|
السلطة العراقية المنتخبة وآفاق المستقبل
حامد الحمداني
الحوار المتمدن-العدد: 1166 - 2005 / 4 / 13 - 11:02
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
شهد العراق لأول مرة في تاريخه الحديث انتخاب السلطة التنفيذية المتمثلة برئيس الجمهورية ونائبيه ورئيس الوزراء من جهة والسلطة التشريعية المتمثلة بأعضاء الجمعية الوطنية ورئيسها ونائبيه عن طريق الانتخاب الحر المباشر مما لم يشهد الشعب العراقي مثل هذا الحدث منذ تأسيس الحكم الوطني عام 1921 وحتى سقوط نظام طاغية العصر صدام حسين في التاسع من نيسان عام 2003 . ومما يشيع الأمل بمستقبل العراق أن يجري التوافق على انتخاب الهيئة الرئاسية وهيئة رئاسة الجمعية الوطنية بطريقة توافقية بين الكتل الثلاثة التي حققت النسبة الأعلى من النجاح في الانتخابات التي أعقبت سقوط النظام السابق ،على الرغم مما شاب الانتخابات من شوائب ،حيث جرت الانتخابات تحت تأثير العواطف القومية والدينية والطائفية التي غلبت على الصفة الوطنية العراقية ، وكانت البرامج السياسية للأحزاب المشاركة في الانتخابات ثانوية في تفكير المواطنين ،ولهذا التوجه كما أعتقد مبرراته ، فقد عانت الطائفة الشيعية من طغيان النظام الصدامي أهوالاً ومصائباً لا توصف، وجرى تهميشها في الحياة السياسية للبلاد . كما عانت القومية الكردية من جراء الحروب العدوانية الصدامية ،وتهديم القرى ،وتهجير المواطنين من قراهم ومدنهم ، وما تزال جريمة الأنفال التي ذهب ضحيتها ما يزيد على 180 ألف مواطن ،وقصف حلبجة الشهيدة بالأسلحة الكيماوية التي قضت على حياة أكثر من 5000 من النساء والأطفال والشيوخ خلال دقائق معدودة ماثلة أمام أعيننا ،وليس من السهل أن يطويها النسيان . لكن الانتخابات التي جرت تبقى الخطوة الأولى لممارسة الديمقراطية في العراق ، والتي حُرم منها المواطن العراقي طوال عقود عديدة ، ويحدونا الأمل في أن تجري الانتخابات القادمة في ظل ظروف أكثر ديمقراطية يعبر خلالها المواطن عن خياراته على أساس الوطنية العراقية والبرامج السياسية للأحزاب وما يمكن أن تقدمه من خدمة للشعب والوطن . لقد كان من المبهج جداً أن يجري انتخاب شخصية كردية لأول مرة في تاريخ العراق لأعلى مركز في السلطة حيث تم اختيار الأستاذ جلال الطالباني زعيم حزب الإتحاد الوطني الكردستاني رئيساً للجمهورية ، وهذا الاختيار في اعتقادي يحقق هدفين أساسيين : *الهدف الأول : ويتمثل في ضمان وحدة العراق أرضاً وشعباً من خلال إعادة الثقة المفقودة لدى الشعب الكردي جراء الحروب الإجرامية التي شنها النظام الصدامي ضد الشعب الكردي ، وإحساسه بأنه مواطن من الدرجة الأولى شأنه شأن جميع المواطنين لا تمييز في الحقوق والواجبات إلا بمقدار ما يقدمه المواطن من خدمة لشعبه ووطنه دون تمييز، فهذا هو المعيار الوحيد الذي يمكن أن نحكم فيه على المواطن سلباً كان أم إيجاباً . لقد آن الأوان أن نضع حداً للأساليب القمعية في تعامل السلطة مع القضية الكردية ، والعمل على تحقيق علاقة جديدة بين القوميتين الكردية والعربية قائمة على أساس مبدأ الفيدرالية التي ارتضاها الشعب الكردي والتي هي السبيل لإعادة اللحمة وعلاقات الأخوة والمحبة والتعايش بين أبناء الوطن الواحد على اختلاف قومياتهم وأديانهم وطوائفهم . *الهدف الثاني : ويتمثل في كون انتخاب شخصية كردية لأعلى مراكز السلطة في البلاد سيشكل الضمان الأكيد للتوجه الديمقراطي في البلاد لكون الديمقراطية لا يمكن فصلها عن مسألة الفيدرالية ، فلا ضمان لدوام الفيدرالية دون ضمان الانتقال نحو الديمقراطية والحرص على استمرارها وتطويرها بما يخدم المصالح المشتركة لسائر مكونات شعبنا من دون أي تمييز إلا الكفاءة وخدمة قضايا الشعب والوطن . إن الفترة الممتدة بين الانتخابات الماضية والانتخابات القادمة في نهاية هذا العام ستكون الامتحان الحقيقي للسلطة الجديدة ، وللقوى السياسية التي تتشكل منها ، فيما ستتخذه من إجراءات لمعالجة المهمات الآنية الملحة والمتعلقة بحياة المواطنين والتي تتلخص بالتالي : 1 ـ العمل على تشريع دستور ديمقراطي يضمن كافة الحقوق والحريات العامة والمساواة بين المواطنين بصرف النظر عن الجنس والقومية والدين والطائفة يحدونا الأمل أن يتم التوافق بين مختلف القوى السياسية على مواد الدستور ، وعدم محاولة فرض مادة في الدستور تتعارض وحقوق وحريات المواطنين في كافة المجالات السياسة والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصحية ، وليكن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي شرعته الجمعية العمومية للأمم المتحدة في صلب مواد الدستور . 2 ـ النص على مبدأ الفيدرالية في الدستور بما يضمن تطبيقه على أسس ثابتة وقويمة وواضحة لا لبس فيها ولا تأويل . 3 ـ معالجة المهام الملتهبة والمتعلقة بحياة المواطنين ، وفي المقدمة منها إعادة الأمن والسلام في البلاد والقضاء التام على الإرهاب والإرهابيين ، وتقديمهم للعدالة لينالوا الجزاء الذي يستحقونه جراء أعمالهم الإجرامية بحق المواطنين وقوات الشرطة والحرس الوطني . 4 ـ ينبغي أن تلازم عمليات مكافحة الإرهاب تجفيف المصادر المغذية له ، وفي المقدمة منها معالجة مشكلة البطالة المستشرية التي تمثل المنبع الأكبر للإرهاب ، وخاصة بين منتسبي الجيش والشرطة المنحلين ، حيث التحق الكثير من منتسبيهما بعصابات الإرهاب ، ومن الضروري إيجاد العمل لهم في مجالات أخرى غير جهازي الجيش والشرطة والأمن ، إلا من يثبت عدم تورطه بجرائم النظام بعد تدقيق وتمحيص في ماضي من يعاد إلى الخدمة. 5 ـ الاهتمام بتأمين الخدمات الأساسية للمواطنين وفي مقدمتها الماء الصافي للشرب والكهرباء والصرف الصحي والوقود ، والرعاية الصحية و التربية والتعليم ، واستئصال الفكر البعثي الفاشي ، وتربية النشئ تربية ديمقراطية بدأً من رياض الأطفال وحتى الجامعة ، والاهتمام بتهيئة الكوادر التي تتولى هذه المهمة الخطيرة . 6 ـ العمل على حل مشكلة السكن تمهيداً لعودة المهاجرين والمهجرين من خلال إقامة المجمعات السكنية في مناطق معسكر الرشيد ومطار المثنى وغيرها من المناطق الأخرى ، وعدم التسرع في توزيع الأراضي العشوائي الذي يسبب التوسع الأفقي للمدن ، وخاصة بغداد ، مما يؤثر تأثيراً سلبياً كبيراً على تأمين المشاريع الخدمية من طرق المواصلات والشوارع والهاتف والكهرباء والماء الصافي والمدارس والمستشفيات وغيرها من الأمور الأخرى . 7 ـ الإسراع في محاكمة أركان النظام السابق ، وإنزال العقاب الصارم بحق كل من أمر ونفذ جرائم التعذيب والقتل بحق المواطنين ، وشن الحروب على إيران والكويت دون مبرر ، وسبب في موت مئات الألوف من المواطنين إضافة إلى مئات الألوف من الأيتام والأرامل والمعوقين ، إضافة إلى تدمير البنية التحية الاقتصادية والاجتماعية ، ونهب وتبديد ثروات البلاد . 8 ـ العمل على تهيئة الظروف لانسحاب القوات الأجنبية من البلاد بعد استتباب الأمن والنظام ، وتمكين قوات الأمن والجيش من حماية البلاد وأمن المواطنين ، وصيانة الديمقراطية الوليدة ، وضمان عدم العودة للنظام الفاشي الشمولي في البلاد ، وإقامة علاقات متكافئة مع الولايات المتحدة وحلفائها قائمة على أساس احترام سيادة واستقلال العراق والمنافع المشتركة والمصالح المتبادلة . إن الشعب العراقي سيحكم على السلطة الجديدة إيجابا كان أم سلباً بمقدار ما تلبي هذه السلطة من هذه المطالب ، وتصون الديمقراطية في البلاد وتعمل على تطويرها ، وتحترم إرادة الشعب في تمتعه بالحرية والعدالة الاجتماعية ، وتتعهد باحترام مسألة التداول السلمي للسلطة على أساس الورقة الانتخابية ، ويبقى الأمل كبيراً في الانتقال نحو الديمقراطية ،وتحقيق طموحات شعبنا في الحياة الحرة الكريمة التي افتقدها خلال العقود السوداء من حكم النظام الصدامي الفاشي . وإن مما يشيع الأمل في نفوسنا هو التوجه نحو تشكيل حكومة تظم سائر القوى السياسية وسائر مكونات شعبنا ، فالمهمة الملقاة على عاتق الحكومة القادمة كبيرة وصعبة لا يمكن أن تتحمل أعبائها قوة سياسية بمفردها ، بل تتطلب تضافر كل الجهود الخيرة للنهوض بالعراق ، وإعادة بناء بنيته الاقتصادية والاجتماعية والصحية والثقافية والتربوية ، وهذا يتطلب بكل تأكيد اختيار الوزراء من ذوي الكفاءة والقدرة ، والوطنية الصادقة ، وتجنب توزيع الحقائب الوزارية على أساس الانتماء الحزبي فقط ، وإعطاء مسألة الكفاءة الأهمية القصوى من أجل الإسراع في إعادة بناء العراق الجديد .
#حامد_الحمداني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صدور ثلاثة كتب للباحث حامد الحمداني
-
تحية للحزب الشيوعي العراقي في الذكرى الحادية والسبعين لعيد م
...
-
البعثيون هم الذين يقودون وينفذون النشاط الإرهابي في البلاد
-
جريمة البصرة ومسؤولية الحكومة والأحزاب الدينية وموقف المرجعي
...
-
التربية الديمقراطية تقتضي تطوير المناهج التربوية
-
سفر خالد لكفاح المرأة العراقية من أجل التحرر والديمقراطية
-
جريمة الحلة ومسؤولية السلطة
-
أخي الحبيب الصائغ جرحكم جرحي وحزنكم حزني
-
دراسة تربوية-الخوف وتأثيراته السلبية وسبل معالجته
-
إلى متى يستمر هذا المخاض العسير ؟
-
الكذب وأنواعه وسبل علاجه
-
ماذا بعد الانتخابات ؟ أسئلة تتطلب الجواب
-
هل تتعلم قوى اليسار والديمقراطية والعلمانية الدرس من نتائج ا
...
-
ماذا يدور وراء الكواليس ؟ ومتى نشهد الدخان الأبيض ؟
-
في الذكرى الثانية والأربعين لانقلاب شباط واستشهاد عبد الكريم
...
-
الجيش العراقي ودوره السياسي في البلاد هل ستستطيع السلطة القا
...
-
الوحدة الوطنية هي السبيل الوحيد للوصول بالعراق نحو المستقبل
...
-
لماذا تحرم مناطق بعشيقة وبحزاني وبرطلة والقوش من حقها في الا
...
-
إنه يوم النصر العظيم لشعب العراق
-
تحقق الحلم ومارست حقي في انتخاب ممثلي الشعب بكل حرية
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|