|
تجربة آينشتاين مع -الحقيقة-
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 4058 - 2013 / 4 / 10 - 11:00
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
جواد البشيتي "الحقيقة"، ما "الحقيقة"، وما أدراك ما "الحقيقة". حتى أعداء "الحقيقة"، في أمْرٍ ما، يجتهدون في طلبها، والبحث عنها، ويرغبون في الوصول إليها؛ لكنَّ "مصلحة" لهم هي التي تحملهم على إبداء العداء لها، وإنكارها، وتزويرها، وحجبها عن أبصار وبصائر كل من له "مصلحة" فيها؛ فلو أنَّ "بديهية هندسية" عادت "مصلحة" ما، لشَنَّ أصحاب هذه المصلحة الحرب عليها. جميعنا ننشد "الحقيقة"، وننفق كثيراً من الجهد والوقت في البحث عنها؛ لكنَّنا لم نتواضع بعد، ولن نتواضع أبداً، على إجابة سؤال "ما هي الحقيقة؟"؛ وكأنَّ لنا مصلحة في تعريف "الحقيقة" بما يَخْدُم، ويُوافِق، "مصلحة" المتوفِّر على "تعريفها". ولآينشتاين تجربته في "الحقيقة"؛ فهو القائل "إذا النَّظرية (الجديدة) لم تُوافِق (تُطابق) الواقع؛ فلا بدَّ، عندئذٍ، من تغيير الواقع نفسه". إنَّها لـ "مثالية خالصة" أنْ يدعو المرء (وأنا أعلم أنَّ آينشتاين يهزل في قوله هذا) إلى "تغيير الواقع بما يجعله موافِقاً للنَّظرية"؛ فـ "الموضوعي" في النَّظر إلى الأشياء يُعدِّل، ويُغيِّر، "النَّظرية (الجديدة)" بما يجعلها تُوافِق "الواقع (الموضوعي)"، أو بما يجعلها أكثر تَوافقاً معه؛ فكلَّما توافقت "النَّظرية (أو الفكرة)" أكثر مع "الواقع (الموضوعي)" ارتفع فيها "منسوب الحقيقة". وشتَّان ما بين مَنْ يَقْبَل "النَّظرية"؛ لكونها متوافقة مع "الواقع"، ومَنْ يرفض "الواقع"؛ لكونه غير متوافق مع "نظرية ما (أو فكرة ما)"؛ وإذا ما ارتَبْتُم في صِدْق هذا الذي قُلْت، اسألوا كل مجتهدٍ في "أسْلَمَة" حياتنا بأوجهها كافة. حتى "الغباء" عرَّفه آينشتاين بما يؤكِّد أنَّه يفهم "الحقيقة" بما يناقِض "المثالية"؛ فهو قال، في تعريفه له، إنَّه أنْ يُكرِّر المرء التجربة "نفسها"، متوقِّعاً (أيْ معلِّلاً النَّفس بوهم) تمخُّضها عن "نتائج مختلفة"؛ فـ "النتيجة (أيْ النتيجة العملية الواقعية)" تأتي متوافقة مع "التوقُّع" إذا ما كان "التوقُّع" واقعياً موضوعياً، وتذهب به إذا ما كان "ذاتياً (غير موضوعي)". "الحقيقة"، ومهما كابَد المرء في بحثه عنها حتى كشفها واكتشافها، هي دائماً "بسيطة"، وأبسط مَمَّا نظن لدى بَدْئِنا البحث عنها؛ وبما يؤكِّد ذلك، عرَّف آينشتاين "الأحمق" و"العبقري"، قائلاً إنَّ "الأحمق" هو الذي يجتهد في جَعْل "البسيط" من الأشياء يبدو "معقداً"؛ أمَّا "العبقري" فهو الذي يَعْرِف كيف يُبسِّط ما يبدو معقَّداً. هل فَهِمْت، واستوعبتَ، وتَمَثَّلْت، نظرية ما، أو فكرة ما؟ آينشتاين يجيب عنكَ (خير إجابة) قائلاً: "إذا لم تستطعْ شرح فكرتكَ لطفلٍ عمره 6 سنوات، فأنتَ نفسكَ لم تفهمها بعد". نحن اعتدنا أنْ نَفْهَم "الخيال" على أنَّه ضديد "الحقيقة"، و"المعرفة (مع المنطق)" على أنَّها صنو "الحقيقة"؛ لكنَّ آينشتاين، والذي أنعم الله عليه بـ "عبقرية الخيال"، دعانا إلى الأخذ بطريقة جديدة في التفكير، توصُّلاً إلى "الحقيقة"، إذ قال إنَّ "الخيال" أهم من "المعرفة"، وإذ قال أيضاً إنَّ "المنطق" يُوْصِلكَ، إذا ما سِرْت في دربه، من "الألِف" إلى "الياء"؛ لكنَّ "الخيال" هو العربة التي تُوْصِلكَ إلى أيِّ مكان. لكنَّنا ما أنْ نتوصَّل بـ "الخيال" إلى "نظرية ما" حتى يتأكَّد لنا أنَّ هذه "النَّظرية" لن تتآخى مع "الحقيقة" إلاَّ إذا أتى "الواقع (الموضوعي)" بما يؤيِّدها؛ فلا مهرب لنا من "المنطق (المنطقي)"، الذي يُلْزِمنا أنْ نفهم "الحقيقة" على أنَّها "كل فكرة تُوافِق (تُطابق) الواقع (الموضوعي)"؛ فليس من ميزان نزن به "الحقيقة" في كل "فكرة"، ولا من مقياس نقيسها به، إلاَّ "الواقع الموضوعي (الممارَسة، والتجربة العملية الواقعية)". ويعود آينشتاين، الذي طالما تَنَقَّل بين "المثالية" و"المادية"، بين "الذاتية" و"الموضوعية"، إلى وَضْع إحدى قدميه في "المثالية"، فيقول إنَّ كل علومنا التي نقيسها بالواقع بدائية وطفولية (فبما نقيسها حتى ترتقي وتنضج؟!). ثمَّ يُخْرِج آينشتاين قدمه من "المثالية"، ليقول، في فَهْم "الحقيقة"، إنَّ "القوانين (أو المفاهيم، والأفكار، والنَّظريات)" كلَّما قارَبَت، أو لامست، "الواقع" اهتزَّت وتزعزعت، وكلَّما ثَبَتَت ورسخت (بتحليقها بعيداً عنه) فقدت واقعيتها؛ فالفكر "سكوني"؛ أمَّا الواقع فـ "دينامي"؛ والفكر، مهما ارتفع منسوب الحقيقة الموضوعية فيه، يظلُّ "رمادياً"؛ أمَّا الواقع فهو "الأخضر" أبداً. وهذا إنَّما يعني أنَّ "النَّظرية"، ومهما ارتفع فيها منسوب الواقعية والحقيقة، تشبه صورة (شمسية) تلتقطها لجسمٍ في حالة حركة، ويتغيَّر في استمرار، فيتَّسِع، ويَعْظُم، مع مرور الوقت، "الفَرْق" بينها وبين "الأصل". وبعدما يُثَبِّت قدمه في "المادية"، يَقْفِز آينشتاين قفزته الكبرى في فَهْم "الحقيقة"، فيقول إنَّ "الحقيقة" هي ما يَثْبُت أمام امتحان التجربة؛ فلا مقياس نقيس به "الحقيقة"، في الأفكار والنَّظريات، إلاَّ "الممارَسة"، أو "التجربة العملية"؛ فكل ما يُوافِق منها "الواقع الموضوعي" لا بدَّ له من أنْ ينتمي إلى "عالَم الحقائق". هذا هو بعضٌ من تجربة آينشتاين في فَهْم "الحقيقة"؛ أمَّا الدكتاتور العربي فَيَفْهَم "الحقيقة"، ويُعرِّفها؛ ويَدْعونا إلى فَهْمها، وتعريفها، على أنَّها "ما يُفكِّر فيه الآن"؛ فلا وجود لـ "الحقيقة" في خارج رأسه الصغيرة؛ وإيَّاكَ أنْ تجادله قائلاً إنَّ دمشق هي عاصمة سورية، إذا ما اعتبرها مدينة إيرانية!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اللاجئون السوريون.. مأساة -مهاجرين بلا أنصار-!
-
جوابي عن سؤال -مَنْ هو اليهودي؟-
-
-جريدة- لم تَرَ النور بَعْد!
-
ما معنى تلك الاتفاقية التاريخية؟
-
و-الودائع- إذا -تبخَّرت- في -جزيرة الشمس-!
-
تذكير جديد بالمخاطِر النووية
-
الزعماء العرب قرَّروا -عدم تسليح- المعارَضَة السورية!
-
حقيقة -النقود-
-
في الجغرافيا السياسية للصراع السوري
-
لقد -تكلَّم- أوباما.. فهل رأيتموه؟!
-
الأهمية الديمقراطية لتجربة -النَّشْر الإلكتروني-
-
السَّرِقَة
-
أوباما إذْ جاء سائحاً!
-
بشَّار مجاهِداً!
-
نظرية -فائض القيمة- تُجيبكم الآن..!
-
دَحْضَاً لحُجَج مُنْكري فَضْل ماركس!
-
لهذه الأسباب ما زال ماركس حيَّاً وعلى صواب!
-
أربع سنوات ونَلِد -حكومة برلمانية-!
-
متى تتفتَّح -زهرة الآخر- في -الربيع العربي-؟!
-
شيءٌ من -الديمقراطية التوافقية- يُنْقِذ ثورة مصر!
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|