خالد الفيشاوي
الحوار المتمدن-العدد: 1167 - 2005 / 4 / 14 - 10:25
المحور:
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
في عيد الأضحى من كل عام أقرأ العشرات من البيانات الصادرة عن حركات تحرير الحيوان تدين سلوكياتنا (الهمجية …(
هذا العام قررت ألا اكتفي بالبيانات , وقضيت عدة أسابيع بين أوراق بعض من هذه الحركات أملا في مزيد من الفهم , والتعرف على وجهة نظر قد تعينني على ارتفاع أسعار اللحوم … لكني وجدت أفكارا و مواقف بالغة الأهمية ’ سأحاول تقديمها في هذا البيان..
ـــ ــــ ـــ
" جيني" , " مارك" , " لي " , " روبرت شارب" , أسماء بارزة ومناضلين أشاوس تعرفهم إنجلترا وسجونها , وتخرج المظاهرات دفاعا عنهم , ويردد الملايين شعاراتهم علي امتداد أوروبا .. فيوم أن حكمت المحاكم الإنجليزية على " لي " بالسجن عشر سنوات بتهمة الهجوم علي محلات الفراء وتحرير فئران التجارب في أحد المعامل .. حكمت في نفس الأسبوع بالسجن 3 سنوات على رجل اغتصب فتاة بوحشية خلال عملية سطو .. فاندلعت المظاهرات في أنحاء إنجلترا وأوروبا تندد بوحشية إنجلترا وعدم عدالة قانونها الذي يقسو على محرري الحيوانات بينما يتساهل مع اللصوص والمجرمين ...
هذا عن " لي "
أما عن " جيني" فقد أوشكت على الخروج من السجن بعد قضاء عامين ولم يتبق لها سوى عام واحد , بعد القبض عليها في إحدى غاراتها علي معامل " ويكهام" في " هامبشاير" …
بدأت " جيني" نشاطها عام 1984 , وكان عمرها 21 عاما , بغارة شارك فيها 300 مناضلا على معامل في " بدفوردشاير " بهدف الحصول على وثائق بشأن التجارب التي تجرى علي الحيوانات , وحصلوا عليها فعلا وطرحوها على الرأي العام … ثم قادت هجوما أخر على كلية الجراحين الملكية , وكان أبرز ما أثار الرأي العام أن الوثائق كشفت عن موت عشرات الحيوانات التي تركوها بلا مياه طوال عطلة نهاية الأسبوع..
وتؤكد " جيني" أنها رغم السجن وقسوته , إلا أنها ستخرج لتناضل مرة أخرى لتحرير الحيوان ورفع سطوة الإنسان واستغلاله .
0 الطريق السلمي للتحرر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا " مارك " , في السجن أيضا , من عائلة مناضلة ؟ كانت أمه تعارض اصطياد الثعالب وتتابع بشغف أخبار عمليات جبهة تحرير الحيوان , ترك المدرسة مبكرا ليتفرغ تماما للنضال . عندما كان عمره 19 عاما حطم محلا لبيع اللحوم , فجبهة التحرير تحرم أكل اللحوم باعتباره عملية وحشية . وقبل ذلك , شارك " مارك" مجموعة في السطو على مدرسة وتحرير الفئران والخنازير من معاملها , وعلى الفور أعلنت المدرسة التوقف عن استخدام الحيوانات في المعامل , وكان ذلك أول انتصار يحققه " مارك" , ورغم كثرة جماعات تحرير الحيوانات , إلا أنها عموما باستثناء قلة محدودة - تنبذ استخدام العنف ضد البشر والحيوانات , إلا أنها عموما - باستثناء قلة محدودة - تنبذ استخدام العنف ضد البشر والحيوانات , لذلك فقد أعلننا إدانتنا - والحديث لمارك- للجماعات التي تستخدم القنابل في عمليات , أو تحرق المعامل , أو تقتل الباحثين كاغتيال أحد العلماء في "بريستول" في مايو 1990 .
ويضيف " مارك" أن جبهة تحرير الحيوان التي ينتمي إليها تتكون من 50 مجموعة متفرقة ’ كل مجموعة تتكون من 3 أو 4 أفراد , وتقوم بغارات أسبوعية .
وكما يرفضون العنف في عملياتهم ويقفون ضد الجماعات المتطرفة لتحرير الحيوانات التي تستخدم العنف .. كذلك فأن عصبة تحرير الحيوانات ترفض بشدة الديماجوجيا التي تقوم بها بعض نجمات السينما في دفاعهن عن الحيوانات كالوقوف ضد صيد الثعالب وتجارة "الفراء" بينما يلتهمن لحوم الحيوانات في وجباتهن . فالموقف الثوري لا يتجزأ , والمناضلون لا يجعلون الحيوان هدفا للصيد أو التجارب المعملية أو طعاما للإنسان .
الجحيم الأرضي .
ــــــــــــــــــــــــــــــ
و " لروبرت شارب" طريق مختلف ,فلكونه باحث في الكيمياء , فقد اعتاد إجراء التجارب على الحيوانات , والاعتقاد بأنها أمر ضروري لتقد الطب ..لكن الحقيقة المرعبة اتضحت أمامه حينما بدأ يتابع قراءة نشرات " تحرير الحيوان" وما قاله فيها " بيتر سنجر"
بعدم وجود مبرر أخلاقي يجعلنا نضطهد الحيوانات ونؤذيهم .
ويقول " شارب " أن ملايين الحيوانات تعاني وتموت في معامل العالم كل يوم , يحرقوا , ويفقدوا أبصارهم , ويتناولوا السم , ويتعرضوا للإشعاعات ويموتوا جوعا , ويحقنوا بالعقاقير , وتبتر أطرافهم , وتجرى الجراحات على أدمغتهم وأحشاءهم , ويحقنوا بأمراض السرطان والإيدز وغيرها ..
ويضيف " سنجر" : أن اضطهاد الحيوان امتداد لاضطهاد البشر ضد بعضهم البعض , وبلغ ذروته ضد طبقة العبيد .
علي أية حال , بدأ " شارب " لا يستريح لعمله , وشرع زملاؤه في نبذ أراءه الجديدة , فقد استقالته في منتصف الثمانينات ليتفرغ للدفاع عن الحيوانات , وإجراء الأبحاث حول عدم جدوى الدراسات علي الحيوانات .. وفي الحقيقة , يدرك الأطباء منذ أكثر من قرن أن أمراض الإنسان تأخذ أشكالا مختلفة في الحيوانات , ففي بحث حول الكوليرا في ثمانينات القرن الماضي . فشل العالم الألماني الشهير " روبرت كوك " في اكتشاف المرض في الحيوانات المحقونة بالكوليرا , بينما نجح تماما في اكتشافه في الإنسان سواء بالفحص الطبي الظاهري أو الميكروسكوبي .
كذلك , يواجه العلماء الآن نفس المشكلة مع الإيدز , فالحيوانات الشبيهة بالإنسان مثل "الشامبانزي" لا تستجيب للمرض حين تحقن بالفيروس المسبب للأيدز ( HIV ) .
والأمثلة لا تعد ولا تحصي , فالعقاقير يختلف تأثيرها من الإنسان للحيوان , المورفين مثلا يخدر البشر لكنه يثير القطط , والكورتيزون يشوه أجنة الفئران . والبنسلين يقتل أجنة الخنازير برغم فائدتها للإنسان .
وفي يناير 1990 اكتشف باحث بكاليفورنيا – بعد تجارب استمرت عشر سنوات 25 عقارا صالحين تماما لعلاج الحيوانات من الأزمة القلبية , لكنهم لا يصلحوا إطلاقا للإنسان كما أثبتت التجارب أن 71% من التجارب على الحيوانات في الأبحاث الطبية غير جديرة بالاعتبار.
ويضيف أنصار حقوق الحيوان أن هذا الموقف لا يفيد التقدم العلمي , فنتائج التجارب على الحيوانات تعطي بيانات مشوهة , كما تضعف من شأن الأبحاث والدراسات التي تجرى علي خلايا الإنسان في أنابيب الاختبار .
ورغم كل ذلك , فلا زالت المعامل تستخدم 200 مليون حيوان سنويا علي مستوى العالم , 71 مليونا منها في أمريكا و20 مليونا في اليابان و3.5 مليون في المملكة المتحدة .
تخاريف معملية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومع ظهور الهندسة الوراثية والقدرة على استحداث كائنات جديدة , يطرح البعض مرة أخرى السؤال الذي سبق أن طرحه أنصار تحرير الحيوان ؟ ما مشروعية تدخل الإنسان في حياة الكائنات الأخرى ؟ فبعيدا عن القدرة ؟ ما هي المشروعية ؟ .. أى , صحيح أننا قادرون على إفناء العالم بعد التوصل للسلاح النووي, لكن الموانع الأخلاقية تحول إفناء العالم , كذلك قد يستطيع الإنسان الأبيض إفناء الإنسان الأسود , وكذلك يستطيع إنسان شمال الكرة الأرضية القضاء علي الجنوب , لكن الموانع الأخلاقية تحول دون ذلك .
فالقضية لا زالت مطروحة .. ما مشروعية تدخل الإنسان في حياة الكائنات الأخرى ؟ فقد أنتجت التجارب كائنات حية ممسوخة مثل " الجيبسي" وهو كائن حي لا هو " ماعز" ولا " خروف" لكنه يجمع بين هذا وذاك وقد تم تخليقه في عملية دمج بين الجينات الوراثية لماعز وخروف .
كما تم إنتاج خنزير , بعد إضافة الجين البشري المسئول عن إنتاج هرمون النمو إلى تركيبه الجيني , وأطلق عليه السوبر خنزير .
وخلال العقد الماضي أجريت عشرات الآلاف من التجارب لتوليف حيوانات لم تنتجها الطبيعة , وتم توليف الآلاف من الحيوانات منها الأسماك الضخمة , والقطط السمان . وقد مثلت الهندسة الوراثية قمة استغلال الحيوانات في التجارب دون أي ضابط أو رادع قانوني أو أخلاقي .
اللهو القاتل
___________
تشير بيانات أنصار الحيوان إلى أن الإنسان يصطاد مئات الملايين من الحيوانات والطيور في سبيل اللهو والمتعة وأكثر من 100 مليون حيوان سنويا من أجل الفراء , وبذلك هدد الإنسان بإفناء العديد من الأجناس الحيوانية الأخرى . فالنمور الذين كان يبلغ عددهم في بداية القرن أكثر من 100 ألف , أصبحوا الأن أقل من 8 آلاف نمر فقط . كما انقرض الأفيال بنسبة 60% خلال العقد الماضي فقط , وانخفض عدد وحيدو القرن من 65 ألفا عام 1970 إلى 3 آلاف عام 1990 , وتراجعت الحيتان الزرقاء في أقل من عقد من 300 ألف إلى 10 آلاف فقط .
أما الثعالب , فيتم اصطياد الملايين منها سنويا من أجل الفراء , ففي المملكة المتحدة وحدها يتم اصطياد 63 ألف ثعلب سنويا , فضلا عن 12 مليون من طائر الحجل , ومليون بطة برية يتم اصطيادها جلبا للهو والمتعة .
وفي هذا الإطار هناك أكثر من مليون حيوان محبوسا في خمسة آلاف حديقة للحيوانات في العالم , فضلا عن العبث بهم في السيرك وإجبارهم على تأدية أدوار تتنافى مع طبيعتهم في بيئة ومناخ غريب .
وعلى الجانب الآخر , تستخدم مئات الملايين من الحيوانات في الأعمال الشاقة كالهند , التي تستخدم وحدها 80 مليون حيوان بطاقة تعادل 30 ألف ميجاوات…
التوحش
__________
وتبلغ القسوة ذروتها بذبح الحيوانات لالتهام لحومها , حيث يستهلك البشر 140 مليون طن من اللحوم سنويا , بمعدل 30 كجم لكل فرد .
ويرى البعض أن أكثر الكائنات توحشا الإنسان , ليس فقط لأنه يلتهم لحوم الآخرين, لكنه أيضا يمتاز عن بقية الحيوانات أكلة اللحوم بأنه يأكل أكثر من احتياجاته , فأشد الحيوانات شراسة لا تفترس إلا إذا جاعت , ولا تأكل إطلاقا أكثر من احتياجاتها الجسمانية , أما الإنسان فيأكل قدر استطاعته مما يسب له الكثير من أمراض الشره . والملاحظ أنه كلما زاد ثراء زاد الشره وزادت الوحشية , ويعتبر الأمريكيون هم أكثر شعوب الأرض توحشا وقسوة حيث يبلغ متوسط استهلاك الفرد من اللحوم 111 كيلو جراما سنويا , يليهم الاستراليون 90 كيلوجراما سنويا , والإنجليز 70 , أما شعوب العالم الثالث فينخفض معدل الاستهلاك ليقل عن كيلو جرام واحد سنويا في معظم البلدان .
ولما كانت معظم الشعوب الفقيرة تعيش تقريبا بلا تناول للحوم , فأن الأمر يبدو دون فائدة أو أهمية للبشر , حيث تتوافر البدائل النباتية – على حد قول أنصار الحيوان واتباعهم – وبالفعل لقيت دعوتهم استجابة واسعة , فازداد النباتيون بشكل واسع في السنوات الماضية فتجاوزوا في الولايات المتحدة فقط 9 مليون نباتي .
وإذا كانت إنجلترا قد شهد ميلاد حركة تحرير الحيوان , فقد اتسعت الحركة في أوروبا وأمريكا واليابان , وبدأت التشريعات في بعض المدن والأقاليم الأوروبية تمنع استخدام الحيوانات في التجارب , فعلى سبيل المثال , منعت ايطاليا جنوب التيرول تشريح الحيوانات منذ عام 1989 .
كما زاد النفوذ السياسي لجماعات حقوق الحيوان , و دخلوا الانتخابات البرلمانية في اليابان بعشرة أعضاء عام 1986 وحصلوا علي 182 ألف صوت .
ورغم غرابة كل ذلك , إلا أن أنصار الحيوان يطرحون تساؤلا يدور في أذهان الكثير من المفكرين الغربيين الآن … ما هو حق الإنسان في الحياة على حساب الغير ؟ ولماذا ؟
وهو الكائن الوحيد الذي سعى للسيطرة على الطبيعة , فكاد أن يدمرها , كما امتلك القدرة على قتل الكائنات الأخرى , فكاد أن يتخلص من أجناس حية كثيرة بشكل أصبح يهدد التوازن الايكولوجي …
فما هو موقعه بين غيره من الأجناس الحية ؟
وما مشروعية سطوته وسيطرته علي الطبيعة وكائناتها ؟
#خالد_الفيشاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟