة. التاجر الشاطر هو من لا يكون له أي أعداء، أو أقل قدر ممكن عن اللزوم. لكن الأرض، يقيناً، ليست خالصة لله الأعلى وحده. هناك، حتماً، شيطان رجيم، فضلاً عن أبالسة الجن والإنس بلا حصر في كل مكان. ولا يكون منطقياً أو مقبولاً لفترة طويلة من الزمن أن تضع يداً مع الله بينما في الوقت نفسه الأخرى في جيب الشيطان، وتطمع مع ذلك في أن تصون علاقة الثقة والمصداقية والاحترام في أعين الآخرين. لابد، في وقت ما، أن يلمحك نفر من معسكر الملائكة أو من معسكر الشياطين واقفاً على الجانب العدو. حينها لن تستطيع بعد مواصلة البيع والشراء والتربح من طرفي القتال معاً. سوف تأتي ساعة الاختيار؛ لابد أن تختار، وأن يكون اختيارك مستند إلى مبدأ واضح. مع أي من الجانبين سوف تقف: الملائكة أو الشياطين، المقاومة أو الاعتدال، الإسرائيليين أو الفلسطينيين، القذافي أو عبد الجليل، الأسد أو الخطيب...الخ. المسألة مبدأ. وفي الواقع يبدو أن هذه المسألة بالذات بالغة الصعوبة على معظم رجالات الإسلام السياسي.
حتى في الوقت الذي رفعت تركيا رؤوس رجال المنطقة ونساءها عالية لما رفض برلمانها الأبي السماح للقوات الأمريكية باستعمال أراضيها في غزو العراق عام 2003، كانت تركيا نفسها في ذات الوقت عضواً أساسياً في حلف الناتو وحليفاً إستراتيجياً بالغ الأهمية للولايات المتحدة وسياساتها بالمنطقة، حتى من بينها تلك المتعلقة بترتيب الأوضاع في العراق بعد صدام والحرب العالمية بقيادة أمريكية على الإرهاب (الآتي من الجناح المتطرف للإسلام السياسي ذاته). وفي القضية الفلسطينية أيضاً، بينما كان أردوغان يخدر المسامع والمشاعر العربية بخطب نارية وحركات أكروباتية رائعة ضد الانتهاكات الإسرائيلية الكثيرة بحق الفلسطينيين، كانت ولا تزال مستويات التعاون والتنسيق في شتى المجالات بين تركيا الإسلامية والدولة اليهودية، إلى حد المناورات العسكرية المشتركة، غير متوازنة على الإطلاق مع أي من الدول العربية أو الإسلامية الأخرى في المنطقة. في قول آخر، بينما كان سقف الإباء والاستقلال الوطني التركي على مستوى خطب وكلام أردوغان وإخوانه مرتفعاً، كان سقف التعاون والتنسيق الفعلي- خاصة الإستراتيجي والعسكري- مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل على الأرض هو في الحقيقة الأكثر ارتفاعاً. أكثر من ذلك، بينما الرجالات الأتراك يتزعمون فعلياً في الوقت الراهن مجهود الإسلام السياسي في منطقة الربيع العربي، لا شك في أن أعينهم لا تزال منصبة على هدف الانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبي؛ أو، في عبارة أخرى، ربما تكون قصة الإسلام السياسي مجرد ورقة أخرى في الأيدي التركية الغارقة حالياً في بحر الأوراق المتناقضة.
رغم مظاهر النجاح المؤكدة على تجربة الإسلام السياسي التركي في الحكم لا أحد يستطيع، من ناحية أخرى، أن يستبعد أن يكون مرد هذا النجاح إلى عوامل قشرية زائلة وليس جوهرية مستدامة في التجربة ذاتها. كما لا ينكر أحد أن ثمة جهود عملاقة تبذلها منذ حين الولايات المتحدة وأوروبا في سبيل ترويج وتسويق التجربة الاقتصادية والديمقراطية الإسلامية الناجحة في تركيا إلى بقية أنظمة الحكم المتعثرة في المنطقة، خاصة تلك الناشئة في أعقاب ثورات الربيع العربي. رغم حلاوة الطرب والرقص التركي وكثرته ضد نظام الأسد في فنائها الخلفي مباشرة، تجد تركيا نفسها-بسبب إشكالات وإخفاقات داخلية وخارجية كثيرة- عاجزة عن أي عمل حقيقي ومؤثر على الأرض. هذه، في الحقيقة، هي تركيا التي، مثل كل روافد الإسلام السياسي الأخرى، لا تجيد حتى الآن أكثر من شيئين: الرقص والسمسرة.
#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بين القانون والقرآن والسلطان
-
الإسلام السياسي في ميزان السياسة الدولية (3- قطر)
-
الإسلام السياسي في ميزان السياسة الدولية (2- طائر النار)
-
الإسلام السياسي في ميزان السياسة الدولية
-
الدولة العربية في خطر
-
أفاعي إسلامية تبكي الدولة!
-
السياسة بين الطائفية والعلمانية
-
بين العري والنقاب
-
لصوص لكن إسلاميين
-
اتركوا الرئاسة قبل أن تضيعوا كل شيء
-
عودة الجيش المصري إلى الحكم
-
تحرش جنسي بميدان التحرير!
-
استمرار استعباد المرأة بسلطة التطليق والتوريث
-
أنا ضد الشريعة
-
سوريا، لا تخافي من الإسلاميين
-
صلح السنة والشيعة
-
أخطاء قاتلة في التجربة الإسلامية في الحكم
-
موضوع في خدمة مشروع سياسي
-
يعني إيه ثورة
-
حرية الارتباط والزواج قبل الديمقراطية
المزيد.....
-
-قريب للغاية-.. مصدر يوضح لـCNN عن المفاوضات حول اتفاق وقف إ
...
-
سفارة إيران في أبوظبي تفند مزاعم ضلوع إيران في مقتل الحاخام
...
-
الدفاعات الجوية الروسية تتصدى لــ6 مسيرات أوكرانية في أجواء
...
-
-سقوط صاروخ بشكل مباشر وتصاعد الدخان-..-حزب الله- يعرض مشاهد
...
-
برلماني روسي: فرنسا تحتاج إلى الحرب في أوكرانيا لتسويق أسلحت
...
-
إعلام أوكراني: دوي صفارات الإنذار في 8 مقاطعات وسط انفجارات
...
-
بوليتيكو: إيلون ماسك يستطيع إقناع ترامب بتخصيص مليارات الدول
...
-
مصر.. غرق جزئي لسفينة بعد جنوحها في البحر الأحمر
-
بريطانيا.. عريضة تطالب باستقالة رئيس الوزراء
-
-ذا إيكونوميست-: كييف أكملت خطة التعبئة بنسبة الثلثين فقط
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|